برهان التصميم الذكي للكون Fine-Tuning Argument

الكون الذي نعيش فيه يتميّز بخصائص دقيقة للغاية، تجعله صالحًا لظهور الحياة الذكية بل وجودها. إن هذه القيم والخصائص مضبوطة بطريقة تجعل أيّ انحراف طفيف عنها يؤدّي إلى انهيار البنية الكونية وعدم إمكانية نشوء الحياة.

هنا نعرض بعض الأدلّة العلمية من الفيزياء والكوزمولوجيا والكيمياء، ونحلّلها تحليلًا منطقيًّا لنبيّن أنّ أفضل تفسير معقول لهذا الضبط؛ هو: وجود مصمِّم ذكي قادر عليم، لايجري عليه ما هو أجراه؛ فليس كمثله شي، وهو الله تعالى عزّ وجلّ.

من الأدلة العلمية الواسعة على الضبط الدقيق:

١. نسبة قوّة الجاذبية إلى القوّة الكهرومغناطيسية:

النسبة بين الجاذبية والقوة الكهرومغناطيسية بين البروتونات تساوي تقريبًا 10^36. لو تغيّرت هذه النسبة بشكل بسيط، فإنّ النجوم والكواكب والذرّات لم تكن لتتشكّل.

٢. كفاءة الاندماج النووي (ε)

القيمة ε (حوالي 0.007) تقيس مدى كفاءة تحول الهيدروجين إلى هيليوم داخل النجوم. إنّ أيّ تغير طفيف في هذه النسبة سيمنع تشكّل عناصر ثقيلة مثل الكربون والأكسجين.

٣. حالة هُويل في نواة الكربون-12

وجود الكربون في الكون يعتمد على حالة طاقية محدّدة في نواة الكربون. لو كانت هذه الحالة مختلفة ولو بنسبة 0.05 MeV، لم يكن الكربون ليتكوّن أبدًا، وبالتالي لم تكن هناك حياة.

٤. الثابت الكوني (Λ)

هذا الثابت يتحكّم في معدّل توسّع الكون. لو تغيّر بنسبة 1 إلى 10^120 فقط؛ فإنّ الكون إمّا أنّه سينهار بسرعة أو لم تتشكّل المجرّات أبدًا.

٥. فرق كتلة البروتون والنيوترون

لو كان الفرق بين كتلة البروتون والنيوترون مختلفًا بشكل طفيف، فإنّ الهيدروجين لم يكن ليستقر، وبالتالي لم تكن النجوم لتتكوّن أصلًا.

٦. القوّة النووية الشديدة

أيّ تغيّر بسيط في شدة هذه القوة (0.4٪ مثلًا) يؤدّي إلى فشل تكوين الكربون والأكسجين في النجوم، ما يجعل الحياة مستحيلة.

التحليل المنطقي:

الفرض الأوّل: الصدفة العشوائية=> هذه القيم المضبوطة ظهرت بلا قصد.

الفرض الثاني: الضرورة الفيزيائية=> هذه القيم حتمية ولا يمكن أن تكون مختلفة.

الفرض الثالث: (التصميم الذكي)؛ أي: هناك مدبّر عليم قادر قام باختيار هذه القيَم وقدّر كيفها وكمّها عن قصد.

بطلان الفرض الأوّل والثاني:

١. استبعاد الصدفة

احتمالية أن تظهر هذه القيَم المضبوطة عشوائيًا ضئيلة للغاية (أقل من 1 إلى 10^100). احتمالات بهذا الصغر تُعتَبَر مستحيلة أي: 0 عمليًّا.

۲. استبعاد الضرورة الفيزيائية:

لا يمكن لأيّ نظرية تفرض قانونًا فيزيائيًا يُجبر الكون على أن تكون له هذه القيَم بالذات؛ بحيث تنفي إحتمال غيرها في نفسها.

النتيجة:

التصميم الذكي أفضل تفسير للتنظيم الدقيق؛ إذ الصدفة مستحيلة والضرورة الذاتية لايمكن إثباتها؛ فلا يتبقّى سوى تفسير واحد عقلاني: أنّ هناك مصمّمًا عالمًا قادرًا غير متأثرٍ بتلك القيَم، قد وضعها وقدّرها على هذا النحو تقديرًا.

قال تعالى: (إِنَّا كُلَّ شَيْ‌ءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ).

سورة القمر: ٤٩ .

وقال سبحانه: (وَکُلُّ شَیْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ).

سورة الرعد: ٨ .

وقال عزّ وجلً: (وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).

سورة الجن: ٢٨ .

نعم، إنّ الضبط الدقيق في قوانين وثوابت الكون يُعَدُّ من أقوى الأدلّة العقلانية المنطقية على وجود مصمّم ذكي.

هذا التفسير - وهو عبارة أخرى لبرهان النظم بحسب التقرير الكلامي - يتفوّق على البدائل الفلسفية من حيث المنطق العقلاني والثبوت العلمي التجريبي؛ فليس من المعقول أن يكون نظام العالَم بهذا التعقيد المدهش والضبط الدقيق، وجِد من لا شيء؛ وبلا هدف، بل الله تعالى هو الذي خلقه وأوجده لا من شيء؛ فقال له: كن، فكان.

أمير المؤمنين(عليه السلام):

«ألا ينظرون إلى صغير ما خلق؟ كيف أحكم خلقه وأتقن تركيبه ، وفلق له السّمع والبصر ، وسوّى له العظم والبشر ، انظروا إلى النّملة في صغر جثّتها ولطافة هيئتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولا بمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها وصبّت على رزقها ، تنقل الحبّة إلى جحرها وتعدّها في مستقرها ، تجمع في حرِّها لبردها وفي ورْدِها لصَدَرها ... فالويل لمن أنكر المقدِّر وجحد المدبِّر ...».

نهج البلاغة، الخطبة: ١٨٥.

وعن الامام الصادق(عليه‌السلام) في ما أملاه على تلميذه المفضّل بن عمر:

«أوّل العبر والأدلّة على الباري جلّ قدسه، تهيئة هذا العالم وتأليف أجزائه ونظمها على ما هي عليه، فإنّك إذا تأمّلت بفكرك وميّزته بعقلك وجدته كالبيت المبنيّ المعدّ فيه جميع ما يحتاج إليه عباده ، فالسّماء مرفوعة كالسّقف ، والأرض ممدودة كالبساط ، والنجوم مضيئة كالمصابيح ، والجواهر مخزونة كالذخائر ، وكلّ شيء فيه لشأنه معدّ ، والإنسان كالمملَّك ذلك البيت، والمُخَوَّل جميع ما فيه ، وضروب النبات مهيئة لمآربه، وصنوف الحيوان مصروفة في مصالحه ومنافعه.

ففي هذا دلالة واضحة على أنّ العالم مخلوق بتقدير وحكمة ونظام وملاءمة، وانّ الخالق له واحد، وهو الّذي ألّفه ونظّمه بعضاً إلى بعض جلّ قدسه وتعالى جدّه».

بحار الأنوار٣: ٦٢.

: الشيخ علي الحسون