المخدرات مشروعيتها ، والمتاجرة بها ، وأسباب تناولها

حقيقة المخدرات

إن من الأمور الأساسية التي تبتلى بها المجتمعات الحديثة والتي تؤدي إلى الإنحراف والفساد، والإنحلال في المجتمع هو موضوع المخدرات والادمان عليها، فهي من بلاءات هذه الأيام ومن شر المفسدات التي أمر الله تعالى بعدم مقاربتها سواء على مستوى التعاطي أو الترويج.

والمخدرات: هي المواد، والعقاقير، والمنتجات التي تغشي وتذهب العقل والفكر وتؤثر على الحواس بشكل كلي أو جزئي ويصيب متعاطيها بالكسل، والضعف، والإسترخاء والفتور وتسبب الإدمان وتسمم الجهاز العصبي سواء كانت نباتاً كالحشيش والبنج والأفيون والقات ونحو ذلك، أم كانت عقاقير مصنعة كالحبوب والحُقن.

  بتعبير آخر: المخدرات هي كل مادة طبيعية أو مستحضرة من شانها إذا أستخدمت في غير الأغراض الطبية أو الصناعية الموجهة أن تؤدي الى فقدان كلي، او جزئي للإدراك بصفة مؤقتة، والمخدرات في مجملها تؤثر على المخ وهذا سر تأثيرها والكثير منها يتسبب في موت بعض خلايا الجزء الأمامي لقشرة الدماغ.

أثر المخدرات على العقل

    ميّز الله سبحانه وتعالى الإنسان عن سائر الحيوانات بنعمة كبرى وهي العقل، فقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام: (لمّا خلق الله العقل، قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر ثم قال: وعزتي وجلالي، ما خلقت خلقاً هو أحبُّ إلى منك، بك آخذ وبك أعطى، وعليك أثيب). وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم: (ما عبد الله بشيء أفضل من العقل)[1]، والعقل هو الطريق الذي من خلاله يكتسب الإنسان الجنان قال الإمام الصادق عليه السلام حينما سُئل ما العقل، قال عليه السلام: (ما عُبد به الرحمن واكتسبت به الجنان)[2].

 والعقل هو ملكة وحالة في النفس تدعو إلى إختيار الخيرات والمنافع وإجتناب الشرور والمضار وقد أراد الله تعالى أن يبقى العقل حاكماً على سلطان الشهوات، والغضب والوهم، ومن هنا فقد حرمت الشريعة المقدسة ما يذهب حصانة العقل كالخمر وأشباهه.

 ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام: (فرض الله... ترك شرب الخمر تحصيناً للعقل)[3]، فالخمر كما هو واضح ومعلوم  يُذهب العقل وإذا ذهب العقل يمكن أن يحصل كلّ شيء فيمكن للإنسان أن يفسد ويتعدى الحدود ويتصرف مع الجميع بطريقة جنونية  ومن هنا ورد في حكمة تحريم الخمر عن الإمام الصادق عليه السلام: (حرّم الله الخمر لفعلها وفسادها، لأن مدمن الخمر تورثه الإرتعاش وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجترئ على إرتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حرمه، ولا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلا كلَّ شر)[4]، وهذا بعينه يحصل عند تناول المخدرات فإن الفرد لما يذهب عقله سيرتكب المحارم ويجرؤ عليها ويمارس الرذيلة حينما يفقد عقله ويكون سببا لإنتشار الشر والفساد سواء على مستوى الأسرة ، أم المجتمع.

الموقف الشرعي من المخدرات:

     إتفقت كلمات العلماء الأعلام على تحريم تناول وتعاطي المخدرات، والمتاجرة والتعامل بها، وتهريبها وتصنيعها والإعانة عليها سواء على نحو الحرمة التكليفية أم والوضعية إلّا ما كان لبعض الحالات الطبية، وكانت هناك ضرورة على ذلك، وأما في غير هذه الحالات فيحرم ذلك مطلقا[5].

