ابواب للرحمة .. ترحابها " ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ "

السَّلامُ عَلَيْكَ يامُحَمَّدُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا اَحْمَدُ اَلسَّلامُ عَلَيْكَ يا حُجَّةَ اللهِ عَلَى الاَوَّلينَ وَالاْخَرينَ وَالسّابِقُ اِلى طاعَةِ رَبِّ الْعالَمينَ، وَالْمُهَيْمِنُ عَلى رُسُلِهِ، وَالْخاتَمُ لاَنْبِيائِهِ، وَالشّاهِدُ عَلى خَلْقِهِ، وَالشَّفِيعُ اِلَيْهِ، وَالْمَكينُ لَدَيْهِ، وَالْمُطاعُ في مَلَكُوتِهِ .. السلام عليك يا نبي الرحمة ، صَلَّى اللهُ عَلَيْكَ وَعَلى اَهْلِ بَيْتِكَ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ كَما اَنْتُمْ اَهْلُهُ ورحمة الله وبركاته ...

وجد صانعوا الفن الاسلامي ومحبوه في بيوت الله خير مكان يبدعون فيه ويظهرون فنهم وعبقريتهم فانصب ذلك كله فيه ، رغبة منهم للتقرب الى الله سبحانه والارتقاء بفنهم الى درجة لم يسبق إليها في سلم الفن والجمال ، فبعد ان شيد النموذج الاول لفن عمارة المساجد الاسلامية على يد رسولنا الاعظم محمد صلى الله عليه واله في المدينة المنورة بما يتلاءم وروح الاسلام التي امتازت بالبساطة والزهد ، عمد الكثير من الفنانين الى تطوير عمارة المسجد النبوي وإخراجها من هيئتها المبسطة الى اخرى تميزت بجماليتها الاخاذة بما يتوافق وروح العصر ، وبالخصوص بتوسع الرقعة الجغرافية لإمبراطورية الاسلام في ارجاء المعمورة وامتزاج ثقافتنا العربية بثقافات الامم الاخرى وانعكاسها في مجالات متعددة ومنها فنون العمارة الاسلامية بقبابها واعمدتها الرخامية المميزة واقواسها ومداخلها ونقوش ابوابها وسقوفها وغيرها من ابداعات الفنان المسلم التي لعبت دوراً هاماً في تكوين العمائر الاسلامية .

 المشهد اعلاه يمثل احدى المداخل الرئيسية للمسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة والمميز كعنصر معماري زخرفي بالغ الأهمية في عمارة الابنية الاسلامية بشكل عام , والتي غالباً ما اتت مرتفعة الأطر والعقود والحنايا حتى بلغت علو جدران واجهات الابنية او حتى جاوزتها ،

فكما هو معروف ان المداخل في العمائر الاسلامية تميزت بشكل فريد , حيث تكون قمة المدخل عادة بهيئة ربع كروية ومحمولة على اعمدة جانبية من الرخام او الطابوق الاحمر, وتحوي ايضا بين ثناياها أبواب المصنوعة من الخشب  الُمطعم بالنحاس والفضة اوالذهب أحيانا ، فضلاً عن توظيف بعض العناصر المعمارية في عمل زخارفها كالأقواس الملونة والحليات الحجرية الجصية او الزجاجية , مما جعلها من العناصر المعمارية البارزة في العمائر الاسلامية.

المصورة توضح مجموعة من الابواب المتجاورة والمتماثلة من حيث الشكل العام ومن حيث التفاصيل الزخرفية  المنفذة على اجزاءها ، إذ يلاحظ المتأمل لها ان كل باب من تلك الابواب أخذت بعداً زخرفياً طوليا ، وقد احيطت كل منها من الأعلى بكيان زخرفي مقوس أخذ شكل القبة محاط من الخارج بعقد محمول على زوج من الأعمدة الرخامية البيضاء تعلوها تيجان ذهبية الطلاء ، ولو ركزنا انظارنا الى أعلى تلك العقود لوجدنا طلعة معمارية مؤلفة من شريط زخرفي أخضر ذا تنظيم خطي مميز.

صممت كل من هذه الابواب وفق نظام محوري متماثل واحيطت كل منها باطار خشبي بني غامق اللون ، وكل باب منها يتألف من جزئين مختلفي المساحة  ، جزء علوي ذي مساحة صغيرة مستطيلة تحوي صفاً من الوحدات الهندسية الشبيهة بالعقود المحمولة على أعمدة ، وجزء أسفل منه يحتل مساحة الباب المتبقية وهو محاط بإطار ذهبي أصم والى داخله إطار ذهبي آخر مزخرف بخطوط ملتفة ، والى الأعلى  من هذا الجزء يلاحظ وجود لشريط زخرفي ذهبي مستطيل الشكل كُتب على جانبيه لفظ الجلالة  " الله " ، فيما شُغل الجزء الوسطي منه بزخارف هندسية معينية متداخلة ومتراكبة . والى الأسفل من هذا الجزء يلاحظ وجود لبناء زخرفي هندسي ، صُمّم وفقاً لتنظيم شبكي معيني تكررت الوحدة المعينية فيه بصورة منتظمة وقد برزت كوحدة تصميميه فاعلة تشكلّت من مادة الخشب المتراكب والمكون من قطع خشبية مستطيلة داخل المعين الواحد والتي طُعّمت بمعين ذهبي اصغر منه يحتل المركز يحوي في داخلهِ على شكل كروي مركزي.

لو امعنا النظر في التنظيم المعيني المنتشر على مساحة الباب ، لوجدنا انه أخذ لوناً بنيا غامقاً جدا ليتناغم مع الخطوط الذهبية التي أحيطت بأجزائه المعينية وكذلك مع التوزيع الهندسي لتلك المفردات وعلاقتها بالشكل الزخرفي الدائري المذهب الموجود في منتصف المساحة والذي اخذ صفة التماثل في كلا مصراعي الباب, والذي يتكون من جزء دائري مركزي نُقشت عليه عبارة " محمد رسول الله " , يحيط به شريط زخرفي مصمم وفقاً للتنظيم المركزي الدائري والذي يتألف من مجموعة من الأغصان المكررة والمُحّملة بأنصاف أوراق كأسية تنتج عن حركتها أشكال زخرفية متنوعة ، ومن الملاحظ ايضا ان الدائرة في الوسط  قد أُحاطها الفنان المزخرف من الخارج بعناصر كاسية واخرى ورقية تكررت بشكل دائري ايضا لخلق توازن في شكل الدائرة وما يحيطها من اشكال زخرفية .

ومن الجدير بالذكر ان الفنان المنفذ لهذه التحفة المعمارية الزخرفية الرائعة  قد حدد هذا الجزء الزخرفي " المعيني والدائري " بشريطين افقيين ذهبيين ومنقطين بوجود مسامير وزّعت بطريقة زخرفية هندسية تكرارية أحدهما يقبع أعلى  وهو الأصغر مساحة والأكثر زخرفة والآخر أسفل الباب مقتربا من الارضية والذي يحتل مساحة أكبر من الأول تقترب من الضعف ، لنلمس في الاخير ان الطبيعة التماثلية الموجودة في هذه الأبواب وتشكيلاتها الزخرفية  تُدلل على سمة التصميم ذي النظام المحوري المتماثل والمتقابل فضلا عن التكرار والتي تمثل بمجملها جزأ من السمات المهمة الواجب توافرها في فني العمارة والزخرفة الاسلامية بشكل عام .

 

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة