باقر حيدر: (1256 ــ 1333 هـ / 1840 ــ 1914 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (68) بيتاً:
فلله مـا ضـمَّـتـه أكـنـافُ (كربلا) من الجــــــودِ والمجدِ المؤثلِ والعرفِ
لقد حسدَ المسكُ الفتيـــــــقُ ترابَها فما مثله الداري من المسكِ في العرفِ
فلهفي لقومٍ صُرِّعوا في عراصِها عطـــاشى على الشاطي وقلْ لهمُ لهفي (1)
الشاعر
الشيخ باقر بن علي بن محمد علي بن حيدر بن خليفة بن كرم الله بن دنانة بن مذكور بن غانم بن أوثال البطايحي (2) المعروف بـ (باقر حيدر) نسبة إلى جده، عالم وشاعر ومجاهد ولد في سوق الشيوخ في محافظة الناصرية في أسرة عربية علمية عريقة عرفت (بآل حيدر) وينحدر نسبهم من (أوثال) زعيم قبيلة آل أجود.
يقول الخاقاني عن هذه الأسرة: (وآل حيدر من أشهر الأسر العربية العلمية، فقد انتشر صيتها وذاع، ولها مقام وشأن بارز بين معظم القبائل القاطنة في العراق بالأخص في لواء المنتفك، فقد شاطروا وساهموا وبلوا وضحوا في سبيل الذود عن الدين والوطن) (3)
ويقول المؤرخ الشيخ جعفر آل محبوبة: (من الأسر العربية العريقة في القدم والسابقة إلى الفخر وهم بقية بني أوئال زعماء آل أجود) (4)
ويعود ارتباط هذه الأسرة مع الحياة العلمية إلى زمن جدهم (دنانة) الذي درس القرآن الكريم ومقدمات العلوم الدينية ولما ولد له (كرم الله) وشب، علمه القرآن وأرسله إلى النجف الأشرف لتلقي العلوم الدينية، وبدوره أرسل (كرم الله) ابنه خليفة إلى النجف أيضاً، وهكذا تفرعت الأسرة وتوارثت العلم والأدب وحازت على مكانة سامية فيهما. (5)
وبرز من هذه الأسرة العلماء الأعلام والفقهاء الكبار والأدباء الأفذاذ منهم: الشيخ محمد علي (جد الشيخ باقر) المعاصر للسيد بحر العلوم والشيخ جعفر صاحب كشف الغطاء، وكان يقيم في سوق الشيوخ وقد بنى فيها جامعاً، والشيخ علي (والد الشيخ باقر) الذي كان من تلامذة الشيخ الأنصاري، وصار مرجعاً للأحكام الشرعية (6)
وكعادة أسرته فقد درج الشيخ باقر في هذه الأجواء العلمية والأدبية وانتقل إلى النجف الأشرف فدرس على يد كبار علمائها منهم: السيد محمد حسن الشيرازي، والسيد محمد بحر العلوم، والشيخ محمد طه نجف، والشيخ علي ابن الشيخ باقر ابن الشيخ صاحب الجواهر، والشيخ حسين الخليلي، والشيخ كاظم الخراساني. (7)
وهؤلاء كانوا قمم علماء النجف وقد حاز الشيخ باقر على درجة الاجتهاد ولما افتتح أستاذه الميرزا محمد حسن الشيرازي المدرسة العلمية في سامراء رافقه الشيخ باقر وكان من أبرز تلامذته وبعد وفاة المجدد الشيرازي عاد الشيخ باقر إلى مسقط رأسه (سوق الشيوخ) عالما مجتهدا وتولى الزعامة الدينية محل أبيه.
