العدو أستطاع خداعنا بالحداثة والتطور... ماذا يخطط؟!
في مطلع سورة البقرة يخبرنا سبحانه بأن كتابه الكريم جاء هداية لعباده المتقين، وقد أثنى سبحانه عليهم بجليل من الصفات، ابتدأها بذكر أخص تلك الصفات ألا وهي الإيمان بالغيب، قال تعالى: (ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
وفي مقابل هذا فأن القرآن الكريم لن يكون هادياً للجامدين مع عقلهم المادي، المتجاهلين لحقيقة كون العقل البشري محصور بالماديات، ولا يمكن أستعماله لإدراك ما وراء المادة من الغيب المغيب عنه، ولذلك فهم أستعملوا أداة في غير محلها فلابد من أن يخرجوا بنتائج لا تتسم بالدقة والموضوعية.
إن العدو أستطاع من خلال أدواته أن يتفه عقائدنا في داخل نفوسنا، وقد نجح بأن يقنع الاغلبية منا بأن كل ما يتعلق بالماوراء يجب أن يوضع في خانة الخرافة والتخلف، وفي ذات الوقت تراه يهتم بهذه المسائل غاية الاهتمام ويصرف لها ما أستطاع من الجهد والمال والوقت.
لقد تحدثت في كتابي "الرؤى والأحلام" بشيء من التفصيل حول أهتمام الغرب بكل القدرات الخارقة التي يحملها البعض سواء من خلال التنبؤ أو الأحلام الصادقة، وقلت حينها : "كتب جم مارس "Jim Marrs"، كتاباً يحمل عنوان "جواسيس ما وراء الطبيعة" أوPsi Spies""، بيَّن من خلاله المشاريع والتجارب التي تبنَّتها المخابرات العالمية في مجال التنبؤ بالمستقبل. سواء كان ذلك بواسطة الأحلام، أو بالتنبؤ. ويقول المؤلف إن معظم هذه المشاريع تم تنظيمها من قبل المخابرات الامريكية والروسية.
إن الروس كانوا هم السبّاقين لهذه المشاريع، فقد بدأت تجاربهم عام 1960م، حين أسسوا معهد "لينينغراد" للأبحاث النفسية الخارقة. أما المخابرات الأمريكية فقد بدأت عام 1972م تجاربها الخاصة لإرسال جواسيسهم أثناء الأحلام، لغرض التجسس على دول ومناطق بعيدة. وأكدت التقارير الأمريكية أن الروس كانوا ينفقون على هذه البحوث 60 مليون روبل سنوياً، والتي بدورها قد حققت نتائج إيجابية، مما جعل المخابرات المركزية الأمريكية تبدأ بتمويل برامج لهذا الغرض. واليوم هي تعترف بتنظيم مشروعين على الأقل للتجسس عن بُعد، الأول يدعى "سكانيات"، وانتهى رسمياً عام 1985م، والثاني "ستارغيت" ولم تعترف به إِلاّ في يوليو 1995م.
في عام 1979م، تم دمج أبحاث معهد "ستانفورد"، في مشروع "غريل فليم"، أُعيد تصميم هذه المشاريع تحت مسمى "انسكوم سينتر لين". أما في عام 1983م فقد أُعيد تصميم البرنامج تحت اسم "سن ستريك"، بتمويل من مديرية الاستخبارات العلمية والتقنية، وكان مقره في مطار الدوحة الدولي بقطر، بعد ذلك تم نقل المشروع إلى هيئة الاستخبارات المركزية، وتم التكتم على نتائج هذه الأبحاث، قبل أن يُعلن بأن هذه المشاريع لم تُجدِ نفعاً. ورغم أن المخابرات الامريكية تنكر حالياً علاقتها بأي تجارب من هذا النوع، إِلاّ أن صحيفة التايمز البريطانية قالت: "في أثناء قصف أفغانستان"، إن المخابرات الأمريكية تستخدم مشاريع "الرؤية عن بُعد"، للبحث عن الأعضاء المهمين في تنظيم القاعدة!!
