إبراهيم الوائلي (1332 ــ 1408هـ / 1914 ـ 1988 م)
قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (25) بيتاً:
يا يومَ وقعةِ (كربلاءَ) كفى أسىً ألا يُطــــــــــاقُ تصبُّرٌ وتجلّدُ
ودمُ الحسيــــنِ الطهرِ كلُّ عشيةٍ شفقٌ بآفاقِ السمــــــاءِ مُجسَّدُ
فلأنتَ يومٌ صفحتيــــــنِ تلطّختْ هذي، وتلكَ معَ الزمانِ تُمجَّدُ (1)
وقال من قصيدة (من وحي أبي الشهداء) وتبلغ (30) بيتاً:
ولـكـنَّ يـومَـكَ فـي (كـــربــلا) طوى كلَّ سفرٍ بما أبــــــــدعا
رأيتَ الضلالاتِ تغشى النفوسَ وتـنـسجُ من دنــــــــسٍ بُرقعا
وأبصرتَ دنـيـاكَ عـبـئـاً عـليكَ وعيـشَـكَ بـــــــالهـونِ قد لُفّعا
فآثــرتَ أن يسـتــــحـرَّ الكفــاحُ وأن تصرعَ الظلمَ أو تُصرعَا (2)
الشاعر
إبراهيم بن محمد بن عبد الحسين آل حرج الوائلي ولد في البصرة، من أسرة دينية معروفة، وقد نزج الجد الأعلى حرج من الغراف إلى النجف، تعلم الوائلي مبادئ العربية والإسلامية في البصرة ثم سافر بصحبة والده إلى النجف وفيها درس علوم العربية والفقه على يد والده وبدأ بكتابة الشعر وهو في العشرين من عمره ونشر شعره في الصحف فاشتهر بين الأدباء، عمل مدرساً في المدارس الأهلية ببغداد ثم سافر إلى مصر والتحق بكلية دار العلوم بجامعة فؤاد الأول في القاهرة وتخرج منها، ثم تخرج من قسم الدراسات العليا في الآداب، ثم عاد إلى بغداد فعمل كأستاذ مساعد في كلية الآداب ببغداد. (3)
يحتوي ديوانه على أكثر من أربعة آلاف بيت واشتمل على كافة أغراض الشعر ومواضيعه وخاصة مواضيع الغربة وقضية فلسطين والقضايا السياسية في عصره وقد ذكر الكرباسي مجموعة من أشعاره في مختلف المواضيع، ثم قال: وللشاعر قصائد أخرى منها في الإمام الحسين عليه السلام (4)
احتل الوائلي مكانة متميزة بين أدباء العراق وكتب عنه كثير منهم يقول الأستاذ علي الخاقاني: (امتاز الوائلي في شعره بظواهر كانت تبدو عليه من الصغر منها رصانة التعبير وقوة الديباجة وفخامة اللفظ وتصوير الفكرة الجديدة) (5)
وقال عنه محمد حسين الصغير: (شاعر كبير وأديب إنساني لامع، ضليع في النحو واللغة والأدب له عدة مؤلفات خطية ومقالات نقدية طبع له الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر، كما له ديوان مخطوط). (6)
وقد كتب عنه الباحث حميد المطبعي مقالاً مطوّلاً عنه بعنوان (إبراهيم الوائلي شاعر أديب محقق مؤرخ عراقي) (4) تحدث فيه عن مراحل حياته ونشاطه السياسي وشاعريته وقد ارتأينا اقتباس فقرات منه لاحتوائها على معلومات عن الشاعر جاء فيها:
(إبراهيم الوائلي كان نجفياً قلباً وقالباً، لأنه استقى رؤاه من مدرسة الشعر النجفي، ونحت القصيدة في أجواء الإرادة النجفية وكان عراقياً نسج علي منوال الإنسان العراقي المتوثب الروح الصاعد إلى المدى وعندما اختمرت فيه الحاسية التاريخية اتجهت قصيدته إلى الإنسان النوع أو العام، وكأن النجف أو العراق أو التاريخ كادت تنصهر في ايقاع واحد ليغني أو يبوح بأسرار القصيدة.
وهو من رواد تخرّجت به أجيال بجامعة بغداد علمهم كيف يمارسون حرفة الوطن في الأدب والبلاغة، وكان مؤرخاً للأدب أرخ العهود والأجيال بحسب نظريته الأدب انعكاس لانتفاضات الأمة وشأنه هذا كشأنه الأول أراد أن يضع للأجيال قواعد لمفهوم: (الأدب الوطني كيف يكتب وكيف يوجه أو يقرأ) وكان يقول: (الأدب هو الذي يلد الضرورة وإن الضرورة هي التي تلد الأدب) وسأله جيل: (ولماذا هذا التخريج ؟) فقال لهم: (الحرية هي قاعدة الالتزام وكتب على ضوء تخريجه النظري عشرة مقالات تحت عنوان (الأدب الملتزم) وسُمِّي في حينه (الكاتب المتمرّد) ومنذ زمانه الأول تمرّد على المفاهيم التقليدية في الأدب والمجتمع وثار على تاريخ هش شبحي الإرادة، وسُجن على تمرُّده مرتين الأولى في إثر ثورة الفلاحين في سوق الشيوخ 1935 عندما نشر قصيدة تُدين انحراف السلطة المركزية وقتلها بؤساء الأرض، وسجن في المرة الثانية لأنه قرأ قصيدة في الإذاعة العراقية تمجّد حركة مايس 1941 وتلعن سنابك خيل الاحتلال البريطاني.
