916 ــ علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (38 ــ 95 هـ / 658 ــ 713 م)

علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (38 ــ 95 هـ / 658 ــ 713 م)

قال من ضمن أبيات وهو في أسره:

يا أمةَ الـــــســوءِ لا ســـقياً لربعكمُ‌     يا أمةً لم تــــــــــــــراعِ جدّنا فينا

لو أننا ورســــــــــــول الله يجمعنا     يومَ القيــــــــــامةِ ما كنتمْ تقولونا؟

ألـــــــــيسَ جـدي رسولُ الله ويلكُمُ     أهدى البريةَ مِـــن سُبـلِ المضلّينا

يا وقعةَ (الطفِّ) قد أورثتني حزناً     واللهُ يــــــــــهتكُ أستارَ المسيـئينا (1)

الشاعر

الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، كوكب من كواكب الإمامة، وطود من أطواد العترة الطاهرة، يخشع القلم أمام عظمته، ويتقاصر الوصف أمام سيرته المعطاء، غمرت الدنيا حياته بالأحزان والمآسي والمصائب، فغمرها بالصبر والعطاء والبذل والخير، وجابهته بظلمها وظلامها فشعّ عليها بعلمه ونوره النبوي، وواجهته بزعازعها فوجدته جبلاً شامخاً راسخاً لا تزعزعه الأعاصير ولا تثنه الأهوال.

ولد في المدينة المنورة، ونشأ في ذلك البيت الذي شعّ منه نور الإسلام، وهو الإمام الرابع في سلسلة الأنوار الإلهية الاثني عشر (صلوات الله عليهم أجمعين) من بني هاشم الذين أكد النبي (صلى الله عليه وآله) الاصطفاء السماوي لهم في أحاديث كثيرة، فهم أوتاد الأرض، وأمناء الإسلام، وحفظة الوحي، ومعدن الرسالة، وأمان الأمة، وباب حطة، ونجوم الهداية، وسفينة نوح، وهم الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.

ولو أردنا الاسترسال في فضله (عليه السلام) لأعيانا ذلك وحسب الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فخراً أن يكون حفيداً لأمير المؤمنين (عليه السلام) الذي أرسى دعائم الإسلام وكان أعظم شخصية عرفها التاريخ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله), وابناً لأبي الأحرار ورمز الثوار وسيد الشهداء وعلم الإباء ومنار الفخر وقدوة الأبرار.

من ألقابه (زين العابدين) (2) و(السجاد) (3) و(ذو الثفنات)، (4) ومما جاء في عبادته ما رواه ولده الإمام الباقر عليه السلام قال: (إنّ عليّ بن الحسين ما ذكر لله نعمة عليه إلّا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله فيها سجدة إلّا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلّا سجد، ولا وفّق لإصلاح بين اثنين إلّا سجد…، وكان كثير السجود في جميع مواضع سجوده، فسُمّي السجّاد لذلك) (5)

ينتمي إلى أشرف نسب وأسمى حسب فهو سليل النبوة ووريث الإمامة ونسبه الشريف هو: علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر جد قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وكُنيته أبو الحسن، وأبو محمد. (6)

بشّر به النبي (صلى الله عليه وآله) قبل مولده كما في رواية جابر بن عبد الله الأنصاري: (قال كنت جالساً عند رسول الله صلی الله عليه وآله والحسين في حجره، وهو يداعبه، فقال: يا جابر يولد له مولود اسمه "علي" إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيد العابدين، فيقوم ولده، ثم يولد له ولد اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فأقرأه مني السلام) (7)

وعن جابر بن عبد الله أيضاً: أنه قال لأبي جعفر محمد بن علي الباقر (عليه السلام) رسول الله (صلى الله عليه وآله) يسلم عليك، فقيل لجابر: وكيف هذا؟ فقال: كنت جالساً عند رسول الله والحسين في حجره وهو يداعبه فقال: (يا جابر يولد مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد: ليقم سيد العابدين فيقوم ولده، ثم يولد له ولد، اسمه محمد، فإن أدركته يا جابر فاقرأه مني السلام).

وذكر ابن الصباغ المالكي بعد نقل الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وآله قال لجابر: وإن لاقيته ــ أي الإمام الباقر ــ فاعلم أن بقاءك في الدنيا قليل، فلم يعش جابر بعد ذلك إلا ثلاثة أيام). ثم قال ابن الصباغ: هذه منقبة من مناقبه باقية على ممر الأيام، وفضيلة شهد له بها الخاص والعام (8)

أمه

أمّا أمّه فهي السيدة الطاهرة شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار آخر ملوك الفرس (9) وقيل إن شاه زنان لقبها وتعني ملكة النساء واسمها هو شهربانويه أو شهربانو، وقيل في اسمها: سلامة، وسلافة، وغزالة، وسلمة، وسادرة، وخولة، وحرار، ومريم، وبرّة، وجيدا وغيرها من الأسماء

وأصح هذه الأقوال هو الأول: شاه زنان أو شهربانويه، كما ورد في المصادر المعتبرة، وقد ورد أن أمير المؤمنين عليه السلام أوصاه بها فقال له: (أحسن إلى شهربانويه، فإنها مرضية ستلد لك خير أهل الأرض بعدك) (10)

يقول أبو الأسود الدؤلي في الإمام السجاد (عليه السلام):

وإنَّ غلاماً بين كسرى وهاشم     لأكرم من نِيطت عليه التمائم (11)

ويقول الحر العاملي في أرجوزته:

وأمّه ذاتِ الـــــــعلى والمجدِ     شــــــاه زنان بنت يزدجردِ

وهو ابن شهريارَ بنُ كسرى     ذو سؤددٍ ليس يخافُ كسرا (12)

وقد روى الشيخ محمد صالح المازندراني: (إنها لما أقدمت بنت يزدجرد قال لها أمير المؤمنين: ما اسمك؟ فقالت: جهان شاه، فقال لها أمير المؤمنين (عليه السلام): بل شهربانويه، ثم قال للحسين: يا أبا عبد الله لتلدن لك منها خير أهل الأرض، فولدت علي بن الحسين (عليهما السلام) وكان يقال لعلي بن الحسين (عليهما السلام): ابن الخيرتين، فخيرة الله من العرب هاشم، ومن العجم فارس) (13)

وهناك أقوال غير موثوقة تقول بأنها من بلاد السند (14) أو من سبي كابل (15)، وقد اختلف المؤرخون في تاريخ وصولها إلى المدينة المنورة على ثلاثة أقوال، القول الأول في خلافة عمر بن الخطاب، والثاني في خلافة عثمان بن عفان، والثالث في خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وأصح الأقوال قي ذلك ما رواه الشيخ المفيد قوله: (وكان أمير المؤمنين عليه السلام ولي حريث بن جابر الحنفي جانباً من المشرق، فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى، فنحل ابنه الحسين عليهما السلام شاه زنان منهما فأولدها زين العابدين عليه السلام، ونحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد ابن أبي بكر، فهما ابنا خالة). (16)

وقد شرح ذلك مفصلاً السيد عبد الرزاق المقرم (17)، وعرّى بقية الأقوال التي تقول بأنها من سبي السند وكابل عن الصحة وأكد على أن أمه (عليها السلام) هي شهربانويه بنت يزدجرد.

وقد أكد هذه الحقيقة ابن الصباغ المالكي (18) والشيخ المفيد (19) والفتال النيسابوري (20) والطبرسي (21) والطبري (22) والصدوق (23)

وروي أن الإمام علي (عليه السلام) غير اسمها من (شاه زنان) إلى (شهربانويه) أي ملكة المدينة (24)

ولمّا أشرق نور الإمام علي بن الحسين على هذه الدنيا وزفّت هذه البشرى إلى الإمام أمير المؤمنين سجد لله شكراً وأسماه علياً، فنشأ في حجر النبوة ونهل من علوم الإمامة فكان كما قال الفرزدق فيه:

ينشقّ نورُ الدجى عن نورِ غرَّته     كالشمسِ تنجابُ عن إشراقِها الظلمُ

الله فضّـــــــــــــــله قدماً وشرَّفه     جـــــــــرى بـذاكَ له في لوحهِ القلمُ

مشتقّة من رســــــــولِ اللهِ نبعتُه     طابتْ عنــــــــــاصرُه والخيمُ الشيمُ

تسلم الإمام علي بن الحسين (ع) مواريث الإمامة من أبيه الإمام الحسين (ع) بعد أحداث كربلاء الدامية حيث دخل عليه أبوه (ع) قبل استشهاده وأوصاه، وكانت آخر وصية أوصاه بها:

يا بني أوصيك بما أوصى به جدك رسول الله (ص) علياً (ع) حين وفاته وبما أوصى به جدك علي (ع) عمك الحسن (ع) وبما أوصاني به عمك.. إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلّا الله .. (25)

ثم ودّعه ومضى إلى المعركة التي استشهد فيها فشاهد (ع) مصرع أبيه وعمومته وأخوته وبني عمومته وسبي عماته وأخواته من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام وهو مقيّد بالحديد ورؤوس الأهل والأصحاب على الرماح يتقدّمهم رأس أبيه (ع).

كما شاهد عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية وهما ينكثان بالقضيب ثنايا أبيه في الكوفة والشام تشفياً وانتقاماً.. وقد تعرض (ع) للقتل أكثر من مرة على يديهما ولكن إرادة الله حالت دون ما يريدان، ولم يمنعه أسره وهو مثقل بالحديد من أن يقف في الكوفة ومجلس ابن زياد ومجلس يزيد ويصدع بالحق ويفضح الظالمين بتلك الخطب المدوية التي زلزلت عروش الطغاة وقد بقيت أصداء هذه الحوادث في ذاكرته حتى وفاته (ع).

وإضافة إلى هذه المآسي التي شاهدها الإمام (ع) في كربلاء والكوفة والشام فقد شاهد الكثير من الأحداث المأساوية التي جرت بعدها على يد السلطة الأموية الطاغية، وقد عاصر من الخلفاء الأمويين: معاوية بن أبي سفيان، يزيد بن معاوية، معاوية بن يزيد، مروان بن الحكم، عبد الملك بن مروان، الوليد بن عبد الملك، فعاش (ع) ظروفاً صعبة للغاية وهو يرى أمام عينيه الجور والظلم والانحراف والفساد وهو يستشري ويطغى فحمل هموم الأمة والرسالة بأكملها وراح يصدع بتعاليم الدين الحنيف مدافعاً عنه بكل ما أوتي من قوة ويبث بين الناس من روحه الكبيرة ما حملته من أخلاق وعلم وصفات نبوية.       

الصحيفة السجادية .. معراج إلى النور

عاش الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) في عصر طغى فيه الظلم والفساد والجهل والانحراف، حيث أطبقت السلطة الأموية الطاغية قبضتها على أمور المسلمين وتولى حكمهم أقسى وأبشع من عرفهم التأريخ من الحكام والولاة الذين بلغوا الغاية القصوى من الظلم والجور والتدني والإنحطاط الخلقي، فانعكست هذه السيرة على الكثير من الناس مما أدى إلى ابتعادهم عن مفاهيم الإسلام وآدابه وأخلاقه وتشريعاته.

في ذلك الجو الذي ساده الظلم والظلام والقتل والرعب والإرهاب كانت إشراقات الإمام زين العابدين تتدفق في نفوس المظلومين والمحرومين وتفعم قلوبهم بالعطف والرحمة، حيث قام (عليه السلام) بدوره الإصلاحي في المجتمع وبثّ علومه ومعارفه لهدي الناس، ومدّ الأمة بتعاليمه التربوية والروحية، ــ وهذا هو دأب الائمة الطاهرين في كل زمان ومكان ــ فراح (عليه السلام) ينشر رسالة الإسلام ويدعو الناس إلى الرجوع إلى دينهم وكتاب ربهم وسيرة نبيهم (صلى الله عليه وآله) وإحقاق الحق وإقامة العدل وإنصاف المحرومين والمعذبين والمستضعفين.