  ولقد ذكر العلماء أدلة عدة على تحريم المخدرات فالبعض من الفقهاء أخذ في تحريمها كموضوع مستقلّ مطبقاً عليها الحرمة[6]، والبعض الآخر كالشيخ الطوسي رحمه الله ألحقها بالمسكرات[7] وهناك مَنْ إعتبرها من السموم، ويفتقد أي فائدة عقلائيّة، ولذلك يستوجب الحرمة؛ والبعض الآخر أدخله في موضوع المسكر وأفتى بتحريمه... الخ[8].

 

حرمة المخدرات بحكم العقل

    من أهم الأدلة على تحريم المخدرات هو حكم العقل وتطبيق بعض القواعد العقلية قال السيد الشهيد محمد باقر الصدر رحمه الله في تقسيم القضايا والأحكام العقليّة: يتمّ حكم العقل بطريقتين: إحداهما: قضايا تشكل عناصر مشتركة في عمليّة الاستنباط.

والأخرى:قضايا مرتبطة بأحكام شرعيّة معينة كحكم العقل بحرمة المخدر، قياساً له على الخمر؛ لوجود صفة مشتركة وهي إذهاب الشعور[9].

حرمة المخدرات لأنه من المسكرات:

  هناك مَنْ حكم بتحريم المخدرات لأنّه من المسكرات، وبما أن الشرع الإسلاميّ قد جعل حرمة إستعمال المسكرات من المسلَّمات فإن تحريم تعاطي المخدرات يكون شيئاً مسلَّماً أيضاً ولكن هل إن المخدرات واقعاً من المسكرات، وله نفس الأحكام الجزائية والتكليفية التي تنطبق على المسكر؟

   إن أكثر آراء الفقهاء تُجمع على أن العرف هو الذي يفرق ويميز بين المسكر والمخدرات، وأن الملاك في التشخيص -المسكر عن غيره، والخمر عن غيره - هو العرف ففي العرف لم تؤخذ المخدرات على أنها عين المسكر حتّى يجري عليها أحكامه المختلفة، ولكن وبالرجوع إلى الروايات التي بيَّنت حرمة الخمر والمسكرات، والفلسفة والدليل على تحريمها يمكن القول من باب تنقيح المناط وعدم الخصوصية يسري على المخدرات حكم حرمة الخمر والمسكرات.

  لذلك فإن جميع أدلة وفلسفة تحريم الخمر التي جاءت في الروايات الصحيحة تدل على تحريم المواد المخدرة، وفي كتاب علل الشرائع يوجد بعض الروايات في باب تحريم الخمر منها:

1ـ حدّثنا محمد بن موسى بن المتوكِّل قال: حدّثنا علي بن الحسين السعد آبادي قال: حدثنا أحمد بن محمد بن خالد، عن أبيه، عن محمد بن سنان، قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى بن جعفرعليه السلام يقول:( حرم الله عزّ وجلّ الخمر لما فيها من الفساد ومن تغييرها عقول شاربيها، وحملها إياهم على إنكار الله عزّ وجلّ، والفرية عليه وعلى رسله، وسائر ما يكون منهم من الفساد والقتل والقذف والزنا وقلة الإحتجاز عن شيء من المحارم، فبذلك قضينا على كل مسكر من الأشربة أنه حرام محرم؛ لأنه يأتي من عاقبة الخمر)[10].

2ـ حدثنا محمد بن علي ماجيلويه ، عن عمّه محمد بن أبي القاسم، عن محمد بن علي الكوفي، عن عبد الرحمن بن سالم عن المفضل بن عمر، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه السلام: (لِمَ حرم الله الخمر؟ قال: حرم الله الخمر لفعلها وفسادها؛ لأن مدمن الخمر تورثه الإرتعاش، وتذهب بنوره، وتهدم مروته، وتحمله على أن يجترئ على إرتكاب المحارم، وسفك الدماء، وركوب الزنا ولا يؤمن إذا سكر أن يثب على حُرمه، ولا يعقل ذلك، ولا يزيد شاربها إلاّ كل شر)[11].

ثالثاً: حرمة المخدرات من باب أكل السمّ والأضرار الشخصيّة والاجتماعية.

   هناك من الفقهاء مَنْ حرم إستعمال المخدرات من باب تحريم الشرع أكل السم، والضرر الذي يسبِّبه للجسم وما يعترض له الجسم والذهن من مخاطر مما يجعل حرمته في الشرع من المسلَّمات[12]، والبعض الآخر حرمها لما يلحق المجتمع من أضرار تترتَّب على تعاطيها فتكون حرمتها من باب الحرمة الشخصية، والإجتماعيّة.