كان من أدباء الخط المستقيم، يقول له الرصافي (رمزك واقع) ويمر عليه الجواهري ويأخذ منه قصيدة وينشرها في جريدته (الرأي العام) أو في جرائده الأخرى، وتمرّده على الأوضاع ليس في فوضى شاعر يبحث عن شهرة، إنما كانت النجف كلها تدخل إلى قلبه فتحيله إلى لحظة نار تئز وتحرق ثم تنذر أولئك الذين يسيئون إلى قدر الشعوب).
أما عن جذوره وبواكير طفولته فقد تحدث المطبعي عن الشاعر تحت عنوان فرعي (مخاض الريف الأول) قائلاً:
(كان ثقل الريف عليه كبيراً، وأثّر فقره وبؤسه على نسيجه الإنساني، فهو ولد في جزيرة الصقر بأرياف البصرة، وكانت قرية من قرى أجداده تغرق في الظلام والجوع والمرض وقد صوّرها في عشر قصائد مبثوثة في ديوانه الكبير وفي قريته جذور عشيرته بني حطيط، التي سكنت أوائلها هور الحمّار بين البصرة والناصرية منذ القدم، وكان أبوه رجل دين يرأس أهم فرع في بني حطيط، وهم قسمان ويرجع إلى قبيلة ثقيف، وقسم إلى وائل من ربيعة، ومن هذا القسم أسرة إبراهيم الوائلي فكان يعتز بهذا النسب العريق، وفي الوقت نفسه يعتز بفقر قريته، فسرى هذا التناقض في قصيدته دون وعي مباشر منه، فقوي الرمز فيها، وقوي هو أيضاً في أن يباشر الحياة ويتصدى لها.
وفي قريته الأولى أيضاً أطياف أمه وأسرته الصغيرة وشط العرب وبساتين النخل وصيد السمك وبؤس الفلاحين ومواقد الشتاء، وقد التم حولها الشيوخ والشباب وكيف رأى أن أولئك يحرقون تعاستهم في رمادها ودخانها وكان يسمع أخبار الانكليز واحتلال البصرة، وفي القرية أتراب له وكان معه في الكتّاب وفي الملاعب بين النخل وعلى الشاطئ، ومنهم من شاخوا مثله وصاروا جدوداً ومنهم ودعوا الدنيا وودعوا البؤس والفاقة والحرمان وطفلته الصغيرة (حياة) التي اختطفها الموت فدفنها ليلاً بين الثلاث الخضر وكأنه يدفن معها أحب طفولة، وكم من مرة عاد إلى القرية فتذكرها وفي قلبه غصة وتساءل في قصيدته هل تبقي هذه الطفلة تمثل ما في قلبه من صور القرية ؟ قد يكون ذلك في قصيدة أخرى ترى صور القرية وقد تغيرت وإن لم تتغير في ذاكرته فقد تحوّلت الصرائف إلى بيوت من الآجر والإسمنت والحديد واختفت السفن الشراعية و(البلم العشاري) وحلت محلها السيارات وجرى الماء في الأنابيب ودخل المذياع والتلفاز وذهب الجوع والعري والكدح في الماء والطين وكل هذا التغيير انساب في شعره وفي مناخ صوره الشعرية وكانت بعض قصائده (أو تصرفاته الأدبية) تستلف مما ضيع القروي بعض إبداعه حتى وهو يكتب آخر قصائده ولاسيما قصيدته الطويلة: (على شواطئ ميسان 1985)، وكان وفياً لذاكرته).
كما تحدث المطبعي عن عشقه للنجف والطابع النجفي الأصيل الذي طبع عليه شعره تحت عنوان (روح النجف في باطنه) قائلاً:
(وفي مطلع شبابه رافق والده إلى النجف للدراسة في معاهدها العلمية وحل في حلقة علمية من الحلقات الدراسية التي يشرف عليها المرجع الرائد العلامة عبد الكريم الجزائري، وعُرف يومئذ باسم: إبراهيم ابن الشيخ محمد ابن الشيخ عبد الحسين حرج. وحرج هو جد جده لأبيه، وتلقبت به أسرته في النجف منذ زمن طويل، وإبراهيم ذاته تلقب به في بداية نشره في صحف النجف وأبدله إلى لقب الوائلي في أواخر الثلاثينات فهو أول شخص في عشيرته تلقب بلقب الوائلي وآل حرج سكنوا النجف في المئة الثالثة عشرة للهجرة ونبغ فيهم علماء فقه وكلام.
وفي النجف له بيت علم ودين تشعّبت به أوراق شجرتهم الكريمة وفيه ولد أبوه وجده وجماعة من بني عمومته وفيه كان جد أبيه محمد يتحدّى الشطار وذُعّار الطريق بين كربلاء والنجف فيقتل ويجرح ولقد أدرك حديدة بندقيته عند ابن أخيه واسمه أيضاً (محمد) وهو الذي تولي مسؤولية توصيل أسرى الانكليز من الكوفة إلى النجف في ثورة العشرين وفي النجف دفنت عظام أجداده وجدّاته وأبيه وأمه وأخوته وفي النجف أجيال من الوائليين مزجهم بحرارة وتلهّف في قصائده وفي عراقة النجف ترعرع خيالاً وذاكرة وشعراً وأدباً متمرداً وفي صحف النجف نشر ثمراته واسمع صوته الأول وفي محافلها عرفت حنجرته وكانت حنجرة متميزة في إنشاد الشعر وفي (الرابطة الأدبية) وهي مركز إشعاع العقل النجفي 1935 قرأ مقاطع من تمرّده وسجاله، وفيها التقى الأديب المصري الشهير (زكي مبارك 1938) وناقشه في إمارة الشعر وبعد عودة الأديب إلى مصر نشر جدل الوائلي في كتابه (ليلي المريضة في العراق) وفيه ظهرت صورة الوائلي (المعمم الوسيم) وفي تلك المدة ذاتها اشترك بالتظاهرات التي خرجت في النجف وهي تلعن الأذناب 1937 وبعدها بساعة ألقى قصيدة في دار المجاهد محمد حسين كاشف الغطاء وقبل أن يستمع هو ورهطه إلى خطاب الإمام كاشف الغطاء حول جرائم المحتل.
كان الشيء الكثير من رسالة النجف في خزينه الشعري، النجف العلم، والنجف حين تلمّ بها التناقضات أو حين تجتاحها النقائض وما أكثرها وما أكثر الدوافع التي حملت الوائلي على أن ينقل هذه الأضداد والنقائض إلى شعره فيجعله شعراً جدلاً يثير ويستثير في لغته، ما أجمل رنينها الداخلي، ولأن شعره يحفل بحيوية تلك الحقبة ولأنه عرَّى الدجل العلمي أو الدنيوي فقد أحبه علماء الحوزة العلمية، ووقفوا إلى جانبه وخلّصوه من براثن التحقيقات الجنائية ومنهم في المقدمة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، والشيخ عبد الحسين الحلي، والسيد عيسي كمال الدين).
أما عن أساتذته وموارد ثقافته وقراءاته الأولى فيقول المطبعي:
(وكان أبوه مدرسته الأولى في قراءة العلم وتشبّه به كثيراً، وكان يقرأ العبارة وأبوه يفسّرها وإذا أخطأ في قراءة كلمة أو جملة وهو دون العاشرة من عمره صحح له الخطأ، فدرس عليه النحو في الاجرومية، وقطر الندى، والألفية، ومغني اللبيب، وقرأ علم المنطق (الحاشية)، و(الشمسية)، وعلم البيان (المطول) للتفتازاني، و(المختصر) وعلم أصول الفقه والفقه في التبصرة للعلامة الحلي و(الشرائع) للمحقق الحلي، وغيرها من كتب اللغة والتفسير.
وتوفي أبوه عام 1956 فذرف عليه دمعة بحجم قصيدته في أثناء دفنه في الصحن الحيدري، يقول فيها:
أبتاهُ ذابَ اللحنُ في شفـــــــتي دما فأبى علـــــــيَّ الحزنُ أن أترنّما
تلك المقاطعُ وهيَ أعذبُ ما الـتقت فيه الشفـــــاهُ قد استحالتْ علقما
ما كان قيثاري ليرقدَ صــــــــــامتاً فوق الرمــالِ وأن يبيتَ محطّما
ثم يذكر فضله العلمي عليه:
أنتَ الذي مهدَ الطريقَ لصــــــاعدٍ ما اجتـــازَ لولا نبضُ كفّكَ سُلّما
غذيتني الفصحى لســــــــــانَ أبوَّةٍ حفظتْ ربيعة في الخيامِ وقشعما
لكن أبوه لم يكن يرضى له باقتناء أي ديوان من الشعر أو أي ميل إلى نظم الشعر لأن ذلك في ميزانه وميزان الأكثرية من رجال الدين يصرفه عن الدراسة الفقهية التي قطع فيها شوطاً بعيداً ولكنه تركه وشأنه حين رأى قصائده تنشر في أمَّات الصحف. وعدا عن أبيه فقد درس أصول علم المنطق على الشيخ محمد رضا المظفر، وفصولاً من علم الكلام على مرجعية الشيخ عبد الكريم الجزائري وفصولاً في الفلسفة على الفيلسوف المجاهد الشيخ جواد الجزائري وهؤلاء كلهم منحوه الإجازة العلمية التي مهّدت له الطريق للدراسة في القاهرة.
وكان ينهمك في جمع المصادر في مكتبة على وزنه وضمّ إليها بعض كتب أبيه منها: شرح ابن أبي الحديد، ومعجم البلدان لياقوت، والمحاسن والمساوئ للبيهقي، والمناقب لابن شهراشوب، ثم ذهب إلى كتب أخيه الشيخ قاسم المتوفى سنة 1981 الذي علمه أوزان الشعر فلم يجد فيها غير ديوان أبي العتاهية ولم يكن يعجبه فأشترى مجموعة (العراقيات) وهي طائفة من الشعر: للمجاهد محمد سعيد الحبوبي، والسيد حيدر الحلي، والسيد جعفر الحلي، والأخرس، وعبد الباقي، والكاظمي، وجواد الشبيبي، وكاظم الأرزي، والشاعر العاشق عباس الملا علي. وشرع إبراهيم الوائلي يقرأ ويستقرئ ثم دخل الطريق من نهايته فأشترى المتنبي، وحماسة أبي تمام حتى حفظ الشطر الأكبر منها واشترى بلاغة العرب في القرن العشرين وهي مجموعة من شعر المهجريين فتوافق مع هذا النمط من الشعر لأنه جديد في صوره وأشكاله ولأن جيل الوائلي أحبوه فتأثروا به).
