هو سعيد بن جبير بن هاشم من موالي بني أسد، أصله من الكوفة وقد ولد فيها سنة 46هـ تقريبا.
كان رحمه الله منذ طفولته مؤمناً ورعاً مستجاب الدعاء ويؤدي الفرائض بأوقاتها ونزل مكة المكرمة طالباً للعلم وكان متعطشاً له تواقاً للمعرفة وساعدته على ذلك قراءته المستمرة للقرآن حتى بلغ ان يختم القران كل ليلتين وكان من أهم مشايخه في مكة المكرمة إبن عباس (حبر الامة) وكان سعيد يُحب أستاذه كثيراً حتى صار اعلم جماعته بالتفسير والقراءة والفقه وأسباب النزول وعلم الحديث وعندما نزل ابن جبير الكوفة كان ابن عباس يدفع اليه من يأتيه للسؤال من اهل الكوفة ويُعلمهم بشأن سعيد بن جبير ومكانته ويقول (( تسألوني وفيكم ابن ام دهماء ويعني سعيداً بذلك)).
وبلغت منزلته العلمية أن لُقب بـ (جهبذ العلماء) وقد اجمع علماء الشيعة والسنة على توثيق سعيد بن جبير وأتفق المسلمون على ثقته وحُسن سيرته وأمانته العلمية وقد أثنى عليه الامام علي بن الحسين السجاد (عليه السلام) , ولسعة اطلاعه وإلمامه بأغلب الجوانب فقد نصبه الحجاج الثقفي إماماً للمصلين في مسجد الكوفة في وقت لم يكن يؤم بها الا العربي وولاه القضاء فيها وهذا الامر لم يرضَ البيت الاموي الحاكم لأنه من الموالي وهم الذين يجب ان يبقوا ضمن الطبقة الاجتماعية الأدنى من العرب ولكن تحت الضغط الاموي اضطر الحجاج أن يطأطأ رأسه ويسلم القضاء بعد فترة لأحد أبناء أبو موسى الاشعري نزولا لنظرية عدم أمامة المولى وعدم استلامه القضاء وهي التي لا يرضاها الله ورسوله.
يعتبر سعيد بن جبير أول من صنف كتاباً في علم التفسير من التابعين وقد ذكره ابن النديم في باب الكتب المصنفة في تفسير القرآن وقال قتادة أن سعيد بن جبير أعلم التابعين بالتفسير ومما جاء في تفسيره لقوله تعالى ((فاذكروني أذكركم)) قال سعيد ((إذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي)).
كانت هناك صحبة بين الحجاج وابن جبير خاصة في درس ابن عباس ولكن الأول ترك التعلم واستلم قيادة أحد الجيوش بني أمية ودعته غطرسته أن يضرب بيت الله الحرام بالمنجنيق وكان ذلك سنة 73هـ واستطاع ان يقتل عبد الله بن الزبير وجماعته وبعث برؤوسهم الى عبد الملك بن مروان وفي سنة 75هـ أستلم ولاية العراقين (الكوفة – البصرة), في سنة 82هـ ثار العراقيون على الحكم الاموي بقيادة ابن الاشعث الذي كان يروم السلطة بدافع شخصي ونادى بعزل الحجاج وقد طلب سعيد بن جبير قتال بني امية الذين أماتوا الصلاة واستغلوا الضعفاء, لم تنجح الثورة وقتل الحجاج الالاف من العراقيّن وقتل ابن الاشعث واختفى سعيد بن جبير وتنقل بين الامصار فمرة الى أصبهان ومرة الى أذربيجان ومرة الى خراسان وبعدها الى مكة المكرمة في ولاية عمر بن عبد العزيز أيام خلافة الوليد بن عبد الملك حيث لجا اليها الكثير من اهل العراق الذين أطمأنوا الى واليها عمر بن عبد العزيز وحمايته لهم وكان ملجاً لهم.
قُبض على سعيد بن جبير في مكة المكرمة بعد أن أستلم ولايتها خالد بن عبد الله القسري مع مجموعة من العراقين وهو في طواف الكعبة وأرسل الى الحجاج الثقفي الذي بنى مدينة واسط سنة 83هـ لتكون مقراً لحكمه، وصل سعيد بن جبير مع صحبيه عامر الشُعبي ومطرف بن عبد الله الذين عفا عنهما الحجاج الثقفي وأطلق سراحهما بينما قتل سعيد وقد جرت المحاورة بينه وبين سعيد نختصرها كما يلي: -
الحجاج: ما اسمك، سعيد: اسمي سعيد بن جبير
الحجاج: بل انت شقي بن كسير
سعيد: كانت أمي اعلم باسمي منك
الحجاج: شقيت وشقيت أمك
سعيد: الغيب يعلمه غيرك
الحجاج: لأبدلنك ناراً تلظى
سعيد: لو علمت أن ذلك بيدك لاتخذتك إلها
الحجاج: ما قولك في الخلفاء
سعيد: أرضاهم للخالق
الحجاج: فايهم أرضى للخالق
سعيد: عِلم ذلك عند الذي يعلم سُرهم ونجواهم
الحجاج: اختر أي قتله اقتلك
سعيد: أختر لنفسك ياحجاج فوالله ما تقتلني الا قتلك الله مثلها في الأخرة
الحجاج: أتريد أن اعفو عنك
سعيد: إن كان العفو من الله (فبها) وأما أنت فلا براءة ولا عذر٠
الحجاج: لحاشيته إذهبو به فأقتلوه
سعيد: يضحك
الحجاج: لم ضحكت
سعيد: عجبت من جرأتك على الله وحلم الله عنك
امر الحجاج بالقطع وقال أقتلوه
سعيد وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً مسلماً وما انا من المشركين
الحجاج: شدوا به لغير القبلة
سعيد: فأينما تولوا فثم وجه الله
الحجاج: كبوه على وجهه
سعيد: منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى
الحجاج: أذبحوه
سعيد اللهم لا تسلطه على أحد يقتله بعدي.
فَذُبح وأحتز رأسه في شعبان سنة 95هـ رحمه الله عن عمر يناهز (49) عاماً.
ومات الحجاج بعده بـ خمسة عشر ليلة وظل ينادي بقية حياته ((مالي ولسعيد بن جبير)).
هناك جُمل من المحاورة اختصرناها طمعاً بالاختصار ومنها تركناها لبحوث قادمة وقبره ظاهرا يُزار كل سنة في قضاء الحي حيث محافظة واسط في العراق.
بعض من قالوا في سعيد رحمه الله
1- الحسن البصري (رض) ((مات سعيد واهل الأرض من مشرقها الى مغربها محتاجون الى علمه)).
2- ابن كثير ((كان من اكابر أصحاب ابن عباس وكان من أئمة المسلمين في التفسير والفقه وأنواع العلوم وكثرة العمل الصالح رحمه الله تعالى)).
3- هلال بن خباب ((كان رحمه الله يخرج كل سنة مرتين مرة للحج ومرة للعمرة))٠٠٠وقرأت ماقاله الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز بحق الحجاج الثقفي حيث قال ( لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم )فأزددت يقينا أن الحجاج والمدافعين عنه في مزبلة التأريخ٠
اترك تعليق