لكلِّ إنسانٍ روحٌ واحدةٌ، يعيشُ بها في جميعِ العوالمِ: الدّنيا والبرزخِ والقيامةِ، وعندَما يُتوفّى الإنسانُ وينتقلُ إلى عالمِ البرزخِ، وتفارقُ روحه بدنَه الدنيويَّ، يُعطى لهُ بدنٌ آخرُ لتعيشَ روحُه في ذلكَ البدنِ في عالمِ البرزخِ، يُسمّى بالبدنِ البرزخيّ، أو الجسمِ المثالي، إلى أن تقومَ القيامةُ أو الرّجعةُ، فتعودُ الرّوحُ إلى البدنِ الأصليّ الذي فارقَتهُ في الحياةِ الدّنيا. روى الكليني بسندٍ صحيحٍ عن أبي ولاد الحنّاط عن أبي عبدِ الله (عليه السّلام) قالَ : قلتُ له : جعلتُ فداكَ يروونَ أنَّ أرواحَ المؤمنينَ في حواصلِ طيورٍ خضرٍ حولَ العرشِ ؟ فقالَ : لا ، المؤمنُ أكرمُ على اللهِ مِن أن يجعلَ روحَه في حوصلةِ طيرٍ ولكِن في أبدانٍ كأبدانِهم . (الكافي: 3 / 244). وفي حديثٍ آخرَ عنِ الصّادقِ (ع): فإذا قبضَهُ اللهُ عزَّ وجلَّ صيّرَ تلكَ الرّوحَ في قالبٍ كقالبِه في الدّنيا فيأكلونَ ويشربونَ فإذا قدمَ عليهم القادمُ عرفوهُ بتلكَ الصّورةِ التي كانَت في الدّنيا . (الكافي: 3 / 245). وغيرها منَ الأحاديثِ الدّالّةِ على أنّ الرّوحَ بعدَ مفارقةِ البدنِ تنتقلُ إلى بدنٍ آخر في عالمِ البرزخِ، لتعيشَ بها وتتنعّمَ أو تتعذّبَ في عالمِ البرزخِ، لا أنّ الرّوحَ تنتقلُ إلى بدنٍ آخرَ في نفسِ هذا العالمِ، فهذا هوَ التّناسخُ الباطلُ بإجماعِ المُسلمين. فالفرقُ بينَ التّناسخِ الباطلِ والبدنِ البرزخي: أنَّ التّناسخَ يكونُ بإنتقالِ الرّوحِ إلى بدنٍ دنيويٍّ في عالمِ الدّنيا، وأمّا إنتقالُ الرّوحِ إلى بدنٍ برزخيٍّ بعدَ الموتِ في عالمِ البرزخِ فليسَ مِن قبيلِ الّتناسخِ. فتنبّه. قالَ العلّامةُ المجلسي: ثمَّ تتعلّقُ الرّوحُ (يعني في البرزخِ) بالأجسادِ المثاليّةِ اللطيفةِ الشبيهةِ بأجسامِ الجنِّ والملائكةِ، المُضاهيةِ في الصّورةِ للأبدانِ الأصليّةِ فينعمُ ويُعذّبُ فيها. (بحارُ الأنوارِ: 6 / 271). وقالَ السّيّدُ عبدُ اللهِ شبر: وقد تظافرتِ الأخبارُ منَ الخاصّةِ والعامّةِ أنّ الرّوحَ بعدَ مُفارقتِها البدنَ تتعلّقُ بأجسامٍ لطيفةٍ في غايةِ اللطافةِ، كأجسامِ الملائكةِ والجنِّ تشبهُ الأجسامَ الدنيويّةَ، تتعيّشُ فيها وتطير. (حقُّ اليقينِ للسيّدِ شُبّر ص372). وقيلَ: بوجودِ الجسمِ المثاليّ (البرزخيّ) في باطنِ الجسمِ الماديّ ... إذ لا تنتقلُ الرّوحُ مِن جسمٍ إلى آخر، بل تتركُ بعضَ قوالبِها، وتستمرُّ في قالبٍ آخرَ في حياتِها البرزخيّة. (تفسيرُ الأمثل:10 / 514). أمّا عالمُ البرزخِ: فهوَ العالمُ المتوسّطُ بينَ عالمِ الدّنيا والقيامةِ، فهوَ برزخٌ بينَ العالَمين، وتبدأ رحلةُ البرزخِ بالموتِ، قالَ السيّدُ عبدُ اللهِ شبر: والمرادُ بالبرزخِ العالمُ الذي ما بينَ الموتِ والقيامة. (حقُّ اليقين ص371). ولمّا كانَ الميّتُ يوضَعُ في قبرِه ويبقى فيهِ إلى الرّجعةِ أو القيامةِ، لِذا أطلقَ البرزخُ على القبر. ففي الحديثِ الذي رواهُ الكليني بسندِه عن عمرو بن يزيد قالَ: قلتُ لأبي عبدِ الله (عليه السّلام): إنّي سمعتُكَ وأنتَ تقولُ: كلُّ شيعتِنا في الجنّةِ على ما كانَ فيهم؟ قالَ: صدقتُك كلّهم واللهِ في الجنّةِ، قالَ: قلتُ: جعلتُ فداكَ إنَّ الذنوبَ كثيرةٌ كبار؟ فقالَ: أمّا في القيامةِ فكلّكم في الجنّةِ بشفاعةِ النبيّ المُطاعِ أو وصيّ النبي، ولكنّي واللهِ أتخوّفُ عليكم في البرزخِ. قلتُ : وما البرزخُ؟ قالَ : القبرُ منذُ حينِ موتِه إلى يومِ القيامة. (الكافي للكليني: 3 / 242). وروى الصّدوقُ بسندِه عنِ الزّهري عنِ الإمامِ زينِ العابدين (ع): ... ثمَّ تلا: { ومِن ورائِهم برزخٌ إلى يومِ يُبعثون } قالَ: هوَ القبرُ وإنَّ لهُم فيهِ لمعيشةً ضنكاً، واللهِ إنَّ القبرَ لروضةٌ مِن رياضِ الجنّةِ أو حفرةٌ مِن حُفرِ النّار. (الخصالُ للصّدوق ص120). وعن أميرِ المؤمنينَ (ع): سلكوا في بطونِ البرزخِ سبيلاً سلّطَت الأرضُ عليهم فيه، فأكلَت مِن لحومِهم وشربَت مِن دمائِهم، فأصبحوا في فجواتِ قبورِهم جماداً لا ينمون. (نهجُ البلاغةِ خطبة 221) وعنِ الصّادقِ عليه السّلام: البرزخُ القبرُ، وفيهِ الثّوابُ والعقابُ بينَ الدّنيا والآخرة. (تفسيرُ القُمّي: 1 / 19).
اترك تعليق