وعن الأجيال الشعرية التي عاصرها وأترابه من الأدباء والشعراء في النجف وبغداد وعلاقاته معهم فيقول:
(وتُضاف إلى تأثيرات النجف تفاعلات جيله الواحد بالآخر حيث أقام هذا الجيل مدرسة الشعر النجفي الحديث وفيها توحّدت النظرة إلى التاريخ، وفيها أيضاً روّضت المعاني وهذّبت القوافي ومن جيله من كان في عمره ومنهم كان أسن منه ومنهم من كان دونه في السن وكلهم يلتقون في الإنشاد، وكانت النجف وحدها تتميز وتختص في الانشاد وتقوم على حنجرة تؤدي الشعر بإيقاع وترخيم معينين وكانوا يسمرون في الشعر ويجادلون وينقدون فلا يجزع أحدهم بالنقد وكانت إدارات الصحف والمجلات حلبات صراع للشعر وفنونه وممن كان ترباً للوائلي: مرتضي فرج الله (ت 1984)، ومحمد جمال الهاشمي (ت 1977)، والمحامي الشاعر محمد رضا السيد سلمان، ومن جيله الأدبي الذين كانوا يكبرونه سناً محمد شرارة (ت 1979)، ومحمود الحبوبي (ت 1969) وصالح الجعفري (ت 1979) ومن جيله أيضاً محمد جواد السوداني (ت 1933) وقد توفي وهو شاب في مرض السكر وكان هذا الشاعر يجاري إيليا أبي ماضي، وميخائيل نعيمة، وشعراء المهجر، ومن جيله عبد الرزاق محيي الدين، والسيد خضر القزويني وهو (صناجة) الإنشاد في النجف، والسيد نوري شمس الدين، وعبد الكريم الدجيلي، ومحمد صالح بحر العلوم الذي جعل مجلته (المصباح) ملتقى هذا الجيل، ومن لداته أيضاً شاعر الانشاد الأول في النجف عبد المنعم الفرطوسي حيث كان في أخرياته ضريراً يقرض الشعر والحياة بأسلوب صوفي وهؤلاء جيله جالسهم وجالسوه وجميعهم ترنّم بالحرية تلك التي يسمونها: خالقة الرؤى.
وغادر النجف إلى بغداد 1940 بعد أن كافأته وزارة المعارف بتعيينه مدرساً في الثانوية وراح يندمج في مجالسها الأدبية وصحفها ويقرأ شعره في الإذاعة في بغداد التي حفرت في أعماقه الحزن والفرح والفقر والغنى وهذه جميعاً تحوّلت إلى نداءات عميقة في عمق قصائده وأشعاره).
أما في مصر فللشاعر حضور مؤثر وكبير في نواديها الأدبية ومجالسها الشعرية وصحفها تحدث عنه المطبعي قائلاً تحت عنوان (رحلة القاهرة):
(وكانت رحلته إلى القاهرة عام 1945 للدراسة في كلية دار العلوم ليست دراسة للتطوير الأكاديمي إنما هي ألقت فيه دفعة أخرى لرؤية عصر آخر من عصور الأدب ولرؤية رواد الأدب العربي ومجادلتهم وجهاً لوجه وحمل إلى القاهرة حصيلته العلمية (دراسة النجف الفقهية).
وعُدّت هذه الوثيقة كافية لترشيحه إلى الكلية ونجح بامتياز ونال الليسانس عام 1949 في الأدب العربي ثم نال الماجستير عام 1956 وسجل رسالة الدكتوراه لكنه لم ينل هذه الشهادة لظروف سياسية معينة.
وخلال شهور تعرف الوائلي علي معالم القاهرة الثقافية ففي بداية عام 1946 أرسل أول قصيدة له إلى مجلة (الرسالة) فنُشرت من غير تأخير ومن سنة 1947 إلى 1952 كانت قصائده ومقالاته تنشر تباعاً في الرسالة وربما تتوالى الأعداد واسمه لا ينفصل عن أي عدد منها، وفي أوقات يتناول بعض الكتب بالنقد وقد يعقب على مفردات لغوية كالذي حدث بينه وبين الدكتور عبد الوهاب عزام في لفظة (أطأد) التي استعملها في مقال له، وقد رد عليه ووافقه في أنها مبتورة الجذر لو لم يستعملها مسلم بن الوليد وأبو تمام ثم نشر في مجلته (الثقافة) وفي (العالم العربي) و(الفجر الجديد) شعراً ونثراً تم نشر في الفكر الجديد والبلاغ والكتلة وصوت الأمة مقالات عن معاهدة بورتسموث وندد بها تنديداً أغاظ أنصارها آنذاك وكان الوائلي قد دخل مع الكتاب المصريين في نقاش نقدي)
ثم يذكر مناقشاته ومجادلاته مع العقاد وزكي مبارك وحضوره المجالس الأدبية فيقول:
(ثم يبدأ رحلته في المجالس الأدبية المصرية رفيعة المقام المنتشرة في أحياء القاهرة وأول مجلس عليه (ندوة الزيات) وتعقد في كل مساء اثنين من كل أسبوع في إدارة مجلة الرسالة في العمارة التي يملكها صاحب الرسالة أحمد حسن الزيات وكانت بجوار قصر عابدين ومن رواد هذه الندوة الناقد المعروف أنور المعداوي، والشاعر محمود الخفيف، والشاعر علي محمود طه المهندس، وتوفيق الحكيم، وثروة أباظة، وزكي نجيب محمود، وشهد الوائلي نقاشات هذه الندوة التي جرت بلا تعقيد وبلا إثارة وصادقهم وتبادل معهم الرسائل بعد عودته إلى بغداد ومن الندوات الأخرى التي شهد وقائعها ندوة إبراهيم ناجي وهو طبيب وشاعر معروف فقد أحب عراقية الوائلي وقدر نبوغه الفكري، وندوة كامل كيلاني وكان يحضرها مع الشيخ محمد رضا الشبيبي وندوة المجاهد الفلسطيني محمد علي الطاهر حيث تقرأ فيها الصحف المهجرية والشعر المهجري وكان بين مدة وأخرى يحضر ويسهم في الندوات الخاصة التي تعقد في قاعة بورت التذكارية وهناك يستمع إلى بعض محاضرات طه حسين وفي (نادي الخريجين) ويستمع إلى محاضرات الدكتور محمد حسين هيكل ومرة دُعي إلى نقابة الصحفيين لقراءة إحدى قصائده في شهداء فلسطين).