رابعا ً: حرمة المخدرات بقاعدة حرمة الإسراف:

يعد الإسراف من الأمور التي نُص على حرمتها في القرآن الكريم والروايات الشريفة، وأقوال العلماء الأعلام وهذا مما لا شك فيه، والإسراف هو التصرف السفهي المجاوز للحد بصرف الأموال بما لا يعود بالنفع المعتد به عند العقلاء - كالإنفاق في المعصية والإنفاق من غير حاجة أو فيما لا ينبغي - وهو خلاف الإقتصاد، و تناول المخدرات وتعاطيها يدخل في باب الإسراف لأنه إنفاق في معصية لا تعود بالنفع بل يعود بالضرر فيكون مصداقاً للإسراف ،والذي يصرف أمواله بهكذا مواد ضارة يسمى سفيها[13].

 

 

خامساً: حرمة المخدرات لأنه مقدمة لفعل الحرام:

   هنالك من الأحكام الكلية والقواعد الفقهية التي تنص على أن هنالك بعض الأمور تكون محرمة لأنها تكون سببا لفعل وإرتكاب المحرمات وتسمى هذه القاعة بقاعدة (مقدمة الحرام) وأن تعاطي المخدرات تعتبر من المصاديق الواضحة لمقدّمة الحرام، وفي بعض الأحيان من باب الشرط لتحقق فعل الحرام.

  فإن المتعاطي للمخدرات وخصوصاً من لم يكن قاصداً في بداية أمره إرتكاب المحرمات من قبيل السرقة أو القتل أو الفساد أو ترك الواجبات والفرائض إلّا أنه لا يمكن له ضمان ذلك وقد أثبت الواقع إن هنالك الكثير من الجرائم يرتكبها المدمنون والمتعاطون للمخدرات، بل إن بعض الشباب يعرض نفسه للمهالك في سبيل الحصول على المواد المخدرة مع علمهم بما تؤول اليه الأمور من العواقب القانونية والصحية والإجتماعية، وقد إنتشرت حالات كثيرة من السرقات والقتل، و الإنتحار والتحرش وغيرها وكل ذلك كان سببه تعاطي المخدرات ،فبما أن هذه المواد وتعاطيها تؤدي الى فعل الحرام فإنها تكون محرمة بلا شك.

حرمة المتاجرة والتعاطي وتصنيع المخدرات

   لقد ذكر العلماء أدلة عدة تدل على حرمة المتاجرة والتعاطي وتصنيع المخدرات ومنها:

أولاً: قاعدة لا ضرر:

  إن قاعدة لا ضرر من القواعد الفقهية المهمة وهي أساس لكثير من الأحكام الفقهية، وهنالك كثير من الفقهاء والعلماء ممن حكم بحرمة التعاطي والمتاجرة والتصنيع للمخدرات من باب هذه القاعدة وذلك لأن المتاجرة والتكسب وعقد الصفقات تحلق الأضرار الجسيمة بالأفراد والمجتمع وتؤثر سلبا على حياتهم، فكم نرى في الواقع ممن تضرر بسبب هذه المواد التي تدخل الى المجتمع فلذا ومن باب قاعدة نفي الضرر، وتم تحريمها لأن المتاجرة بالمخدرات لا تجلب إلّا الويلات والإضرار في المجتمع.

 

ثانياً: المتاجرة وحرمة المعاونة على الإثم:

   قال تعالى: ﴿وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [14]، فإن هذه الآية الكريمة من القواعد المهمة والأساسية التي تدل على حرمة الإعانة والمساعدة على الإثم والوقوع في الحرام وقد دلت الآيات والروايات وأقوال العلماء الفقهاء على ذلك وقد نقل الشيخ الطوسي رحمه الله الإجماع على ذلك[15] وذهب البعض من الفقهاء الى أن حرمة المعاونة على الإثم من الضرورات الدينية[16].

