مظاهر وأشكال الغربلة في عصر الغيبة الكبرى

إن الغربلة التي يسقط فيها العديد من الشيعة، لها عدة مظاهر وأشكال قد نصت عليها الروايات، الشريفة الواردة عن النبي واهل بيته الطاهرين فهذه النصوص وان كانت في مقام الاخبار عما سيقع في المستقبل لكن يمكن ان نستفيد منها جنبة التحذير والانذار من الوقوع في شباكها و يمكن إجمالها فيما يلي:

1-الخروج من الدين او المذهب: ولعل هذا هو أخطر اشكال الغربلة، وقد اشارت له بعض الروايات منها: عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال: لتمحصن يا شيعة آل محمد تمحيص الكحل في العين، وإن صاحب العين يدري متى يقع الكحل في عينه ولا يعلم متى يخرج منها، وكذلك يصبح الرجل على شريعة من أمرنا، ويمسي وقد خرج منها، ويمسي على شريعة من أمرنا، ويصبح وقد خرج منها[1].

وربما اصبحنا نرى مصداق هذه الرواية واضحاً، خصوصاً بعد إن أصبح التجاهر بالفسق مفخرة، والتدين منقصة ومذمة يذم عليه المؤمن ويعير به، وبعد ان اصبح الفكر العلماني متجذرا بشدة في عقول الكثير ، بل واصبح الدين بأكمله مرفوض عند البعض ومحلا للسخرية والتشكيك.

2- اليأس من رحمة الله وظهور الامام: وقد ذكرته بعض الروايات ايضا، فمنها الرواية المشهورة: عن عبد الكريم، قال: " ذكر عند أبي عبد الله (عليه السلام) القائم، فقال: أنى يكون ذلك ولم يستدر الفلك حتى يقال: مات أو هلك، في أي واد سلك؟ فقلت: وما استدارة الفلك؟ فقال: اختلاف الشيعة بينهم[2].

وهذا الشيء أيضا أصبحنا نشاهده بكثرة، فالكثير الان يتساءل بل ويشكك بالإمام المهدي وظهوره وينكره ايضا نتيجة لقلة وضعف ايمانه وبصيرته.

3- الإختلاف والتنازع وتفرق الصفوف: وهو من الأمور التي أكدت عليها الروايات تاكيدا هاما، وقد ذكرته عدة روايات، منها عن عميرة بنت نفيل، قالت: " سمعت الحسين بن علي (عليهما السلام) يقول: لا يكون الأمر الذي تنتظرونه حتى يبرأ بعضكم من بعض، ويتفل بعضكم في وجوه بعض، ويشهد بعضكم على بعض بالكفر، ويلعن بعضكم بعضا.

فقلت له: ما في ذلك الزمان من خير؟ فقال الحسين (عليه السلام): الخير كله في ذلك الزمان، يقوم قائمنا ويدفع ذلك كله[3].

ومنها:

عن مالك بن ضمرة، قال: " قال أمير المؤمنين (عليه السلام): يا مالك بن ضمرة، كيف أنت إذا اختلفت الشيعة هكذا - وشبك أصابعه وأدخل بعضها في بعض -؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما عند ذلك من خير؟ قال: الخير كله عند ذلك يا مالك، عند ذلك يقوم قائمنا[4].

وهذا الشيء من أكثر ما نشاهده الآن، فالخلاف والنزاع بين الشيعة لأسباب قومية او عرقية او سياسية أصبح واسعاً وواضحاً جدا بين الشيعة.

4 - قسوة القلوب: وقد اشارت لهذا بعض الروايات، منها:

عن أمير المؤمنين عليه السلام قال:" للقائم منا غيبة أمدها طويل كأني بالشيعة يجولون جولان النعم في غيبته يطلبون المرعى فلا يجدونه ألا فمن ثبت منهم على دينه لم يقس قلبه لطول أمد غيبة إمامه فهو معي في درجتي يوم القيامة[5].

وايضا ما جاء عن الامام المهدي في التوقيع الاخير له " وذلك بعد طول الامد وقسوة القلوب " ..

والظاهر أن قسوة القلوب وجفافها هو فرع ضعف الايمان والشك، فطول الغيبة، وانتشار الظلم والجور، وكثرة الفساد، سيضعف بسببها ايمان الكثيرين وتتزلزل عقيدتهم ويدخل الشك لقلوبهم، كل هذا سيؤدي في الاخير الى قسوة قلوبهم.

5- التوقيت والعجلة: وقد أشارت لهما بعض الروايات، منها:" عن عبد الرحمن ابن كثير قال كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه مهزم، فقال له: جعلت فداك أخبرني عن هذا الامر الذي ننتظر، متى هو؟ فقال: يا مهزم كذب الوقاتون وهلك المستعجلون ونجا المسلمون[6].

ولفهم الرواية ينبغي توضيح هذه المصطلحات الثلاثة (الوقاتون، المستعجلون، المُسَلِّمون):

 - الوقاتون: وهم الذين يحددون سنة او سنين معينة للظهور بناءً على اوهام وتخيلات لديهم، والتوقيت ناجم عن الاستعجال ايضا، واصحاب هذا القسم وصفتهم الروايات بالكذابين.

 - المستعجلون: وهم الذين يطلبون حصول الشيء قبل وقته، فتجدهم ينفعلوا ويتفاعلوا مع الاحداث في الخارج ويعترضوا على الله لماذا لا يخرج الامام ولماذا ولماذا وقد امتلأت الارض ظلما وجورا، وتجدهم يحاولوا تطبيق كل ما يحصل في الخارج على علامات الظهور ويبنو افكارهم على هذه الأوهام، مع أن الله لا يستعجل لعجلتهم، وهذا القسم من الهالكين.

- المُسَلِّمون وفي بعض الروايات المقربون: وهذا القسم هو الناجي الوحيد، وهم الذين يقربون ظهور الامام ويتفائلون بقربه، وينتظرونه ويعملون بتكاليفهم وواجباتهم، من دون أن يوقتوا له وقتا، ومن دون أن يعترضوا على تأخره، أو يطلبوا حصوله قبل وقته.

6- اتباع مدعي السفارات: وقد أشار الامام المهدي لهذا القسم في توقيعه الأخير "وسيأتي شيعتي من يدعي المشاهدة "، وقد شاهدنا العديد من الدعوات التي تدعي الإرتباط بالإمام الحجة، ولا زال الكثير منها موجوداً ونشطاً، ويصدق بها الالاف من الشيعة لحد الآن.

فهذه ستة وجوه للغربلة إستقصيناها من الروايات الشريفة، لذلك، على المؤمنين الإلتفات جيداً لها لتجنب الوقوع فيها إن شاء الله.

 

 

 الهوامش:-----                                                

[1] - ( الغيبة – النعماني – ج1 –ص212). 

[2] - ( الغيبة – النعماني – ج1 – ص157).

[3] - (الغيبة – النعماني – ج1 – ص211).

[4] - (الغيبة – النعماني – ج1 – ص212).

[5] - (الغيبة – النعماني – ج1 – ص212).

[6] - (الغيبة – النعماني – ج1 – ص212).

: الشيخ ميثم الصريفي