واجه الإمام زين العابدين تلك الانحرافات بنشر المبادئ الإسلامية وبيان المفاهيم والأحكام الدينية، فواجه الجهل بالوعي، والإنحراف بالإرشاد والتوجيه، ولفت الأنظار إلى ما يجب أن يتوفر في الحكام ومالهم وما عليهم من حقوق وواجبات وبما يضمن للدولة حقها وللناس كرامتهم وحقهم في الحياة وذلك بأسلوب الحوار مع الله ومناجاته وتمجيده في ستين دعاء جمعت في كتاب سُمِّيَ بـ (الصحيفة السجادية) وهو قمة في التضرّع إلى الله واستعطافه، ومن أفضل ما يناجي بها الإنسان ربه ويدعوه.

جاء في أعلام الهداية: (تعرضت الأمة الإسلامية في عصر هذا الإمام (عليه السلام) لخطرين كبيرين:

الخطر الأول: هو خطر الانفتاح على الثقافات المتنوعة، والذي قد ينتهي بالأمة إلى التميّع والذوبان وفقدان أصالتها، فكان لابدّ من عمل علمي يؤكّد للمسلمين أصالتهم الفكرية وشخصيّتهم التشريعية المتميّزة المستمدة من الكتاب والسنّة. وكان لابدّ من تأصيل للشخصية الاسلامية، وذلك من خلال زرع بذور الاجتهاد.

وهذا ما قام به الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) فقد بدأ حلقة من البحث والدرس في مسجد الرسول (صلى الله عليه وآله) وأخذ يحدّث الناس بصنوف المعرفة الإسلامية، من تفسير وحديث وفقه وتربية وعرفان، وراح يفيض عليهم من علوم آبائه الطاهرين.

وهكذا تخرّج من هذه الحلقة الدراسيّة عدد مهمّ من فقهاء المسلمين، وكانت هذه الحلقة المباركة هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس الفقه الإسلامي وكانت الأساس لحركة الفقه الناشطة.

الخطر الثاني: هو الخطر الناجم عن موجة الرخاء والانسياق مع ملذّات الحياة الدنيا والإسراف في زينة هذه الحياة المحدودة، وبالتالي ضمور الشعور بالقيم الخلقية.

وقد اتّخذ الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الدعاء أساساً لدرء هذا الخطر الكبير الذي ينخر في الشخصية الإسلامية ويهزّها من داخلها هزّاً عنيفاً ويحول بينها وبين الاستمرار في أداء رسالتها. ومن هنا كانت الصحيفة السجادية تعبيراً صادقاً عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة تفرضه على الإمام (عليه السلام) إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظلّ على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب، وتظلّ الإنسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمّدي العلوي، وتزداد إليه حاجة كلّما ازداد الشيطان للإنسانية إغراءً والدنيا فتنةً له). (26)

وقد سميت هذه الصحيفة لعظمتها وبلاغتها وروحيتها بـ (أخت القرآن)، و(زبور آل محمد)، و(إنجيل أهل البيت)، (الصحيفة الكاملة)، (27) كما احتوت على علوم مهمة في شتى المجالات، ولأهمية هذا السفر الخالد والأثر العظيم في تراثنا الديني والإنساني فقد وُضِعت له شروح كثيرة وتُرجمت إلى عدة لغات وحاز على اهتمام العلماء منذ أن أشرق نوره إلى الآن.

ذكر السيد مهدي البيشوائي: (إن السيد المرجع الديني الراحل المرحوم آية الله العظمى النجفي المرعشي (قدس سره) أرسل عام (1353هـ) نسخة من الصحيفة السجادية إلى العلامة المعاصر مؤلف تفسير طنطاوي (الجواهر) ــ مفتي الإسكندرية ــ فكتب إليه بعد أن شكره على هذه الهدية القيمة: (ولسوء حظنا هو أننا لم نحصل على هذا العمل القيم والخالد الذي هو تراث النبوة، وكنت كلما أنظر فيها أراها فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق). (28)

ونُقل عن ابن الجوزي قوله: (إن لعلي بن الحسين زين العابدين حق التعليم على المسلمين في الإملاء والإنشاء وكيفية التكلم والخطاب وطلب الحاجة من الباري تعالى، فلولاه لم يكن ليعرف المسلمون آداب التحدث وطلب الحوائج من الله تعالى، إن هذا الإمام علّم البشر كيف يستغفرون الله وكيف يستسقون ويطلبون الغيث منه تعالى وكيف يستعيذون به عند الخوف من الأعداء لدفع شرورهم) (29)

ويقول الاستاذ عبد الهادي المختار في شرحه لرسالة (الحقوق): (كنت قبل اطلاعي على رسالة الحقوق للامام زين العابدين - اعتقد ان الامام زين العابدين رجل محراب ولا هم له إلا الصلاة والعبادة والزهد والبكاء والانصراف الى الله، ولكني علمت بعد ذلك انه رجل دولة وواضع شريعة، ومنشئ قانون، وعلمت لماذا حارب علي معاوية، ولماذا صالح الحسن معاوية، او لماذا أضحى الحسين بنفسه وولده، وعلمت ان التشريح والتقنين ليس بجديد وإنما أخذه غيرنا عنا، فصرنا نقلدهم في ما استفادوه منها ونستفاد ما فقدناه) (30)

ويقول السيد جواد شبر: (أقول وفي العهد الصفوي ذلك العهد الذي كان ازهى عصوره للعلم لا تكاد تجد بإيران ـ سيما أصفهان ـ داراً فيها القرآن الكريم إلا وجدت معه الصحيفة الكاملة وذلك حسب ما أدّبهم أئمتهم عليهم السلام وعنايتهم بهذه الثروة العلمية التي هي أثمن تراث إسلامي، وكان أهل البيت لا يفارقونها سفراً وحضراً كما ورد ان يحي بن زيد بن علي بن الحسين كان وهو في طريقه إلى خراسان يخرجها ويقرأ فيها) (31)

ويقول الشيخ محمد جواد مغنية: (وما قرأها إنسان من أي لون كان إلا تقلبه إلى أجواء يشعر معها بنشوة لا عهد لأهل الأرض بمثلها، ومنذ اطلعت عليها أحسست بدافع قهري يسوقني إلى التفكير في كلماتها والكتابة عنها، والدعوة إليها، ونشرها بين جميع الطوائف، فكتبتُ عنها فصلاً في كتاب: ( مع الشيعة الإمامية ) بعنوان: مناجاة. وآخر في كتاب (أهل البيت) بعنوان: من تسبيحات الإمام زين العابدين. وثالثاً في كتاب (الإسلام مع الحياة) بعنوان: العز الظاهر والذل الباطن. ورابعاً في كتاب (الآخرة والعقل) بعنوان الله كريم، وأهديتها إلى عدد كبير من شيوخ مصر وفلسطين ولبنان، وإلى غبطة البطريرك الماروني بولس المعوشي، ورأيته بعد الإهداء بأيام، فشكرني على الهدية فقلت له: ما الذي استوقف نظركم فيها ؟ فقال: (قرأتُ دعاء الإمام لأبويه فترك في نفسي أثراً بالغا) (32)

رسالة الحقوق

لقد قام الإمام بتسخير علومه وإمكانياته في سبيل إيقاظ الناس من جهالتهم وتنبيههم من غفلتهم وابتعادهم عن الإسلام الحقيقي الذي جاء به النبي محمد، وجهد على دعوتهم إلى الرجوع إلى مبادئ ونهج الرسول بعد أن سعى الأمويون وأعوانهم إلى إماتة صوت الوحي في الأمة وحرصوا أشد الحرص على إبعاد الناس عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ومن أجل ذلك فقد جاء رد الإمام على تحريف الأمويين لسنة الرسول واتباعهم لأهوائهم وشهواتهم بوضع رسالة الحقوق وهي تتضمن جميع ما يجب على الناس وما يجب لهم من الحقوق والواجبات حيث جمعها (عليه السلام) في أكثر من خمسين وظيفة مثلت أسس وقوانين تضمن للإنسان حقوقه وحريته وكرامته وفيها جميع ما ينظم العلاقات الاجتماعية ويتكفل بتوفر عوامل السعادة والاستقرار. يقول السيد حسن الأمين: (رسالة الحقوق من الأعمال الفكرية السامية في الإسلام تحتوي على توجيهات وتعليمات وقواعد في السلوك العام والخاص من أدق ما يعرفه الفكر الإنساني). (33)

السند الوضيء

مما لا شك فيه أن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) قد توارثوا علومهم الربانية التي لم يختص بها أحد سواهم فهم (الراسخون في العلم)، وهم هداة الأمة ونجوم الهداية وسفن النجاة كما جاء في كثير من الأحاديث الشريفة، وقد تناقل هذا الأثر الخالد والسفر العظيم ــ الصحيفة السجادية ــ الأئمة الطاهرون ورووه إلى أصحابهم وشيعتهم حيث ينتهي سند الصحيفة السجادية إلى الإمام محمد الباقر وأخيه زيد بن علي الشهيد (عليهما السلام) وهذا السند هو متواتر تناقله العلماء جيلا بعد جيل، وإضافة إلى هذا السند المتواتر فإن بلاغتها وفصاحتها تشير إلى أنها من التراث النبوي والإرث السماوي وهي كما وصفها طنطاوي بأنها (فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق) وما هي إلا من كنوز أمراء الكلام كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (وانا لأمراء الكلام، وفينا تنشبت عروقه، وعلينا تهدلت غصونه) (34)

يقول السيد محسن الأمين العاملي: (وبلاغة ألفاظها ــ أي الصحيفة السجادية ــ وفصاحتها التي لا تُبارى وعلوّ مضامينها وما فيها من أنواع التذلل لله تعالى والثناء عليه والأساليب العجيبة في طلب عفوه وكرمه والتوسّل إليه أقوى شاهد على صحة نسبتها، وإن هذا الدر من ذلك البحر، وهذا الجوهر من ذلك المعدن، وهذا الثمر من ذلك الشجر، مضافاً إلى اشتهارها شهرة لا تقبل الريب، وتعدد أسانيدها المتأصلة إلى منشئها صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه الطاهرين، فقد رواها الثقات بأسانيدهم المتعددة المتصلة إلى زين العابدين (عليه السلام) وقد كانت منها نسخة عند زيد الشهيد ثم انتقلت إلى أولاده، وإلى أولاد عبد الله بن الحسن المثنى، كما هو مذكور في أولها، مضافا إلى ما كان عند الإمام الباقر (عليه السلام) من نسختها، وقد اعتنى بها عامة الناس فضلاً عن العلماء اعتناء بروايتها وضبط ألفاظها ونسخها، وواظبوا على الدعاء بأدعيتها في الليل والنهار والعشي والإبكار). (35)

شروح الصحيفة السجادية

لم تقتصر مضامين هذه الصحيفة الشريفة على الأدعية والتضرّع إلى الله، بل إنها احتوت على علوم ومعارف وآداب وقضايا أخلاقية ودينية وعلمية واجتماعية وسياسية كان المجتمع بأمس الحاجة إليها في تلك الفترة التي طغت عليها أجواء التفسخ والانحلال والانحطاط والظلم والاستبداد الأموي، فكانت الحاجة إلى مثل هذه الصحيفة ملحة في ذلك الوقت فالهدف الرسالي الذي سعى الإمام إلى تحقيقه هو تضمين المبادئ الإسلامية والأخلاق وآداب ومفاهيم القرآن الكريم في الدعاء وزرع الوعي والمعارف والعلوم داخل إطار الأدعية والمناجاة.

ولأهمية هذه المقاصد الشريفة التي وضعها الإمام داخل الصحيفة فقد حظيت باهتمام بالغ من قبل العلماء والمفكرين في جميع مراحل التأريخ ووضعت لها شروح كثيرة باللغتين العربية والفارسية وترجمت إلى لغات مختلفة، وقد عد العلامة أغا بزرك الطهراني لهذه الصحيفة من الشروح أكثر من مائة وخمسين شرحاً إضافة إلى الترجمات (36) ومن أبرز هذه الشروح:

وهناك شروح أخرى مجهولة المؤلف وجدت عند بعض العلماء ذكرها الشيخ أغا بزرك الطهراني، وأغلب هذه الشروح هي مترجمة إلى الفارسية، كما ترجمت إلى عدة لغات عالمية منها الأوردو ترجمها السيّد محمّد هارون الهندي الحسيني الزنگي پوري وسمّاها (السيف اليماني)، كما ترجمها إلى الانكليزية البروفيسور (وليام چيتيك) اُستاد جامعة ولاية نيويورك ـ أمريكا، وترجمها الشيخ (هارون بينكيلي) إلى اللغة السواحيلية في تنزانيا.