إن إحدى النجاحات التي تم تسريبها من هذه المشاريع عام 1976م، حيث اكتشفت "روزماري سميث"، وهي مساعدة إدارية شابة، عيّنها مدير المشروع "ديل غراف" عن موقع طائرة تجسس مختفية، تابعة للاتحاد السوفييتي.
أما حديثاً فقد تلقت الحكومة الهندية عرضاً من أهم علماء البلاد، العالمان هما البروفيسور "سرينيفازن"، من مختبرات باهاباه النووية، والثاني عالم النفس الدكتور "راماكريشنا"، حيث اقترح العالمان إنشاء جهاز مخابرات يعتمد على الأحاسيس الخارقة لغرض التجسس والتنبؤ بالمستقبل، ويعتمد اقتراحهما على استغلال موهبة نادرة تدعى الرؤية عن بُعد "Remote Viewing ". تعتمد على الرؤية من خلال الأحلام، والتنويم المغناطيسي، للذهاب بصاحب الموهبة إلى دول بعيدة، ثم يستيقظ ويخبر بما رأى، أو بما بُعث لأجله.
وقد استشهد العالمان باعتماد الأمريكان والسوفيات على هذه الطريقة، وقالا إن الهنود هم أولى الناس بتبني هذا الأسلوب، لأن هناك نصوصاً قديمة تتحدث عن رهبان هنود، كانوا يستطيعون السفر بعقولهم وأرواحهم إلى مناطق بعيدة، بمجرد أن يغمضوا أعينهم.
إن العدو أستطاع بواسطة أدواته الاعلامية أن ينشر ويثقف للغيب ولكن بالطريقة التي هو يريدها، ونجح أيضاً بأقناع الاغلبية بأن للافلام والمسلسلات وكذلك لبعض المتنبئين المصداقية فيما يطرح من نبؤات مستقبلية.
إن هذا التسييس المتبع للأقناع قد أتى ثماره بعد جملة من الأفلام والمسلسلات التي نجحت في طرح مسائل مستقبلية بطريقة درامية تبقى عالقة في الآذهان، أستطاعت هذه الأفلام أن تقنع الكثير بقدرت بعضها على التنبؤ بالمستقبل، من ذلك فيلم (Mario Brothers) (1993). حيث يشير المشهد الآخير منه إلى أن نيويورك هي مدينة الحدث، وبشكل غير متوقع يختفي برجا التجارة بشكل مشابه لما حدث في الحقيقة، وكذلك فيلم الحصار (The Siege) (1998)، والذي يحكي قصة هجوم على مدينة نيويورك بالطائرات التي تصطدم ببرجي التجارة العالميين، وهناك مشهد جرى فيه استخدام قانون بافلوف (Pavlov) في علم النفس، وهو قانون الربط الشرطي حيث كان المشهد عبارة عن شاشة تنقسم إلى قسمين، قسمها الأول الطائرة التي تصطدم بالبرج والقسم الثاني مجموعة من المسلمين الذين يسجدون جميعاً فرحاً وابتهاجاً بالمشهد!!
في الحقيقة هنالك عشرات الافلام والمسلسلات التي تحاكي حادثة 11 أيلول قد تم طرحها قبل الحادثة بسنوات عديدة، وكل ذلك مدروس بعناية ولا يمكن أن يوضع في خانة الصدفة لان الصدفة لا يمكن أن تتكرر مرات عديدة وبنفس الحبكة.