ثم يختم المطبعي مقاله بالحديث عن مؤلفات الوائلي قائلاً:
(أصدر ديوانه الشعري عام 1981 وهو جزآن وفيه صور الريف ببراءته وشقائه وفيه آلام الحرية والمعذبين في الأكواخ والسجون وفيه أيضاً أن الإنسان لا يموت لأنه نبوءة وغد.
كما أصدر (الشعر السياسي العراقي في القرن التاسع عشر) طبعة أولى سنة 1961 وطبعة ثانية سنة 1977.
وأصدر (لغة الشعر العراقي) سنة 1964.
وله أًيضاً (ثورة العشرين في الشعر العراقي) سنة 1968 و(اضطراب الكلم عند الزهاوي) سنة 1971 وله دراسات أخرى وكتب خطية وكتب محققة ومجموعة كبيرة من (التصويبات اللغوية) وعشرات المقالات في النقد والتعقيب).
وكان يكتب لوجه من وجوه الرسالة الأدبية أو ولوجهه الأبيض من أيام النحس والأحزان ولم يكتب لمشورة من أحد أو يكتب زلفى إنما عارك الحياة واستخرج منها أعذب الألحان وأشجى الأناشيد وأغمض عينيه بلا حسرات).
وهذا المقال يعد قراءة سريعة ومختزلة لحياة الوائلي الضاجة بالأحداث، ولكنه يعطي صورة ولو مصغرة عن مراحل حياته ومعاناته.
توفي الوائلي في بغداد ودفن في النجف الأشرف
شعره
أما بالنسبة إلى شعره فقد تطرّق فيه إلى جميع أغراض الشعر وقد اخترنا منه ما يلائم الموضوع وهو ما عثرنا عليه من الشعر الحسيني والشعر الذي يختص بأهل البيت (عليهم السلام) ومنه هذه القصيدة في حق أمير المؤمنين بعنوان (من وحي الإمام) وتبلغ (55) بيتاً:
صهرُ النبوَّةِ حسبي منكَ إيحــــــــــــــــاءُ دنياكَ صــــوتٌ ودنيا الناسِ أصداءُ
آمنتَ بالحقِّ لم تعصـــــــــــــــفْ بموكبهِ هوجُ الخطــــــــوبِ ولم تفلله أرزاءُ
وبالصراحةِ أدنى ما يُـــــــــــــــــرادُ بـها للخلقِ أن يتـســاوى الذئبُ والشـــاءُ
يا أيُّها الآيةُ العـــــــــــــــظمى ألا قـــبسٌ من الهدى فـحــواشي الأفقِ ظــلماءُ
أشرقْ على السفــحِ وانظرْ كـــيـفَ جانبه فإنّه اليومَ لا نبـــتٌ ولا مــــــــــــاءُ
واستنطقِ البيدَ هلْ في البيــــــــــــدِ قافلةٌ يقتادُها لبلوغِ القـــصــــــــــــدِ حدَّاءُ
دنيا مفككةٌ لا شــــــــــــــــــــيءَ يجمعُها كأنّها في زوايــــــــــــا القفـرِ أشلاءُ
سرى الخلافُ بها حتّى غــــــــدتْ شِيعاً أقصى معـــــــــارفِها حـــقدٌ وشحناءُ
وأضحتِ الأيكةُ الشمَّـــــــــــــــاءُ خاويةً تـلفّها من بنـاتِ الريـحِ هوجــــــــــاءُ
عدلٌ أطلّ على دنيـــــــــــــا الوجودِ كما يطلُّ فجرٌ وراءَ الـليـــــــــــلِ وضَّاءُ
وفوقه الرايةُ الكبرى مــــرفـــــــــــــرفةٌ يحـوطها معشـرٌ صــــــــــــيدٌ أشدّاءُ
قد عادَ لعبةَ أفّــــــــــــــــــــاكين سيرتهمْ في مسرحِ الدهــرِ إضـحــاكٌ وإبكاءُ
يا طورَ سيناء إنَّ الــــركــــــــبَ منحدرٌ إلى الحضيـــضِ فأيـنَ اليـــومَ سيناءُ
ويا سنا النورِ أوضـــــــــــحْ من معالمِنا ما ليسَ يوضـــــــــحه همـسٌ وإيماءُ
ماذا على السيـــــــــــفِ لو ألقى مغامدَه وقيلَ: زالتْ عــــــن الجنبيـنِ أصداءُ
فقد طغى الجــــرحُ واستشرتْ مخاطرُه في كلِّ جانــــــــــحةٍ واستفـحلَ الداءُ
سيفٌ أقيمـــــــــــــــــتْ به للعدلِ قاعدةٌ أكنافُها في ذرى التــــــــــأريخِ شمَّاءُ
ودكَّ للجـــهلِ أصنـــــــــــــــــاماً وآلهةً عبّادُها في الدُّجــى أعـمــــى وعمياءُ