يقول السيد الأمين: (ثم عاد إلى سوق الشيوخ فأقام فيها وتصدر ونفذت كلمته في السواد وأطاعه خلق وقد استنفر في الحرب التركية الإنكليزية جماعة من العرب خرج بهم إلى الشعيبة واستنهض العلماء ومرض في أثناء ذلك فمات. رأيته في النجف بعد رجوعه من سامراء وكان معروفا بالفضيلة وكان ابن عمنا السيد علي ابن السيد محمود يثني على فضله) (8)
والشيخ باقر من أساتذة السيد عبد الحسين شرف الدين، يقول شرف الدين: (أما شرع اللمعة فقرأته على شيخنا المقدس الشيخ باقر حيدر وكان من ذوي البسطة في الفقه والأصول إماماً في العلوم العربية على غاية الاعتدال في مفاد الأدلة ومجاري الأصول معدودا من المبرزين) (9)
وفي تاريخ الشيخ باقر صفحات جهادية وبطولية في مقارعة الاحتلال الانكليزي عند نزوله الفاو فكان من أوائل الذين هبوا للاصطدام معه وحث العشائر للجهاد والدفاع عن دينهم وأرضهم ولم يمنعه كبر سنه وتردي حالته الصحية من حمل السلاح حتى تفاقم مرضه وتوفي وهو يقاتل المحتلين فشيع تشييعاً مهيباً إلى مقره الأخير في النجف الأشرف. (10)
ترك الشيخ باقر من المؤلفات:
1 ــ حاشية على القوانين في أصول الفقه.
2 ــ تقريرات أستاذه الشيرازي
3- منظومة في الأصول
4- ديوان شعر: يقع في ثلاثة آلاف بيت يوجد نسخة منه عند حفيده الأستاذ محمد جواد حيدر نائب سوق الشيوخ في البرلمان العراقي (11)
وقد حققه الدكتور عباس الوائلي (12)
وتكريما لعلمه وجهاده فقد أقام مركز الإمام محمد الباقر (عليه السلام) لإحياء التراث، عام (2018) ندوة فكرية، بالنجف الأشرف للحديث عن الجوانب الفكرية والجهادية للشيخ باقر حيدر ضمن برنامجها لإحياء التراث الفكري والإنساني لعلماء شيعة أهل البيت (عليهم السلام). وكان المحاضر في الندوة الموسومة (آية الله الشيخ باقر آل حيدر – أدب وعلم وجهاد) سماحة الشيخ عباس محمد آل حيدر.
قال عنه علي الخاقاني: (علامة كبير، وشاعر مطبوع، وأديب معروف... كان فاضلاً أديباً شاعراً له إلمام في علمي الفقه والأصول، وحصلت له الرياسة والزعامة عند الأهالي وجيها عند الحكام) (13)
وقال أيضاً: (كان زعيماً عن حق، وقائداً عن حكمة، وشخصية نادرة المثال قد اتصفت ببعض ظواهر العبقرية) (14)
وقال الشيخ الطهراني: (رجع إلى سوق الشيوخ وثنيت له الوسادة بعد أبيه، بل زاد عليه في الرياسة، وكان مسموع الكلمة في الملة والدولة مؤلفا بين العشائر ومروجا للدين حتى أتاه اليقين وهو في عداد المجاهدين) (15)
وقال السماوي: (كان فاضلا مشاركا مصنفا) (16)
وقال عنه السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني: (إنه من الشخصيات البارزة في ميدان العلم والأدب، كانت نفسه تحمل قدرا عظيما من الشهامة والفتوة) (17)
وقال السيد جواد شبر: (نشأ على الفضيلة واشتغل بطلب العلم الديني ورحل إلى سوق الشيوخ وهذه المنطقة تدين بالولاء لهذا البيت، فكان المترجم له موضع تقدير واحترام من كافة الطبقات) (18)
شعره
تميزت قصائده بالنفس الطويل وقوة المعنى والسبك وصدق العاطفة، قال في رثاء الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (43) بيتاً:
أفـــي كل يومٍ فــي بـيوتِ محمدٍ نواعٍ به تنـــــــعى وناعٍ له سعى
ولـــم تندملْ منّا الكلومُ ولا عفتْ مـصيـــــــبتهمْ إلا أصبنا بأوجعا
