أحوال مولانا الإمام العالم أبي الحسن الكاظم عليه السلام

محطات من حياته الشريفة ومراحل اعتقاله...

عاصر الإمام العالم أبي الحسن موسى الكاظم عليه السلام عدة حكام من بني العباس، أولهم عبد الله بن محمد الملقب بالسفاح عاصره لأربع سنوات، وثانيهم المنصور الدوانيقي عاصره لقرابة تسع سنوات في حياة أبيه الصادق عليه السلام وأكثر من عشر سنوات بعد استشهاده عليه السلام، وثالثهم محمد الملقب بالمهدي لعشر سنوات، وموسى الهادي لسنة واحدة، وأخيراً مع هارون العباسي لقرابة خمسة عشر عاماً.

امتدت فترة إمامة أبي الحسن الكاظم عليه السلام قرابة الخمسة والثلاثين عاماً. كان الامام عليه السلام وشيعته قد تعرض لرقابة شديدة من قبل سلاطين الجور، وكانت هذه الرقابة متفاوتة من سلطان لآخر، ومن خلال تتبع المصادر لم نجد أن المنصور ألتقى بالإمام الكاظم عليه السلام ولم يستدعه، بعكس الحال مع أبيه الإمام الصادق عليه السلام، والظاهر أن أسم الإمام الكاظم عليه السلام لم يكن بعد معروفاً، خصوصاً إذا عرفنا أن الامام الصادق عليه السلام قد أستخدم التمويه لحفظ الامام من الاعداء، فقد روى الصدوق رحمه الله بسنده عن أبي أيوب، قال: بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فأتيته فدخلت عليه ... فقال لي: هذا كتاب عاملنا محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات، ... ثم قال: أكتب إن كان أوصى إلى رجل واحد بعينه فقدمه واضرب عنقه وابعث إلي برأسه، قال: فرجع إليه الجواب أنه قد أوصى إلى الخمسة واحدهم أبو جعفر المنصور، ومحمد ابن سليمان (عامل المنصور بالمدينة)، وعبد الله، وموسى، وحميدة.(1)

ولا يخفى ما لهذه الوصية من فائدة لحفظ الإمام وستر أمره، كما شهدت تلك الفترة أحداث كثيرة وفتن عظيمة تشتت بها أمر الشيعة، من جهة فقد تصدى للإمامة عبد الله الأفطح –وقد صدقه البعض خصوصاً وأن اسمه كان ضمن الوصية- وهو الأبن الأكبر للإمام الصادق عليه السلام، وقد نسبت إليه انحرافات عقائدية كما ذكر ذلك الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد، حيث كان متهماً بالخلاف على أبيه في الاعتقاد، ويقال إنه كان يخالط الحشوية، ويميل إلى مذهب المرجئة، ومن نعم الله أنه لم تطل مدته فيكثر أتباعه والقائلون بإمامته، حيث أنه توفي بعد أبيه بسبعين يوماً.

ومن جهة أخرى فأن السلطة كانت مشغولة أيضاً بما يدعيه الإسماعيلية من قصص عجيبة، ولا يخفى فان إسماعيل قد ثبت موته في حياة أبيه الصادق عليه السلام، وروي بذلك أخبار عدة(2) . ومع ذلك فقد أدعى الإسماعيلية بأن إسماعيل لم يمت وكانت كل تلك الاحداث لمجرد التظاهر بموته والتمويه لإنقاذ حياته، وأنه ترك المدينة سراً، وأستقر في البصرة، ثم رحل إلى سوريا، مما جعل المنصور العباسي يبحث عنه في كل مكان. كما يدعي الاسماعيلية أن والي الشام كان ممن يؤمن بإمامة إسماعيل، وقد حثه على مغادرة الشام ثم أعلن بعد ذلك البدء بعمليات التفتيش وكتب للمنصور بأنه لم يجده.(3)

ومن جهة أخرى فقد اختلف المؤرخون حول حال محمد بن جعفر الصادق عليه السلام الملقب بالديباج، في ادعاءه للإمامة بعد أبيه، وهل كان ذلك بعد استشهاد الإمام الكاظم عليه السلام أم قبله، وعلى أي حال فقد أختار السيد الخوئي وغيره ذم الرجل اعتمادا على بعض الروايات.