ما كانَ أجـــداهُ لو أذكــى مـضــــــاربَه ولاحَ منه بهــــــــــــــــذا الأفقِ لألاءُ
فنزعةُ الشـــرِّ قد شــــاعتْ مظـــاهرُها كما تكشّـــــفَ في الظـــــلـماءِ أسواءُ
جيلٌ أســــفَّ وضـــــــــلَّ الدربَ رائدُه وطالَ مـــنه لداعي الجـــــهلِ إصغاءُ
وراحَ يـــتّبعُ الأهواءَ جـــــــــــــــامحةً تبثّها زمـرةٌ في النـــــــــــــاسِ رعناءُ
واستدرجته دعـــــــــــــــــــاواتٌ ملفّقة بـاسمِ التــــحرُّرِ تُزجــــى وهي أدواءُ
حريةُ الفكرِ ما كــــــــــــــــــانت مكبَّلةً لـو لم تعــــكِّرْ صفــــــاءَ العيشِ أقذاءُ
ولا الحقيقة، ما دِيستْ جـــــــــــــوانبُها لـولا هيـــــــاكلُ ملءَ الأرضِ جوفاءُ
صهرُ النبوُّةِ ما أسمــــــــــــاكَ في بشرٍ أغـرتهمُ من فضـــولِ العيشِ صفراءُ
وما أجلّكَ في دنـــيا يمــــــــــــــــــالِئها مـن الحثالةِ أذنـــــــــــــــــــابٌ أذلّاءُ
باعوا الضمـــــــائـــــرَ حتّى لاتَ مُدّكر وأنـتَ أنتَ بجنبِ اللهِ ميفــــــــــــــاءُ
هم ناوؤوكَ وكــــــــــــــانَ الشرُّ قائدُهم لكـلِّ حربٍ كما تنقـــــــــــادُ عشـواءُ
وكانَ عيشُـــــكَ غيــــــــــظاً في قلوبِهمُ تذكـيهِ من نزواتِ الحقدِ بغضـــــــاءُ
وفي الجوانحِ أضـــــغانٌ مـــــــــؤجَّجةٌ علـى الوجـــــــــوهِ ترى منهنَّ سيماءُ
حتّى أثيرتْ فلـــــم تخــــــــمدْ لها شعلٌ قد اكـفهرتْ بهــــــــــــــا بيدٌ وأرجاءُ
وراحَ يوقظـــــها في كلِّ ثـــــــــــــانيةٍ لؤمُ الـطباعِ وبعــــــــــضُ اللؤمِ إيذاءُ
فأصبحَ الـــــحقُّ أنقـــــــــــاضاً مبعثرةً وتمَّ للـنفرِ الباغيــــــــــــــنَ ما شاؤوا
وقوِّضـــــتْ شرعةٌ ما كـــــان منهجُها إلّا لتشـملَ هذا الخلقَ نعـــــــــــــــماءُ
أمُّ الشرائعِ أقصـــــاها وأوّلــــــــــــــها ظِلٌّ علـى الخلقِ ممـــــــــــدودٌ وأفياءُ
فلا الغنيُّ غنـــــيٌّ حيـــــــــــــنَ تنظرُه لأن ميـزتَه في النـــــــــــــــاسِ إثراءُ
ولا الفقيرُ فـــــقيرٌ حين تبصـــــــــــرُه لأنَّ سيـماءَه عُدْمٌ وبأســـــــــــــــــــاءُ
كلٌّ ســـــواسيةٌ لا فـــــــــــــــرقَ بينهمُ لولا نعــــــــــــــــوتٌ وألقابٌ وأسماءُ
صــــــهرُ النبوَّةِ إنَّ العدلَ قــد عــــبثتْ به المطـامعُ واجتـــــــــــــاحته أهواءُ
أين الجهادُ الذي كــــــــانــــــتْ مواكبُه خفّاقة النصرِ يحـــــــــــــدوهنَّ أكفاءُ
وأينَ سيفٌ مشتْ والمـــــوتُ ضــربتُه وطعنةٌ في مدبِّ الشرِّ نـــــــــــــجلاءُ
قل للكتائبِ تنهضْ مـــــن مــــــراقدِها فقد خلتْ من صهيـــــــلِ الـخيلِ بيداءُ
ولبَّ للحقِّ يــــــــــــا بنَ الحقِّ دعـوته فقد عراهُ من التضــــــــــــــليلِ إعياءُ
كتيبةُ اللهِ لمْ تهدأ عـــــــــــــــــــلى تِرَةٍ أو تستجبْ للتغاضـي وهيَ خرســــاءُ
صهرُ النبوُّةِ كمْ من حــــادثٍ عــــجبٍ تلته بعدكَ أحـــــــــــــــــــداثٌ وأنـباءُ
عمرٌ طويتَ به التـأريخَ أجـــــــــــمعَه فـكلُّ سِفرٍ عليه منــكَ طغــــــــــــراءُ
تلكَ البلاغةُ ما كانت خـــــــلاصتُــــها إلّا لـتلتمَّ حــــــــــــــــولَ النورِ دهماءُ
ماذا جنيتَ فنالتْ منكَ بــــــــــغيــــتَها تحتَ الـظلامِ يدٌ من قبــــــــــــلِ جذّاءُ
