نُسِب للإمام الحسين(عليه السلام) أنه قال يوم عاشوراء: ((هل من ناصر ينصرني؟!))، وهي جملة شهيرة نطق بها الإمام(عليه السلام) في آخر لحظات حياته من يوم عاشوراء، إلا أنها لم تأتي بصورتها أعلاه في الكتب التاريخية، ولكنها أتت بمضمونها أو بجمل تعبيرية تشبهها في المصادر الخاصة بواقعة الطف(1).
وهي كلمة تستحق التأمل والتفكير، فهل فكرت يوماً لماذا قال الامام الحسين(عليه السلام) هذه العبارة، فهو يعلم أن من على وجه الأرض الذين وقفوا لحربه والذين لم ينصروه بالوقوف معه، هم أعداءه وليسوا أنصاره، فإذا كان الحال كذلك، فهل يجدي نفعاً قولها، خصوصاً أنها صدرت من الإمام المعصوم الحكيم العالم المطلع على ما في النفوس والضمائر، إذاً لابد من حكمة لإطلاق هذا القول وغايته.
ولرب سائل يسأل: ما هي الحكمة من إطلاق هذا القول وغايته، فما هي النصرة التي يريدها الإمام الحسين(عليه السلام) خصوصاً في هذا الزمن الذي نحن فيه؟ هل هي الخروج والقتال معه، أم المشي لزيارته، أم مواساة لعائلته المسبية بالجوع والعطش، أم هو إقامة العزاء والبكاء على مصابه؟
الجواب: نعم كل ذلك من مصاديق النصرة أكيداً ونحن مأجورون على أدائه، ولكن هذه نصرة جزئية وليست كليه، والامام الحسين يوم أطلق هذه العبارة أراد ما هو أبعد من ذلك، وهو النصرة بالوقوف إلى جانبه وتكثير عدد أنصاره بمنع العدو من قتاله، وعدوه هو عدو الله تبارك وتعالى، إذ لا يمتنع القوم من قتاله إلا إذا أذعنوا لأمر الله تبارك وتعالى ونهيه، فنصرة الامام الحسين(عليه السلام) وتكثير انصاره، هي: هي طاعة الله تعالى التي تمنع من قتاله وأسر عياله وتسييرهم سبايا إلى الكوفة ثم إلى الشام.
وبعبارة أخرى إعانة الإمام الحسين(عليه السلام) بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتمكين قوله تعالى:
{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}(2).
والنهي عن المنكر والأمر بالمعروف يحتاج إلى مصداقية كبيرة من الفرد الناهي عن المنكر والآمر بالمعروف، وتمام هذه المصداقية بأن يبدأ من نفسه يأمرها وينهاها، يقول الشاعر:
لا تنه عن خلق وتأتي بمثله *** عار عليك إن فعلت عظيم
فأمر نفسك بتباع ما يأمر الله وانتهي عما نها عنه، وإلا يتحول ما ترغب فيه إلى هوى تعبده بدلاً عن الله سبحانه وتعالى، ولا تكن كالذين حكى الله تبارك وتعالى عنهم بقوله: {وَإِذَا رَأَوكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا * إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَن ءَالِهَتِنَا لَولَا أَن صَبَرنَا عَلَيهَا وَسَوفَ يَعلَمُونَ حِينَ يَرَونَ العَذَابَ مَن أَضَلُّ سَبِيلًا * أَرَءَيتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيهِ وَكِيلًا}(3)، فالأمر مرهون بإرادتك على الالتزام والائتمار أو الانتهاء، فمجرد سماع قول الله(عزّ وجلّ) يقوي جبهة الحق، وهي جبهة الإمام الحسين(عليه السلام) ويفُعّل ندائه واستغاثته، وذلك لا يمكن أن يتحقق إلا ذاب الإنسان في الله تعالى ذِكره.
ونعني بالذوبان في الله، هو أن لا ترى لنفسك شخصية وشأن في قبال الله تعالى، فتظم فكرك كما أراد الله تبارك وتعالى، وتفكر كما أراد الله تبارك وتعالى، وتعمل كما يريد الله تعالى، ونموذجنا في ذلك إمامنا الحسين(عليه السلام)، ومعيارنا في ذلك قوله عند قبر نبيه الأكرم(صلى الله عليه وآله): ((اللهم هذا قبر نبيك محمد، وأنا ابن بنت نبيك، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت، اللهم إني أحب المعروف، وأنكر المنكر، وأنا أسألك يا ذا الجلال والاكرام بحق القبر ومن فيه إلا اخترت لي ما هو لك رضى، ولرسولك رضى)) (4).
ومفتاح ذلك قوله تعالى: {... قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(5).
والخلاصة:
فإن النصرة التي طلبها الامام الحسين في قوله(عليه السلام)، هي الذوبان في الله تبارك وتعالى وتنفيذ أوامره والامتناع عن ارتكاب نواهيه، كما ذاب هو(عليه السلام) في الله(عزّ وجلّ) ونفذ أوامره وامتنع عن ارتكاب نواهيه، هو وعياله ونسائه وأنصاره وأنت أيها القارئ الكريم منهم أنشاء الله تعالى إذا عملت بما عمل به(عليه السلام) وهو تطبيق القرآن الكريم.
الهوامش:-----
(1) اللهوف على قتلى الطفوف، السیّد ابن طاووس، ص: 116؛ مثیر الأحزان، ابن نما الحلي، ص: 70.
(2) آل عمران: 104.
(3) سورة الفرقان: 41-43.
(4) بحار الأنوار، محمد باقر المجلسي، ج44، 328
(5) سورة النور: 30-31.
اترك تعليق