من المهم جداً معرفة أداور الحجج الإلهية في ضمن مسيرتهم الهادية في الأمم، فقد حدثنا القرآن الكريم أن كل حجة من الحجج الإلهية سواء كان نبياً أو وصياً، أو حجة إلهية له أداور ومناهج متعددة في مسيرته الهادية ومواجهته لمعسكر الغواية الشيطاني قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾[1] ويمكن تقسيم أداور ومناهج الحجج الإلهية الى قسمين، المواجهة العلنية والمباشرة، والمواجهة السرية وقد استخدمت الصديقة فاطمة عليها السلام القسم الاول أي المواجهة العلنية المباشرة.
فإن اللَّه تعالى حينما بعث رسله وأوليائه إلى البشرية لم يرد أن يكون حكمهم للناس بطريقة سرية أو غير معلن عنها، وإنما الحكم الأولي لحركة الحجج الإلهية هو الإعلان عن المسيرة، والمواجهة لمعسكر الغواية الشيطاني بأعلى درجاته، وهذا إنما يتحقق حينما يمكن النبي أو الإمام من العمل العلني والمواجهة المباشرة في الأمة، وأن الدور العلني والمواجهة المباشرة لها أشكال عدة:
الشكل الأول: التمكين في الأرض
يحدثنا القرآن الكريم عن مجموعة من الأنبياء والحجج الإلهية الذين مكنوا في الأرض واستطاعوا أن يسيرون في الناس وفق منهج معلن عنه وليس فيه نوع من السرية لا على مستوى الشخص ولا على مستوى الحركة قال تعالى: (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾[2] وممن مكن لهم في الأرض من الأنبياء والرسال داوود وسليمان قال تعالى: ( وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ والطير وكنا فَاعِلِينَ ).
الشكل الثاني: المواجهة والتضحية
إن من الأدوار المعلنة للحجج الإلهية هو المواجهة المباشرة لمعسكر الغواية والتي تقتضي التضحية ودفع الضرائب وذلك من أجل مواجهة الطغاة ودحرهم وإفشال مخططاتهم وأهدافهم ومشاريعهم والانتصار للمشروع الإلهي الموعود، كما حصل ذلك في مسيرة الكثير من الأنبياء والأوصياء، فأن المواجهة المباشرة تقتضي تارة القتل، أو التعذيب وهكذا كما صنع أعوان الشيطان ببعض الأنبياء قال تعالى:( إن الذين كفروا بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم)، ومنه مواجهة الصديقة فاطمةعليها السلام، والإمام الحسين عليه السلام، فقد واجهت الصديقة فاطمة عليها السلام المنقلبين على الاعقاب مواجهة علنية حينما هجموا على دارها وخرجت لهم ووبخت القوم والمنحرفين ووقفت بكل صلابة وشجاعة للدفاع عن الامامة الالهية حتى رحلت شهيدة في رحاب الله تعالى.
الشكل الثالث: المواجهة بالحوار والاحتجاج
ان أحد أشكال الحركة العلنية لمسيرة الحجج الالهية والمواجهة المباشرة هي التي تكون عن طريق الحوار والمحاججة ليس فقط عن طريق القتال والتضحية فهو أحد أداور الحجج حينما يكون هناك عاملاً مساعداً للحوار كما حصل في حكومة النبي إبراهيم عليه السلام، فأن مسيرته كانت بشكل علني رافقته الكثير من المخاطر والتضحيات وأحد أشكال مسيرته العلنية هو الحوار والمحاججة قال تعالى : ﴿إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا﴾[3].
وهكذا في كثير من الآيات التي تتحدث حول مسيرة الخليل إبراهيم عليه السلام التي كانت تتضمن المسيرة العلنية والمواجهة المباشرة عن طريق الحوار والاحتجاج لهداية الناس والمجتمع الإبراهيمي.
وهكذا في مسيرة موسى عليه السلام فأن أحد أدواره التي كانت ضمن مسيرته الهادية هو اتخاذ منهج المحاججة والمواجهة العلنية كالحوار الذي جرى بين موسى عليه السلام وبين فرعون والسحرة حيث قال تعالى: (قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهًا غَيْرِي لأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ * قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ * قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ* فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ)، وهكذا في مسيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم فأن أحد اشكال حركته العلنية كانت بطريقة الحوار والمحاججة قال تعالى: ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنْ الأرض أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ اِئْتُونِي بِكِتَابٍ مِنْ قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)[4].
وهكذا في مسيرة الأئمة عليهم السلام ومسيرة الصديقة فاطمة صلوات الله عليها فقد استخدمت السيدةعليها السلام منهج الحوار والمحاججة مع القوم والمطالبة بحق أمير المؤمنينعليه السلام وحقها في فدك في كثير من الموارد التي نقلت في مصادر المسلمين.
الشكل الرابع: أسلوب الدعوة والنصح والإرشاد
وقد استخدم بعض الأنبياء والحجج الإلهية أسلوب النصح والدعوة والإرشاد في ضمن مسيرته الهادية وذلك من قبيل مسيرة النبي نوح عليه السلام قال تعالى: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إله غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلَالَةٌ ولكني رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)، واستمرت دعوة نوح لمدة تقارب التسعمائة وخمسون عاماً من الجهاد والارشاد والنصح والتبليغ والإنذار، وهذا المنهج بعينه استخدمه أغلب الأنبياء والحجج الإلهية ومنهم النبي الأكرم عليه السلام الذي استخدم في بعض حركته منهج الدعوة والإرشاد والتبليغ والتعليم والتبيين والذي يعد أيضا من المواجهة العلنية وهذا بعينه استخدمته الزهراء عليها السلام في مواجهتها للمنقلبين حيث استخدمت منهج الدعوة والارشاد والنصح وقدمت الكثير من الارشادات وخطبتها الفدكية شاهد كبير على ذلك الا أن القوم لم يستمعوا إليها عليها السلام.
الهوامش:----
[1] المائدة:48
[2] الحج: 40، 41
[3] مريم: 42-43.
[4] الاحقاف 4
اترك تعليق