واغتيلَ أصيدُ لم تفللْ عـــــــزيــــمــتَه بيضُ الـسيـــــــوفِ ولم ترهبْه هيجاءُ
دمٌ بكوفانَ مطلـــــــــــولٌ تــــسـيلُ به من جانـبِ البيــــــتِ ساحاتٌ وبطحاءُ
يا مشرقَ النــورِ إنَّ الــــليــــلَ معتكرٌ تجهَّمـتْ منه آفــــــــــــــــــاقٌ وأنحاءُ
متى نــرى الفجرَ يــــمـحو كلَّ داجيةٍ وتستجـدُّ بهـــــــــــــــذا الكونِ أضواءُ
هذي الركائبُ في الصحراءِ قد وقفتْ حيرى وفـي البيدِ أهــــــوالٌ ورمضاءُ
وذي السفينةُ والأمــــــــــواجُ صاخبةٌ لا يستقيمُ لـها في اليــــــــــــــمِّ إرساءُ (8)
ومن شعره هذه القصيدة التي ذكرنا منها ثلاثة أبيات في مقدمة الموضوع وهي في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (25) بيتاً:
حدثُ الحـــــوادثِ كم نعـــيدُ وننشدُ الجرحُ دامٍ والأسى يتـــــــــــجدَّدُ
في كلِّ عــــــامٍ من حـــديثِ محرمٍ ألمٌ يحزُّ وجمـــــــــــــــــــرةٌ تتوقدٌ
أفكلّما عـــــادتْ بعـــرضِ فصولِها عادَ التفجُّعُ والشعارُ الأســــــــــودُ
ثارتْ عـــــلى آلِ الـــنبيِّ خصومةٌ كبرى يشيبُ لها الزمـــــانُ الأمردُ
مِن عهدِ حـربِ الـــمشركينَ لأحمدٍ ومِن الذي لاقاهُ مـنــــــــــهمْ أحمدُ
همْ عصــبةٌ وتــــروا النبيَّ فسامهمْ إحدى اثنتينِ السيـــــفَ أو يطرَّدوا
فتوغّرتْ حــــــقداً عليهِ صدورُهم للهِ ما تُخفي الصــــــــــدورُ وتحقدُ
يا يومَ وقـــعةِ (كـربلاءَ) كفى أسىً ألّا يُطـــــــــــــــــاقُ تصبرٌّ وتجلّدُ
ودمُ الـــحسيـــــنِ الطهرِ كلُّ عشيَّةٍ شفقٌ بآفاقِ السمـــــــــــــاءِ مُجسَّدُ
فلأنتَ يومٌ صفحتيــــــن تلطّخـــتْ هذي، وتلكَ مع الزمــــــــانِ تُمجَّدُ
يومٌ تجلّتْ فيه كلُّ طويَّـــــــــــــــةٍ من آلِ حربٍ واستبـانَ المـقصــــدُ
بشرٌ تموجُ به الرمــــــــالُ كــــأنّه سيلٌ تدفَّقَ أو خضمٌ مُـــــــــــــزبِدُ
يستهدفونَ من الحسينِ حـــــــــميَّةً ليستْ تمدُّ لهـــــــــا عـلى كــرهٍ يدُ
فمضى يجاهدُ والـــجهادُ فريــضةٌ موروثةٌ وعقيدةٌ لا تُــجــــــــــــحدُ
حتى أطلَّ عـــــلى الفراتِ مُرمَّـلاً دمَهُ الزكيَّ وما أبيــــــــــحَ الموردُ
وبجنبهِ مِــــن آلِ هـــــــــاشمَ فتيةٌ نزلوا على حكمِ الـرَّدى فـاستشهدوا
من كلِّ مخضوبِ الشبابِ مضرَّجٌ خضلِ الشقيقِ لدى الضـحى يتورَّدُ
أغصانُ وارفـــة الظلالِ تـناوحتْ هـــــــــــوجُ الرياحِ عليهـمُ فتأوَّدوا
حدثُ الحوادثِ ما مـررتَ بخاطرٍ إلا ألمَّ بـــــــــــــــه الأسـى يتصعَّدُ
ولقد عظمتَ فكـــــــــلُّ قلبٍ دمعةٌ لم تجفُ قطّ وحـــــــــرقـةٌ لا تخمدُ
وقال من القصيدة الأخرى التي قدمناها وهي (من وحي أبي الشهداء):
دعــاكَ فــلــبَّــيــتَــه مُــســـرعـــا جـهـادٌ أرادكَ لــمــــا دعَــــا
ومـثـلـكَ مَــن جـلَّ أن يـسـتـــكينَ لحكمِ الطغاةِ وأن يَـضــرعَــا
فـثـرتَ وكـمْ ثــائــرٍ لــمْ نـــــجــدْ له في مـخـيَّــلــةٍ مـوضـــعَــا
ولـكـنَّ يـومَـكَ فـي (كــــــربــلا) طوى كلَّ ســفــرٍ بمـا أبـــدعَا
رأيتَ الضلالاتِ تغشـــى النفوسَ وتـنـسجُ مـن دنــسٍ بُرقـــعَــا
وأبصرتَ دنـيـاكَ عــــبـئـاً عـليكَ وعيـشَـكَ بـالـهـونِ قـد لُـفّــعَا
فآثــرتَ أن يسـتــــحـرَّ الـكـفــاحُ وأن تـصرعَ الظلمَ أو تُصرعَا
وصـبـحُ تــنــفَّــــسَ عن نبــــــتةٍ أحــالـــته ممتـقعـاً أســفـــعَـــا
أمـــورٌ تُــــــــدارُ ولـــكنّهــــــــا عـلى غيــرِ ما سُنَّ او شُرِّعَــا
وحــكـمٌ يُنـــــاطُ بــرأي الجهـولِ ليــصــنعَ مــا شاءَ أن يُصنعَـا
فمِــن ســــاخرٍ بالـــذي دبَّــــروه يعـــضًّ علــى فـلتــةٍ أصبعَــا
ومِـــــن راكضٍ خلفَ أطماعِـــه يجيـبُ الهــوى راضياً طيِّعَــا
ومـــبــــتــذلٍ في مطاوي الظلامِ يمـدُّ علـى حــانةٍ مــضـجَـعَــا
فـــتى أثــقـلتـه حيــــاةُ المـجــونِ فــــما حـادَ عنهــا ولا أقلــعَـا
نــدامــاهُ غيــــدٌ وعــودٌ يــــــرنُّ وكــــأسٌ يبيــتُ بهــــا مُولعَـا
تــــطوفُ المــدامةُ عن جانبـــيهِ فيكرعُ مـــا شــاءَ أن يكــرعَـا
وقصرٌ يــطلُّ على الغوطـتـــيـنِ ويسـتشـرفُ البـــلدَ المُمـــرعَا
أقـصــرُ الخلافــةِ هــذا الـــــذي أعِــــدَّ لمـســـتهترٍ مــــربـــعَا؟
يــريدُ مــن الناسِ أن يصـــبحوا عــــبــــيـداً لســــيِّـده خُضَّعَـــا
وتلكَ المدينـةُ مثــوى الـــرسولِ وفــيـهـا الحـــسيـــنُ وما أرفعَا
إمـــامٌ تجسَّــم فــــيـــــهِ الابـــاءُ وحازَ الفضــــــــائلَ واستجمعَا
فلو أدركَ القومُ عـــقبى المصيرِ وألـــقـــوا لـداعِـيِــهِ مســـمعَــا
لما وجدوا غيرَ سبـــطِ الـــــنبيِّ أحــــــقَّ وأولـــى بأن يُتــبعَـــا
ولــــكنّـــها فــلـتــــــةٌ زعزعتْ مـن الــــديـنِ ثمَّةَ مــا زعـزعَا
ولم تُبـــــقِ غيـــــرَ نفوسٍ تئــنُّ ويـأبى لها الحـزنُ أن تهجَعَـــا
تعـــاودهـــا أفــــجــعُ الذكرياتِ فـتـــطـوي علـى ألمٍ أضـلـعَـــا
ولو كان يجدي انسكابُ الدموعِ أذالتْ مذابَ الحشـــــــا أدمعَـــا
حـسـيــنٌ، وحسبيَ منكَ النضالُ يـــمــجِّــدُ تأريـخَكَ الأنصـعـــا
أرادوا لمثلِـــــكَ أن يستــــجيـبَ وحـــــاشـــا لـمثلِكَ أن يخضعا
فـكـنــتَ الممـــــهِّدَ للثائــــــرينَ عـلى الظلمِ أن يـردوا المشرعا
................................................................
1 ــ ديوان الوائلي ج 1 ص 154 ــ 155 / الحسين في الشعر النجفي ج 1 ص 295 ــ 296 / الإمام الحسين بن علي في الشعر العراقي الحديث لعلي حسين يوسف ج 1 ص 187
2 ــ ديوان الوائلي ج 1 ص 178 ــ 179 / شعراء الغري ج 1 ص 157 ــ 159 / الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 2 ص 231 ــ 232
3 ــ نفس المصدر ص 151
4 ــ معجم الشعراء الناظمين في الحسين ج 1 ص 314
5 ــ شعراء الغري ص 155
6 ــ فلسطين في الشعر النجفي المعاصر ص 147
7 ــ ملاحق جريدة المدى اليومية بتاريخ 21 /11 / 2012
8 ــ شعراء الغري ج 1 ص 155 ــ 157
كما ترجم له:
كوركيس عواد / معجم المؤلفين العراقيين في القرنين التاسع عشر والعشرين ج 1 ص 56
محمود الجندي / دائرة المعارف العراقية العامة ص 27
محمد علي جعفر التميمي / مشهد الإمام أو مدينة النجف ج 3 ص 95
حيدر المرجاني / النجف الأشرف قديماً وحديثاً ج 2 ص 117
محمد هادي الأميني / معجم رجال الفكر والأدب في النجف الأشرف ج 3 ص 315
كامل سلمان الجبوري / معجم الشعراء ج 1 ص 58
كامل سلمان الجبوري / الحسين في الشعر النجفي ج 4 ص 90
عمر رضا كحالة / معجم المؤلفين ج 1 ص 56
اترك تعليق