1 ــ رياض السالكين في شرح صحيفة سيد الساجدين (عليه السلام): وهو من أوسع شروح الصحيفة السجادية، وأشهرها وهو من تأليف السيد علي صدر الدين الحسني الحسيني الشيرازي (ت1220 هـ) المعروف بالسيد علي خان المدني وابن معصوم (المدني)، وقد سمّى السيد حسن الأمين هذا الشرح بـ (حدائق المقربين) وقال عنه إنه (أحسن الشروح).

2 ــ رياض العارفين: للعلامة الشيخ محمد الملقب بـ شاه محمد الاصطهباناتي الشيرازي.

3 ــ في ظلال الصحيفة السجادية: للعلامة الشيخ محمد جواد مغنية

4 ــ حدائق الصالحين: للشيخ البهائي

5 ــ نور الأنوار: للسيد نعمة الله الجزائري وله شرح آخر عليها أكبر وأوسع من هذا الشرح.

كما شرحها أيضا من العلماء في مختلف العصور:

1 ــ الشيخ حسن بن عباس بن محمد علي بن محمد البلاغي الربعي النجفي في مجلدين.

2 ــ الشيخ محمد حسن الدكسن

3 ــ محمّد بن الحسين العاملي

4 ــ محمد باقر المجلسي

5 ــ العلامة أغا بزرك الطهراني

6 ــ السيد محمد الحسيني الشيرازي

7 ــ الحر العاملي

8 ــ محمد باقر الداماد

9 ــ علي نقي فيض الإسلام

10 ــ صدر الدين بلاغي

11 ــ عبد المجيد آيتي

12 ــ جواد فاضل

13 ــ ميرزا أبو الحسن شعراني

14 ــ محمد جعفر إمامي

15 ــ السيد محمد حسين الجلالي

16 ــ الميرزا إبراهيم محمد علي السبزواري

17 ــ الميرزا إبراهيم بن مير محمد معصوم بن مير فصيح بن مير الحسين التبريزي القزويني

18 ــ الشيخ الكفعمي تقي الدين إبراهيم بن علي بن الحسن بن محمد بن صالح ابن إسماعيل صاحب (المصباح)،

19 ــ المولى شريف أبي الحسن بن محمد طاهر بن عبد الله الحميد الفتوني العاملي

20 ــ السيد الميرزا محمد باقر الحسين

21 ــ السيد جمال الدين الكوكباني اليماني

22 ــ حبيب الله بن علي مدد الكاشاني

23 ــ الميرزا حسن بن المولى عبد الرزاق اللاهيجي

24 ــ تاج الدين حسن بن محمد الأصفهاني

25 ــ الآغا حسين الخوانساري

26 ــ الحسين بن المولى حسن الجيلاني الأصفهاني

27 ــ السيد حسين بن الحسن بن أبي جعفر محمد الموسوي الكركي.

28 ــ الشيخ عز الدين الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي والد الشيخ البهائي

29 ــ فخر الدين الطريحي

30 ــ خليل بن الغازي القزويني

31 ــ السيد محمد رضا الأعرجي

32 ــ السيد رضا علي الطالقاني

33 ــ محمد سليم الرازي

34 ــ محمد صالح بن محمد باقر الروغني

35 ــ السيد صدر الدين بن المير محمد صالح الطباطبائي جد السادة المدرسين.

36 ــ المفتي مير عباس اللكنهوري.

37 ــ جمال السالكين عبد الباقر الخطاط التبريزي

38 ــ عبد الغفار الرشتي من علماء الدولة الصفوية

39 ــ أبو الحسن عبد الله بن أبي القاسم، المعروف بـ (ابن مفتاح) الزيدي اليماني.

40 ــ عبد الله أفندي الأصبهاني صاحب كتاب (رياض العلماء).

41 ــ محمد طاهر بن الحسين الشيرازي

42 ــ السيد شرف الدين علي بن حجة الله الشولستاني الحسيني الطباطبائي.

43 ــ نور الدين أبي الحسن بن عبد العال الكركي.

44 ــ أبو الحسن علي بن الحسن الزواري.

45 ــ الشيخ علي بن الشيخ زين العابدين من أحفاد الشهيد الثاني.

46 ــ الشيخ علي بن الشيخ أبي جعفر وهو أيضا من أحفاد الشهيد الثاني زين الدين.

47 ــ محمد علي بن نصير الجهاردهي الرشتي النجفي.

48 ــ الشيخ محمد علي بن الحاج سليمان الجشي البحراني الخطي.

49 ــ فتح الله الخطاط.

50 ــ السيد محسن بن قاسم بن إسحاق الصنعاني.

51 ــ السيد محسن بن أحمد الشامي الحسيني اليماني الزيدي.

52 ــ محمد بن محمد رضا المشهدي.

53 ــ السيد أفصح الدين محمد الشيرازي مؤلف (المواهب الإلهية) في شرح نهج البلاغة.

54 ــ الشيخ أبي جعفر محمد بن جمال الدين أبي منصور الحسن ابن الشهيد الثاني.

55 ــ محمد بن الحسين بن عبد الصمد الحارثي العاملي.

56 ــ قطب الدين محمد بن علي اللاهيجي.

57 ــ السيد محمد بن حيدر الحسيني الطباطبائي.

58 ــ المحدث الشيخ محمد بن الشاه مرتضى الكاشاني المعروف بالمولى محسن الفيض.

59 ــ الشيخ أبي جعفر محمد بن منصور بن أحمد بن الشهيد الثاني.

60 ــ الفاضل هادي بن المولى محمد صالح بن أحمد المازندراني.

61 ــ الشيخ يعقوب بن إبراهيم البختياري الحوزي

62 ــ على أكبر قرشي ــ المعجم المفهرس لألفاظ الصحيفة الكاملة للإمام علي بن الحسين زين العابدين

63 ــ علي محمد علي دخيل / الصحيفة السجادية من أدعية الإمام زين العابدين

64 ــ السيد حسين إسماعيل الصدر ــ المختصر في شرح الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين

65 ــ السيد هادي المدرسي ــ الإمام زين العابدين، صاحب الصحيفة الربانية وحامل الآلام المضيئة

محمد باقر الموحد الأبطحي ــ الصحيفة السجادية الجامعة لأدعية الإمام زين الدين العابدين علي بن الحسين عليه السلام مع شرح المفردات

كما شرح رسالة الحقوق:

1 ــ السيد حسن القبانجي ــ شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين

2 ــ نعيم قاسم ــ في رحاب رسالة الحقوق، شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين، حقوق الوالدين والولد

3 ــ عباس العبودي ــ شرح الأحكام القانونية في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين

4 ــ الدكتور عبد الحسن السعدي / نظرة في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام

5 ــ النهجين في شرح رسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين (عليه السلام) / الشيخ صالح بن مهدي الساعدي

لقد كان الإمام علي بن الحسين مدرسة علمية فقهية كلامية تفسيرية تخرج منها كبار العلماء والفقهاء وقد أحصى السيد محمد جواد الجلالي (699) ممن أخذ عنه بين تلميذ وراوٍ وراوية (37) منهم: أبان بن تغلب، وأبو حمزة الثمالي، وإبراهيم بن أبي حفصة، وإبراهيم بن بشير، وإبراهيم بن عبد الله بن معبد بن العباسي، وإبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، وأحمد بن حمويه، وإسحاق بن عبد الله ابن الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب، وإسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة، وإسحاق بن يسار، وإسماعيل بن عبد الخالق، وأفلح بن حميد الرواسي الكلابي، وأيوب بن الحسن ابن علي بن أبي رافع، وأيوب بن عائذ الطائي البختري، وبرد الاسكاف، وبشر بن غالب، وبكر بن أوس: وأبو المنهل الطائي البصري، وبكير بن عبد الله ابن الأشج، وثابت بن أسلم البناني القرشي، والزهري، وعمرو بن دينار، والحكم بن عُتيبة، وزيد بن أسلم، ويحيى بن سعيد، وأبو الزناد، وعلي بن جدعان، ومسلم البطين، وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن عبيد الله، وعاصم بن عمر ابن قتادة بن النعمان، وأبوه عمر بن قتادة، والقعقاع بن حكيم، وأبو الاَسود يتيم عروة، وهشام بن عروة بن الزبير، وأبو الزبير المكي وأبو حازم الاَعرج، وعبد الله بن مسلم بن هرمز، ومحمد بن الفرات التميمي، والمنهال بن عمرو وغيرهم.

الإمام زين العابدين .. صوت الثورة الحسينية

كان من معطيات الثورة الحسينية العظيمة أنها حطمت حاجز الخوف وأزالت حجب الخنوع من النفوس للحاكم الظالم والطغمة الأموية الفاسدة وأوجدت مساحة واسعة للدفاع عن الحقيقة والعدل والمطالبة بالحقوق المغتصبة والدعوة إلى الحرية والوقوف بوجه الظلم والاستعباد, وقد حمل لواء هذه الثورة المعطاء ودعا إلى المبادئ العظيمة التي قام من أجلها الإمام الحسين (ع) في التصدّي للظالمين بعد استشهاده, الأئمة الطاهرون من ولده (عليهم السلام), وقام بأعباء الإمامة بعده ابنه الإمام علي بن الحسين زين العابدين (ع) الذي بث المعاني السامية والمبادئ العظيمة التي سعى أبوه إلى تحقيقها وحرص كل الحرص على ترسيخها في ضمير الأمة ودافع عنها من تحريف السلطة الأموية ومرتزقتها الذين حاولوا تشويه الحقائق وتزييف هذه المبادئ بإشاعاتهم وأكاذيبهم بنسبة قائد الثورة وشهدائها الأبرار إلى (الخوارج) !

يقول الدكتور محمود إسماعيل المصري: (إن آل البيت كانوا يمثلون أقوى أحزاب المعارضة لسياسة الحاكمين من حيث تبنيهم لقضية العدالة بالمفهوم الإسلامي كما أكدها الإسلام وكانوا من أبرز دعاته....) (38) ويقول أيضاً: (إن آل البيت كانوا أقدر المسلمين على فهم الإسلام وأكثرهم إخلاصاً لمبادئه, وأشدهم حرصاً على تطبيق تعاليمه، وقد ورثوا مأثرة التفقه في الدين والإحاطة بأصناف العلوم من إمامهم الأول علي بن بي طالب (ع) (39)

لقد حرص الإمام زين العابدين (ع) على ترسيخ مبادئ أبيه سيد الشهداء في النفوس بأبعادها الفكرية والروحية وليس فقط الثورية, فقد دأب على إحيائها رغم الإعلام المضلل الذي مارسته السياسة الأموية, فاستطاع أن يبث الأفكار الثورية والآراء المناهضة للسلطة في القلوب والعقول عبر نصائحه ومواعظه الكثيرة ومنها: (إن أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار). (40)

فانطلق صوت زين العابدين ليدحض هذه الأكاذيب ويؤكد للرأي العام على أن هذه الثورة هي تجسيد للإسلام المحمدي وامتداد لمنهج النبي (ص) في كل المراحل التي مر بها في رحلة الأسر وأول صوت له (ع) كان في الكوفة من خلال خطبته العظيمة التي بين فيها الجريمة النكراء التي ارتكبها الأمويون بقتلهم سبط رسول الله وغدر أهل الكوفة به وفيها من التقريع لهم ما أجج في النفوس مشاعر السخط والغضب على يزيد وكان مما قاله في ذلك اليوم: بأية عين تنظرون إلى رسول الله (ص) إذ يقول لكم: قتلتم عترتي وانتهكتم حرمتي فلستم من أمتي ؟!

كان لهذه الكلمات دوي وضجيج واستفاقة ووجوم وغضب وسخط على السلطة وتأنيب للضمير وتقريع للنفس وجلد للذات: (فارتفعت أصوات الناس من كل ناحية ويقول بعضهم لبعض هلكتم وما تعلمون) !!