تــفـنَّـنَ ريـبُ الدهرِ في آلِ أحمدٍ فـــــنـوناً من الأرزاءِ لن تتجمَّعا
فما بينَ من يلقى المنونَ بصارمٍ وما بينَ من يُسقى من السمِّ منقعا (19)
ومنها في رمي بني أمية نعشه الشريف بالنبال:
تواصلَ فيه السمُّ حتى انتهى به فذابَ وألقى قلـــــــــــــبَه متقطعا
أبوا قربَه مــن جدِّهِ بضـريحِــه وقد كان مــــــــنه قد تبوَّأ أضلعا
أيطردُ مروانُ ابــنَ بنتِ محـمدٍ ويقــــــــــربُ داراً للنبيِّ وأربعا
أكـــــــان جـزاءً للنــبيِّ مــحمدٍ بأن يحفظوا من كانَ قبلُ مُضيَّعا
رموا نعـشَه نبلاً فشلّــتْ أكفُّـهم وبانتْ يدُ الرامي بنــــاناً وإصبعا
ألا إن قــوساً شكَ نعشــكَ نبلها شكا حربَها قلبُ الهــدى فتصدَّعا
وشقَّ فــؤاداً من شقيقِــكَ لوعةً فلولا وصاةٌ منكَ للحــربِ أسرعا
وقال في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (60) بيتاً
إن لمْ أكنْ باكياً يـــومَ الحسينِ دماً لا والهـــوى لم أكنْ أرعى له ذِمما
لا أشكرُ العيـــنَ إلا أنْ بـكـتْ بدمٍ أولا فــــيـا لـيـتـها تشكو قذاً وعمى
وأنتَ يا قــــلبُ إن لم تنتثرْ قطـعاً في أدمعي لم تكنْ في الحبِّ منتظما
إن كنتَ مرتضعاً من حبِّ فاطمةٍ لا تـتركِ الــدمعَ من أحشاكَ مُنفطما
فقد جرتْ لـحـسـيـــــنٍ دمعها بدمٍ فجارها في الــبكا وابكِ الحسينَ دما (20)
ومنها في هول الحادثة وصداها في السماوات والأرض:
تُنسى الحوادثُ في الدنيا إذا قدمـتْ وحادثُ الطــــفِّ لا يُنسى وإن قدما
يا ابنَ النبيِّ الذي في نورِ طلـــعـتِه زانَ الهـــــدى وأزالَ الظلمَ والظلما
أصاتَ ناعيكَ في الـدنـيا فأوقــرَها مســـــامعاً واشتكتْ أسماعُها صمما
قد جلَّ رزؤكَ حتى ليسَ يعـظمُ لي فـي الدهرِ من بعدهِ رزءٌ وإن عَظما
قد كنتَ أعذرُ من يبكي فصرتُ به أبـــــكي وأعذرُ من يبكي ومن لطما
لكَ الفـراتُ أبـاحَ اللهُ مــــــــــوردَه فـــفــيـمَ تـصـدرُ عـنه ظـامـياً ولـما؟
إنْ كـان قـيـلَ ولا ذنـبٌ أتـيـــتَ به فـمـــــــا لـطـفـلِـكَ مـنـه لـم يبلَّ ظما
ومنها في شجاعته (عليه السلام):
فما رأى فـرقـةً إلا غـدتْ فِــــــــرقاً فــلـم تــعــدْ فَــرقـاً مـنـه فـتـلـتـئـما
وما رنا بـطـلاً فـي لـحـظِ مــــقـلـتِـه إلّا رمى ســــيفَه رعباً وظنَّ رمـى
يسلُّ أبيـضَ مــثـلَ الـنـارِ مُــلـتـهـبـاً كـأنه قـلــــــبُه النارُ الذي اضطرما
كالبرقِ حين سرى والزندِ حين ورا والنجمِ حين هوى والغيثِ حين هما
قد رقَّ طبعـاً وفـيه المـــوتُ مكتمنٌ كالرقشِ رقّت وفيــــها السمُّ قد كتما
ما زالَ يـفـلـقُ فـيـه هـامَ فـــيـلـقِـهـم حـتـى أزالَ بـه الـهــــاماتِ والقمما
وقال في أصحاب الإمام الحسين (عليه السلام) من حسينيته التي تبلغ (68) بيتاً وقد قدمناها
لهمْ أنفسٌ أوفـتْ عـلـى النـجـمِ مُرتقىً إذا عطفتْ للندِّ تأبى على العـــــــــطفِ
مساعيرُ حـربٍ داوسـوهـا فـلـم تـزلْ تـؤجِّـجُ نـاراً في الكــــــــريهةِ أو تـطفِ
صفائحُهم خــــط الـردى فـي مـتونِها فراقتْ به من عـــالمِ الخط في الصـحفِ
فما تـضـربُ الـــهـامـاتِ إلا تنصَّفتْ وخـيرُ الظـــــــبا ما يقسمُ الهامَ بالنصفِ
إذا وُصفوا في الصــفِّ رعباً تفرَّقت صفوفُ العدى والأسدُ تفتكُ في الوصفِ
