الإمام الحسين عليه السلام والعصمة
ان من الشروط التي لابد ان تتوفر في الشخصية التي تقود الامة من بعد النبي’ لابد ان يكون معصوماً ، فانه لا يمكن ان يكون الخليفة الذي ياتم به المسلمون عاصياً مذنبا، وذلك لان الغاية من نصب الخليفة هو ايصال الناس الى طريق الحق والصواب على جميع المستويات، فان كان الخليفة انسان عاصي مذنب يفعل المنكرات ، فهل يمكن ان يوصل الناس الى بر الامان بالطبع لا فحتى يكون الخليفة والامام اماناً للامة من الضلال لابد ان يكون معصوما من الخطأ والزلل ، هذا من جهة ومن جهة أخرى ان اللّه تعالى أمرنا بطاعة اولي الامر وذلك بقوله ( يا ايها الذين امنوا اطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم )، فكيف يمكن لنا ان نطيع العاصي والمذنب اذن لابد أن يكون الإمام معصوماً حتى يصل بنا الى بر الامان ويكون نجاة من الضلال.
وهذا بعينه اشار له القران الكريم حيث انه لم يحدثنا عن ائمة معصومين غير أهل بيت النبي، وذلك في آية التطهير التي اتفق علماء مدرسة المخالفين على نزولها بأصحاب الكساء الخمسة وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام فقد ورد ذلك في 554 مصدر من مصادر العامة ، وقد وردت في جميع كتب الصحاح والمسانيد وغيرها من كتب الحديث والتاريخ وغيرها حيث قال تعالى ( انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس ويطهركم تطهيرا ) ، فان اللّه تعالى قد أذهب الرجس عن اهل بيت نبيه وطهرهم تطهيراً من الذنوب والمعاصي ومن جميع الشوائب .
والإمام الحسين عليه السلام هو احد المشمولين بهذه الآية المباركة التي تدل على عصمته من الخطأ والزلل في كل ما يقوم به في حياته الدنيوية.
الامام الحسين عليه السلام وعلم الكتاب
ان مما يتصف به الامام الحسين عليه السلام هو انه عنده علم الكتاب والمراد بعلم الكتاب هو ذلك الكتاب الذي يكون للعالم به القدرة على التأثير في عالم التكوين والهيمنة على الموجودات حيث ذكرت الروايات ان هذا الكتاب هو نفس الكتاب الذي كان اصف ابن برخيا يعلم بعضه فتمكن ان يأتي بعرش بقليس من اليمن الى بيت المقدس قال تعالى: ( قال الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي)[1] .
والمراد بالكتاب كما ذهب السيد الطباطبائي وغيره كالسيد العسكري رحمهما الله هو القران الكريم الذي هو تبيان لكل شئ قال تعالى ( ما فرطنا في الكتاب من شيء )[2] فمن كان عنده حقيقته يكون متمكنا ومهيمنا على الاشياء بأعظم هيمنه .
فالمراد من علم الكتاب اذن: (هو ذلك العلم القاهر لهم، الذي يعطي العالم به السلطة والقدرة على التصرف، وإراءة الخوارق التي تسقط استكبارهم، وتعرفهم بمدى ضعفهم، وبأنهم لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضرا.
كيف يكون للحسين عليه السلام علم الكتاب؟
ان اللّه تعالى قد حصر هذا العلم الكلي بمجموعة خاصة في القران الكريم حيث قال (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ ) تبين هذه الآية ان هذا القران الكريم المحفوظ المخزون في اللوح المحفوظ لا يمسه لا من كان يتصف بصفة الطهارة والمراد من المس هو الادراك والعلم ، فيكون المعنى ان القران الكريم لا يعلمه ولا يدركه ولا يطلع عليه الا المطهرون، والذي يؤيد هذا القول قول امير المؤمنين عليه السلام حين جمع القرآن وطلبوا منه أن يخرجه بعد ما حرفوا ما عندهم منه، فقال: (إن القرآن الذي عندي لا يمسه إلا المطهرون والأوصياء من ولدي، إذا قام القائم من ولدي يظهره ويحمل الناس عليه، فتجري به السنة)[3].