ورغم الحالة المأساوية التي كان عليها فقد استأنف حديثه ووعظه لهم.

كما وقف بتلك الشجاعة والصلابة أمام الطاغية ابن زياد وهو أسير فنظر إليه وهو ينكث بالقضيب ثنايا أبيه تشفياً وانتقاماً فلم يمنعه شدة الحزن على التصدّي له والوقوف بوجهه, وقد تعرض (ع) للقتل على يديه ولكن إرادة الله حالت دون ما يريد المجرم ابن زياد، وقد دار حوار بينهما انتهى بأن أمر ابن زياد بأن يضرب عنق الإمام فتعلقت الحوراء زينب بابن أخيها وقالت لابن زياد: (إنك لم تبق منا أحداً فإن كنت عزمت على قتله فاقتلني معه), لكن الإمام السجاد لم يأبه بأمر ابن زياد ولم يخشه في مجلسه, بل وجه إليه كلاماً عرّفه بنفسه الشريفة التي لا تخشى الموت بل تستهين به, فقال له بكل ثبات وجرأة ويقين: (أبالقتل تهددني !!! أما علمت أن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة). كما وجه رسالة شديدة اللهجة واستنكار للجريمة الفظيعة التي ارتكبها أهل الكوفة فقال:

يا أمة الســـوءِ لا سقياً لربعكمُ     يا أمة لم تـــــــــراعِ جدّنا فينا

لو أننا ورســــــول الله يجمعنا     يوم القيامــــــةِ ما كنتم تقولونا

تسيــّرونا على الأقتابِ عاريةً     كـــــــــــــأننا لم نشيّد فيكمُ دينا

أليسَ جدي رسول الله ويـــلكُم     أهدى البرية من سبل المضلينا

ولم يمنعه أسره وطول الرحلة الشاقة وهو مثقل بالحديد من أن يقف في مجلس يزيد ويصدع بالحق ويفضح الظالمين بتلك الخطبة المدوية التي زلزلت عروش الأمويين وبقيت اصداؤها تجوب في البلاد وأحدثت انقلاباً فكرياً في أذهان الناس ضد يزيد, وألبت الرأي العام ضده وقد استنكر جريمته البشعة حتى رواد مجلسه وأتباعه فعندما جيء بالإمام أسيراً ومعه سبايا آل محمد أَمر يزيد بمنبر وخطيب ليذكر أمير المؤمنين والحسين بالسوء ويسبهما لكن الخطيب الكافر المنافق أراد أن يحظى بمكانة أكبر عند يزيد بتزلفه ونفاقه (فأكثر الوقيعة في علس والحسين وأطنب في تقريظ معاوية ويزيد فذكرهما بكل جميل) !!!

وفجأة دوّى صوت في المجلس أخرس الخطيب وجعل كل من في المجلس كأن على رؤوسهم الطير..! ارتفع الصوت في مجلس يزيد بهذه الكلمات: ويلك أيها الخطيب اشتريت مرضاة المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار !!!

كان صوت الحق والحقيقة الصوت الذي انبثق من صوت السماء ودعوة النبوة إنه صوت علي بن الحسين زين العابدين (ع), ثم أراد (ع) أن يصحح المسار ويشير ببوصلة الهدى إلى الحقيقة التي أخفاها الأمويون عن الناس وزيفوها... أراد أن يكشف القناع الزائف الذي لبسه الأمويون باسم الإسلام ويظهر وجوههم القبيحة وأفعالهم وجرائمهم فقَال ليزيد: يا يزيد إئذن لي حتى أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات لله فيهن رضا ولهؤلاء الجالسين فيهن أجر وثواب.

لكن ابن آكلة الأكباد يعرف قبل غيره من هو هذا المتحدث ومن أين استقى علمه وبلاغته فهو المجسّد لبلاغة جده سيد البلغاء والمتكلمين فأبى عليه ذلك, فقال الناس ائذن له فليصعد المنبر فلعلنا نسمع منه شيئاً ؟ فقال: إنه إن صعد لم ينزل إلا بفضيحتي وبفضيحة آل أبي سفيان فقيل له: وما قدر ما يحسن هذا ؟ فقال: إنه من أهل بيت قد زقوا العلم زقاً, فلم يزالوا به حتى أذن له.

وها هي شمس الحقيقة تسطع وسط الظلام ها هو لسان الثورة الحسينية الهادر, ووريث النبوة. وسليل الإمامة, وضمير الإسلام الحي يخطب في مجلس عدو الإسلام وعدو نبيه, فأحال سرور يزيد بقتل الحسين إلى حالة من الهلع والخوف وأطار فعل الخمر من رأسه, وأحدث انقلاباً في الرأي العام ضده حتى اضطر يزيد إلى التنصل من جريمته وإلقاء تبعتها كلها على المجرم ابن زياد ولكن ذلك لم ينفعه فاستمر الإمام بخطبته حتى ضج الناس بالبكاء والنحيب وخشي يزيد أن تكون فتنة, فأمر المؤذن فقطع عليه الكلام !!

فلَما قَال المؤذن: أَشهد أَن محمداً رسول الله ...

هنا التفت الإمام زين العابدين (ع) من فوق المنبر إلى يزيد وقال: محمد هذا جدي أم جدك يا يزيد؟ فإن زعمت أنه جدك فقد كذبت وكفرت وأثمت, وإن زعمت أنه جدي فلم قتلت ذريته وسبيت نساءه؟ ثم التفت إلى الناس وقال: معاشر الناس: هل فيكم من أبوه وجده رسول الله (ص) ؟ فعلت الأصوات بالبكاء .....

هكذا جرّد الإمام علي بن الحسين (ع) السلطة الأموية الجائرة من الصبغة الشرعية التي أوهموا وخدعوا بها الناس, وفضح جريمتهم النكراء بحق آل الرسول في كربلاء, وأوضح وبيّن أعمالهم الوحشية بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه وهم ظِماء, وأسرهم وسبيهم بنات الرسول والطواف بهن من بلد إلى بلد.

لقد كان الإمام علي بن الحسين ثورة دائمة في كل مراحل حياته ضد الطغاة والمستكبرين ووقف مدافعا عن مبادئ الإسلام الحق الذي جسده جده أمير المؤمنين وأبيه الإمام الحسين (عليهما السلام) ومن احتجاجاته على من خدع بأباطيل السلطة الأموية وغرته بإعلامها الكاذب ما ذكره الطبرسي (أن رجلاً من أهل البصرة جاء إلى عليّ بن الحسين (عليه السلام) فقال:

يا عليّ بن الحسين، إنّ جدّك عليّ بن أبي طالب قتل المؤمنين، فهملت عينا عليّ بن الحسين دموعاً حتى امتلأت كفّه منها، ثمّ ضرب بها على الحصى، ثم قال:

يا أخا أهل البصرة، لا والله ما قتل عليّ مؤمناً، ولا قتل مسلماً، وما أسلم القوم ولكن استسلموا وكتموا الكفر وأظهروا الإسلام، فلمّا وجدوا على الكفر أعوانا أظهروه، وقد علمت صاحبة الجدب والمستحفظون من آل محمّد (صلى الله عليه وآله) أنّ أصحاب الجمل وأصحاب صفّين وأصحاب النهروان لعنوا على لسان النبيّ الاُمّي، وقد خاب من افترى».

فقال شيخ من أهل الكوفة: يا عليّ بن الحسين! إنّ جدّك كان يقول: «إخواننا بغوا علينا».

فقال عليّ بن الحسين (عليه السلام):«أما تقرأ كتاب الله (وإلى عاد أخاهم هوداً) فهم مثلهم أنجى الله عزّ وجلّ هوداً والذين معه وأهلك عاداً بالريح العقيم) (41)

قالوا فيه (عليه السلام)

لقد مثل الإمام زين العابدين الإسلام بكل تفاصيله وجسده أروع تجسيد على أرض الواقع وترك انطباعا في نفوس معاصريه ومن جاء بعده عن روح الإسلام الحقيقية التي جاء بها النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

قال أبو نعيم الأصفهاني: (قاسم الإمام أمواله مرّتين فأخذ قسماً له، وتصدّق بالقسم الآخر على الفقراء والمساكين) (42)

وروى أبو نعيم أيضاً: (أن أهل المدينة كانوا يقولون: ما فقدنا صدقة السرّ حتى مات عليّ بن الحسين) (43)

وقال الذهبي: (إنّه كان كثير الصدقة في السرّ) (44)

وقال فيه اليعقوبي: (وكان أفضل الناس وأشدهم عبادة وكان يسمى زين العابدين وكان يسمى أيضاً ذا الثفنات لما كان في وجهه من أثر السجود.... قال سعيد بن المسيب ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين). (45)

وقال أبو نعيم الأصبهاني: (علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم زين العابدين ومنار القانتين كان عابداً وفياً وجواداً حفيا) (46)

وقال البيهقي: (قال ابن أبي حازم وهو من العلماء السلف: ما رأيت هاشمياً أفضل من زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنهما) (47)

وقال ابن خلكان: (هذا وهو أحد الأئمة الأثني عشر ومن سادات التابعين قال الزهري ما رأيت قرشيا أفضل منه) (48)

وروى ابن سعد عن يحيى بن سعيد قوله: (سمعت علي بن حسين وكان أفضل هاشمي أدركته) (49)

وقال ابن حجر العسقلاني: (زين العابدين هذا هو الذي خلف أباه علما وزهدا وعبادة وكان إذا توضأ للصلاة اصفر لونه فقيل له في ذلك فقال ألا تدرون بين يدي من أقف). (50)

وروى يوسف المزي عن ابن وهب، عن مالك قوله: (لم يكن في أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل علي بن الحسين). (51)

وقال ابن تيمية: (وأما على بن الحسين فمن كبار التابعين وساداتهم علما ودينا... وكان من خيار أهل العلم والدين من التابعين) (52)

وقال ابن عساكر: (كان عليّ بن الحسين ثقةً مأموناً، كثير الحديث، عالياً رفيعاً...) (53)

وقال الذهبي: (كانت له جلالة عجيبة، وحقّ له والله ذلك، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى; لشرفه وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله) (54)

وقال صفي الدين أحمد بن الفضل بن محمد باكثير الحضرمي: (كان زين العابدين عظيم الهدى والسمت الصالح..) (55)

وقال النووي: (وأجمعوا على جلالته في كلّ شيء...) (56)

وقال عماد الدين إدريس القرشي: (كان الإمام عليّ بن الحسين زين العابدين أفضل أهل بيت رسول الله(صلى الله عليه وآله) وأشرفهم بعد الحسن والحسين عليهم جميعاً الصلاة والسلام، وأكثرهم ورعاً وزهداً وعبادة) (57)

وقال ابن عنبة الحسني: (وفضائله (عليه السلام) أكثر من أن تحصى أو يحيط بها الوصف) (58)

وقال محمّد بن طلحة القرشي الشافعي: (هذا زين العابدين، قدوة الزاهدين، وسيّد المتقين، وإمام المؤمنين، شيمته تشهد له أنّه من سلالة رسول الله(صلى الله عليه وآله) وسمته يثبت مقام قربه من الله زلفاً، وثفناته تسجّل له كثرة صلاته وتهجّده، وإعراضه عن متاع الدنيا ينطق بزهده فيها، درّت له أخلاق التقوى فتفوّقها، وأشرقت له أنوار التأييد فاهتدى بها، وآلفته أوراد العبادة فآنس بصحبتها، وحالفته وظايف الطاعة فتحلّى بحليتها، طالما اتّخذ الليل مطيّة ركبها لقطع طريق الآخرة، وظمأ الهواجر دليلاً استرشد به في مسافة المسافرة، وله من الخوارق والكرامات ما شوهد بالأعين الباصرة وثبت بالآثار المتواترة وشهد له أنّه من ملوك الآخرة...) (59)

مع قصيدة الفرزدق

وكان (عليه السلام) ذا مهابة نبوية وشمائل حيدرية وإباء حسيني تسلسل من أسمى بيت وترقى أفضل مرتقى وقصة حجه وقصيدة الفرزدق توضح جلالته بين الناس وقد روتها كثير من المصادر وهي: أن هشام‌ بن‌ عبد الملك‌ حج فلم‌ يقدر علی‌ الاستلام‌ من‌ الزحام‌. فنُصب‌ له‌ منبر فجلس‌ علیه‌ وأطاف‌ به‌ أهل‌ الشام‌، فبينما هو كذلك‌ إذ أقبل‌ عليّ بن‌ الحسين‌‌ وعلیه‌ إزار ورداء، من‌ أحسن‌ الناس‌ وجهاً وأطيبهم‌ رائحةً، بين‌ عينيه‌ سجّادة‌. فجعل‌ يطوف‌، فإذا بلغ‌ إلی‌ موضع‌ الحجر تنحّي‌ الناس‌ حتّى يستلمه‌ هيبةً له‌. فقال‌ شامي: مَنْ هَذَ؟!

