صدر حديثاً عن شعبة الدراسات في قسم الشؤون الفكرية والثقافية \ العتبة الحسينية المقدسة كتاب بعنوان (الصناعة الأصولية وأثرها في علم التفسير عند الإمامية) لمؤلفه الشيخ الدكتور رائد الحيدري حفظه الله.
وقد ذكر المؤلف الكريم في مقدمة كتابه:
ان المتتبع لتاريخ المدرسة الأصولية الإمامية يستطيع أن يدرك وبوضوح أنها نجحت وبامتياز في ان تعالج مشاكل حقيقة لم تستطع المدارس الأخرى ان تجد لها حلولًا ناجعة مع ان أدلة الكتاب والسنة والأدلة الثانوية وفيرة المحتوى وسيعة الدلالة ولكن علوم هذه المدرسة المرتبطة بالنبي وآله الطاهرين عليهم السلام قطعت أشواطاً استطاعت ان تبلغ غاياتها في إرساء قواعد الدين قبل ان تصل اليها افكار المدارس الأخرى، فجعلت منها منارة في مجالات تخصصها حائزة قصب سبق التوفيق والريادة قبل غيرها، ثم التحمت هذه العلوم بمجملها وفي نسق واحد من أجل خدمتها لعلم الاصول إمدادا واستمدادًا، تأصيلا وتطبيقا لتحقيق ما فيه خدمة لكتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وآله).
أما مصطلح الصناعة الأصولية فهو بلحاظ الإضافة مصطلح مبتكر استعمله علماء الامامية فيما يتعلق بالجانب التطبيقي للقواعد الأصولية في عملية الاستنباط فتجد أنهم يطلقون عبارة (مقتضى الصناعة) ولكن من دون إضافة لفظ الأصولية بل يطلقون العبارة مجردة من كل إضافة وعلى الباحث أن يميز بين الاصولية منها او الفقهية وهذه معادلة يحكمها البحث العلمي المتحيث بحيثية فقهية او أصولية لتمييز المقصود وهذا الإطلاق أو الاستعمال صحيح إن كان بلحاظ التطبيق وإعمال الملكة؛ لأنّ لفظ الصناعة مقولة منطقية كما لا يخفى.
فإن كانت الصناعة تأصيليّة لقواعد أصوليّة فهي صناعة أصوليّة تأصيليّة وإن كانت في إعمال القواعد الأصولية ونحوها مما له دخل في عملية الاجتهاد ونتاجها لتحقيق مخرجات عملية الاستنباط من الأحكام الشرعية فهي صناعة أصوليّة استنباطيّة، فقيد التأصيليّة والاستنباطيّة يميّز نوع الصناعة، وهكذا في العلوم الأخرى، فإن كانت بلحاظ علم الفقه فهي صناعة فقهية، وبلحاظ علم النحو فهي صناعة نحوية، وهكذا في كل ما يمكن إعمال الملكة فيه وتفعيلها لتحقيق مخرجات ذلك العلم؛ لأنّ الصناعة عرفت بالملكة حسب علماء الميزان، فالصناعة مقولة منطقيّة حدها علماء المنطق والفلسفة وفق الميزان العلمي المتّبع في العلوم التي من شأنها التعريف وبيان حدود المصطلحات، وعلى ذلك الاعتبار يكون المعول علمياً للكشف عن المراد وهو ما يختاره البحث ويرتب عليه الأثر تحقيقا للمطلوب، وبيان أثر الصناعة الأصولية في علم التفسير عن طريق ذكر القواعد الأصولية التي لها أثر في ذلك والتي أسست خلال العصور المختلفة؛ بسبب الدواعي المتعددة والأغراض المختلفة لتلبية الحاجة التي خلفتها كثيرٌ من المسائل الفقهية المتجددة في كل عصر وزمان تارة وبسبب تقاطع الأفهام تارة أخرى، مما حدا بالصناعة الأصولية ان تتسع في معناها لتشمل عملية تأصيل القواعد الأصولية من الكتاب والسنة، كما تشمل القواعد الأصولية التي تدخل في عملية الاستنباط الفقهي وتفسير الكتاب المجيد مع قيد استعمال وإعمال الملكة العلمية او الفكرية في هذه العمليات المذكورة استجلاءً لأثرها في عملية التفسير وبيان الجانب التطبيقي في ذلك ولتعزيز روافد التفسير مع سعة دائرة القواعد التي تسهم في الكشف عن المراد الإلهي. والغرض من البحث والاستقصاء في هذا المصطلح هو تفعيل قواعد علم الأصول تفعيلاً يجعل من المادة الأصولية أكثر مرونة وقدرة على تأدية دورها في الفكر الإسلامي المعاصر، عن طريق المحافظة على الثوابت وتحرك العقل في إطار المتغيرات.
اترك تعليق