كما شهدت فترة حكم المنصور ثورة محمد النفس الزكية وما تبعها من احداث كل هذا وإمامة الكاظم عليه السلام لم تكن بالصورة الواضحة بعد للشيعة.

ومع انتهاء فترة حكم المنصور العباسي ومجيء المهدي للحكم أتسمت هذه الفترة بالمرونة مع العلويين، حيث أصدر عفواً عاماً شمل جميع المسجونين ورد أليهم أموالهم، ومن جملة ذلك رد إلى الإمام موسى أبن جعفر عليه السلام أموال أبيه الصادق عليه السلام.

بعد ذلك ذاع صيت الإمام الكاظم عليه السلام، وبدء بتشييد مدرسته ونشر علومه ومعارفه، حيث تتلمذ على يديه المباركة مجموعة كبيرة ممن نهلوا من نمير علومه ومعارفه، إلا أن من أشتهر منهم ستة وهم يونس بن عبد الرحمن، وصفوان بن يحيى، وبياع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن المغيرة، والحسن بن محبوب السراد، وأحمد بن محمد بن أبي نصر كما أشار إليهم الشيخ الطوسي، والمعبر عنهم بأصحاب الإجماع.

ألف هؤلاء مئات المؤلفات كما أشار الشيخ محمد حسن آل ياسين في كتابه "الإمام موسى الكاظم ع سيرة وتاريخ" إلى أسماء المؤلفين وأسماء كتبهم، وهذا يدل بوضوح على الغزارة العلمية التي قدمتها مدرسة الإمام الكاظم عليه السلام.

والمؤكد أن هذه المدرسة قد أثارت أمتعاض السلطة الحاكمة، حتى قرر حينها المهدي العباسي الرجوع إلى سياسة التشديد على الإمام عليه السلام، حتى استدعاه إلى بغداد وحبسه ثم رده إلى المدينة، وكان ذلك في أواخر حكم المهدي، وقد خطط المهدي أساساً لقتل الامام الكاظم عليه السلام عن طريق حميد بن قحطبة، كما نقل ابن شهر آشوب في المناقب: "لما بويع محمد المهدي دعا حميد بن قحطبة نصف الليل وقال: ان إخلاص أبيك وأخيك فينا أظهر من الشمس وحالك عندي موقوف، فقال: أفديك بالمال والنفس، فقال: هذا لسائر الناس، قال: أفديك بالروح والمال والأهل والولد. فلم يجبه المهدي، فقال: أفديك بالمال والنفس والأهل والولد والدين، فقال: لله درك، فعاهده على ذلك وأمره بقتل الكاظم عليه السلام في السحر بغتة، فنام فرأى في منامه علياً عليه السلام يشير إليه ويقرأ (فهل عسيتم أن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم) فانتبه مذعورا ونهى حميدا عما أمره وأكرم الكاظم ووصله". (4)

وبالرغم من ورود هذه القصة في بعض المصنفات كالمناقب لابن شهرآشوب وتاريخ بغداد وغيرها، إلا أن الشيخ الصدوق رحمه الله قد رواها في عيون أخبار الرضا عليه السلام - ج ٢ - ص ٧٣ بشكل آخر، حيث رواها عن الفضل ابن الربيع وأن لم يسم الخبر الخليفة، إلا أن المعروف هو أن الفضل كان حاجباً لهارون العباسي، وعليه فأن حادثة الرؤيا مختلف عليها بين المهدي العباسي وهارون، وقد تكون هنالك أكثر من رؤيا قد رأها الحكام، وعلى أي حال فأنها وقعت وان اختلف زمان وقوعها.