فنكره هشام وقال: لاَ أَعْرِفُهُ؛ لئلّا يرغب‌ فيه‌ أهل‌ الشام‌. فقال‌ الفرزدق‌ وكان‌ حاضراً: لكنّي‌ أنا أعرفه‌. فقال‌ الرجل الشامي‌ّ: مَن‌ هو يا أبا فراس‌؟! فأنشأ قصيدته التي يقول فيها‌:

يَا سَائِلِي‌: أَيْنَ حَلَّ الـــــــــجُودُ وَالكَرَمُ     عِنْـدِي‌ بَيَانٌ إذَا طُــــــــــــلاَّبُـهُ قَدِمُوا

هَذَا الذي‌ تَعْرِفُ الـــــــــبَطْحَاءُ وَطْأَتَهُ     وَالبَيْتُ يَعْرِفُـــــــــــهُ وَالحِلُّ وَالحَرَمُ

هَــــــــذَا ابْنُ خَيْـــــــــرِ عِبَادِ اللَهِ كُلِّهِمُ     هَذَا التَّقِيُّ النَّقِيُّ الطَّاهِرُ الـــــــــــعَلَمُ

هَذَا الــــذي‌ أحْـــــــــمَدُ المُخْتَارُ وَالِدُهُ     صَلَّى عَلَیهِ إلَهِي‌ مَـــــــــا جَرَي‌ القَلَمُ

لَوْ يَعْلَمُ الرُّكْــــــــنُ مَنْ قَـدْ جَاءَ يَلْثِمُهُ     لَخَرَّ يَلْثِمُ مِــــــــــــــنْهُ مَا وَطَي‌ القَدَمُ

هَذَا علـــــــــــــــــيٌّ رَسُـولُ اللَهِ وَالِدُهُ     أَمْــــــــــسَتْ بِنُورِ هُدَاهُ تَهْتَدِي‌ الاُمَمُ

هَذَا الَّذِي‌ عَــــــمُّهُ الطَّيَّـارُ جَعْفَرٌ وَالـ     ـمَقْتُولُ حَمْزَةُ لَيْــــــــــــــثٌ حُبُّهُ قَسَمُ

هَذَا ابْنُ سَيِّدَةِ النِّسْــــــوَانِ فَــــــاطِمَةٍ     وَابْنُ الوَصِــــــــيِّ الَّذِي‌ في‌ سَيْفِهِ نِقَمُ

إذَا رَأتْهُ قُرَيْشٌ قَالَ قَائِـــــــــــــــــلُهَا     إلَی‌ مَــــــــــــــكَارِمِ هَذَا يَنْتَـهِي‌ الكَرَمُ

يَكَادُ يُمْسِكُهُ عِــــــــــــــــرْفَانَ راحته     رُكْنُ الحَطِيمِ إذَا مَا جَـــــــــــاءَ يَسْتَلِمُ

وَلَيْسَ قُولُكَ: مَنْ هَـــــــــذَا؟ بِضَائِرِهِ     العُرْبُ تَعْرِفُ مَـــــنْ أنْكَـرْتَ وَالعَجَمُ

يُنْمَي‌ إلَی‌ ذَرْوَةِ العِزِّ الَّــــتِي‌ قَصُرَتْ     عَنْ نَيْلِهَا عَـــــــرَبُ الإسْـلاَمِ وَالعَجَمُ

يُغْضِي‌ حَيَاءً وَيُغْضَـــيى مِــنْ مَهَابَتِهِ     فَــــــــــــــــــــمَا يُكَلَّمُ إلاَّ حِـينَ يَبْتَسِمُ

يَنْجَابُ نُورُ الدُّجَـــى‌ عَنْ نُورِ غُرِّتِهِ     كَالشَّمْسِ يَنْجَابُ عَنْ إشْرَاقِــــهَا الظُّلَمُ

بِكَفِّهِ خَيْزُرَانٌ رِيـــحُهُ عَبِـــــــــــــقٌ     مِنْ كَفِّ أَرْوَعَ فِي‌ عِـــــــــرْنِينِهِ شَمَمُ

مَا قَـــــــــــالَ: لاَ قَطُّ، إلاَّ فِي‌ تَشَهُّدِهِ     لَوْلاَ التَّشَــــــــــــــهُّدُ كَانَـتْ لاَؤهُ نَعَمُ

مُشتَقَّةٌ مِـــــــــــــنْ رَسُولِ اللَهِ نَبْعَتُهُ     طَـــــــــابَتْ عَنَاصِـرُهُ وَالـخِيمُ وَالشِّيَمُ

حَمَّالُ أثْقَــــالِ أَقْــــــــوَامٍ إذَا فُدِحُوا     حُلْوُ الشَّمَائِلِ تَحْلُو عِـنْدَهُ نَــــــــــــــعَمُ

إنْ قَالَ قَــــالَ بمِا يَهْــــوَي‌ جَمِيعُهُمُ     وَإنْ تَكَلَّمَ يَوْمـــــــــــــــــــاً زَانَهُ الكَلِمُ

هَذَا ابْنُ فَــــاطِمَةٍ إنْ كُـــنْتَ جَاهِلَهُ     بِجَدِّهِ أنبِيَاءُ اللَهِ قَدْ خُتِـــــــــــــــــــــمُوا

اللهُ فَضَّـــــــــــــــــــلَهُ قِدْماً وَشَرَّفَهُ     جَرَي‌ بِذَاكَ لَــــــــــــهُ فِـي‌ لَوْحِهِ القَلَمُ

مَنْ جَـــدُّهُ دَانَ فَـــــضْلُ الأنْبِيَاءِ لَهُ     وَفَـــــــــــــــضْلُ أُمَّتِهِ دَانَـتْ لَهَا الاُمَمُ

عَمَّ البَـــرِيَّةَ بِالإحْـــسَانِ وَانْقَشَعَتْ     عَنْهَا الـــــــــــعِمَايَةُ وَالإمْـلاَقُ وَالظُّلَمُ

كِلْتَا يَـــدَيْهِ غِيَاثٌ عَـــــــــمَّ نَفْعُهُمَا     يُسْتَوْكَفَانِ وَلاَ يَعْرُوهُــــــــــــــمَا عَدَمُ

سَـــهْلُ الخَلِيقَةِ لاَ تُخْــشَـي‌ بَوَادِرُهُ     يَزِينُهُ خَصْلَتَــــــــــــانِ: الـحِلْمُ وَالكَرَمُ

لاَ يُخْلِفُ الوَعْدَ مَيْمُـــــــوناً نَقِيبَتُهُ     رَحْـــــــــــبُ الفِنَاءِ أَرِيـبٌ حِينَ يُعْتَرَمُ

مِنْ مَعْشَرٍ حُـبُّهُمْ دِيــــنٌ وَبُغْضُهُمُ     كُفْرٌ وَقُرْبُهُمُ مَنْجيً وَمُـــــــــــــــعْتَصَمُ

يُسْتَدْفَعُ السُّـوءُ وَالـــبَـلْوَى‌ بِحُـبِّهِمُ     وَيُسْتَزَادُ بِــــــــــــــــهِ الإحْسَانُ وَالنِّعَمُ

مُقَدَّمٌ بَعْدَ ذِكْـرِ اللَهِ ذِكْـــــــــــرُهُمْ     فِي‌ كُلِّ فَرْضٍ وَمَـــــــــــخْتُومٌ بِهِ الكَلِمُ

إنْ عُدَّ أهْلُ الـتُّقَي‌ كَــانُـوا أئمَّتَهُمْ     أوْ قِيلَ: مَنْ خَيْرُ أَهْلِ الارْضِ قِيلَ: هُمُ

لاَ يَسْتَطِيعُ جَـوَادٌ بُــعْدَ غَـــايَتِهِمْ     وَلاَ يُـــــــــــــــــدَانِيهِمُ قَوْمٌ وَإنْ كَرُمُوا

هُمُ الغُيُوثُ إذَا مَــا أزْمَةٌ أزَمَـتْ     وَالاُسْدُ أُسْدُ الشَّرَي‌ وَالبَـــــــأْسُ مُحْتَدِمُ

يَأبَي‌ لَهُمْ أَنْ يَـــحِلَّ الذَّمُّ سَاحَتَهُمْ     خِـــــــــــــــيمٌ كَرِيمٌ وَأيْـدٍ بِالنَّدَي‌ هُضُمُ

لاَ يَقْبِضُ العُسْرُ بَسْطًا مِنْ أكُفِّهِمُ     سِيَّانِ ذَلِكَ إنْ أثْـــــــــــرَوْا وَإنْ عَدِمُوا

أيٌّ القَبَائِلِ لَيْسَــــــتْ فِي‌ رَقَابِهِمُ     لاِوَّلِيَّةِ هَـــــــــــــــــــــــــــذَا أوْ لَهُ نِعَمُ

مَنْ يَعْرِفِ اللَهَ يَـــعْرِفْ أوَّلِيَّةَ ذَا     فَـــــــــــــالدِّينُ مِنْ بَيْتِ هَذَا نَالَهُ الاُمَمُ

بُيُوتُهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ يُــسْتَضَاءُ بِهَا     فِي‌ النَّائِبَــــــاتِ وَعِنْدَ الحُكْمِ إنْ حَكَمُوا

فَجَدُّهُ مِنْ قُرَيْشٍ فِي‌ أُرُومَــــتِهَا     مُحَمَّدٌ وَعليّ بَـــــــــــــــــــــــــعْدَهُ عَلَمُ

بَدرٌ له‌ شَاهِدٌ وَالشِّـعْبُ مِنْ أُحُدٍ     والخَنْدَقَانِ وَيَــــــــــــومُ الفَتْحِ قَدْ عَلِمُوا

وَخَيْبَرٌ وَحُنَيْنٌ يَشْهَــــــــدَانِ لَهُ     وَفِي‌ قُرَيْضَةَ يَوْمٌ صَـــــــــــــــــيْلَمٌ قَتَمُ

مَوَاطِنٌ قَدْ عَلَتْ فِي‌ كُلِّ نــائِبَةٍ     علی‌ الصَّــــــــــحَابَةِ لَمْ أَكْتُمْ كَمَا كَتَمُوا

فلما أتم الفرزدق قصيدته، غضب‌ هشام‌ ومنع‌ جائزته‌ وقال‌: ألا قلت فينا مثلها؟! قال‌: هات جداً كجدِه، وَأبا كأبيه، وَأمَا كأُمهِ حتَى أقول فيكم مثلها! فأمر هشام بحبسه‌ بعسفان‌ بين‌ مكّة‌ والمدينة‌: فبلغ‌ ذلك‌ علي بن الحسين‌، فبعث‌ إلیه‌ باثني‌ عشر ألف‌ درهم‌، وقال‌: أعذرنا يا أَبا فراس، فلو كان عندنا أكثر من هذا لوصلناكَ بهِ! فردّها وقال‌: يابن رسول اللَهِ! ما قلتُ الَّذي‌ قُلْت إلاَ غضباً لِلَّهِ ولرسولهِ! وما كنت لارزأَ علیه شيئاً. فردّها إلیه‌ وقال‌: بحقي‌ علیك لمَا قبلتها فقد رأَى‌ اللَهُ مكانك وعلم نيَتك! فقبلها. فجعل‌ الفرزدق‌ يهجو هشاماً وهو في‌ الحبس‌، فكان‌ ممّا هجاه‌ به‌ قوله‌:

أَيَحْبـــِسُنِي‌ بَيْنَ المَدِينَةِ وَالَّتِي     إلَیهَا قُلُوبُ النَّاسِ يَهْوِي‌ مُنِيبُهَا

يُقَلِّبُ رَأْساً لَمْ يَكُنْ رَأْسَ سَيِّدٍ     وَعَيْنـــــاً لَهُ حَوْلاَءَ بَادٍ عُيُوبُهَا

فأُخبر هشام‌ بذلك‌ فأطلقه‌. وفي‌ رواية‌ أبي‌ بكر العلاّف‌ أنّه‌ أخرجه‌ إلی‌ البصرة‌).

وقد وردت القصيدة في ديوان الفرزدق (60) كما أورد هذه القصة والقصيدة كثير من الأعلام في المصادر منهم: الشيخ المفيد (61)، وأبو نعيم الأصفهاني (62) وأبو الفرج الأصفهاني (63)، واليافعي (64)، والدميري (65)، والسيد محسن الأمين (66)، وابن الأثير (67)، وباكثير الحضرمي (68)، والبيهقي (69)، والطبراني (70)، الهيثمي الشافعي (71) وابن حجر العسقلاني (72)، وابن الصبّاغ المالكي (73)، وابن كثير (74)، والحموي (75)، والقرماني (76)، وسبط ابن الجوزي (77)، والكنجي الشافعي (78)، والسبكي الشافعي (79)، وابن نباته المصري (80) واليافعي (81)، والزمخشري (82)، والزرقاني (83)، وابن طلحة الشافعي (84)، والراغب الأصبهاني (85)، والشيخ المفيد (86) والأربلي (87) والراوندي (88) والسيد المرتضى (89)، وسبط ابن الجوزى (90)، وابن العماد الحنبلي (91)، والشيخ المجلسي (92)، والسيوطي (93)، والخطيب التبريزي (94)، والعيني (95)، والقيرواني (96)، وابن نباتة المصري (97)، والشبلنجي (98)، وابن شهرآشوب (99) وقال السيد جواد شبر عند ذكره لهذه القصة والقصيدة نقلا عن شيخ الحرمين أبو عبد الله القرطبي قوله: (لو لم يكن لأبي فراس عند الله عمل إلا هذا دخل به الجنة لأنها كلمة حق عند سلطان جائر) (100)

واقعة الحرة

من الحوادث المأساوية التي شاهدها (ع) بعد معركة الطف هي واقعة الحرة وما جرى على مدينة جده (ص) من قتل ونهب وسلب وانتهاك للحرمات من قبل الجيش الأموي، وقص هذه الواقعة أنه جاء وفد على يزيد من أهل المدينة وعلى رأسهم عبد الله بن خنظلة وعندما رأوا استهتار يزيد بالدين والأخلاق وجميع القيم والمقدسات، إضافة إلى ظلمه وجوره وفجوره وعبثه وشربه الخمر جهراً، والأدهى من ذلك قتله ريحانة رسول الله وسيد شباب أهل الجنة، أعلنوا نقضهم لبيعته وقال عبد الله بن حنظلة: لو لم أجد إلاّ بنيّ هؤلاء لجاهدته بهم، وقد أعطاني وأكرمني وما قبلت عطاءه إلاّ لأتقوّى به. فبايعه الناس على خلع يزيد وولّوه عليهم (101)

ثم طردوا عامل يزيد على المدينة عثمان بن محمد بن أبي سفيان وحصروا بني أمية في دار مروان فلما سمع يزيد بذلك أرسل إليهم يزيد, المجرم مسلم بن عقبة المري، وقال له: (ادع القوم ثلاثاً فإن أجابوك وإلاّ فقاتلهم، فإذا ظهرتَ عليهم فأبحها ـ أي المدينة ـ ثلاثاً، فما فيها من مال أو دابّة أو سلاح أو طعام فهو للجند (102). وأمرهُ أن يُجهِز على جريحهم ويقتل مدبرهم (103)

فجرت معركة ضارية استبسل فيها أهل المدينة في القتال ولكن كانت الغلبة فيها لجيش الشام لكثرته وقُتل عبد الله بن حنظلة ومعه أولاده الثمانية وأخوه لأمه محمد بن ثابت بن قيس، ثم دخل مسلم بن عقبة بجيشه إلى المدينة المنورة فارتكبوا فيها من الجرائم ما يندى له جبين الإنسانية.

وقد قضت هذه الواقعة على البقية القليلة من آل أبي طالب وبني هاشم في المدينة فنكأت جراح الإمام (ع) من جديد وهي لم تندمل، وتجدّدت أحزانه، والجدير بالذكر أن هذه الواقعة جرت سنة (62 هـ) أي بعد سنة واحدة من واقعة الطف.

وقد قُتل في تلك المعركة خلق كثير من الناس من بني هاشم وقريش والأنصار وغيرهم من سائر الناس, فممن قتل من آل أبي طالب: عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وجعفر بن محمد بن علي بن أبي طالب، ومن بني هاشم من غير آل أبي طالب: الفضل بن العباس بن ربيعة بن عبد المطلب، وحمزة بن عبد الله بن نوفل بن الحارث، ونوفل بن الحرث بن عبد المطلب والعباس بن عتبة بن أبي لهب، ومن الأسماء البارزة: زيد بن عبد الرحمن بن عوف، وعبد الله بن زيد بن عاصم، ومحمد بن عمرو بن حزم، وعبد الله بن عبد الرحمن بن حاطب، ومعقل بن سنان الأشجعي، وإبراهيم بن نعيم النحّام، ومحمد بن أبي كعب، وسعد وسليمان وإسماعيل وسليط وعبد الرحمن وعبد الله أبناء زيد بن ثابت، ومحمد بن أبي الجهم. وأكثر من تسعين رجلاً من قريش ومثلهم من الأنصار وأربعة آلاف من سائر الناس ممن أدركهم الاحصاء دون من لم يُعرف. (104)

وهذه نتف من أقوال المؤرخين حول المجازر التي ارتكبها جيش يزيد في مدينة الرسول (صلى الله عليه وآله):

وقال ابن قتيبة الدينوري في الإمامة والسياسة: (قُتل يوم الحرة من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمانون رجلا ولم يبقَ بدري بعد ذلك ومن قريش والانصار سبع مئة ومن سائر الناس من الموالي والعرب والتابعين عشرة آلاف) (105).

وقال السيوطي: (قتل فيها خلق من الصحابة رضي الله عنهم ومن غيرهم، ونهبت المدينة، وافتضَّ فيها ألف عذْراء..) (106)

وقال ابن كثير: (ولدت ألف امرأة من أهل المدينة بعد وقعة الحرّة من غير زوج. وروي عن الزهري أنّه قال: كان القتلى يوم الحرّة سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين والأنصار، ووجوه الموالي ممّن لا أعرف من حرٍّ وعبد وغيرهم عشرة آلاف) (107)

وينقل لنا التاريخ إحدى الصور البشعة عن تلك الجرائم الوحشية التي قام بها الجيش الأموي في مدينة رسول الله (ص) وهي:

دخل رجل من جند مسلم بن عقبة على امرأة نفساء من الأنصار ومعها صبي لها فقال: هل من مال؟ فقالت: لا والله ما تركوا لنا شيئاً. فقال: والله لتخرجن إليَّ شيئاً أو لأقتلنك وصبيك هذا، فقالت له: ويحك إنه ولد ابن أبي كبشة الأنصاري صاحب رسول الله (ص) فأخذ برجل الصبي والثدي في فمه فجذبه من حجرها وضرب به الحائط فانتثر دماغه على الأرض!! (108)

وقد أباح (مجرم) بن عقبة المدينة ثلاثة أيام ولم يبق بعد هذه الواقعة بدري! ثم أمِروا بالبيعة ليزيد على أنهم عبيد له, إن شاء استرق وإن شاء أعتق فبايعوه على ذلك وأموالهم مسلوبة ورحالهم منهوبة ودماؤهم مسفوكة ونساؤهم مهتوكة وبعث (مجرم بن عقبة) برؤوس أهل المدينة إلى يزيد. وقد ذكر جميع المؤرخين هذه الواقعة.

موقف الإمام من الواقعة

كل هذه الأحداث الفظيعة شاهدها الإمام زين العابدين (ع) كانت تزيد من جراحه, وكان يتلقّاها بقلب كسير وروح متألّمة، تلك الروح الكبيرة والرحيمة حتى بمن نصب له ولأبيه ولجدّه العداء، فعندما خرج مروان بن الحكم وبنو أمية إلى الشام تركوا عيالهم في المدينة فكلم مروان عبد الله بن عمر بأن يترك عياله وحرمه عنده فأبى عليه، فكلم الإمام علي بن الحسين (ع) فوافق على ذلك.

قال الزمخشري: (لما وجه يزيد بن معاوية قائده مسلم بن عقبة لاستباحة المدينة المنورة، ضم علي بن الحسين عليه السلام إلى نفسه أربعمائة ضائنة ــ المرأة الضعيفة ــ بحشمهن يعولهن إلى أن تقوض جيش الشام فقالت إمرأة منهن: ما عشت والله بين أبوي بمثل ذلك الشريف) (109)

وقد اشتهر بين الرواة والمؤرخين إن الذين انضموا إلى علي بن الحسين يزيدون على أربعمائة عائلة وضمّهن (عليه السلام) إلى عياله وقام بنفقتهن وإطعامهن إلى أن خرج جيش ابن عقبة من المدينة.

أي روح أعظم من هذه الروح؟ وأي قلب أكبر من هذا القلب؟

هذه هي أخلاق الأنبياء التي ورثها الإمام زين العابدين (ع)، لقد كفل عوائل بني أمية الذين سبوا عماته وأخواته ونساءه من كربلاء إلى الكوفة ومنها إلى الشام وبقيت عائلة مروان في رعايته إلى أن انتهت المعركة وسلم علي بن الحسين (ع) وأهل بيته من شر مسلم بن عقبة وسلم كل من التجأ إلى بيته من أهل المدينة.

وقد اشتهر بين الرواة والمؤرخين إن الذين انضموا إلى علي بن الحسين يزيدون على أربعمائة عائلة, وجاء في ربيع الأبرار للزمخشري: إنه لما أرسل يزيد بن معاوية مسلم بن عقبة لقتال أهل المدينة واستباحتها كفل الإمام زين العابدين أربعمائة امرأة مع أولادهن وحشمهن وضمّهن إلى عياله وقام بنفقتهن وإطعامهن إلى أن خرج جيش ابن عقبة من المدينة.

قال الطبري إن يزيد قال لمسلم بن عقبة: ادع القوم ثلاثاً، فإن هم أجابوك وإلاّ فقاتلهم، فإذا أظهرت عليهم فأبحها ثلاثاً، فما فيها من مال أو رقّة، أو سلاح أو طعام فهو للجند، فإذا مضت الثلاث فاكفف عن الناس، وانظر علي بن الحسين (عليه السّلام) فاكفف عنه، واستوص به خيراً وادن مجلسه، فإنّه لم يدخل في شيء ممّا دخلوا فيه، وقد أتاني كتابه). (110)

ولم يكن يزيد بذلك البعيد عن دماء أهل البيت (ع) أو مراعياً لهم حرمة النبي حتى يوصي بالإمام زين العابدين بل لأنه أحس بوطأة جريمته النكراء التي ارتكبها في كربلاء بحق الإمام الحسين (ع) وأهل بيته وأصحابه وأدرك حجم الأخطار التي أصبحت تهدد عرشه من جميع الجهات, والأصوات التي تنادي يا لثارات الحسين تتعالى في جميع الأرجاء وتجد ترحيباً وتجاوباً من الجميع. وفيما كان يزيد بن معاوية يتعقب الثائرين في المدينة كان التوابون في الكوفة منذ أن قتل الحسين يعدون العدّة للثورة على السلطة الأموية وقد بدأوا يحسّون بمرارة تلك الفاجعة حينما وقف الإمام زين العابدين وخطب في جموعهم تلك الخطب البليغة.

الحزن المستديم

رغم كل هذه المآسي إلا أن واقعة كربلاء بقيت الجرح الذي لم يندمل في قلب الإمام (ع) ولم يزل باكياً حتى قال له بعض مواليه.. إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، فقال (ع): إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون.. إن يعقوب كان نبياً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده وعنده اثنا عشر ولداً وهو يعلم إنه حي فبكى عليه حتى ابيضّت عيناه من الحزن, وإني نظرت إلى أبي وأخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني ؟.. (111)

ویقول ابن عساکر: (سئل علي بن الحسين عن كثرة بكائه فقال لا تلوموني فإن يعقوب عليه السلام فقد سبطا من ولده فبكا حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يعلم أنه مات وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلا من أهل بيتي يذبحون في غداة واحد فترون حزنهم يذهب من قلبي أبدا) (112)

ويقول (عليه السلام): (إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة إلاّ خنقتني العبرة) (113)

وكان (عليه السلام) إذا أخذ الإناء لِيشرب الماء تذكّر عطش أبيه ومن معه فيبكي حتى يمزجه من دموعه، فإذا قيل له في ذلك يقول: «كيف لا أبكي وقد مُنِع أبي من الماء الذي هو مطلق للوحوش والسباع (114)

وظلت هذه الذكرى معه حتى توفي مسموماً بأمر الوليد بن عبد الملك (115)

شعره

نُسب ديوان إلى الإمام زين العابدين (عليه السلام) وتوجد منه نسخة مخطوطة في مكتبة الإمام أمير المؤمنين بخط السيد أحمد بن الحسين الجزائري، وقع الفراغ من كتابتها سنة 1358هـ وقد استنسخها عن نسخة بخط السيد محمد بن السيد عبد الله الشوشتري المتوفى سنة (1283هـ). (116)

وقد نشره الدكتور حسين علي محفوظ وقال في تقديمه له:

(ينسب إلى السجاد (عليه السّلام) 387 بيتاً من الشعر جمعها شيخنا المرحوم محمد علي التبريزي المدرس المتوفى سنة (1373هـ) من كتاب التحفة المهدية المطبوع في تبريز سنة 1357هـ وهو القسم الثاني من ديوان المعصومين الذي سماه: الدر المنثور، وقد أهدى إلي صديقنا الباحث الفاضل الكريم مرتضى المدرس نسخة خطية من شرح ديوان السجاد (عليه السلام) مكتوبة في أوائل القرن الثالث عشر الهجري فيه 29 مقطوعة من بحر الوافر ذوات خمسة أبيات مرتبة على الهجاء عدتها 145 بيتاً، وإذا صح أن ينسب شيء من الشعر إلى الإمام فالظن كل الظن أن في المضامين إليه من المنظوم ما هو قيد كلماته، ونظم معانيه، واتباع منهجه، ودليل سيرته، واقتداء بهداه..). (117)

والديوان عبارة عن مقطوعات شعرية كل مقطوعة على قافية من حروف الهجاء تدور مواضيعها حول مناجاة الخالق والتضرع إليه والوعظ والإرشاد والحكمة كما نقلت المصادر كثيراً من الشعر المنسوب إليه غير الديوان ومنها: مناقب ابن شهرآشوب، بحار الأنوار للمجلسي، وينابيع المودة للقندوزي، وحياة الامام الحسين للقرشي، أدب الحسين وحماسته لأحمد صابري الهمداني، نفس المهموم الشيخ عباس القمي، ناسخ التواريخ لميرزا محمد تقي سبهر، المنتخب للطريحي، نور العين في مشهد الحسين لإبراهيم بن محمد الاسفراييني، أسرار الشهادة للدربندي، مقتل الحسين لابي مخنف، ومقتل الحسين لعبد الرزاق المقرم، الاحتجاج للطبرسي، واللهوف لابن طاووس، ومثير الأحزان لابن نما الحلي، وأدب الطف للسيد جواد شبر، وتظلم الزهراء للقزويني، وديوان القرن الأول بجزأيه الأول والثاني من دائرة المعارف الحسينية للشيخ الكرباسي، وغيرها من المصادر وتدور مواضيعها حول رثاء أبيه سيد الشهداء (عليه السلام) وما جرى عليه من الأسر.

قال الشيخ محمد مهدي الآصفي: (في الأدبيّات السياسيّة التي وصلت إلينا عن الإمام زين العابدين (ع) نلتقي بالشعر السياسيّ، وهو ظاهرة سياسيّة بارزة في أدبيات أهل البيت (عليهم السلام) في الإعلان عن الظلم الذي نال أهل البيت (عليهم السلام) من قبل الحكّام الظالمين وعمّالهم وأذنابهم الذين عاثوا في الأرض فساداً، ونشروا الرعب والإرهاب، وعن الظلم الذي طالهم من قبل علماء البلاط الأموي الذين ابتزّوهم موقع الفتيا والمرجعيّة الدينيّة والمعرفيّة بين المسلمين.... وللإمام زين العابدين (ع) شعر سياسي يذكره ابن شهرآشوب في المناقب والمجلسي في البحار. ومحور هذا الشعر الشكوى مما نال أهل البيت (عليهم السلام) من الظلم بعد رسول الله (ص) وخاصّة من بني أمية، والتنديد بمن غصب حقوق أهل البيت (عليهم السلام) ومواقعهم في هذه الأمّة بعد وفاة رسول الله ص).

ثم ينقل الآصفي نماذج من هذا الشعر (119)

ومن شعره (عليه السلام) في هذا المجال:

قال في طريقه من الكوفة إلى الشام وهو في أسره:

سادَ العلوجُ فما ترضى بذا العربُ‌     وصارَ يـــقدمُ رأسَ الأمّةِ الذنبُ‌

يا للرجـــــــالِ لما يأتي الزمانُ به‌     مِن العجيبِ الذي ما مثله عجب‌ُ

آلُ الرسولِ عـــلى الأقتابِ عاريةٌ     وآلُ مروانَ تـسري تحتهمْ نُجبُ‌

وقال أيضاً:

وهــوَ الزمانُ فما تفنى عجائبهُ     من الكرامِ ومــــــا تفنى مصائبهُ

فليتَ شعريْ إلى كم ذا يجاذبنا     بصرفهِ وإلــــــــــى كم ذا نجاذبُه

يُسرى بنا فوقَ أقتابٍ بلا وُطُؤٍ     وسائقُ العيسِ يحـمي عنه غاربُه

كأننــــــا من أسارِ الرومِ بينهمُ     أو كلّ ما قاله المـــــــختارُ كاذبُه

كفرتمُ بــــــــرسولِ اللهِ ويحكمُ     فكنتمُ مثلَ من ضلّتْ مــــــــذاهبُه

وقال:

يا أمَّة السوءِ لاســـــــــقياً لربعكمُ     يا أمَّةً لم تراعِ جــــــــــــدَّنا فينا

لو أننا ورسولُ الله يجــــــــــمعُنا     يومَ القيامةِ مــــــــا كنتم تـقولونا

تسيّرونا على الأقــــــتابِ عاريةٍ     كـــــــــــــــأننا لم نشيّدْ فيكمُ دينا

بني أميةَ ما هـــــذا الوقوفُ على     تلكَ المصائبِ لم تصغوا لداعينا

تصفّقــــــــــونَ علينا كفكمْ فرحاً     وأنتمُ في فجاجِ الأرضِ تســـبونا

ألــــــيسَ جدي رسولُ الله ويلكُمُ     أهدى البريةَ مِـــن سُبلِ المضلّينا

يا وقعةَ الطفِّ قد أورثتني حزناً     واللهُ يــــــــــهتكُ أستارَ المسيـئينا

................................................................................................

1 ــ بحار الأنوار ج ٤٥ ص ١١٤ / ينابيع المودة ج 2 ص 176 / حياة الامام الحسين للشيخ باقر شريف القرشي ج 3 ص 333 / أدب الحسين لأحمد الهمداني ص 188 / نفس المهموم للشيخ عباس القمي ص 213 / ناسخ التواريخ للميرزا محمد تقي سبهر ج 3 ص 53 / المنتخب للطريحي ص 477 / نور العين في مشهد الحسين للاسفراييني ص 34 / أسرار الشهادة للدربندي ص 467 / موسوعة كربلاء للبيب بيضون ج 2 ص 267 / موسوعة شهادة المعصومين ع ــ لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (ع) / ج ٢ ص ٣٣٦ / العوالم، الإمام الحسين (ع) للبحراني ص ٣٧٣ / مقتل الحسين لأبي مخنف ص 160 / ديوان القرن الاول ج 2 ص 212 ــ 213 / عوالم العلوم للموحد الأبطحي ص 373 / زينب الكبرى المؤلف للشيخ جعفر النقدي ج 1 ص 111 / ينابيع المودة للقندوزي ج 2 ص 176 / رياض الأبرار في مناقب الأئمة الأطهار للسيد نعمة الله الجزائري ج 1 ص 342 / شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي ج ٣٣ ص ٧٥٩ / أهل البيت في مصر لعدة من الباحثين و المفكرين المصريين ج 1 ص 153 / مع الركب الحسيني من المدينة إلى المدينة لمحمد جعفر الطبسي ج 5 ص 95 ــ 96

2 ــ تهذيب التهذيب للعسقلاني ج 3 ص 306

3 ــ وسائل الشيعة ج 6 ص 244

4 ــ صبح الأعشى ج 1 ص 452 / وسائل الشيعة ج 6 ص 377

5 ــ مناقب ج 3 ص 354

6 ــ أجمع على نسبه كل المصادر التي ترجمت له

7 ــ ذكر هذا الحديث كثير من أعلام الفريقين منهم: ابن الصباغ المالكي / الفصول المهمة ص 215 ــ 216 ، ابن الجوزي / تذكرة الخواص ص 302 ــ 303 ، اليعقوبي / تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 320 ، ابن عساكر / تاريخ دمشق ج 45 ص 276 ، الذهبي / سير أعلام النبلاء ج 4 ص 404 ، ابن حجر العسقلاني / الصواعق المحرقة ص ١٢٠ ، ابن أبي الفتح الإربلي / كشف الغمة ج ٢ ص ٣٣٠ و ٣٤٩ ، عيون الأخبار / الدينوري ج ١ ص ٢١٢ ، ابن حجر / لسان الميزان ج ٥ ص ١٦٨ ، ابن الفتال النيسابوري / روضة الواعظين ص ٢٠٢ و ٢٠٦ ، السويدي / سبائك الذهب في معرفة قبائل العرب ص ٣٢٩ ، الهيثمي / مجمع الزوائد ج ١٠ ص ٢٢ ، محمد بن طلحة الشافعي / مطالب السؤول في مناقب آل الرسول ص 81 ، الشبلنجي / نور الأبصار ص ١٤٣

كما رواه من مؤلفي الشيعة الكليني / الكافي ج ١ ص ٤٦٩ ، الصدوق / معاني الأخبار ص ٢٨٠ ، المفيد / الإرشاد ج ٢ ص ١٥٨ ، الإختصاص ص ٦٢ ، رجال الكشي ص ٤١ و ٨٨ ، الطوسي / الأمالي ص ٦٣٦ ، الطبري / دلائل الإمامة ص ٢١٨ ، ابن عنبة الحسني / عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب ص ١٩٤ كما رواه ابن شهرآشوب في مناقب آل أبي طالب ٣ ص ٣٢٧ و  ج ٦ ص ٢٤٠ وقال عنه: (حديث جابر مشهور معروف، رواه فقهاء المدينة والعراق كلّهم، وقد أخبرني جدّي شهرآشوب وابن كيابكي الحسيني بطرق كثيرة عن سعيد بن المسيب، وسليمان الأعمش، وأبان ابن تغلب، ومحمّد بن مسلم، وزرارة بن أعين، وأبي خالد الكابلي، ثمّ روى الحديث.