ومن الافلام الاخرى التي تم طرحها في هذا المجال هو فيلم (Contagion) وهو من أنتاج عام 2011م، حكى الفيلم قصة فيروس قاتل مميت في مدينة ووهان الصينية، وبعد ذلك تحاول المنظمات الصحية والحكومة الأمريكية معرفة مصدر الفيروس وإيجاد لقاح له، والمفاجئة أن الفيروس هو ناتج من الخفافيش والخنازير وينتقل للإنسان، وهو بدوره ينقلها للبشر، وكذلك التنبؤ بموت 80 مليونا حول العالم، كذلك أشار الفيلم إلى أن الفيروس قد يكون حربا جرثومية مفتعلة.
في الحقيقة إن ما تقدم كان مقدمة لفهم ما أراده الغرب حين طرح فيلم (The Man Who Saw Tomorrow) (الرجل الذى رأى الغد ) في عام 1981م، والذي يحكي قصه حياه نوستراداموس بشكل وثائقي ويتحدث عن نبوءاته التي قالها قبل أكثر من خمسة قرون وقد تحققت بدقة متناهية، تلك التنبؤات التي تخبرنا بأحدث عديدة بدأً من الثورة الفرنسية الى الحرب العالمية الأولى والثانية ثم حرب الخليج الاولى والثانية، والغريب أن "ونستون تشرشل" استطاع أن يستخدم هذه التنبؤات لصالحه في الحرب مع ألمانية، حيث ألقى العديد من تلك التنبؤات على مدينة برلين ليخبرهم بأن "نوستر أداموس" قد تنبأ بأنتصار الحلفاء.
إن هذا الفيلم أستطاع في نهايته أن يخبرنا بالـ"طريقة التي يريدها الغرب" عن حركة الامام المهدى عليه السلام وظهوره في الجزيرة العربية وبلاد فارس تحديداً، وقد صور الإمام بالشخصية الارهابية الدموية، والذي سيقضي على الدول الكبرى ويسحقها دون رحمة.
إن الغريب في الفيلم أنه تحدث عن القوة الصاروخية التي سيمتلكها وسيهدد العالم بها، ولم يتطرق لباقي تفاصيل المعركة حتى أنك ستجد التركيز الدائم على الصواريخ التي ستقع في المدن العالمية، وأظهر كذلك في الجانب الآخر القوة الجوية للحلفاء... أليس هذا غريباً حقاً؟! هل يمكن أن يكون كل ذلك صدفة مرة آخرى؟!
إن ما أريد بيانه في هذا المقال البسيط هو لابدية فهم عقل العدو، كيف يخطط؟ ماذا يريد؟ وماذا نريد نحن؟ هل فعلا هو لا يؤمن بالغيب؟ ولا يقيم له وزناً؟ أم أنه يحاول أن يقنعنا بذلك وهو مؤمن حقاً؟
الواقع يشير إلى أن الشيطان يؤمن بأن الله تعالى هو الخالق البارئ المصور، وفي ذات الوقت يحاول صرف أذهاننا عن هذه الافكار بشتى السبل، كذلك العدو فأنه يؤمن حقاً بالغيب وأن وعد الله لآت، ولكنه يحاول بشتى السبل أيضاً صرف أذهاننا عما بينه كتاب الله وسنة نبيه، بل وأقناعنا بما يريده هو وفق ما يخطط له. وقد أنتبه كل من شاهد الفيلم بأن المخرج "أورسون ويلز" مقدم الفيلم الوثائقي كان دائم القول بأن بأمكاننا أن نغير المستقبل وأن لانسمح لهذا الأرهابي بأن يسيطر على العالم ويجب أن نعد له العدة...
إن قولهم هذا دليل محكم على أنهم ينتظرون ظهوره إكثر بكثير ممن يدعي محبته وأنتظاره، والدليل أنهم يعدون العدة بكل ما عندهم من المال والجهد والوقت... فهل نحن كذلك منتظرون؟!
اللهم عجل لوليك الفرج وأجعلنا من أنصاره وخدامه والمستشهدين بين يديه بحق محمد وآل محمد
حررت بتأريخ
١٩ربيع الآخر ١٤٤٦ هـ
علي الحداد
اترك تعليق