أما فترة حكم الهادي العباسي فلم نشهد في المصادر التأريخية أنه قد أستدى الامام الكاظم عليه السلام، رغم قسوته على العلويين، إلا ما نقله أبن عنبة في عمدة الطالب ص196، حيث أنه نسب حادثة الرؤيا السالفة الذكر للهادي العباسي وهو قول شاذ لا يعول عليه.

إن فترة حكم الهادي العباسي لم تتجاوز السنة، والذي قضى أغلبها منشغلاً بواقعة فخ وثورة الحسين ابن علي الحسني رحمه الله. وروي أنه لما وصلت الرؤوس إلى الهادي العباسي وجه اتهامه على الفور للإمام موسى ابن جعفر عليه السلام متوعداً إياه قائلا: (والله ما خرج الحسين إلا عن أمره ولا اتبع إلا محبته لأنه صاحب الوصية في أهل هذا البيت، قتلني الله إن أبقيت عليه)(5) ، إلا أن الهادي مات قبل أن ينفذ تهديده سنة 170هـ.

إن أصعب السنوات التي مرت على إمامنا العالم أبي الحسن الكاظم عليه السلام هي تلك التي قضاها في عصر هارون العباسي، وكان أول اعتقال له في المدينة حين أعتقله هارون بنفسه، كما في الخبر الذي رواه الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن النوفلي، فأن هارون جهز قافلتين أحداهما بخفاء سلمها إلى حسان السروي وأمره بان يسلمه إلى عيسى بن جعفر بن أبي جعفر المنصور في البصرة، والثانية سيرها في العلن إلى الكوفة.

فقدم حسان البصرة قبل التروية بيوم فدفعه إلى عيسى بن جعفر نهاراً علانية حتى عرف ذلك وشاع خبره فحبسه عيسى في بيت من بيوت المجلس الذي كان يجلس فيه وأقفل عليه وشغله العيد عنه فكان لا يفتح عنه الباب إلا لحالتين حاله يخرج فيها إلى الطهور وحاله يدخل فيها الطعام(6).

والظاهر ان الحال لم يستمر هكذا سوى انشغال الوالي بالعيد، كما يفهم بأن الامام عليه السلام قد وضع في بيت من بيوت المجلس، أي بمعنى أنه لم يسجن في سجن عام أو خاص، كما هو حال بقية المعتقلين.

وفي طريقه إلى البصرة ألتقى الإمام الكاظم عليه السلام بأحد أصحابه وهو عبد الله بن مرحوم، إذ دفع إليه كتباً، وأمره أن يوصلها إلى أبنه علي الرضا عليه السلام بالمدينة، وقال له بأنه وصيي والقائم بأمري وخير بنيي.(7)

وكان هذا أول النص على إمامة الرضا عليه السلام وقد خرجت من السجن عدة الواح كتب فيها عهدي الى ولدي الأكبر .

إن رواية عبد الله أبن مرحوم تدل على أن الإمام لم يُمنح الفرصة لتوديع أهل بيته أو الوصية لهم، حتى انه لم يلتق بهم، وقد أدرك الإمام عليه السلام أن مدة سجنه هذه المرة ستطول لذا أوعز لشيعته وأهل بيته بالرجوع إلى ولده الرضا عليه السلام.

وعلى العموم وصل الإمام عليه السلام إلى البصرة في 7 ذي الحجة سنة 179هـ، ووضع تحت المراقبة الشديدة، وأدخل معه الجواسيس، كما تعرض الإمام عليه السلام للتعذيب النفسي إذ كان يسمع ألوان الفاحشة حيث حفلات الطرب والفواحش في قصر الوالي، إلا أن الوالي نفسه لم يجد ثمة شيء لدى الإمام إلا العبادة والدعاء لسائر المسلمين.