8 ــ الفصول المهمة ص 215 ــ 216 كما روى هذا الحديث ابن الجوزي / تذكرة الخواص ص 302 ــ 303 ، الكليني / الكافي ج ١ ص ٢٩٧ ، ابن حجر العسقلاني / التهذيب ج ٩ ص ١٧٦ و ٧١٤ ، الشيخ جعفر سبحاني / أضواء على عقائد الشيعة ص ١٧٣

9 ــ تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 247

10 ــ الخرائج والجرائح لقطب الدين الراوندي ص 196 / بحار الأنوار ج 11 ص 4 / حياة الإمام زين العابدين للمقرم ص 50 / إثبات الهداة للحر العاملي ج 5 ص 214

11 ــ الكافي ج ١ ص ٤٦٧ / بحار الأنوار ج ٤٦ ص ٤

12 ــ الأنوار البهية ج 1 ص 107 / منتهى الآمال للشيخ عباس القمي ج ٢ ص ٧ / أمّهات المعصومين عليهم السلام سيرة وتاريخ لعبد العزيز كاظم البهادلي ج 1 ص 113

13 ــ شرح أصول الكافي ج ٧ ص ٢٣٦

14 ــ مرآة الجنان لليافعي ج ١ ص ١٩٠ / ابن تغري بردي / النجوم الزاهرة ج ١ ص ٢٢٩

15 ــ تاريخ اليعقوبي ج ٣ ص ٤٦

16 ــ الإرشاد ج ٢ ص ١٣٧ / أدب الطف للسيد جواد شبر ج 1 ص 254

17 ــ حياة الإمام زين العابدين ص 39 ــ 54

18 ــ الفصول المهمة في معرفة الأئمة ج ٢ ص ٨٥١

19 ــ الإرشاد ج ٢ ص ١٣٧

20 ــ روضة الواعظين ص ١٧٢

21 ــ إعلام الورى بأعلام الهدى ص ١٥١

22 ــ دلائل الإمامة ص ٨١ و ٢٧٠

23 ــ عيون الأخبار ص ٢٧٠

24 ــ الأخبار الطوال للدينوري ص ١٤١ / فتوح البلدان للبلاذري ص ٣٢٢ / بحار الأنوار للشيخ المجلسي ج ١١ ص ٤، وج ٤٦ ص ١١ – ١٢

25 ــ الكافي للكليني ج 2 ص 331 / مستدرك سفينة البحار للشيخ علي النمازي ج ١٠ ص ٣٥٢

26 ــ المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ص 19 ــ 20

27 ــ الذريعة لأغا بزرك الطهراني ج 15 ص 18 – 19

28 ــ سيرة الأئمة الاثني عشر (عليهم السلام) ــ ص 240 / شرح الصحيفة السجادية ترجمة السيد صدر الدين الصدر البلاغي ص 37

29 ــ مقدمة المرعشي على الصحيفة ص 43 ــ 45

30 ــ أدب الطف للسيد جواد شبر ج 1 ص 269

31 ــ نفس المصدر والصفحة

32 ــ نفس المصدر والصفحة

33 ــ دائرة المعارف الإسلامية الشيعية ج 2 ص 36

34 ــ شرح النهج لابن أبي الحديد ج 13 ص 12

35 ــ أعيان الشيعة ج ١ ص ٦٣٨

36 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ص 37

37 ــ أصحاب الإمام السجاد في 12 مجلداً

38 ــ الحركات السرية في الإسلام ص 67

39 ــ نفس المصدر والصفحة

40 ــ وسائل الشيعة ج 12 ص 129

41 ــ الاحتجاج ج ٢ ص ٤٠

42 ــ حلية الأولياء ج 3 ص 140 / مناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج 4 ص 167

43 ــ حلية الأولياء ج 4 ص 136 / مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 166 / كشف الغمة للأربلي ج 2 ص 290

44 ــ تذكرة الحفّاظ ج 1 ص 75

45 ــ تاريخ اليعقوبي ج 2 ص 303

46 ــ حلية الأولياء ج 3 ص 133

47 ــ لباب الأنساب والألقاب والأعقاب ج 1 ص 13

48 ــ وفيات الأعيان ج 3 ص 267

49 ــ الطبقات الكبرى ج 5 ص 214

50 ــ الصواعق المحرقة ج 2 ص 582

51 ــ تهذيب الكمال ج 20 ص 387

52 ــ منهاج السنة النبوية ج 4 ص 49

53 ــ تأريخ دمشق ج 36 ص 142

54 ــ سير أعلام النبلاء ج 4 ص 240

55 ــ وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل ص 280

56 ــ تهذيب اللغات والأسماء ق 1 ص 343

57 ــ عيون الأخبار وفنون الآثار ص 144

58 ــ عمدة الطالب ص 193

59 ــ مطالب السؤول ج 2 ص 41

60 ــ ج 2 ص 178 بشرح عبد الله إسماعيل الصاوي

61 ــ الإرشاد ج ٢ ص ١٥١

62 ــ حلية الأولياء ج 3 ص 139

63 ــ الأغاني ج ٢١ ص ٣٧٦

64 ــ مرآة الجنان ج 1 ص 239

65 ــ حياة الحيوان مادة أسد ج 1 ص 9

66 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص470 ــ 471

67 ــ المختار في مناقب الأخيار ص 29

68 ــ وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل ص 216

69 ــ المحاسن والمساوي ص 212

70 ــ المعجم الكبير ص 143

71 ــ مجمع الزوائد ج 9 ص 200

72 ــ الصواعق المحرقة ص 198

73 ــ الفصول المهمّة ص 189

74 ــ البداية والنهاية ج 8 ص 208

75 ــ ثمرات الأوراق ج 2 ص 20

76 ــ أخبار الدول وآثار الأُول ص 109

77 ــ تذكرة الخواصّ ص 338

78 ــ كفاية الطالب ص 303

79 ــ طبقات الشافعية الكبرى ج 1 ص 153

80 ــ شرح العيون ج 2 ص 163

81 ــ مرآة الجنان ج 1 ص 239

82 ــ الفائق ج 1 ص 219

83 ــ شرح المواهب اللدنيّة ج 1 ص 297

84 ــ مطالب السَّؤول ص 79

85 ــ محاضرات الأدباء ج 1 ص 299

86 ــ الإختصاص ص ١٩١

87 ــ كشف الغمة ج ٢ ص ٢٦٧

88 ــ الخرايج والجرايح ص ١٩٥

89 ــ غرر الفوائد ودرر القلائد المعروف بـ (الأمالي) ج ١ ص ٦٧ ــ ٦٩

90 ــ صفة الصفوة ج ٢ ص ٥٤

91 ــ شذرات الذهب ج ١ ص ١٤٢

92 ــ بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٢٥

93 ــ شرح شواهد المغني ص ٢٤٩

94 ــ شرح ديوان الحماسة ج ٢ ص ٢٨

95 ــ شرح الشواهد الكبرى ج ٢ ص ٥١٣

96 ــ زهر الآداب ج ١ ص ٦٥

97 ــ شرح رسالة ابن زيدون ج ٢ ص ١٦٣

98 ــ نور الأبصار ص ١٢٩

99 ــ مناقب آل أبي طالب ج ٣ ص ٣٠٦

100 ــ أدب الطف ج 1 ص 264

101 ــ تاريخ الطبري ج 5 ص 480 / الكامل في التأريخ ج 4 ص 103

102 ــ تاريخ الطبري ج 5 ص 484

103 ــ التنبيه والاشراف للمسعودي ص 263

104 ــ مروج الذهب ج 3 ص 85

105 ــ الإمامة والسياسة ج 1 ص 209

106 ــ تاريخ الخلفاء ص 209

107 ــ البداية والنهاية لابن كثير ج 8 ص 220 / تأريخ الخلفاء للسيوطي ص 233

108 ــ تاريخ ابن عساكر ج 10 ص 13 / المحاسن والمساوئ للبيهقي ج 1 ص 104 / أبو الشهداء الحسين بن علي لعباس محمود العقاد ص 103

109 ــ ربيع الأبرار ص 110

110 ــ تاريخ الطبري ج 5 ص 485 سنة 63

111 ــ بحار الأنوار ج ٤٦ ص ١٠٨

112 ــ تاريخ دمشق ج 41 ص 386

113 ــ أعيان الشيعة ج 1 ص 636

114 ــ حلية الأولياء لأبي نعيم الأصفهاني ج 3 ص 138 / بحار الأنوار ج 46 ص 108 / مناقب آل أبي طالب ج 4 ص 179 و180

115 ــ الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ص 52 / مناقب ابن شهر آشوب ج 4 ص 189

116 ــ مجلة البلاغ، العدد الثامن/ السنة الأولى ص 24

118 ــ نفس المصدر

119 ــ الإمام زين العابدين، علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي وجهاده السياسي ج 1 ص 192 ــ 195 تحت عنوان الشعر السياسيّ

كما ألفت حول حياته الشريفة كثير من الكتب والمؤلفات منها:

السيد زهير الاعرجي ــ كتاب الإمام علي بن الحسين

مختار الأسدي ــ الإمام علي بن الحسين عليهما السلام دراسة تحليلية

الدكتور حسين الحاج حسن ــ الإمام السجاد جهاد وأمجاد      

أمل جاسم عبد الرضا، رجاء عبد الحسين ــ القصدية في أشعار الإمام زين العابدين (عليه السلام) ــ دراسة أدبية

معصومه نعمتي قزويني، پدرام عليمرادي ــ رثاء الحسين (عليه السلام) في أشعار الإمام السجاد (عليه السلام) ــ دراسة

ماجد أحمد العطية ــ دیوان الإمام السجاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليه السلام) - تحقيق

محمود البغدادي ــ النظرية السياسية لدى الامام زين العابدين (عليه السلام)

السيد محمد رضا الجلالي ــ جهاد الإمام السجاد (عليه السلام)

السيد محمد رضا الجلالي ــ أصحاب الإمام السجاد ومعاصروه والراوون عنه

عبد العزيز سيد الأهل ــ زين العابدين علي بن الحسين

الشيخ باقر شريف القرشي ــ حياة الإمام زين العابدين ــ دراسة وتحليل بجزأين

حسين أبو سعيدة الموسوي ــ المشجر الوافي في السلسلة الحسينية ــ أنساب السادات من ذرية زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين

محمد حسين علي الصغير ــ الإمام زين العابدين: القائد.. الداعية.. الإنسان..

أحمد محمود كريمة ــ الإمام علي زين العابدين: منتدي التألف للوعي الإسلامي أمانة الإخلاء الإسلامي والديني

يوسف الناجي ــ محطتان من حياة الامام زين العابدين عليه السلام

جعفر المهاجر ــ الحديث النبوي والسلطة: قراءة تحليلية لرسالة الإمام زين العابدين عليه السلام إلى الزهري

نعيم قاسم ــ سبيلك إلى مكارم الأخلاق، شرح دعاء مكارم الأخلاق للإمام زين العابدين

سعد القاضي ــ الإمام زين العابدين علي بن الحسين

أعلام الهداية ــ الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام ــ المجمع العالمي لأهل البيت

كاظم ياسين ــ تاريخ أئمة أهل البيت بعد كربلاء - الجزء الأول الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

السيد علي عاشور ــ موسوعة الإمام زين العابدين فضله وسيرته الذاتية ــ 12 مجلد

السيد محسن الحسيني ــ موسوعة الإمام زين العابدين بجزأين

محمد الجمزوري الخلوتي ــ تحفة الزائرين وبغية الطالبين في مشهد سيدنا زيد بن زين العابدين ومشهد الامام الحسين وفضل آل البيت المكرمين

سليمان كتاني ــ الإمام زين العابدين عليه السلام، عنقود مرصع

الدكتور عبد الحسن السعدي / نظرة في رسالة الحقوق للإمام زين العابدين عليه السلام

أحمد علي دخيل ــ حكم ووصايا الإمام زين العابدين عليه السلام

محمد رضا عباس محمد الدباغ / سيرة الأئمة: زين العابدين - الباقر ــ الصادق (عليهم السلام)

عبد الحليم محمود (شيخ الأزهر) ــ زين العابدين

كاظم جواد الساعدي / حياة الإمام علي بن الحسين

السيد عبد الرزاق المقرم ــ حياة الإمام علي بن الحسين

الدكتور علي شريعتي ــ الإمام السجاد أجمل روح عابدة

السيد صادق الشيرازي ــ سيرة الإمام زين العابدين

معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني ــ كتاب سيد البكائين شهادة الإمام زين العابدين (عليه السلام)

علي فرحان العلي ــ ببليوجرافيا الامام زين العابدين عليه السلام

أحمد فهمي محمد / الإمام زين العابدين

الشيخ محمد مهدي الآصفي كتاب ــ الإمام زين العابدين علي بن الحسين صفحة من دوره الثقافي وجهاده السياسي

كاتب : محمد طاهر الصفار