انعكاسات الشيعة الامامية على المستشرقين

سعى الكثير من المستشرقين الوافدين من اوربا الى الشرق لدعم الصورة التشويهية للواقع العربي الاسلامي التي اختزنها الغرب منذ الحروب الصليبية الاولى ، والتي تعكس الظاهرة العيانية للشخوص العربية بدءً من الزي والوجوه والاجساد التي تتسم بالحدة والخشونة لدى الرجال والجمال المثالي لدى النساء مقتربين من بعض سرديات الشرق المعروفة ورواياته كالف ليلة وليلة وغيرها من الروايات الخيالية العجائبية التي تصورالمراة الشرقية العربية بعيدا عن واقعها رغم تفاصيل الحشمة والحجاب والاردية الطويلة التي ترتديها ، وصولا الى هندسة العمارة وتصوير الاسواق الشعبية وغيرها .

 لكن ..التحولات التي طرأت على اراء وافكار بعض المستشرقين انتجت نقلة نوعية في طروحاتهم سواء كانت ادبية ام فنية  ويعود سبب ذلك الى منهج البحث الصحيح ونقل الحقائق كما هي الذي انتهجه بعض المستشرقين بعد اندماجهم وتعايشهم في المجتمعات الاسلامية واحتكاكهم مع علماء الدين من المسلمين (الشيعة منهم على وجه الخصوص) كما فعل المستشرق الفرنسي " هنري كوربان " الذي زار بعض دول الشرق كالعراق وايران وتعرف على بعض اعلام الشيعة امثال السيد الطباطبائي رحمة الله عليه ،  حيث بدأت قصته مع فكر أهل البيت عليهم السلام عندما طلب لقاء السيد الطباطبائي ( رحمة الله عليه ) والتي بلغت شهرته الآفاق ، بغية المناقشة والحوار القائم على تقبل وجهات النظر المنطقية بين الشرق والغرب ومن ثم الخروج بنتيجة مفيدة تلخص ما أراد كوربان طرحه والحصول على اجابات وافية عنه ، وبعد اطلاعه على مباديء الدين الاسلامي ومدى تاثيره على واقع الحياة اليومية والتزام المسلمين بتلك المبادي والعقائد اعلن اسلامه واقترابه من التشيع واصبح ممن كتبوا في الاسلام وفكر ال بيت النبوة صلوات الله عليهم اجمعين .

  ألف كوربان مجموعة من الكتب كان من اهمها واشهرها كتابه  " الامام الثاني عشر " وذلك أثرتلقيه دفقا روحيا على يد السيد الطباطبائي مما دفعه الى ان ينتج لنا مشاهد روحية وفلسفية للاسلام في الاطار الشيعي في ايران على وجه الخصوص كونه قد استقر فيها  ، وايضا لديه بعض المؤلفات الاخرى التي تناولت واقع الشيعة في وسط وجنوب العراق حيث تناول إعادة دمج الفكر التأملي في التقاليد الصوفية والنبوية ، واتخذ من مبدأ الإسناد  للسهروردي منهجا لطروحاته على الضد تماماً مع الخطابات الغربية التي استخدمت الحقائق التاريخية الوضعية جنبا إلى جنب مع الحساسية الفكرية التي اصبحت وسيلة لتمثيل العالم الاسلامي بابشع الصور.

  وعلى المستوى الفني  نجد ايضا الكثير من الفنانين الذين حاولوا نقل الحقائق الى شعوبهم بعيداً عن الغلو او التطرف كما فعل الفنان " باسكال كوست " حينما قدم أعمالاً استشراقية تصور واقع حال الاسلام وتطوره كما في لوحته التي تجسد مشهدا مقتطعا من الباحة الامامية لمرقد الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام والتي تمثل تطور فن العمارة الاسلامية في ايران ، رسمها عند زيارته لبلاد فارس عام 1841و يظهرفيها الساحة الرئيسية مع اثنين من الأواوين التي امتازت بها المشاهد المقدسة في ايران كمعلم هندسي بنائي حل محل المآذن وادى وضيفتها خلال العهد الصفوي ، وهو مثال مميز للهندسة المعمارية الإسلامية في إيران انذاك .

  ومن الجدير بالذكر ان هذه الفئة من المستشرقين حاولوا جاهدا نقل الصورة الواقعية للحضارة العربية الاسلامية حيث سعوا الى رسم وتصوير وتوثيق كل ماشاهدوه في المناطق التي مروا بها من مراقد الائمة الاطهار ومقامات ومراقد الانبياء والآثاروالاسواق وغيرها  كما حدث مع المستشرق الامريكي  ولـيـام بـيـري فـوغ و الذي نفذ مشاهداته الطباعية في العراق ومنها مشهد تخيلي لمدينة كربلاء المقدسة ومقام العزير في البصرة وبعض المشاهد التي مرت به في ترحاله  حيث يجسد ما يمر به اثناء تجواله بمطبوعات حفرية على الخشب كما هو حال باقي مستشرقي هذه الفئة .

سامر قحطان

المرفقات