البراق.. لوحة اخرى من سلسلة إبداعات التشكيل العراقي الحديث للفنان التشكيلي والناقد العراقي الراحل نوري الراوي.. وظف فيها الفنان الرموز الاسلامية ليعبر عن دلالاتها الدينية والاجتماعية المتمثلة بالقباب والمآذن والأبواب المقوسة وغيرها من الرموز الاسلامية المحمّلة بحقائق ذات معانٍ إنسانية وروحية، يفصح عنها صراحة شكل الرمز المتعارف عليه في تلك المجتمعات ليكون وسيلة اتصال بين الناس ، ولاشك ان الفنان قد أدرك نواحيها الجمالية بمنظاره الفني فاستخدمها كأداة جذب ومحط اهتمام بصري وفكري .
جاءت اللوحة بصيغتها الحالية متمثلة بكتلة من القباب والأبنية المجردة ، لمدينة شامخة في مخيلة الراوي ، وقد رصفت على شكل أبنية مكدسة الواحدة فوق الأخرى وعلى شكل هرم لوني .
صيغت وحدات الأبنية القائمة في فضاء اللوحة على شكل مسطحات لونية ، تتخللها فتحات تعود بذاكرة المتلقي إلى الأبواب والشبابيك.. تعلوها شبابيك وأبواب وقباب تتشابك مع الفضاء ..
هي عمارة من نوع خاص رسمت بأسلوب التباين بين الظل والضوء على يد الراوي وهو من حدد استراتيجية الوانها من ظلها البنفسجي حتى ضوئها المائل إلى الصفرة ، وهما لونان لا يحيل أي منهما إلى الواقع ، بل تعدى ذلك لتكون مدينة مكتظة بالحلم والضباب بفضائها المنظوري المتقابل مع فضاء اللوحة في اللون والشكل والماهية.
يحيل مثل هذا البناء الهندسي إلى شكل المدينة ومرجعيات تكونها... ومن ثم خلق مناخاتها اللونية ، ففي العمل مدينتان الأولى تقع أمام العمل والثانية "مدينة الأفق" البعيدة، المتشحة بالضوء البرتقالي المصفر.
إن الإحالة إلى الواقع تمر عبر نقل بعض من الحقائق الواقعية الى المشاهد ، فالإسقاط البصري على مقدمة اللوحة يعني الوضوح بشكل عام ، في حين تلتهم الشمس أطراف المدن وآفاقها وقت الغروب ، فالعمل يحاكي الواقع لكن يبتعد عنه في الصياغة التشكيلية ، فنكون أمام واقع حقيقي وآخر وهمي في نفس الوقت .
يعزز الواقع الثاني خلفية اللوحة وجود شكل البراق في أعلى اللوحة وهو شكل المرأة بجسد حصان مجنح.. وقد رسمت باللون الأبيض، وهذا الشكل جزء من المدينة "الحلم" بوجه حالم متوج وهو يحدد دلالة إيحائية عميقة بغية بعث مفاهيم واقعية شائعة عند اغلب المجتمعات المدينة مثل المرأة ام حنون تحتضن ابناءها وتسهر على راحتهم .
لقد تحددت بعض الملامح التشكيلية على وفق ما ذكرنا في محاولة بناء معمار جديد للمدينة، مصطبغ بهوية لونية تنتمي إلى أفق من الصياغات التي يمارسها الرسام ، الظل والضوء، والكتل والأحجام والتوزيع ، وهي لغة تبدو واضحة لإيضاح البعد الثالث.
أما استعارياً فإننا أمام عمل محمول على وحدات بيئية - البراق، القباب، الباب، والشباك والشمس- وجميع هذه الوحدات هي في الواقع تحدد الملامح الأساسية لأية مدينة، لكنها في هذا العمل تخصص بيئة عراقية أو هكذا كان عنوانها مدينة راوة مسقط رأس مبدع اللوحة .
وهكذا فإننا أمام مدينة تشكيلية ومدينة تختبئ وراءها ، هي المدينة الواقعية حيث تم المزج بين الملامح لإظهار هجين جديد وهو ما يمكن تسميته بأسلوب الصياغة التشكيلية القادر على إعادة إنتاج الواقع من دون إقصاء فكرته وملامحه .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق