831 _ شمس الدين الكوفي (623 ــ 675 هـ / 1226 ــ 1276 م)

شمس الدين الكوفي (623 ــ 675 هـ / 1226 ــ 1276 م)

قال من قصيدة طويلة في رثاء السيد ركن الدين النقيب محي الدين محمد بن حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبد الله الحسيني نقيب الموصل وكان سبب موته أنه سقط بفرسه في دجلة، وكان مجتازاً على الجسر، فحمل جثمانه إلى النجف الأشرف فدفن في مشهد أمير المؤمنين علي (عليه ‌السلام)، وكان ركن الدين شاباً حسن الخلقة، عمره سبع عشرة سنة وكان الحادث قد وقع في شهر محرم سنة ٦٧٠ هـ:

يا مــــاءُ مـــا أنصفتَ آلَ محمدٍ     وعلى كمالِ الدينِ كنتَ المُجتري

في (الطفِّ) لمْ تسعدْ أباهُ بقطرةٍ     واليومَ قــــــــــد أغرقته في أبحرِ (1)

يريد أن يعاتب الماء على عدم إنصافه آل محمد فبالطف لم يذق الحسين (عليه السلام) منه قطرة واليوم أغرقته في بحر من الحزن على فقد ولده كمال الدين النقيب.

الشاعر

الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي علي عبيد الله بن داود الزاهد بن محمد بن علي الأبزاري الكوفي الواعظ الهاشمي (2) وسمّاه ابن شاكر الكتبي: محمود بن أحمد بن عبد الله بن داود بن محمد بن علي الهاشمي الحنفي، شمس الدين الكوفي، (3) وقيل هو: محمود بن عابدين بن عبد الله بن داود بن محمد بن علي الهاشمي الواعظ (4) وقيل إنه من ولد هو من ولد الحارث بن عبد المطلب (5)

كان فقيهاً وعالماً وواعظاً وأديباً وشاعراً، ولد في بغداد في أسرة كريمة، وتوجه منذ الصغر نحو الدرس والتحصيل العلمي حتى بلغ مرتبة التدريس (6)

قال فيه ابن الفوطي: (كان أديباً فاضلاً، عالماً شاعراً، ولي التدريس بالمدرسة التتشية، وخطب في جامع السلطان، ووعظ بباب بدر). (7)

وقال عنه ابن شاكر الكتبي: (كان أديباً فاضلاً عالماً شاعراً ظريفاً كيساً دمث الأخلاق. ولي التدريس بالمدرسة التشيشية، وخطب في جامع السلطان، ووعظ في باب بدر...) ثم نقل كثيراً من أشعاره في مواضيع شتى (8)

ومن قصيدته في رثاء النقيب ركن الدين:

ألـــــقاهُ في الـــماءِ الجوادُ كأنه     بدرٌ هوى فــــــــــي جندلٍ متموّرِ

أمواجُ دجــــلةَ أغرقته إذ طغتْ     وكذا الطغاةُ على الأكارمِ تجتري

ولــــــقد تكدّرَ صفوها من بعده     ومتى صفيتَ لهــــــــمْ ولم تتكدّرِ

باللهِ هل أغرقــــــــــته شغفاً به     يا ماءُ أو حسداً لماءِ الـــــــــكوثرِ

هلا رحـــــــمتَ شبابَه وتركته     من أجـــــــلِ ولهى فيهِ ذاتِ تحيّرِ

أو مــــا علمتَ بأنّه رحبُ الفِنا     والصدرُ عذبُ اللفظ حلوُ المـنظرِ

غاصوا عليه وأخرجوه معظماً     ومكرَّماً وكذا نــــــــفيسُ الجـوهرِ

واللهِ ما نُزعتْ مــلابسُ جسمِه     حتى تبخترَ فــي الحريرِ الأخـضرِ

فالشوقُ يظمئني إلـــــيهِ وكلما      حاولتُ شـــربَ الماءِ زادَ تكدُّري

يا نفسُ ذوبي حسرةً وكــــــآبةً     وتــــــــــأسَّــفي وتلهّفي وتحسّري

ماذا يكون أغيرُ ما هوَ كائــــنٌ     نزلَ القضاءُ صـبرتِ أو لم تصبرِ (9)

توفي الكوفي في بغداد ودفن فيها والظاهر أنه نشأ في الكوفة والنجف حيث يذكر في بعض أشعاره أنه يحن إليها ويقول إن فيها منشأه:

حنّتِ النفسُ إلـى أوطانها     وإلى مَن بانَ مِن خلّانِها

بديارٍ حــــــيِّها مِن منزلٍ     ســــــلّمَ اللهُ على سكانِها

تلكَ دارٌ كان فيها منشئي     مِن غريّيــها إلى كوفانِها

وبها نوقُ الصبا أرسلتها     هملاً تمرحُ فــي أرسانِها (10)

وقد شهد الشاعر شمس الدين الكوفي الهجوم الوحشي الذي قام به هولاكو على بغداد وكان تأثير ذلك عليه عظيماً فقد كان أكثر الشعراء تألّماً من هذا الواقع المؤلم وأكثرهم تفجّعاً له، فرثى الأهل، وندب الأحباب، وابّن الأصحاب، في قصائد تفيض بالدمع والأسى، يقول الدكتور ناظم رشيد شيخو: وما نظن شاعراً استطاع أن يصل الى ما وصل اليه شمس الدين الكوفي في ذلك وقد سمّاه محمد رضا الشبيبي في كتابه عن أبي الفوطي (شاعر مأساة بغداد) (9)

فقد عبّر هذا الشاعر عن هذه الحادثة الموجعة بقصائد محزنة كثيرة بكى فيها المدينة المنكوبة ووصف الأعمال الشنيعة التي قام بها الغزاة بحق الناس الأبرياء، وتأتي نونيته العصماء في مقدمة رثائياته التي عبرت عن صدق مشاعره الحزينة تجاه المدينة المفجوعة فتمنى الموت على البقاء بعد هذه الحادثة فقال:

إن لم تـقرِّحْ أدمـــــعي أجفاني     من بعد بُعدهم فما أجفاني

إنسانُ عـيـني مذ تناءتْ داركم     ما راقهُ نظـــرٌ إلى إنسانِ

يا ليتني قـــــد متُّ قبل فراقِكم     ولساعةِ التوديعِ لا أحياني

مالي وللأيَّـــــامِ شتتَ صرفها     حالي وخـــلّاني بلا خلّانِ (10)

ويطوف الشاعر بهذه المدينة فيشاهد ما عملته أيدي الغزاة بها من الدمار والتهديم والحرق وقد خلت المنازل من أهلها فيقول:

ما للمنازلِ أصــبحتْ لا أهلها     أهلي، ولا جيرانها جيراني

وحيـــاتكم ما حلّها من بعدكم     غير البــلى والهدمِ والنيرانِ

ويسترسل الشاعر على هذه الوتيرة في كل قصائده الرثائية يقول في ميميته:

عندي لأجــــــــــــلِ فـراقكم آلامُ     فألامَ أعــذل فيــــــكمُ وألامُ

من كان مثلي للحبــــــيبِ مفارقاً     لا تعـذلـوه فــــــالكلامُ كلامُ

نعمَ المساعد دمعي الجاري على     خــــــــــــــــدّيَّ إلا أنه نمَّامُ

قفْ في ديارِ الظاعنيــــن ونادِها     (يا دارُ ما فـعلتْ بكِ الأيُامُ) (11)

ويتجرّعُ لوعة الأسى ومرارة الحرمان قائلا:

وحياتــــكمْ أني على عهدِ الهوى     بــــاقٍ ولم يخفـرْ لديّ ذِمامُ

فدمي حـــــلالٌ إن أردتُ سواكمُ     والعيــشُ بعدكـمُ عليَّ حَرامُ

يا ليتَ شعـري كيفَ حالُ أحبّتي     وبأيّ أرضٍ خـيّموا وأقاموا

مالي أنيسٌ غير بيــــــــــتٍ قاله     صبٌّ رمته من الفراقِ سهامُ

والله ما اختــــرتُ الفراقَ وإنّما     حكمـــــــت عليّ بذلك الأيامُ

وحينما كان وطء الضيم والحيف عظيماً على شاعرنا احتمى برسول الله (ص) ووجده خير عزاء لنفسه المكلومة وشفاء لها فقال من قصيدة طويلة أربت على المائة بيت مطلعها:

جار الزمانُ على قلبي الحزين ولو لا     مدحي المصطفى لم يبقَ لي رمقُ

المجتبى خيرُ خـــــــــــــــلقِ اللهِ كلهمُ     ومن تكمّل فيـــــــه الخلقُ والخُلُقُ

صلى الإلهُ على المختـــارِ ما طلعتْ      شمسٌ وأشـرق نجمٌ أو دجى غسقُ (12)

أما ركن الدين النقيب محي الدين محمد بن حيدر الحسيني، الذي رثاه شمس الدين الكوفي فقد ترجم السيد محسن الأمين لوالده فقال: (المرتضى النقيب كمال الدين حيدر بن محمد بن زيد بن محمد بن عبد الله الحسيني كان نقيب الموصل من أجلاء تلاميذ ابن شهرآشوب) (13)