والظاهر إن الوالي لم يضيق الاعتقال على الإمام عليه السلام، بعد أن انتشر خبر الإمام عليه السلام بين أهالي البصرة، حيث هب إليه الناس من الفقهاء وغيرهم، واتصلوا به سراً وجهراً، كياسين الزيات الضرير الذي روى عنه، وصنف كتاباً نهل محتواه من لقائه بالإمام عليه السلام، وكذلك محمد بن سليمان النوفلي راوي حادثة القبض على الإمام عليه السلام في المدينة، وتسييره إلى البصرة، وسجنه فيها، ويظهر أنه أخذ تفاصيل ذلك من الإمام عليه السلام.

ويظهر أن أخبار حال الإمام عليه السلام بالتوسعة كانت تصل إلى هارون العباسي وعلم بموقف الوالي منه، ولقائه بأصحابه وبالبصريين، عندها أمره بقتل الإمام عليه السلام، إلا أن الوالي استشار خواصه في ذلك، فحذروه من مغبة هكذا فعل، فكتب إلى الرشيد أن خذه مني وسلمه إلى من شئت وإلا خليت سبيله، فقد اجتهدت بأن أجد عليه حجة، فما أقدر على ذلك حتى أني لا أسمع عليه إذا دعا لعله يدعو علي أو عليك، فما أسمعه يدعو إلا لنفسه يسأل الرحمة والمغفرة.

فحمل الامام عليه السلام إلى بغداد، وأمر هارون العباسي بوضعه في بيت حاجبه الفضل ابن الربيع، حيث لم يعتقله في السجون العامة، والظاهر من بعض الاخبار أنه قد تم أطلاق سراح الامام عليه السلام بسبب رؤيا راها هارون العباسي كما نقل الشيخ الصدوق في الأمالي وغيره، والظاهر إن الإمام عليه السلام قد بقي في بغداد ولم ينزح عنها إلى المدينة وكان يدخل على هارون في كل اسبوع مرة، ويحتمل أن هارون قد فرض عليه الاقامة الجبرية كما ذهب إلى ذلك السيد مير علي الهندي في مختصر تأريخ العرب ص209.

وما يؤكد ذلك هو بعض المرويات والقصص التي حدثت في بغداد وأشهرها قصة بشر الحافي وغيرها كثير ما يؤكد بأن الإمام عليه السلام قد أطلق سراحه في بغداد حتى أستطاع التجول في ازقتها والتحدث مع عامة الناس كما روي ذلك عنه.

ولما أنتشر فضل الإمام عليه السلام ومكانته وألتف شيعة بغداد حوله، أمر هارون العباسي باعتقاله، ولكن هذه المرة عند الفضل بن يحيى البرمكي وكان وزيراً لهارون وحامل خاتم السلطة. وهذه المرة أيضاً أطلق سراحه بعد رؤيا رأها هارون، ثم عاود مرة أخرى لاعتقال الإمام عليه السلام عند الفضل بن يحيى وأمره بقتل الامام عليه السلام فامتنع الفضل، والظاهر أن الفضل كان ممن يؤمن بالإمامية ولهذا السبب أتهم البرامكة بالتشيع، ولامتناع الفضل عن تنفيذ أوامر هارون، نكل به وأمر أن يضرب مائة سوط.

ثم نقل الإمام عليه السلام بعد ذلك إلى دار السندي أبن شاهك، وبخلاف ما هو مشهور بين عامة الناس من كون السندي كان سجاناً، حيث أنه كان قائداً عسكرياً وإدارياً حيث شغل منصب والي الشام وحاكم بغداد، وبصفته رئيس الشرطة، أشرف على تدمير ومصادرة ممتلكات البرامكة في عهد هارون العباسي.