   ومضافاً الى ذلك فإن حكم العقل أيضاً يدل على حرمة المساعدة على الإثم، فإن العقل يقبّح الإعانة على الإثم لأنه مساعدة على إتيان ما هو مبغوض للمولى عز وجل وما هو قبيح عرفا عند الناس، وقد أفتى بعض الفقهاء في موارد كثيرة طبقا لهذه القاعدة وكان البحث ووجهات النظر التي أبدوها تنصبّ في تعيين وتوضيح معنى مدّ يد العون والمساعدة على الإثم والعدوان.

    ولا شك ولا ريب أن تصنيع المخدرات وتهريبها وإستعمالها السيء من المصاديق الواضحة على المساعدة على الإثم والعدوان، فإن الذي يقوم يبيعها وتهريبها وخصوصاً في واقعنا المعاصر بات واضحاً جدا أنه على علم وقصد من إيصالها في نهاية الأمر الى المتعاطين والمدمنين وأنها ستؤثر سلبا عليهم وعلى المجتمع عموما وتؤدي الى إرتكاب الكثير من المحرمات.

ثالثاً: قاعدة مقدّمة الحرام حرام

  ومن القواعد الفقهية المهمة التي يبني عليها الفقهاء فتاواهم في عديد من المواضيع هي قاعدة (مقدمة الحرام حرام) فاذا كان العمل سببا للوقوع في الحرام وتحققه سيكون نفس ذلك العمل محرماً، وكذلك اذا كان شرطا لارتكاب الحرام بشرط أن يقصد فيه الحرام.

  ومما لا شك فيه إن التجارة بالمخدرات وتهريبها سبباً مؤدياً لفعل الحرام كتعاطي المخدرات، او ستكون سببا لحصول الكثير من الجرائم في الواقع.

 فإن المُصنع للمخدرات والمتاجر بها والمهرب لها يعلم علم اليقين أنها ستؤدي في النهاية الى التعاطي والإدمان وفقدان العقل، وهذا كاف لأن يكون التهريب والمتاجرة حراماً.

  ومضافاً الى ذلك أن التعاطي بسببه تتحقق الجرائم من قبيل القتل والسرقات والتعدي على الحرمات ويفسد الفرد والمجتمع ويلحق الضرر بالجميع فإن الحرمة ستتأكد من هذه الناحية.

التحايل، التهديد، وعدم الأمن، وأمثال ذلك، وبناء على هذا فإنّ الحرمة تتأكد أيضاً من هذه الناحية.

أسباب تعاطي  للمخدرات

    لقد أصبحت مشكلة تعاطي السموم من أخطر المشكلات التي تواجه شبابنا في هذا العصر، حيث أصبحت أكثر شيوعاً في الآونة الأخيرة بين الكبار والصغار وفي كل أنحاء العالم وعلى كافة المستويات، وتحدثنا فيما تقدم عن موقف الشارع المقدس من المخدرات وذكرنا الأدلة الأساسية على تحريمها والتي كان أهمها إن المخدرات كالخمر من حيث علة تحريمها وكذلك تدخل في باب المسكرات أيضاً، وهي محرمة من باب دفع الضرر الشخص و الإجتماعي وكذلك المتاجرة بها وتهريبها، فإنه حرام من باب دفع الضرر ومقدمة الحرام حرام وهكذا بقية الأدلة في هذه الحلقة نستعرض أهم الأسباب التي من أجلها يتناول المخدرات، وكذلك ما تخلفه من أثار إجتماعية و إقتصادية وصحية على الفرد والمجتمع.

إن أسباب تعاطي السموم والمخدرات عديده وكثيره وأهمها:

 أولاً: ضعف التوجه الديني عند الفرد المتعاطي.

   إن عدم وجود تنشئة دينية منذ الصغر للأبناء والناشئة والشباب وحثهم من قبل أُسرهم وبيئتهم على الإلتزام بتعاليم الإسلام سيكون له أثر على الواقع الإجتماعي الذي سيمارسه الفرد حيث ستؤدي الى بناء شخصية غير متزنة ومضطربة وتعاني من القلق، والوسواس، والشكوك والإضطرابات وعند ذلك عاملا للانقياد، والإنجرار نحو تعاطي المخدرات اوالإدمان عليها، مما يسبب إنحرافه عن طريق الحق والخير الى طريق الفساد والضلال.

فعدم تمسك الشباب بتعاليم الإسلام من حيث إتباع أوامره وإجتناب نواهيه وعدم الاهتمام بكتاب الله وسنة النبي وأهل البيت صلوات الله عليهم سيؤدي الى الفساد والانحراف، والإعراض عن الله تعالى وقد أشار القران الكريم الى ذلك في قوله تعالى:(وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ أولئك هُمُ الْفَاسِقُونَ)[17].

ثانياً: عدم الخوف من الله عز وجل:

فإن عدم التنشئة الدينية لدى الفرد تؤدي الى عدم الخوف من الله سبحانه وتعالى، وعدم التفكير بما سؤول اليه مصير الفرد المتعاطي عندما يواجه الباري عز وجل فقد روي عن أبي عبد الله عليه السلام : (خَفِ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، وإِنْ كُنْتَ لَا تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)[18].

ثالثاً: عدم إستثمار أوقات الفراغ:

  إن وجود أوقات فراغ عند الشباب وعدم إستثمارها بالشكل الصحيح يؤدي الى حصول هذه الأمور وخصوصاً اذا تلازم وقت الفراغ مع عدم توفر الأماكن الصالحة التي تستثمر طاقة الشباب،  وهذا الأمر تارة يقع سببه على الفرد نفسه فإنه شخص لا يحب العمل لصناعة مستقبله وتارة يقع على الأسرة، فهم الذين لا يعينونه على العمل، وتارة يقع العاتق على الدولة التي لا تتيح للشباب فرص العمل لكي يسد أوقات الفراغ التي قد تؤدي به الى مثل هذه المعاصي ومع هذا فإن عدم وجود العمل لا يعني أن يشغل الفرد نفسه بتعاطي المخدرات، فهنالك الكثير من الأعمال التي يمكن من خلالها سد أوقات الفراغ بالجلسات المفيدة والأعمال الغير مضرة ، وإستغلال الهوايات النافعة وإستخدام البدائل التي لا تؤدي الى فعل الحرام. 

رابعاً: مرافقة الأصدقاء الضارين ورفاق السوء:

 إن رفقاء السوء هم سبب أساسي لإفساد أخلاق الفرد والمجتمع ، فالإنسان عندما يحاط برفقاء سوء يتأثر بهم بشكل كبير بسبب حثهم المستمر على إرتكاب الذنوب والمعاصي لأن النفس بطبيعتها تتأثر بما يطرق الى مسامعها لأن السمع يداعب التطلعات والشهوات وبالتالي يزين الباطل بعبارات منمقة ربما يتأثر فيها قال النبي صلى الله عليه واله وسلم:( المرء على دين خليله وقرينه)[19]،وقد أجريت العديد من الدراسات في كثير من بلدان العالم في هذا الخصوص وتكاد تجمع جميع الدراسات النفسية والإجتماعية التي أجريت بهذا الخصوص وتبين أن رفقاء السوء والحاح الإصدقاء هم أحد الأسباب الأساسية وله دور كبير في دفع بعضهم البعض لتعاطي المخدرات وقد حذر الله تعالى في القران الكريم من إتباع أهواء المضلين قال تعالى:(وَلَا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِن قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَن سَوَاءِ السَّبِيلِ)[20].

     وقد وردت نصوص عدة في الإسلام تحث على معاشرة الصديق والرفيق المؤمن الصادق الذي يتورع عن محارم الله عز وجل، فقد روي عن أمير المؤمنين عليه السلام (عليك بإخوان الصدق فأكثر من اكتسابهم فانهم عدة عند الرخاء وجنة عند البلاء)[21]، وفي وصية أمير المؤمنين عليه السلام جاء فيها: (يا بني عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا اليكم وان فقدتم بكوا عليكم)[22]، وعن أبي عبد الله عليه السلام(إنه ليس منا من لم يحسن صحبة ومرافقة من رافقه وممالحة من مالحه ومخالقة من خالقه)[23].

     فينبغي أن يكون الصديق كما ورد في الإسلام ممن يذكرك بالله، ويعينك على صلاح الدين والدنيا، وأن يكون من أهل التقوى وعاقلا لبيبا ناهيا عن الظلم والعدوان وناصحا لك عند رؤيته العيب ويعينك على الطاعة.