كما ترجم له الشيخ أغا بزرك الطهراني فقال: (العلويّ الموصليّ النقيب الزاهد قرأ عليه علي بن طاووس الحلي في سنة 620 كما في كتابه اليقين قال: وهو قرأ على كمال الدين محمد بن عبد الرشيد الأصفهاني سنة 613 .. قال ابن طاوس: أخبرني السيد الإمام العالم الزاهد العابد كمال الدين شرف الإسلام ربّ الفصاحة سيّد العلماء حيدر بن محمد بن زيد بن عبد الله الحسيني قدس الله روحه ونوّر ضريحه. وترجمه في أمل الأمل وذكر أنه يروي عن ابن شهرآشوب وأورد صورة إجازة ابن شهرآشوب له في 570 نقلا عن خط الملا عبد الله التستري الشهيد نقلا عن خط ابن شهرآشوب على ظهر المجالس للشيخ الطوسي الذي كان بخط صاحب الترجمة) (14) كما ترجم له ابن الفوطي (15)

.......................................................

1 ــ الحوادث الجامعة لابن الفوطي ص ٣٨٦ / أدب الطف ج 4 ص 88 ــ 91 / الاتحاف في نقباء الأشراف لعبد الرزاق كمونة ج ٢ ص ١٨٣ / ديوان القرن السابع ص 96

2 ــ الوافي بالوفيات ج 2 ص 70 تحقيق أحمد الأرناؤوط وتركي مصطفى، دار إحياء التراث – بيروت 1420هـ/ 2000م / أدب الطف ج 4 ص 90

3 ــ فوات الوفيات ج 4 ص ١٠٢ تحقيق إحسان عباس / دار صادر – بيروت وبهامشه أن الصواب في اسمه: محمد

4 ــ عقود الجمان وتذييل وفيات الأعيان لمحمد بن بهادر الزركشي، ت 794 مصورة مخطوطة الفاتح بالأستانة رقم 4434 ص 354 نقلاً عن دواوين كوفية لهلال ناجي ص 9

5 ــ دواوين كوفية ص 9

6 ــ ناظم رشيد دراسات في الأدب العربي ــ في أدب العصور المتأخرة ص 72

7 ــ الحوادث الجامعة ص 390

8 ــ فوات الوفيات ج 4 ص 102 ــ 207

9 ــ أدب الطف ج 4 ص 89 ــ 90

8 ــ الوافي بالوفيات ج 2 ص 70

9 ــ تاريخ الأدب العربي في أدب العصور المتأخرة ص 72

10 ــ رثاء بغداد في شعر شمس الدين محمد الواعظ الكوفي دراسة تحليلية ــ الدكتور عبد العظيم فيصل صالح، الدكتور أحمد حسين علي ص 9 ــ 10 عن دواوين كوفية لهلال ناجي ص 48 ــ 49

11 ــ رثاء بغداد في شعر شمس الدين محمد الواعظ الكوفي دراسة تحليلية ــ الدكتور عبد العظيم فيصل صالح، الدكتور أحمد حسين علي ص 7 ــ 8 عن دواوين كوفية لهلال ناجي ص 44 ــ 45

12 ــ فوات الوفيات ج 2 ص 232 

13 ــ أعيان الشيعة ج ٦ ص ٢٧٦

14 ــ طبقات أعلام الشيعة / القرن السابع ص 57

15 ــ كتاب مجمع الآداب في معجم الألقاب ج 4 ص 150

كما ترجم لشمس الدين الكوفي وكتب عنه:

الصفدي / الوافي بالوفيات ج ٢ ص ٩٧

معجم الشعراء العرب ص 167

زينة محمد عبد الجبار ــ ملامح أسلوبية في شعر شمس الدين الكوفي

الدكتورة سوسن صائب المعاضيدي ــ الخصائص الموضوعية والفنية في شعر شمس الدين الكوفي الواعظ

طارق خميس فرحان، الدكتورة إيمان كمال مصطفى ــ التناص اللفظي والمعنوي مع القران الكريم في شعر شمس الدين الكوفي

عبد العظيم فيصل صالح وأحمد حسين علي ــ رثاء بغداد في شعر شمس الدين محمد الواعظ الكوفي : دراسة تحليلية. مجلة مركز دراسات الكوفة : مجلة فصلية علمية محكمة العدد 59 (كانون الأول 2020) ص 1 ــ 18

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار