لو قيِّض للتاريخ أن يتحرَّر من أسر السلطة وقيود المؤرخين لشخصت هذه السيدة الجليلة كأنموذجٍ عالٍ يُحتذى به في عالم المرأة عبر الأجيال ولأبرزت سيرتها المليئة بالتضحيات لتجسّد القدوة والأسوة بعد سيدة نساء العالمين وعقيلة الطالبيين في الثبات والرسوخ واليقين والإيمان والصبر على الشدائد مع قريناتها النساء المؤمنات.
لو قيِّض لمن يلمّ بسيرة هذه العلوية الطاهرة من زوايا المصادر ودفائن المخطوطات لحُظي تراثنا بمفخرة نسوية اجتمعت فيها خصائص المثال الأعلى للمرأة المسلمة المؤمنة الصابرة.
إنها المرأة التي حملت صفات العظمة والصبر على المآسي والتحلي بالحكمة وهي في أسمى درجات الكمال، فكانت شامخة كالطود الأشم وهي تنظر إلى زوجها وأولادها وهم يسيرون على خط الشهادة في تصديهم لمملكة المجرمين.
إنها السائرة في موكب الخالدين وهي تضيء قناديل الشهادة خلف جبل الصبر وقمة الإباء السيدة زينب العقيلة الحوراء لتكمل مسيرة الثورة على الظلم والطغيان الأموي في طريق الحرية الحمراء المصطبغة بالدماء من أجل ضمان حياة الأمة وفضح أقنعة الزيف والتحريف السلطوي.
لقد خص الله هذه المرأة العظيمة بخواص عظيمة وأكرمها بأنها تفرّعت من الثوار الشهداء وأثمرت بالثوار والشهداء فتنفست عبير الشهادة حتى خالط روحها ودمها.
السيدة الطاهرة ريطة بنت عبد الله بن محمد ــ بن الحنفية ـــ بن علي بن أبي طالب، من سيدات بني هاشم ومن راويات الحديث روت عن أبيها وزوجها وكانت: من ذوات الشأن من نساء بني هاشم.
أبوها: أبو هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب من التابعين، ومن سادات بني هاشم قال عنه ابن سعد: وقد كان لأبي هاشم منزلة عالية القدر عند الشيعة، كان صاحب علم ورواية، وكان ثقة، فكانوا يلقونه ويلتفون حوله.
وقد ذكر البلاذري: إن عبد الله بن محمد توفي سنة (98هـ) مسموماً على يد سليمان بن عبد الملك.
زوجها: الثائر الكبير والشهيد العظيم زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الداعي إلى الحق والمحارب للظلم والجور الأموي والسائر على خطى جده أبي الأحرار الإمام الحسين (ع) حتى مضى شهيداً وقطع رأسه الشريف وصلب جسده ثم أحرق ونسف.
قال عنه الإمام الرضا: كان عمي زيداً من علماء آل محمد.
وروى لها أبو الفرج حديثاً عن الحسين بن زيد، قال: حدثتني أمي ريطة بنت عبد الله بن محمد بن الحنفية عن زيد، قال: وكان الحسين بن زيد يسميها أمي ولم تكن أمه، إنما كانت أم أخيه يحيى بن زيد، عن زيد بن علي، قال: انتهى رسول الله صلى الله عليه وآله إلى موضع فخ فصلى بأصحابه صلاة الجنازة ثم قال: يقتل هاهنا رجل من أهل بيتي في عصابة من المؤمنين، ينزل لهم بأكفان وحنوط من الجنة، تسبق أرواحهم أجسادهم إلى الجنة. وذكر من فضلهم أشياء لم تحفظها ريطة.
أبناؤها:
1ـ يحيى بن زيد: اشترك مع أبيه في ثورته وسار على نهج أبيه فقام بثورة على الأمويين في خراسان انتهت باستشهاده في الجوزجان وأرسل رأسه الشريف إلى أمه ريطة في المدينة.
وحينما نظرت إليه شهقت وكادت تموت من لوعتها وحرقتها عليه ثم قالت:
شردتموه عني طويلاً، وأهديتموه إليَّ قتيلاً، صلوات الله عليه وعلى آبائه بكرة وأصيلاً.
وكانت ريطة تتلهف لسماع أخبار ولدها ورؤيته حتى قال فيها أبو ثميلة الأبار:
فلعلَّ راحمَ أُمّ مــــــوسى والذي نجّاهُ من لججٍ خـــــــــضمٍّ مُزبدِ
سَيُسِرُّ (ريطة) بعدَ حزنِ فؤادِها يحيى، ويحيى في الكتائبِ يرتدي
2 ـ الحسين بن زيد الملقب بـ (ذي الدمعة) رباه الإمام الصادق وأسكنه في بيته وعلّمه العلوم والآداب والسنن، وقد شهد الحسين حرب محمد وإبراهيم ابني عبد اللّه بن الحسن بن الحسن فلما قتلا توارى عن الأنظار حتى توفي في الكوفة سنة (134هـ).
3 ـ عيسى الملقب بـ (مؤتم الأشبال)، قال عنه الحسين (صاحب فخ): لم يكن فينا خير من عيسى بن زيد.
خرج زيد ثائراً مع ذي محمد ذي النفس الزكية وشارك في ثورته مشاركة فعالة فكان على ميمنة جيشه وصاحب رايته، ثم خرج مع إبراهيم قتيل باخمرى وكان صاحب رايته أيضاً، ولما قُتل إبراهيم توارى عيسى عن الأنظار في الكوفة وبقي متخفياً حتى توفي سنة (196هـ).
4 ـ محمد بن زيد وهو أحد الرجال الخمسة عشر من كبار العلويين الذين أشهدهم الإمام الكاظم على إمامة الإمام الرضا، ولم يسلم محمد كآبائه وإخوانه من جور العباسيين وظلمهم فسجن أيام المنصور وأيام المهدي، وقتل مسموماً أيام المأمون ودفن في البقيع.
...........................................
المجدي في أنساب الطالبيين ــ ابن الصوفي ص 429
مقاتل الطالبيين ــ أبو الفرج الأصفهاني ص 289
عمدة الطّالب في أنساب آل أبي طالب ــ ابن عنبة الحسني ج 1 ص 259
نسب قريش ــ مصعب بن عبد الله ص 76
اترك تعليق