وَجَد الفن مساحة واسعة للظهور في دور العبادة الإسلامية ولاسيما في المساجد والاضرحة الدينية المقدسة ، وذلك من خلال النتاجات الإبداعيةالفنية المعمارية التي ما لبثت ان زُينت بأنواع مختلفة من الوحدات الزخرفية المتنوعة التي اصبحت من أهم المكملات الجمالية في العمائر الاسلامية ..
تعد الروضة الحسينية المقدسة في كربلاء إنموذجاً متكاملا للفنون الاسلامية المختلفة ، فهي من أضخم العتبات المقدسة في العراق من حيث مساحتها الواسعة وما تحتويه من تحف ونفائس معمارية وزخرفية لاتقدر بثمن ، فتتجلى بين اروقتها الواسعة وسقوفها واعمدتها الشامخة روعة الفن ألمعماري العربي الإسلامي ، اذ لايخلو جزء من اجزائها من الزخارف الفنية البديعة التي تتسم بالهيبة والدقة والجمال.
المصورة اعلاه تمثل ( باب الشهداء ) وهي احد المداخل الرئيسية لحرم ابي عبد الله الحسين ( عليه السلام ) و الذي يعد من التحف الفنية الاسلامية المعمارية المزخرفة بحرفية عالية بمقرنصاتها المتراكبة وحنيتها المحتضنة للباب الخشبي ونقوشها المميزة بألوانها وتنوعها الشكلي .
قُسمت مساحة هذا السطح المعماري الزخرفي على شكل اشبه بشبكة الصيد ، وذلك من خلال انتشار الاشكال الزخرفية الاساسية بصورة عمودية وأُفقية لتشغل مساحة التصميم بكامله لتتكرر مكونة وحدة زخرفية هندسية متكاملة نظمت وفق تقسيم شعاعي منبثق من مركز التقاء جانبي العقد المدبب في الاعلى ومؤطر كما يراه المشاهد بشريطين مميزين باللون الاصفر المشغول ببقع سوداء يتوسطهما تكوين زخرفي من اشكال زهرية متراصفة وبالوان مختلفة مع فضاءها الذيتشغله .
اعتمد التصميم على اتجاهين زخرفيين نباتي وهندسي إنبثقت منهما زخارف نباتية كأسية بمفردات أُحادية الفلق تارة وأُخرى ثنائية مصمتة لونيا عند الغصن ومزدوجة الخطوط عند المفردات ، وقد شُغل فضاؤها بمفردات زخرفية اخرى ، فضلاً عن توظيف العقد الرابطة التي شكلت نقطة التقاء الاغصان الكاسية .
أما الزخارف الزهرية ومفرداتها فبسيطة الشكل جميلة الهيأة حيث جاءت على اشكال ثلاثية الفصوص واخرى خماسية وازهارها ثلاثية ذات فصوص مركبة على عنصر كأسي ثلاثي الفلق إضافة الى الاوراق النباتية السعفية المسننة الحواف والاخرى المفردة الملساء المدمجة مع الغصن ، وقد نظمت اغصانها الكأسية وفق حركة حلزونية في بعض اجزائها والاغصان الزهرية وفق الحركة الدورانية المعكوسة ليخرج منها تفرعات بسيطة بإمتداد حلزوني ايضاً.
أما الاطار الزخرفي المحيط بالعقد بشكل عام فقد اتى به الفنان على شكل مفردات نباتية واخرى زهرية تمثلت بمفردة خماسية الاوراق وعنصر كاسي ثلاثي الفلق مزدوج الخطوط نضمت بطريقة التكرار المتناوب وعلى امتداد الاطار الزخرفي وفق الحركة الدورانية المعكوسة الآنفة الذكر.
ولو تطرقنا للتكرار في الوحدة الزخرفية الاساسية المكونة لهذا المنجز الفني المعماري الرائع لوجدنا انه أسهم في إحداث شكل اشبة بالقلب الزخرفي الهندسي يتميز بخطوطه المتقاطعة بهيأة تشبه الضفائر الهندسية ، تنبثق منها عناصر كأسية ثلاثية الفلق شكلت نقطة انطلاق للاغصان المتفرعة داخل الشكل تارة ونقطة لألتقاءها تارة اخرى ، كما وقد شمل هذا التصميم المعماري الزخرفي عدة تكرارات متنوعة منها تكرار منتظم للزخارف الكاسية والزهرية في الوحدة الاساسية المتكررة ضمن مساحة التصميم وما تشمله من مفردات كأسية وزهرية وتكرارها بشكل متكافئ داخل التصميم ككل _ جانبي العقد المدبب المحيط بالباب _ وتكرار متناوب في تقسيم الزخارف النباتية والهندسية فضلا عن التكرار المتناوب للمفردات الموظفة داخل مساحة الاطار، وقد ساعدت هذه التكرارات على زيادة فاعلية التصميم مع الشكل المعماري مما حقق وحدة عمل فني مترابط ومنسجم ومتكافئ في اشغال الحيز المكاني المناسب ضمن مساحته العامة.
ومما تجدر الاشارة اليه اننا نرى في هذا التصميم المغايرة اللونية للفضاء الاساسي (القاشاني الازرق) مع لون الاغصان الكاسية البيضاء ، فضلا عن اللون الشذري المتقارب مع لون الفضاء الاساسي الذي تخلل الشكل الهندسي (القلب الزخرفي) المتكون ضمن عملية التكرار للوحدة الاساسية واللون الاصفر المتدرج للمفردات الزهرية وبعض الاحمر في مواطن اخرى من العقد الرابطة بين الاشكال والاخضر الفاتح للاغصان الزهرية واوراقها السعفية البسيطة إضافة الى المغايرة اللونية بين الفضاء ومفرداته ذات اللونين الازرق والشذري المتقاربين .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق