3 ــ إبراهيم الطيبي (1154 ــ 1214 هـ / 1741 ــ 1799 م)

إبراهيم الطيبي (1154 ــ 1214 هـ / 1741 ــ 1799 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين تبلغ (26) بيتاً:

أيُّها العـــاشقُ ما هذا القلى    أنتَ في الشامِ وهمْ في (كربلا)

تدّعي الحبَّ وتختارُ النوى    ما كذا تفعـــــــلُ أصحابُ الولا

قعدَ الجســـمُ برغمي عنهمُ    والحشا يجتــــــابُ أجوازُ الفلا (1)

وقال من قصيدة أخرى في نفس الغرض:

بنفسيَ أقمــــــاراً تهاوتْ بـ (كربلا)    وليسَ لهـا إلا القــلوبُ لحودُ

بنفسي سليلَ المصطفى وابنَ صنوِهِ    يذودُ عن الأطفالِ وهـوَ فريدُ

أذابَ فؤادي رزؤهم ومصـــــــابهمْ    وعهدي به في النائبـاتِ جليدُ (2)

الشاعر:

الشيخ إبراهيم بن يحيى بن محمد بن سليمان العاملي الطيبي، ولد بقرية الطيبة في جبل عامل، وتعد هذه الأسرة ــ الطيبي ــ مفخرة من مفاخر جبل عامل فقد تدرج أبناؤها على العلم والأدب فكان أبوه عالماً وشاعراً، وكذلك أخوه نصر الله بن يحيى، وكما ورث عن أبيه هذين اللقبين فقد توارث أبناه: نصر الله وصادق، وأحفاده إبراهيم بن نصر الله، وإبراهيم بن صادق منه هذه الميزة ولمعت نجومهم في سماء العلم والأدب

درس الطيبي مبادئ العلوم في بلدته ثم هاجر إلى شقرا فدرس بمدرستها على يد السيد أبي الحسن موسى بن حيدر بن أحمد الحسيني، وكان يدرس في هذه المدرسة أكثر من (300) طالب وتخرج منها كبار العلماء، ولما استولى أحمد الجزار على جبل عامل من قبل العثمانيين وقتل الأمير ناصيف بن نصار وشنَّ حرباً على علماء الشيعة وقتل الشيخ علي الخاتوني، وسلمان البزي. هرب الطيبي إلى بعلبك ثم منها إلى دمشق فبقي فترة ثم غادرها إلى العراق وفيها تلقى العلم على يد السيد مهدي بحر العلوم، والشيخ جعفر كاشف الغطاء.

ومن النجف غادر إلى إيران فبقي في مشهد الرضا فترة ليعود إلى دمشق، وبقي يتردد بينها وبين بعلبك حتى توفي في دمشق ودفن بمقبرة باب الصغير قرب مرقد السيدة سكينة. (3)

ترجم له السيد محسن الأمين ترجمة وافية وذكر كثيراً من أشعاره من مدائح ومراثي الرسول الأعظم والإمام أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت (عليهم‌ السلام) يقول في ترجمته: (الشيخ إبراهيم ابن الشيخ يحيى ابن الشيخ محمد بن سليمان العاملي الطيبي نزيل دمشق.

مولده ووفاته ولد سنة 1154 بقرية الطيبة من جبل عامل وتوفي سنة 1214 بدمشق عن 60 عام ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي المشهد المنسوب إلى السيدة سكينة وكان له قبر مبني وعليه لوح فيه تاريخ وفاته رأيته وقرأته فهدم في زماننا) (4)

وقال عنه السيد جواد شبر: (كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً مطبوعاً، نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر. وكانت له اليد الطولى في التخميس فقد ولع به فخمس جملة من القصائد المشهورة كالبردة، ورائية أبي فراس الحمداني في الفخر، وميميته في مدح أهل البيت، ولا ميته المرفوعة التي قالها في الأسر، وعينية ابن زريق البغدادي، وكافية السيد الرضى المكسورة، وزاد عليها مخمساً وجعلها في مدح النبي، ورائية ابن منير المعروفة بالتترية، بل قيل إنه خمس أكثر المشهور من غرر الشريف الرضي، وإنه خمس ديوان الأمير أبي فراس برمته... سافر إلى العراق فأقام به مدة، قرأ في أثنائها على السيد مهدي بحر العلوم الطباطبائي والشيخ جعفر النجفي صاحب كشف الغطاء، ثم سافر لزيارة الرضا عليه السلام ثم عاد إلى دمشق وتوطنها إلى أن مات.