بأيمانِهم يستـأنـسُ الـسـيـفُ فـي اللقا كما في التــــــــلاقي يأنسُ الإلفُ بالإلفِ
وبـاديـنَ والأبـطـالُ حشـوَ دروعِـهـا لـتـخـفـي فتبديــــــــــها البوارقُ بالخطفِ
ومنها في صفاتهم النبيلة وخصالهم العظيمة:
حيـــــــــــيونَ فـي أبـيـاتِـهـم غـيـرَ أنّهم علـيـهـمْ إذا شـبَّـتْ وغـــىً سـمةُ الصلفِ
يــكرُّونَ في الهـيـجـا سـراعـاً إلـى الـلقا وأن ينثنوا عـــــــــــادوا بطــاءً بلا خفِّ
ولمَّا رأوا لا شـكَّ فــــي الـمـوتِ أقدموا وما كلُّ رائي الحتفِ يقدمُ لـلحــــــــــتفِ
على حين لاحَ النجـمُ في رونقِ الضحى من النقعِ والشمسُ المنــــــيرةُ في كسفِ
مشوا مشيَ مشبــــــوحِ الذراعينِ حُسَّراً ومـا أدَّرعوا إلّا القـــــلوبَ على الصفِّ
وسَلْ سمرَهم إذ أوردوا الطعنَ صدرَها أهلْ عدنَ حـــــمراً وهـي راعفةُ الأنفِ؟
أما والذي أعــــــــــطاهمُ البأسَ والندى ومنهمْ تعــاطى الناسُ صـنفٌ إلى صنفِ
وقال لهمْ في الـحـربِ كـونـوا رواسـياً فـكــــــــــــانوا جبالاً لا تميدُ مع العصفِ
لموقفُهم في الطفِّ أنبــــــــــــى مواقفاً بصفينَ جازتْ في الوغى منتهى الوصفِ
......................................................
1 ــ شعراء الغري ج 1 ص 370 ــ 373
2 ــ نفس المصدر ص 363
3 ــ نفس المصدر والصفحة
4 ــ ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 192
5 ــ شعراء الغري ج 1 ص 364
6 ــ الحصون المنيعة في طبقات الشيعة لكاشف الغطاء ج 9 ص 197
7 ــ مركز الإمام محمد الباقر (عليه السلام) لإحياء التراث بالنجف الأشرف، ندوة فكرية، بالنجف الأشرف للحديث عن الجوانب الفكرية والجهادية للشيخ باقر حيدر ضمن برنامجها لإحياء التراث الفكري والإنساني لعلماء شيعة أهل البيت (عليهم السلام). وكان المحاضر في الندوة الموسومة (آية الله الشيخ باقر آل حيدر – أدب وعلم وجهاد) سماحة الشيخ عباس محمد آل حيدر عام (2018) ــ شبكة النبأ بتاريخ 31 / 5 / 2018
8 ــ أعيان الشيعة ج 3 ص 436
9 ــ شعراء الغري ج 1 ص 366 ــ 367 عن مجلة المعهد ــ العددان 4، 5 بتاريخ نيسان ــ أيار 1947
10 ــ شعراء الغري ج 1 ص 366
11 ــ شعراء الغري ج 1 ص 367
12 ــ الندوة الفكرية
13 ــ شعراء الغري ج 1 ص 363
14 ــ نفس المصدر ص 267
15 ــ الذريعة إلى تصانيف الشيعة ج 6 ص 175
16 ــ الطليعة ج 1 ص 47
17 ــ شعراء الغري ج 1 ص 366
18 ــ أدب الطف ج 8 ص 275 ــ 280
19 ــ شعراء الغري ج 1 ص 368 ــ 370
20 ــ نفس المصدر ص 373 ــ 375
كما ترجم له:
الشيخ محمد صادق الكرباسي / معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 1 ص 121
السيد محسن الأمين / أعيان الشيعة ج ٣ ص ٥٣٦
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين ج 1 ص 156
كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء من العصر الجاهلي إلى سنة 2002 ج 1 ص 235
جعفر محبوبة / ماضي النجف وحاضرها ج 2 ص 192
محمد حرز الدين / معارف الرجال ج 1 ص 140
حميد المطبعي / أعلام العراق في القرن العشرين ص 31
محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب ج 1 ص 4590
عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج ٣ ص ٣٦
اترك تعليق