خامساً: الترف والغنى الفاحش

   نجد أن هنالك بعض الناس ممن تتوفر لديه الأموال والغنى الّا أنه يصرف هذه الأموال في المحرمات، فهنالك البعض اذا رأى نفسه قد إستغنى مالياً  فلا يفكر بالله تعالى، وإنما يلتفت الى نفسه وملذاته فليس البطالة فقط تؤدي الى تناول المخدرات فهنالك إحصائيات في العالم أن كثير من الأثرياء، والأغنياء والمترفين إنما يصرفون أموالهم في المعاصي والملذات والخمر والقمار وغيرها وهذا شيء خطير في الواقع وسبب من أسباب اللجوء الى مثل هذه المحرمات، فبدل ما يصرف الإنسان أمواله على موارد الحلال أو يصرفها في وجوه البر والحياة السعيدة، وفي مسيرته العلمية او الحياتية المحللة فهنالك من يصرف الأموال ويبذلها في موارد تضره وتضر أسرته وأهله،  ومجتمعه كتعاطيه للمخدرات او شرب الخمر وغيرهما.

سادساً: الإحباط والإكتئاب النفسي مما يدفع للإدمان

   إن هذا قد يكون أيضاً من الأسباب المهمة، فإن حالة الإكتئاب النفسية والإحباط الذي يصيب البعض في المجتمع قد يؤدي إلى اللجوء لتعاطي المخدرات، مع أن هذا الأمر ليس بصحيح فعلاج الإكتئاب ليس المخدرات وإنما هي حالة آنية ستزيد من ذلك الإحباط والإكتئاب في المستقبل، فإن أغلب العلاجات النفسية تارة تكون عن طريق الطب، وتارة عن طريق الترويض النفسي وتغير نمط الحياة بالنسبة للفرد، فإن اللجوء إلى تشخيص الهدف للفرد وأن يغير نمط حياته ومسيرته أهم من اللجوء الى المعاصي في علاج هذه الأمراض، وأهمها ذكر الله تعالى، والتمسك بالنبي وأهل البيت صلوات الله عليهم والتعلم من علمهم ما يمكن من خلاله حل الأزمات النفسية وغيرها، وكذلك تنظيم المسيرة الحياتية وتشخيص الأهداف والبحث عن المقومات التي تساعد الفرد على النهوض وليس الإنحطاط .

سابعاً: إنخفاض مستوى الوعي والتعليم

   ليس هنالك من شك في أن الأشخاص الذين لم ينالوا قسطاً من التعليم لا يدركون الأضرار الناتجة عن تعاطي المخدرات أو المسكرات فقد ينساقون وراء شياطين الإنس من المروجين والمهربين للحصول على هذه السموم، وأن كان هنالك البعض من المتعلمين أيضا إنساقوا رواء هذه السموم.

ثامناً: إهمال الأهل تربية الأبناء ومراقبتهم

   يعتبر هذا العامل من العوامل الأسرية التي تدفع الشباب إلى تعاطي المخدرات، فإن الأهل والوالدين عامل أساسي في صناعة الأبناء الصالحين، وهنالك الكثير من التعاليم والعادات التي يمكن أن يكتسبها الأبناء من خلال سلوكيات وتوجيهات ابائهم وأمهاتهم، وإهمال الوالدين وعدم إرشاد أبنائهم الى الطريق الصحيح والمستقيم، وعدم محاسبتهم ومراقبتهم قد يؤدي إلى إنفلاتهم في الواقع وخصوصا إن كانوا يعيشون في بيئة خصبة تساعد على ذلك، فينبغي على الوالدين أن يأخذوا دورهم الحقيقي في تربية أبنائهم ومراقبتهم وتوجيههم وعدم أهمالهم .

بل إن هنالك البعض من الأباء ينشغل في الواقع بالسفر او العمل ولا يأخذ دوره في تربية الأسرة، وهذا سيؤدي ويعرض الأسرة إلى الضياع والوقوع في مهاوي الإدمان ولا شك أنه مهما كان العمل بالنسبة للوالدين مهما وأساسيا فإنه لا يعادل الأضرار الجسيمة التي تلحق بالأبناء نتيجة عدم رعايتهم الرعاية السليمة.

