أدب التصدق وآثاره المعنوية في النشأتين

تعتبر الصدقة احدى الوسائل والطرق التي يكون الاعتماد عليها في التكافل الاجتماعي فالصدقة لغةً: تعني من الأصل صَدَقَ وهي تدل على القوة في الشي قولاً أو غيره، ومن ذلك أخذ الصدق لقوته في نفسه ومن الصدق أخذت الصدقة(1)

وأما اصطلاحاً فقد ذكروا أنها العطية التي يراد منها المثوبة من الله عز وجل.

   

   فالصدقة عنوان ينصرف الى الأموال التي يراد بها وجه الله عز وجل وتنفق في سبيله وبمعادلة صحيحة ان كسب الأموال من الحلال كذلك يكون الأنفاق في الوجه الصحيح ومن الطرق الصحيحة للأنفاق هو التصدق بالأموال بما يرضي الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون(2). والصدقة فيها أقسام فقد تكون واجبة وأخرى تكون مستحبة. 

هناك مصاديق عديدة تندرج ضمن العنوان العام للصدقة:

1- عنوان النهي عن المنكر كما في رواية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): "ونهيك عن المنكر صدقة" (3) .

2- إماطة الأذى عن الطريق كما في الرواية عن النبي (صلى الله عليه وآله): "إماطتك الأذى عن الطريق صدقة"(4) .

3- للشفاء من الأمراض: عن أبي جعفر عن أبائه (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "داووا مرضاكم بالصدقة(5).

4- للمساعدة في الإرشاد الى الطريق كما ي حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): "وإرشادك الرجل الى الطريق صدقة"(6).

5- كذلك الإصلاح بين الناس كما في حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله): "صدقة يحبها الله إصلاح بين الناس إذا تفاسدوا، وتقريب بينهم إذا تباعدوا"(7).

6- تقديم النصيحة للمؤمن: قوله (صلى الله عليه وآله): "تصدقوا على اخيكم بعلم يرشده ورأي يسدده"(8).

7- تقديم الكلام الطيب للناس يصنع المعجزات ويقلب الموازين فهو صدقة كما في قول الرسول (صلى الله عليه وآله): "الكلمة الطيبة صدقة"(9).

 8 كذلك للسان صدقة كما في قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أفضل الصدقة صدقة اللسان تحقن به الدماء، وتدفع به الكريهة، وتجر المنفعة إلى أخيك المسلم"([10]) فهذهِ جملة من المصاديق التي تنطبق على الصدقة.

   ويكفي الصدقة فضلاً واهتماماً من قبل الخالق عز وجل: هذه الرواية المروية عن الإمام الباقر عليه السلام: قال الله تبارك وتعالى: أنا خالق كل شيء وكلتُ بالأشياء غيري إلا الصدقة، فإني أقبضها بيدي حتى أن الرجل أو المرأة يتصدق بشقة التمرة، فأربيها كما يربى الرجل منكم فصيله وفلوّه، حتى أتركه يوم القيامة أعظم من أحد (11).

   فهذه الرواية تدل على مدى العناية التي يوليها الله جل وعز للصدقة وهذا يدل على أهميتها لما يترتب عليها من أثار للمجتمع على الصعيد الدنيوي كذلك لها آثار آخروية فأما ما يترتب عليها في دار الدنيا:

فعن الصادق عليه السلام: من تصدق بصدقة إذا أصبح دفع الله عنه نحس ذلك اليوم(12). فالصدقة تعتبر وسيلة حماية للفرد من شر طوارق الزمان وهو مفتاح للحماية في الدنيا. كذلك الصدقة تعتبر مفتاح من مفاتيح الرزق فهي مجلبة للرزق فعن أمير المؤمنين عليه السلام: "استنزلوا الرزق بالصدقة(13).

روي عن الأمام الصادق عليه السلام: "الصدقة تقضي الدين وتخلف البركة"(14).

كذلك روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "أن الصدقة تزيد صاحبها كثرة، فتصدقوا يرحمكم الله"(15).

كذلك روي عن الصادق عليه السلام: "ما أحسن عبد الصدقة في الدنيا إلا أحسن الله الخلافة على وله من بعده(16).

الى غيرها من الروايات.

وأما في الآخرة:

فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اتقوا النار ولو بشق ثمرة فإن الله يربيها لصاحبها كما يربي احدكم فلوه او فصله حتى يوفيه إياها يوم القيامة حتى يكون أعظم من الجبل العظيم "(17)

كذلك عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قوله: "أرض القيامة نار ما خلا ظل المؤمن فإن صدقته تظله" (18)

وعن أمير المؤمنين عليه السلام: "الصدقة جنة من النار "(19).

وروي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام): "من تصدق في رجب إبتغاء وجه الله أكرمه الله يوم القيامة في الجنة من الثواب ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر"(20).

الى غير ذلك من الروايات.

ومن هنا يتبين لنا عظمة الصدقة في النشأتين فهي لها آثار في الدنيا تغدق على المتصدق وكذلك لها امتداد آخروي للمتصدق يمنح الثواب في تلك الدار التي يكون احوج فيها الى رعاية واهتمام في ذلك الموقف في عرصات يوم القيامة.

وللصدقة آداب ينبغي للمتصدق أن يتحلى بها:

1- فليبدأ المتصدق بإخراجها من حل ماله.

2- احترام الفقير وعدم توهينه واحراجه.

3- ان يسمعه الكلام الحسن سواء عند إعطائه او عدم إعطائه.

4- الصدقة تبدأ بالأقارب ثم بالجار ومن ثم غيرهم.

5- التستر بالصدقة ما أمكن.

وفق الله المتصدقين لنيل المثوبات والدرجات العالية.

الهوامش:----

([1]) معجم مقاييس اللغة لأبن فارس الجزء 3 صفحة 339.

([2]) سورة آل عمران الآية 92.

([3]) البحار الجزء 72 صفحة 50 باب 41 حديث 4 طبعة بيروت.

([4]) البحار الجزء 72 صفحة 50 باب 41 حديث 4.

([5]) طب الأئمة: 123.

([6]) بحار الأنوار للمجلسي الجزء 72 الصفحة 50.

([7]) البحار الجزء 73 الصفحة 44 باب 101 الحديث 4 طبعة بيروت.

([8]) تنبيه الخواطر صفحة 316.

([9]) بحار الأنوار الجزء 8 صفحة 369 باب 30 الحديث 30 طبعة بيروت.

([10]) البحار الجزء 72 صفحة 373 باب 82 الحديث 24 طبعة بيروت.

([11]) بحار الأنوار الجزء 93 صفحة 127.

([12]) بحار الأنوار الجزء 93 صفحة 126.

([13]) بحار الأنوار الجزء 93 صفحة 132.

([14]) الكافي للشيخ الكليني ج 4 الصفحة 9.

([15]) أمالي الشيخ الطوسي 14/18.

([16]) بحار الأنوار الجزء 93 صفحة 135.

([17]) بحار الأنوار الجزء 96 صفحة 122.

([18]) الشيخ الصدوق كتاب من لا يحضره الفقيه الجزء الثاني صفحة 66.

([19]) الشيخ الحر العاملي وسائل الشيعة الجزء السادس صفحة 258.

([20]) الشيخ الصدوق كتاب من لا يحضره الفقيه الجزء الثاني صفحة 66. 

: الشيخ علي يوسف الخالدي