التحديات التي تواجه الشباب (5)

إبعاد الشباب عن القيم الاصيلة

القيم هي القواعد الكلية الحاكمة والمعايير الثابتة الراسخة والمبادئ المطلقة التي تضبط وتحكم وتقيّم تصرفات ونشاطات المجتمع السلبية والإيجابية، وان لمنظومة القيم أثر بالغ على مستوى الأفراد والمجتمع أما على مستوى الفرد فهي تلعب دوراً بارزاً في ترشيد قراراته، وانتقاء اختياراته، وتحصين نفسه وقلبه من المغريات والتحديات، وتنظيم سلوكياته، وإدراك العالم من حوله، وتحديد موقعه ودوره في هذا العالم، كما أنها تجيب على التساؤلات المصيرية في حياة الأفراد بسبب شموليتها للجانب الروحي والمادي دون إفراط أو تفريط، كما أنها تفجر طاقات الإبداع والخيرية في النفس، وتستحث كوامن النفوس للوقوف على مواطن قوتها وضعفها.

وأما على مستوى المجتمع، فمنظومة القيم تحافظ على تماسك المجتمع، فتحدد له أهدافه الكلية ومثله العليا ومبادئه الثابتة، وتساعد المجتمع على مواجهة التغيرات والمستجدات بتحديدها الاختيارات الصحيحة، كما أنها تحافظ على هوية المجتمع وبصمته الخاصة به، مما يحول دون ذوبان هذه المجتمعات في غيرها وتأثرها بموجات التغريب والتشريق والغزو الفكري والثقافي، كما أنها تعمل على إعطاء النظم الاجتماعية أساساً عقلياً ليصبح عقيدة في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين إلى هذه الثقافة، أيضا القيم تقي المجتمع من الأنانية المفرطة والنزعات الفردية والشهوات الطائشة، وتزود المجتمع بالصيغة التي يتعامل بها مع العالم وتحدد له أهداف ومبررات وجوده وبالتالي يسلك في ضوئها وتحدد للأفراد سلوكياتهم.

وتعتبر مصادر القيم من أهم المسائل التي يعيشها العالم المعاصر فإن المسلمين يعتبرون الأساس الحاكم في مصادر تلك القيم والتي هي (الفطرة - والعرف - والقران الكريم والسنة الشريفة المتمثلة بالنبي وأهل بيته^ فهذه المصادر هي التي تضمن للفرد والمجتمع السير بالطريق الصحيح وتضبط حركتهم سواء على المستوى النظري أو العملي فإن القوانين الإلهية لابد أن تكون حاضرة في ضبط تلك المنظومة . قد سعى الغرب ومروجوا القوة الناعمة على استهداف تلك القيم وتغييرها عند أجيالنا ويغيروا مصادرها أيضاً بما يتناسب مع ثقافتهم وعقائدهم ويتماشى مع أهدافهم وقد تعددت مصادر القيم عندهم وفقاً لمبتغياتهم عبر نظريات وضعية جاء بها مفكرين وفلاسفة ساعدت أفكارهم المادية كثيراً في إيجاد بدائل لمنظومة القيم فذكروا أن القيم منها ما يعتمد على العقل كما ذهب ديكارت، أو اللاعقلية لفريدريك نيتشة أو التجربة لفرانسيس بيكون، أو رأي الأمير الحاكم لمكيافيلي، أو حكم الأغلبية، أو ميل النفس وشهواتها ، وقد سوَّقت لها جهاتٌ ثلاث متداخلة ومتضايفة في جهودها: أوَّلُها: (دولٌ كبرى) إمتلكت القوة، فسَعَتْ للهيمنة على العالم مدَّعية أنَّ ما تملكه من القيم هو قيم عالمية؛ وثانيها: (شركاتٌ اقتصادية) حاولت أن تُنَمِّط السلوك البشري في الإنتاج والاستهلاك، وفق وُعُود العولمة أو إكراهاتِها؛ وثالثُها: (مؤسسات الأمم المتحدة) التي أخذت تفرض على الشعوب والأمم منظومات قيمية، مستخدِمةً القوى التي تملكها الجهتان الأولى والثانية .

 

 

 

زلزلة العقائد الإسلامية

إن شكل الحرب العقائدية في عصرنا يختلف تماماً عما كان في العهود السابقة أي قبل التطور التكنولوجي حيث كان البعد الجغرافي والانقطاع التواصلي محافظاً طبيعياً على العقائد والقيم وحاجزاً منيعاً في وجه الغزو الثقافي واستطاع المسلمون من خلاله أن يثبتوا على أيديولوجيتهم وان لا يتأثروا ولا يذوبوا بسبب التغيير الخارجي وإن سعى الأعداء في تلك المرحلة الى خلخلة عقائد الناس وبث الشبهات إلا أنها كانت محدودة في داخل المجتمعات ، أما في واقعنا المعاصر فقد ولى زمن الحرب المباشرة لتقييد الأمم واستلاب الأوطان وتغيير العقائد والقيم ولم يصبح حشد الجيوش، وشحذ الأسلحة كافيا لتحقيق أهداف السيطرة، بل وجد على ارض الواقع أسلحة اكثر فتكاً لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها وإنما دخلت الى جميع البيوت، وتفشت في مجتمعاتنا بجميع اصنافها ،واعني بذلك القوة الناعمة التي دخلت الميدان عبر التطور التكنولوجي الحاصل على أرض الواقع المعاصر من قبيل وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي وغيرها، فيحاول الأعداء عبر (القوة الناعمة) الهجوم على الحدود العقائدية لكل من يخالفهم في معتقداتهم من خلالها تشكيك الناس بعقائدهم سواءً على مستوى (التوحيد)، أو ( العدل)، أو (النبوة)، أو(الإمامة) أو(المعاد)، وكل ما يتعلق بعقيدة المجتمعات وخصوصاً ما يتعلق بمستقبل البشرية من مشروع الهي متمثل بدولة الإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف .

: الشيخ وسام البغدادي