تعتبر زيارة الأربعين من أهم الشعائر العبادية المعاصرة حيث يجتمع فيها أكثر من 30 مليون زائر من جميع أنحاء العالم سنوياً، وبطريقة مذهلة لا يمكن تصورها بشكل طبيعي فأنها أكبر وأضخم مسيرة في تاريخ البشرية على مدى العصور والأزمان وتدار من قبل المؤمنين، وأتباع معسكر الهداية الإلهي عن طريق نصب المواكب والهيئات وتقديم كافة الخدمات التي ينكسر القلم ويعجز اللسان عن إحصائها.
فهذه الزيارة تعبر عن وجه مذهب أهل البيت عليهم السلام، وهي المسيرة الكبرى التي تعبر عن إعلان الولاء والمودة والمحبة والنصرة لمعسكر الهداية الإلهي وإعداد للمشروع المستقبلي الذي سيقوم بإمامة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.
فزيارة الأربعين قوة ناعمة كبيرة وضخمة تعبر عن الانتماء للإسلام، وتحيي الهوية الإسلامية في نفوس الملايين من الناس، بطريقة سلمية جاذبة ومعبرة عن حقيقة واقعية تنقل قيم الإسلام الأصيل.
وما نراه في الأربعين ليس تجربة بشرية وإنما سنة إلهية جرت في الإمام الحسين عليه السلام لأن يكون هو الطريق الذي يتصل به المؤمنون للسير وفق منهج معسكر الهداية وبه يحفظ الدين والعقيدة والعبادات وجميع القيم الإسلامية، وبهذا المشروع يتم إنهاء جميع المشاريع لأنها تربية لجميع أصناف البشر بمختلف قومياتهم واعمارهم ومستوياتهم فكل ينهل بطريقته الخاصة لأن يكون في ضمن مسيرة معسكر الهداية الإلهي.
قال الإمام الرضا عليه السلام: (قال علي بن الحسين عليه السلام: (كأني بالقصور قد شيدت حول قبر الحسين وكأني بالأسواق قد حفت قبره فلا تذهب الليالي والأيام حتى يسار اليه من الآفاق وذلك عند انقطاع ملك بني مروان).
وإن المخيمات التي يتم نصبها في الأربعين مضافاً لما تقدمه من البذل في الأموال في سبيل إحياء مظلومية الإمام الحسين عليه السلام، فأنها تعبر من وجهة أخرى عن القوة الميدانية لتواصل المرابطين من المنتظرين للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف، حيث يتم اجتماع هؤلاء والتواصل، وتبادل الحديث والتعاون فيما بينهم، وهذا بحد ذاته انتصار لمعسكر الهداية على معسكر الغواية الشيطاني الذي يعمل جاهداً على ضرب مشروع الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف.
فبهذه الطريقة من التواصل بين المؤمنين والزائرين في هذه المخيمات وأثناء المشي إلى الإمام الحسين عليه السلام يعد قوة ناعمة كبرى واجتماع مثمر نحو نشر معالم الإسلام المحمدي الأصيل.
كيف تمثل زيارة الاربعين قوة ناعمة؟
اولا: وحدة الشعوب وتذويب الهويات المتعددة
ان زيارة الأربعين توحد جميع الجنسيات العالمية فزوار الامام الحسين يأتون اليه من جميع الامصار كما في الرواية المتقدمة من دون تفرقة قومية او عرقية بل يجتمع الجميع تحت قبة الامام الحسين عليه السلام معلنيهم ولائهم للإسلام، فهذه الزيارة تؤسس لما يُعرف بـ "الأمّة الحسينية" العالمية، وهذا بحد ذاته قوة ناعمة كبرى جاذبة للإسلام المحمدي الاصيل؟
ثانيا: التعبئة الجماهيرية وتشكيل الوعي الجمعي
فان ملايين الزوار يتشاركون الهدف والشعار في الزيارة الاربعينية حيث يحملون جميعا مظلومية الامام الحسين وقيمه واهدافه ويعلنون وقوفهم بوجه الطغاة والظلمة ، وهذا التجمع يعمّق الهوية الدينية ويُعيد صياغة الأولويات الفردية والجماعية، فالأربعين مشروع تعبئة الهي الى الانتماء للدين والعقيدة السليمة في الامة وهذا بحد ذاته قوة ناعمة كبرى يعجز الكثير في انحاء العالم من تحقيق هكذا تعبئة عقائدية روحية .
ثالثا: البُعد الإعلامي والبصري
كل عام، تغزو مشاهد المشي والمواكب وصور الزائرين وسائل الإعلام العالمية وتشكل هذه الصور مادة دسمة لوسائل التواصل وللتأثير غير المباشر في الرأي العام، فان نقل المشاهد العقائدية والانسانية التي توجد في هذه الزيارة المباركة يعني ايصال قيم الاسلام الاصيل للعالم ، ورفع الشبهات التي دسها الغرب العلماني في حق المسلمين فطيلة هذه العقود والغرب يصور للعالم ارهابية الاسلام ويتهمون معتنقيه بالعنف والقسوة بينما تأتي زيارة الاربعين لترسم العالم الوجه الحقيقي للإسلام فيجدون به قوة العقيدة والصمود والثبات والولاء لله ولمشروعه والرأفة والتواضع والرحمة بين الناس والتآخي وابعد صور التفاني في سبيل خدة الاخرين كل هذه حقائق مغيبة عن العالم تكشفها الاربعين ويكشفها اعلام ومشاهد هذه الزيارة التي عجز عن تفسيرها مئات الباحثين والمحليين والمعنيين بالشأن الاعلامي ،وهذا يمثل اعظم قوة ناعمة في تاريخ البشرية .
رابعا: الاقتصاد الشعبي والخدمة المجانية
ان ملايين المواكب والبيوت التي تفتح أبوابها للزوار دون مقابل، وتقدم خدمات مجانية لأسابيع وايام وعلى طوال الوقت فهذه كلها عناصر جاذبة للعالم وتقدم صورة عن مجتمع يقوم على العطاء والتضحية والبذل والتعاون والتكافل وعدم الطبقية فالرئيس والحاكم والعامل والانسان العادي كلهم يتواجدون في ميدان الخدمة الحسينية من دون امتيازات بل الكل يتفاخر في هذا العطاء ويفتخر بان يكون خادما ، وهذا هو أقوى من كل الدعاية الرأسمالية الغربية القائمة على المصالح الشخصية والطبقية والتفرقة بين طبقات المجتمع ، فالاقتصاد الشعبي للأربعين قوة ناعمة مرعبة للعدو وتحقق نتائج كبيرة في جذب الآخرين .
خامسا: استحضار المظلومية والتذكير بظلم الطغاة
زيارة الأربعين تُجسد استمرارية المظلومية الحسينية، وتُدين كل طغاة العالم القديم والجديد، وتقف بوجههم وتعلن النصرة للمظلومين والمستضعفين، فالأربعين صوت المظلومية وادانة لجميع الطغاة والظلمة من الغرب والصهاينة، ووقفة استنكارية بوجه جميع الطغاة والقتلة فهي عبارة عن انتصار جماهيري لجبهة الحق وبراءة عملية من معسكر الغواية الشيطاني في كل زمان.
وهذه اعظم قوة ناعمة في زماننا حيث جعلت الاربعين بوصلة للأحرار في العالم للتميز بين معسكر الهداية وجبهة الغواية والضلال والافساد في الارض .
اترك تعليق