نظرة إلى بعض فقرات الزيارة الشريفة (كلمات سماحة السيّد منير الخبّاز دامت بركاته ):
الفقرة الأولى: السلام عليكم يا آل الله
هنا قد يلتفت الذهن ليتساءل: كيف يكون الإنسان آلاً لله؟! الله «عز وجل» ليس جسمًا حتى يولِد وحتى ينجب، وهو القائل في كتابه: ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ﴾، فإذا لم يكن جسمًا ينجب وينسل، فما معنى كلمة ”السلام عليكم يا آل الله“؟
هذه العبارة تحتمل معنيين:
المعنى الأول: تمظهر الصفات الإلهية
آل الشخص هم الذين يمثلونه، آل فلان، أهل فلان، آله هم الذين يمثلونه. الإنسان يتمثل في آله، يتمثل في أهل بيته، آله هم الذين يرثون صفاته، هم الذي يرثون شمائله، هم الذي يرثون كفاءاته، الوراثة تفعل مفعولها، فآل الشخص هم الذين يمثلون صفاته وشمائله ومظاهره وأسماءه. أهل البيت (عليهم السلام) هم المخلوقات التي تمثّل صفاتِ الله «عز وجل»، الله تجلى فيهم بما لم يتجل بغيرهم، الله «تبارك وتعالى» تجلت أسماؤه وصفاته في أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، وأهم صفتين تجلتا في أهل البيت(عليهم السلام) صفة العلم وصفة الرحمة.
علمه «تبارك وتعالى» تجلى فيهم، وانحدر على ألسنتهم، ورحمته «تبارك وتعالى» تجلت في أفعالهم ومعاملاتهم مع الخلق، حيث كانوا يتعاملون مع الخلق معاملة الرحمة، معاملة الحنان، معاملة اللطف، معاملة الجذب، معاملة الاحتواء، معاملة الاستيعاب، إذن أهل البيت مظهرٌ لعلم الله، ومظهرٌ لرحمة الله، فبما أنهم مظهرٌ له، إذن فهم آله، ”السلام عليكم يا آل الله“ أي: مظهر صفات الله ومظهر أسمائه «تبارك وتعالى».
المعنى الثاني: ارتفاع الواسطة
جميع البشرية عندما تريد أن تبتهل إلى الله، وعندما تريد أن تدعو الله «عز وجل» من أجل أن يغفر ذنوبها، ويفرّج غمومها، ويكشف همومها، البشرية عندما تريد أن تدعو الله، توسّط بينها وبين الله واسطةً، والواسطة هم أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، أما أهل بيت النبوة فلا يحتاجون إلى واسطة، غيرهم من البشر يجعلهم واسطة بينه وبين الله من أجل غفران ذنوبه وستر عيوبه وكشف كروبه، ولكن أهل البيت (عليهم السلام) لأن اليقين بالله تجلى في قلوبهم، ولأن توحيد الله ظهر بنوره في أرواحهم، فإنهم لا يحتاجون إلى واسطة بينه وبينهم.
ولذلك، تقرأ في الأدعية الواردة عنهم: ”بك عرفتك وأنت دللتني عليك“، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: ليس بيني وبينك واسطة، الخلق يتخذونني واسطة، أما أنا فلا أتخذ في عبادتي واسطة.
الإمام الحسين(عليه السلام) في دعائه يقول: ”متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك؟! ومتى كانت الآثار هي التي توصل إليك؟!“.
إذن، نحن لبعدنا عن الله نتيجة ذنوبنا ومعاصينا نحتاج إلى الواسطة، أما هم فلأنهم أنواره، فلأنهم تجلياته، فلا يحتاجون إلى واسطة للارتباط المعنوي بينهم وبينه.
ولذلك، تقرأ في زيارة الإمام الكاظم (عليه السلام): ”لا فرق بينك وبينهم إلا أنهم عبادك“، وهذا لا يصح أن يفسّر بالمعاني التي يذكرها الغلاة، بل : لا فرق بمعنى: لا فاصل معنوي، ولا واسطة في العبادة والمعرفة، لا يوجد فارق يحجبهم عنه، لا يوجد فاصل يفصلهم عن عبادتك ومعرفتك، هم مقبلون ومنفتحون ومظهرون عليك من دون فاصل ولا واسطة، أما نحن فنحتاج إلى واسطتهم، ونحتاج إلى وسيلتهم، ولأجل أنهم لا يحتاجون إلى الواسطة فهم آل الله.
الفقرة الثانية: وراثة الأنبياء
نلاحظ أن زيارة الأربعين تؤكّد على ما تؤكّد عليه سائر الزيارات، سائر الزيارات متضمنة لهذه الفقرة، وهي: ”السلام عليك آدم صفوة الله، السلام عليك يا وارث نوح نبي الله، السلام عليك يا وارث إبراهيم خليل الله، السلام عليك يا وارث إسماعيل ذبيح الله، السلام عليك يا وارث موسى كليم الله، السلام عليك يا وارث عيسى روح الله، السلام عليك يا وارث محمدٍ حبيب الله، السلام عليك يا وارث أمير المؤمنين ولي الله“.
كل الزيارات تتضمن فقرة الوراثة، أنت الوارث من آدم إلى الإمام أمير المؤمنين ، فلماذا التأكيد على هذه الوراثة؟ لا نجد هذا في زيارة الإمام الحسن (عليه السلام)، لا نجد هذا في زيارة الأئمة في البقيع(عليهم السلام)، لا نجد هذا في زيارة الإمام الرضا(عليه السلام).
هذا تأكيدٌ على الحسين، (عليه السلام) أنت وارث آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وغيرهم من الأنبياء والمرسلين، أنت الوارث.
التأكيد على الوراثة لماذا؟
لأن الحسين (عليه السلام) اشترك مع الأنبياء أولي العزم وغيرهم في صفة التحدي، في صفة الإرادة، هذه الصفة التي ظهرت في الحسين (عليه السلام) واضح وبارز هي الصفة البارزة والواضحة على الأنبياء، نوح تحدى قومه ألف سنة إلا خمسين عامًا، آدم تحدى نمرود زمانه، موسى تحدى فرعون زمانه، عيسى تحدى يهود زمانه، النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم تحدى صناديد زمانه، إذن صفة التحدي وقوة الإرادة، وعدم التنازل، وعدم الخنوع، وعدم التراجع، صفة برزت في الحسين (عليه السلام) بأروع صورها، بأجلى مظاهرها، ولذلك الزائر يؤكّد على هذه الصفة المشتركة، التي انحدرت من آدم، واتصلت بالحسين بن علي (عليه السلام) .

اترك تعليق