وهذا الآية المباركة بمعية اية التطهير يتبين لنا ان الذين عندهم علم الكتاب هو محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليه السلام اذن فالحسين عليه السلام عنده علم الكتاب، وطبعا ان الذي عنده هذا العلم يختلف عن الذي عنده علم من الكتاب كآصف بن برخيا وصي النبي سليمان عليه السلام حيث انه كان عنده علم من الكتاب اي بعض الكتاب لا علم بجميع الكتاب وهذا فارق كبير بين هذين النوعين من العلم ، فلذا نقول فان كان الذي عنده علم جزئي من بعض الكتاب استطاع ان يأتي بعرش بلقيس من اليمن الى فلسطين فكيف بالذي عنده علم الكتاب فأنه يمكن ان يؤثر في الكثير من القضايا التكوينية كما حصل لأمير المؤمنين عليه السلام، وكذلك ذريته من الائمة عليهم السلام .
لماذا لم يستخدم الإمام الحسين عليه السلام علمه في عاشوراء؟
ربما يقال ان للإمام الحسين عليه السلام علم الكتاب ويستطيع أن يتصرف في الكثير من القضايا التكوينية فلماذا لم يستخدم هذا العلم في يوم عاشوراء وينتصر على يزيد بن معاوية ويستلم الحكم آنذاك ؟ الجواب: ان هذا العالم قائم على اساس نظام دقيق جدا يطلق عليه بنظام الاسباب والمسببات ، وهذا النظام غير قابل للتغير، فان اللّه تعالى أعطى الائمة هذا العلم ليس لان يتصرفوا بهذا النظام بل اعطاهم ذلك لكي من خلاله يوصلوا الناس الى الطريق الصحيح وهو طريق الهداية . وهذه الهداية تارة تتطلب معجزة وتارة كرامة وتارة علم من هذا القبيل وتارة هذه الهداية لا تحصل ولا تكون الا من خلال الشهادة في سبيل الله تعالى لذلك قال الامام عليه السلام شاء الله ان يراني قتيلا فمهما امتلك الامام من العلم والخصوصيات بما ان المشيئة الالهية اقتضت بقتله حتى تكون شهادته طريقا لهداية المجتمع الضال لسنين طويلة فلا فائدة من ان يستخدم هكذا علم بل انه ليس من مورده .
هذا من جهة ومن جهة أخرى أن علم الكتاب هو علم يتصرف به الإمام وفق المصلحة والحاجة التي تدعو إلى استخدامه، أما في غير هذا الموضع فهو يعمل ويسير ويتحرك ضمن الظروف الطبيعية التي تقتضي أن يسير مع الناس من دون الحاجة الى ذلك .
الإمام الحسين عليه السلام وآية المباهلة
قال تعالى:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ) إن الامام الحسين عليه السلام هو احد الذين خرج بهم النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم لمباهلة وفد نصارى نجران، وهم فاطمة وعلي والحسن والحسين عليهما السلام، وهذه الحادثة والواقعة من أهم الوقائع التي اثبت فيها رسول اللّه صلى الله عليه واله وسلم مقام وعظمة اهل بيته عليهم السلام، ففيها دلالات جليلة منها:
1- تدل هذه الآية ان الذين خرج بهم النبي عليه السلام هم افضل خلق اللّه بعد النبي صلى الله عليه وآله واعظمهم.
2- ان هناك خصوصية لعلي عليه السلام عن غيره من الاصحاب وهو نفس النبي ’بجميع صفاته الا النبوة.
3- يذكر الامام احمد في رواية في مسنده في باب فضائل الصحابة: ( ان النبي صلى الله عليه وآله لما خرج باهل بيته قال كبيرهم اقبل بالجزية ولا تباهلهم)، وهذا مما يدل على هيبة ال محمد صلوات اللّه عليهم مما جعلتهم يهابون الحسين عليه السلام ويذكر السيوطي في الدر المنثور ج2 ص 39 رواية تقول: ( إن النبي عليه السلام لما خرج باهل بيته فقال شاب من اليهود ويحكم اليس عهدكم بالأمس إخوانكم الذين مسخوا قردة وخنازير لا تلاعنوا فانتهوا، وقال النبي عليه السلام في حديث له ان وفد نصارى نجران لو فعلوا لاحترقوا نارا)، ولا ننسى قول كبير نصارى نجران حينما رأى النبي عليه السلام واهل بيته عليهم السلام قال لا تباهلوهم لان هؤلاء لو دعوا على جبل لا زالوه.
الهوامش:------
[1] سورة النمل 40
[2] سورة الانعام 38
[3] راجع تفسير الآصفي ج2 ص 52
اترك تعليق