تاسعاً: القسوة الزائدة على الأبناء

من الأمور الأساسية والتي يكاد أن يجمع عليها علماء التربية هي مسالة التعامل مع الأبناء فإن الإبن إذا عومل من قبل والديه بالقسوة والتوبيخ المستمر والسخرية والضرب المبرح فإن ذلك سينعكس على سلوكه في الواقع مما يؤدي الى عقوق الوالدين وترك المنزل والهروب منه باحثاً عن مأوى له يعوضه عن هذا الحرمان ولن يجد سوى مجتمع الأشرار الذي يدفعون به إلى طريق الشر والمعصية وتعاطي المخدرات، فإن هؤلاء يتصورون أن هذا سينسيهم ما حصل لهم من الأزمات النفسية التي كان سببها التعامل القاسي معهم من قبل الأباء، وهذه الظاهرة منتشرة في مجتمعاتنا كثيرا، وباتت سبباً أسياسياً في انحراف (الأبناء ) وإستخدام طريق المسكرات والمخدرات .

عاشراً: عمل الأطفال في الشوارع

  تعد ظاهرة أطفال الشوارع احد أبرز الظواهر الإجتماعية المنتشرة بمختلف العالم النامي والمتقدم ، وهي ظاهرة خطير جداً ناتجة من العنف والتفكك الأسري والعوامل الإقتصادية التي تدفع بعض الأطفال للشارع للبحث عن عمل لمساعدة الأسرة على المعيشة أو الأنفصال عنها وكلاهما له تأثير على نمو هذه الظاهرة في المجتمع، ويقول علماء الإجتماع والتربية أن كل الأطفال الذين يقضون ساعات طويلة في الشارع من دون رقابة أسرية يتعرضون لكثير من المخاطر والتي من أهمها الإنحراف في السلوكيات التي تؤدي بالبعض الى تناول الخمر أو السكائر أو المواد المخدرة وبهذا سيشكل هؤلاء خطراً كبيراً على المجتمع والأمن وإستقرار البلد لأنهم أرضية خصبة لإستغلاهم من قبل بعض المنظمات والحركات الإرهابية مما سيؤدي الى زيادة معدل الجرائم والمشاكل الإجتماعية ، ولذا ينبغي على الجميع أن يساهم في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة التي اودت بابنائنا الى الإنحراف ، والهلاك .

 

الهوامش:------------

([1])الكافي ج1 ص 18.

([2]) المصدر السابق ج1 ص 11.

([3]) نهج البلاغة ج4 ص 55.

([4]) علل الشرائع ج2 ص 476.

([5]) انظر الموقع الرسمي للمرجع الاعلى اية الله السيد علي الحسيني السيستاني دام ظله.

([6]) جواهر الكلام ج41 ص 449، مسالك الافهام ج2 ص 370، كشف اللثام ج2 ص 457

([7]) جواهر الكلام 42: 182؛ والحلي، إيضاح الفوائد 4: 601، التنقيح السيد الخوئي 4: 191.

([8]) لطريحي، مجمع البحرين 3: 85.

أتى في مجمع البحرين: وفي الخبر نهي عن كلّ مسكر ومفتّر، وهو الذي إذا شرب أحمي الجسد، وصار فيه فتور، وهو ضعف وانكسار. ومن هنا قال بعض الأفاضل: لا يبعد أن يستدلّ به على تحريم البنج ونحوه ممّا يزيل العقل (مجمع البحرين 3: 357)

([9]) دروس في علم الأصول: 379.

([10]) علل الشرائع 2: 476.

([11]) علل الشرائع: 476.

([12])التنقيح 13: 168.

([13]) النراقي، عوائد الأيام: 215.

([14]) المائدة: 2.

([15]) القواعد الفقهية (للفاضل)، ص: 450

([16]) كتاب المناهل، السيد محمد مجاهد الحائري، ص: 314

([17]) الحشر الآية 19.

([18])الكافي: 2 / 67

([19]) الكافي ج2 ص 242.

([20]) المائدة الآية 77.

([21])) بحار الانوار 71/187.

([22])) المصدر السابق71/163.

([23])) مصدر سابق ج2/637.

المرفقات

: الشيخ وسام البغدادي