مِن خلالِ ما وردَ مِن رواياتٍ عَن أئمّةِ أهلِ البيتِ عليهم السّلام يتبيّنُ لنا أنّ السّببَ في رجعةِ الإمامِ الحُسينِ عليه السّلام يتعلّقُ بواقعةِ كربلاء العظيمةِ وما حصلَ فيها مِن تضحياتٍ جِسامٍ، لبيانِ أنّ مسيرةَ النّهضةِ الحُسينيّةِ، والتضحياتِ الكبيرةِ التي قامَ بها سيّدُ الشّهداءِ وأصحابُه الأخيارُ في كربلاء كانَت تجري وفقَ تخطيطٍ سديدٍ وعنايةٍ ربّانيّةٍ، لم تنتهِ باستشهادِ أبي عبدِ الله الحُسين عليهِ السّلام وأصحابِه البررةِ، إذْ نجدُ مِن أهمِّ الأمورِ التي كشفَها سيّدُ الشّهداءِ لأنصارِه معهُ في الطفِّ في ليلةِ عاشوراء، والتي على أساسِها إزدادَ يقينُ أصحابِه بما هُم عليهِ، وإزدادَتْ إستماتتُهم في سبيلِ اللهِ عزّ وجلّ، هوَ مشروعُ الرّجعةِ، إذْ بيّنَ لهم أنّهم سيرجعونَ معَه عليه السّلام لإنجازِ المشروعِ الإلهيّ، ففي كتابِ مُختصرِ بصائرِ الدّرجاتِ للشيخِ حسن بن سليمان الحلّيّ، (ص37) بإسنادِه إلى جابرٍ في حديثٍ طويلٍ، عن أبي جعفرٍ عليه السّلام، أنّه قالَ: ((قالَ الحسينُ عليه السّلام لأصحابِه قبلَ أن يُقتل: إنّ رسولَ اللهِ صلّى اللهُ عليهِ وآله قالَ لي: يا بُني، إنّك ستُساقُ إلى العراقِ، وهيَ أرضٌ قد إلتقى بها النبيّونَ وأوصياءُ النبيّينَ، وهيَ أرضٌ تُدعى عمورا، وإنّك تُستشهدُ بها، ويُستشهدُ معكَ جماعةٌ مِن أصحابِك، لا يجدونَ ألمَ مسِّ الحديدِ. وتلا: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} يكونُ الحربُ برداً وسلاماً عليكَ وعليهم. فأبشروا، فواللهِ، لئِن قتلونا فإنّا نردُ على نبيّنا. قالَ: ثُمّ أمكثُ ما شاءَ اللهُ، فأكونُ أوّلَ مَن تنشقُّ الأرضُ عنه، فأخرُجُ خرجةً يوافقُ ذلكَ خرجةَ أميرِ المؤمنينَ وقيامَ قائمِنا، ثمَّ لينزلنّ عليَّ وفدٌ من السّماءِ مِن عندِ اللهِ، لم ينزلوا إلى الأرضِ قط، ولينزلنّ إليَّ جبرئيلُ وميكائيلُ وإسرافيل، وجنودٌ منَ الملائكةِ... )).
وأَخْرَجَ الشَّيْخُ الكُلينيّ في الْكَافي (ج8/ص230)، بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{ ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيهِمْ} قَالَ:(( خُرُوجُ الْحُسيْنِ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، عَلَيْهِمُ الْبَيضُ الْمُذَهَّبُ، لِكُلِّ بَيْضَةِ وَجْهَانِ، الْمُؤَدُّونَ إِلَى النَّاسِ أَنَّ هَذَا الْحُسينَ قَدْ خَرَجَ حَتَّى لَا يَشُكُّ الْمُؤْمِنُونَ فِيهِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ بِدَجَّالٍ وَلَا شَيْطَانٍ، وَالْحُجَّةُ الْقَائِمُ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ، فَإِذَا اِسْتَقَرَّتِ الْمَعْرِفَةُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهُ الْحُسَينُ عَلَيْهِ السَّلامُ، جَاءَ الْحُجَّةَ الْمَوْتُ، فَيَكُونُ الَّذِي يَغْسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيُحَنِّطُهُ وَيُلْحِدُهُ فِي حُفْرَتِهِ الْحُسينُ بْنُ عَلِيٍّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله، وَلَا يَلِي الْوَصِيَّ إِلَّا الْوَصِيّ)).
وجاءَ في بحارِ الأنوارِ للعلّامةِ المجلسيّ في (ج53/ص107): عَنْ أَبِي عَبْدِ اللهِ عَلَيْهِ السَّلامُ، قَالَ: ((وَيُقْبِلُ الْحُسينُ عَلَيْهِ السَّلامُ فِي أَصْحَابِهِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَهُ، وَمَعَهُ سَبْعُونَ نَبِيَّاً كَمَا بُعِثُوا مَعَ مُوسَى بْنِ عِمْرَان، فَيَدْفَعُ إِلَيْهِ الْقَائِمُ عَلَيْهِ السَّلامُ الْخَاتمَ، فَيَكُونُ الْحُسينُ عَلَيْهِ السَّلامُ هُوَ الَّذِي يَلِي غُسْلَهُ وَكَفَنَهُ وَحَنوطَهُ وَيُوَارِيهِ فِي حُفْرَتِهِ)).
وفي كتابِ (إلزامِ النّاصبِ في إثباتِ الحجّةِ الغائبِ) للشيخِ عليّ اليزديّ الحائريّ، (ج2/ص ٣١٨) عن أبي جعفرٍ ( عليه السّلام ) أنّه قالَ: واللهِ ليملكنّ منّا أهلَ البيتِ رجلٌ بعدَ موتِه ثلاثمائةَ سنةٍ ويزدادُ تسعاً ، قلتُ : متى يكونُ ذلك ؟ قالَ : بعدَ القائمِ ، قلتُ : وكم يقومُ القائمُ في عالمِه ؟ قالَ : تسعَ عشرةَ سنةً ثمَّ يخرجُ المُنتصرُ إلى الدّنيا وهوَ الحسينُ ( عليه السّلام)، فيطلبُ بدمِه ودمِ أصحابِه فيقتلُ ويسبي حتّى يخرجَ السفّاحُ وهوَ أميرُ المؤمنينَ عليه السّلام.
قلتُ: وقد أشارَ إلى ذلكَ تلميحاً الإمامُ الصّادقُ عليه السّلام كما في الكافي للشيخ الكلينيّ، (ج ٣/ص ٥٤٢) بإسنادِه الصّحيحِ إلى الثّقةِ الجليلِ بريد بنِ معاوية العجليّ عن أبي عبدِ الله عليه السّلام – في حديثٍ طويلٍ – قالَ: يا بريدُ واللهِ ما بقيَت للهِ حرمةٌ إلّا إنتهكَت ولا عُملَ بكتابِ اللهِ ولا سنّةِ نبيّه في هذا العالمِ ولا أقيمَ في هذا الخلقِ حدٌّ منذُ قبضَ اللهُ أميرَ المؤمنين صلواتُ اللهِ وسلامه عليه ولا عُملَ بشيءٍ منَ الحقِّ إلى يومِ النّاسِ هذا ، ثمّ قالَ : أما واللهِ لا تذهبُ الأيّامُ والليالي حتّى يُحيي اللهُ الموتى ويميتَ الأحياءَ ويردُّ اللهُ الحقّ إلى أهلِه ويقيمُ دينَه الذي إرتضاهُ لنفسِه ونبيّه، فأبشروا ثمّ أبشروا ثمّ أبشروا، فواللهِ ما الحقّ إلّا في أيديكم.
اترك تعليق