إن السندي الملعون قد ضيق على الإمام الكاظم عليه السلام في سجنه، حيث لم يكن أحد يدخل عليه من أصحابه وشيعته كما في السجون السابقة، إلا ما نقل عن موسى بن إبراهيم البغدادي المروزي المعروف بابي عمران أو حمران وكان معلماً لأولاد السندي بن شاهك، فتمكن المروزي -دون غيره- من الوصول إلى الإمام موسى بن جعفر عليه السلام وسماع حديثه أثناء تدريسه لأبناء السندي، وهذه الحادثة تدل على أن الامام عليه السلام كان في إقامة جبرية في داره الخاصة، وأن وردت بعض الأخبار التي تدل على أن الإمام عليه السلام كان يخرج من دار السندي بين الحين والأخر إلا أنها مخالفة لما هو مشهور(8).

وعلى أي حال فان حال الإمام الكاظم عليه السلام قبيل إستشهاده قد نقله جملة من كبار محدثي الإمامية كالكليني والصدوق والطوسي وغيرهم رحمهم الله في خبر جاء فيه: "جمعنا أيام السندي بن شاهك ثمانين رجلاً من الوجوه المنسوبين إلى الخير، فأدخلنا على موسى بن جعفر عليهما السلام فقال لنا السندي: يا هؤلاء انظروا إلى هذا الرجل هل حدث به حدث؟ فإن الناس يزعمون أنه قد فعل به ويكثرون في ذلك وهذا منزله وفراشه موسع عليه غير مضيق ولم يرد به أمير المؤمنين سوءاً وإنما ينتظر به أن يقدم فيناظر أمير المؤمنين وهذا هو صحيح موسع عليه في جميع أموره، فسلوه، قال: ونحن ليس لنا هم إلا النظر إلى الرجل والى فضله وسمته . فقال موسى بن جعفر عليهما السلام: أما ما ذكر من التوسعة وما أشبهها فهو على ما ذكر غير أني أخبركم أيها النفر أني قد سقيت السم في سبع تمرات وأنا غداً أخضر، وبعد غد أموت، قال: فنظرت إلى السندي بن شاهك يضطرب ويرتعد مثل السعفة. (9)

ولم يكتفي السندي الملعون بهذه الحادثة بل كررها بعد إستشهاد الامام الكاظم عليه السلام، كما روى الشيخ الصدوق رحمه الله بسنده عن عمر بن واقد قال: ارسل السندي بن شاهك في بعض الليل وانا ببغداد يستحضرني فخشيت أن يكون ذلك لسوء يريده بي قال: فأوصيت عيالي بما احتجت إليه وقلت: (انا لله وانا إليه راجعون) ... إلى أن قال: فخرج السندي فضرب يده فقال لي: قم يا أبا حفص فنهضت ونهض أصحابنا ودخلنا فقال لي: يا أبا حفص اكشف الثوب عن وجه موسى بن جعفر فكشفته فرأيته ميتا فبكيت واسترجعت ثم قال للقوم: انظروا إليه فدنا واحد واحد فنظروا إليه ثم قال: تشهدون كلكم ان هذا موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام قال: قلنا: نعم نشهد أنه موسى بن جعفر بن محمد عليهم السلام ثم قال: يا غلام اطرح على عورته منديلا وأكشفه قال: ففعل قال: أترون أثرا تنكرونه؟ فقلنا: لا ما نرى به شيئا ولا نراه ميتا قال: فلا تبرحوا حتى تغسلوه وتكفنوه...(10)

كما روى الشيخ المفيد في الأرشاد قائلاً: ولما مات موسى عليه السلام أدخل السندي بن شاهك عليه الفقهاء ووجوه أهل بغداد، وفيهم الهيثم بن عدي وغيره، فنظروا إليه لا أثر به من جراح ولا خنق، وأشهدهم على أنه مات حتف أنفه فشهدوا على ذلك.(11)

بعد ذلك أخرج جسده الطاهر ووضع على الجسر ببغداد، لثلاث ليالي كما في المناقب، ونودي: هذا موسى بن جعفر قد مات فانظروا إليه، فجعل الناس يتفرسون في وجهه وهو ميت، وقد كان قوم زعموا في أيام موسى أنه القائم المنتظر، وجعلوا حبسه هو الغيبة المذكورة للقائم، فأمر يحيى بن خالد أن ينادى عليه عند موته: هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه، فنظر الناس إليه ميتا. (12)

وروي عن الحسن بن عبد الله الصيرفي، عن أبيه قال: توفي موسى بن جعفر عليه السلام في يدي السندي ابن شاهك، فحمل على نعش ونودي عليه (هذا إمام الرافضة فاعرفوه!).

فلما اتي به مجلس الشرطة أقام أربعة نفر فنادوا ألا من أراد أن يرى الخبيث ابن الخبيث موسى بن جعفر فليخرج، وخرج سليمان بن أبي جعفر من قصره إلى الشط، فسمع الصياح والضوضاء فقال لولده وغلمانه: ما هذا؟ قالوا: السندي بن شاهك ينادي على موسى بن جعفر على نعش فقال لولده وغلمانه: يوشك أن يفعل هذا به في الجانب الغربي، فإذا عبر به فانزلوا مع غلمانكم فخذوه من أيديهم فإن مانعوكم فاضربوهم وخرقوا ما عليهم من السواد.

فلما عبروا به نزلوا إليهم فأخذوه من أيديهم وضربوهم، وخرقوا عليهم سوادهم، ووضعوه في مفرق أربعة طرق وأقام المنادين ينادون ألا من أراد الطيب ابن الطيب موسى بن جعفر فليخرج، وحضر الخلق وغسل وحنط بحنوط فاخر، و كفنه بكفن فيه حبرة استعملت له بألفين وخمسمائة دينار، عليها القرآن كله، و احتفى ومشى في جنازته متسلبا مشقوق الجيب إلى مقابر قريش، فدفنه عليه السلام هناك.(13)

وقبض عليه السلام لست خلون من رجب من سنة 183هـ وهو ابن أربع أو خمس وخمسين سنة ببغداد، وكان هارون حمله من المدينة لعشر ليال بقين من شوال سنة 179هـ وبهذا تكون مدة سجنه صلوات الله عليه اربع سنوات كما هو مشهور عند جملة من الفقهاء والمحدثين كالشيخ الكليني وغيره (14).

السلام عليك يا ولي الله وأبن وليه، يوم ولدت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حياً. ورحمة الله وبركاته...

حررت بتأريخ

ليلة ٢٥ رجب الأصب ١٤٤٦ هـ

علي الحداد

المصادر:-----

1- الشيخ الطوسي - غيبة - ص ١٢٩ / الشيخ الكليني – الكافي - ج ١ - ص ٣١٠

2- النعماني- الغيبة- ص328

3- جعفر السبحاني - بحوث في الملل والنحل – ج8- ص81

4- مناقب آل أبي طالب - ابن شهر آشوب - ج ٣ - ص ٤١٨ / الخطيب البغدادي - تاريخ بغداد - ج ١٣ - ص ٣٢

5- بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٩١ - ص ٣١٨

6- الشيخ الصدوق - عيون أخبار الرضا (ع) - ج ٢ - ص ٨٢

7- عيون أخبار الرضا (ع) - الشيخ الصدوق - ج ٢ - ص ٣٦

8- ابن الصباغ - الفصول المهمة في معرفة الأئمة

9- الشيخ الكليني - الكافي - ج ١ - الصفحة ٢٥٩ / الشيخ الطوسي - الغيبة - ج١ - الصفحة ٥٦ / الشيخ الصدوق - عيون أخبار الرضا (ع) - ج ٢ - ص ٩١

10- الشيخ الصدوق - عيون أخبار الرضا (ع) - ج ٢ - ص ٩2

11- الشيخ المفيد - الإرشاد - ج ٢ - ص ٢٤٣

12- المصدر نفسه

13- الشيخ الصدوق - عيون أخبار الرضا (ع) - ج ٢ - ص ٩٣

14- الشيخ الكليني - الكافي - ج ١ - ص ٤٧٦

: علي الحداد