قال تعالى في محكم كتابه العزيز:وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (القصص:7).
يُعدّ القرآن الكريم كتاب هدايةٍ وإرشادٍ للإنسانية جمعاء،يحتوي على كنوزٍ معرفيةٍ لا تنضب، من بينها القصص القرآني الذي يشكّل جزءًا هامًا من تراكيبه.وتتنوع القصص القرآنيّة لتشمل قصص الأنبياء، مثل: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله عليهم ، وقصص الأمم السابقة، مثل: قوم عاد وثمود وقوم لوط. ولا تقتصر القصص القرآنيّة على سرد الأحداث التاريخيّة، بل تتعدّاها لتُقدّم دروسًا وعبرًا خالدةً في مختلف جوانب الحياة.تكمن قيمة القصص القرآني في تعزيز الإيمان، فتُثبّت إيمان المسلم بالله تعالى، وتُظهر عظمة قدرته وحكمته، وتُبيّن صدق رسله وكتبه.كما تُقدّم العِبر والدروس من قصص الأمم السابقة، وتُبيّن عواقب الظلم والفساد، وتُشجّع على الأخلاق الحميدة والفضائل؛ وتُلهم وتُحفّز القارئ على الاقتداء بالأنبياء والأولياء الصالحين، وتُشجّعه على العمل الصالح والصبر والتجلّد، وتُثري المعرفة وتُوسّع مدارك القارئ، وتُعرّفه إلى تاريخ الأمم والشعوب، كما تُنمّي مهارات القراءة والكتابة والفهم لدى القارئ، وتُحسّن قدرته على التعبير، وذلك لكونها تتميّز بالإيجاز والدقة، مع الحفاظ على التأثير والقوّة في المعنى، مما يجعلها يسيرة القراءة فهي لا تأخذ وقتاً وفوق ذلك تتضمن خاصية التشويق في السرد، فهي تُقدّم أحداثًا واقعيّةً حدثت في الماضي، ممّا يُضفي عليها المصداقيّة والواقعيّة.ومن أجمل تلك القصص قصة النبي موسى وهي قصة معجزة ونبوءة وخلاص، تُعدّ من أعظم القصص القرآنيّة، فهي قصةٌ مليئةٌ بالعبر والدروس، وتُظهر عظمة قدرة الله تعالى وحكمته، وتُبيّن صبر نبيّه موسى عليه السلام وتجلّده؛ وُلِد نبي الله موسى عليه السلام في زمنٍ كان فيه فرعون مصر يُذبح أبناء بني إسرائيل الذكور خوفًا من نبوءةٍ تقول أنّ هلاكًا سيأتيه على يدٍ أحدِهم.أخفته أمّه خوفًا عليه من القتل، وألقته في اليمّ، فألقاه التيار إلى ساحل قصر فرعون، فالتقطته زوجة فرعون آسيا بنت مُزاحم وربّته، ثم كبر موسى وعلم بحقيقته، فقتل رجلاً قبطيًا، فخاف من بطش فرعون وهرب إلى مدين، حيث تزوّج ابنة نبيّ الله شعيب. بعد ذلك بعث الله تعالى نبيّه موسى عليه السلام، برسالةٍ إلى فرعون وقومه يدعوهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك عبادة الأصنام.آتاه الله تعالى معجزاتٍ عظيمةً، منها: العصا التي تتحوّل إلى ثعبانٍ عظيمٍ، ويده التي تصبح بيضاء ناصعةً، وفلق البحر الأحمر. واجه نبي الله موسى عليه السلام، فرعون وقومه بكلّ شجاعةٍ وصبر، ودعاهم إلى عبادة الله تعالى وحده، لكنّ فرعون أصرّ على طغيانه وكفره.
أرسل الله تعالى الطّاعون والجوع والغرق على قوم فرعون، لكنّ فرعون لم يُذعن، فغرق هو وجنوده في البحر، ثم أخرج نبي الله موسى عليه السلام، بني إسرائيل من مصر بعد معاناةٍ طويلةٍ، واتّجه بهم نحو الأرض المقدّسة، وفي الطريق نزل عليه الوحي من الله تعالى على جبل الطور، حيث آتاه الله تعالى الألواح التي تحتوي على شريعة التوراة؛ وفي غياب نبي الله موسى عليه السلام، ضلّ قومه عن عبادة الله تعالى، واتّخذوا عجلًا من الذهب إلهًا لهم، غضب الله تعالى على بني إسرائيل، فعاقبهم نبيّ الله موسى عليه السلام وعاقب السامريّ الذي صنع العجل، إلى أن مات عليه السلام، بعد أن أوصل بني إسرائيل إلى مشارف الأرض المقدّسة.
تُقدّم قصة نبي الله موسى عليه السلام العديد من الدروس والعبر التي تتجلى من خلالها عظمة قدرة الله تعالى وحكمته، وأنّه لا يُغلبه أحد وأهمية وجوب التسليم له واليقين بحكمته.
اترك تعليق