 له أرجوزة في التوحيد وجدتها بخطه وجمعت شعره في ديوان كبير يقارب سبعة آلاف وخمسمائة بيت بعد تفتيش وتنقيب كثير ورتبته على حروف المعجم انتهى. أقول: ونشر كثيراً منه في الأعيان من مدائحه في الرسول الأعظم والامام أمير المؤمنين والأئمة من أهل البيت عليهم السلام) (5)

وقال فيه محمد مطيع الحافظ: (شاعر فاضل أديب مطبوع نظم فأكثر حتى اشتهر بالشعر وورث أولاده وأحفاده شاعريته). (6)

وقال فيه العلامة أغا بزرك الطهراني: (من مشاهير عصره في العلم والأدب ..) (7)

وقال فيه السيد حسن الصدر: (من أجلاء العلماء والمتكلمين والأدباء والمشاهير والشعراء المجيدين) (8)

وقال فيه محمد السماوي: (كان فاضلاً، أديباً، مشاركاً في العلوم، مصنِّفاً في جملة منها) (9)

وقال فيه الشيخ علي كاشف الغطاء: (كان عالماً فاضلاً أديباً شاعراً حاوياً لجملة من العلوم مصنفاً فيها) (10)

مؤلفاته

وقد طرق الطيبي باب التأليف فألف من الكتب:

1 ــ منظومة في علم الكلام.

2 ــ كتاب الصراط المستقيم في الفقه.

3 ــ كتاب الجمانة النضدية.

4 ــ ديوان شعر حققه الأستاذ حبيب جابر وسمّاه ديوان شاعر عاملة الشيخ إبراهيم يحيى.

شعره

تميز شعر الطيبي بالنفس الطويل والحفاظ على قوة المعنى واللغة وهو نادر عند الشعراء ويستطيع القارئ ملاحظة ذلك من قصائده يقول في إحداها في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام):

أيُّها العـــــاشقُ مــــــــا هذا القلى    أنتَ في الشامِ وهمْ في (كربلا)

تدّعي الحـــــــــبَّ وتختارُ النوى    ما كذا تفعلُ أصـــــــحابُ الولا

قعدَ الجســــمُ برغمي عنــــــــهمُ    والحشا يجتـــــــابُ أجوازُ الفلا

حبَّذا الحيّ التهـــــــــــــاميُّ الذي    نزلَ اليومَ علــى حـــــــكمِ البلا

ملأ الأحشـــــــــاءَ حزناً إذ هوى    بدرُه المقتـــــولُ ظلماً في الملا

أيّ غيثٍ من بني فـــــــــــــاطمةٍ    فقدتْ منـه الصــــوادي منهلا؟

أيّ ليثٍ من بني فاطــــــــــــــمةٍ     صـــــادفتْ منه العوالي مقتلاً؟

أيّ مولىً من بني فاطــــــــــــمةٍ    قُتلَ الإســـــــــــــــلامُ لمَّا قُتلا؟

أيّ بدرٍ ملأ الدنيــــــــــــــــا سناً    وجلا كـــــــــلَّ ظـلامٍ وانجلى؟

أيّ عذرٍ لعيــــــــــــــــونٍ فقدتْ    منه نورَ النــــــورِ أن لا تهملا؟

كيف لا تجري دموعـــــي للذي    رزؤه أبكى النبـــــــيَّ المرسلا؟

أين أنتَ اليومَ يا حـــامي الحِمى    ومزيـــــــــلَ الخـطبِ لمّا نزلا؟

رُبَّ ذي عيشٍ مريـــــــرٍ طعمه    عذبَ المــــــــــــوتُ لديهِ وحلا

إنّ حزني كلما بـــرَّدتـــــــــــــه    بشآبيبِ الدمـوعِ اشــــــــــــتعلا

أبعدَ الله نـــــــــــوى القلبِ الذي    كلما طـــــــــــــالَ به العهدُ سلا

أترى أيّ أنــــــــــــاسٍ غـيركم    ودُّهم أجرُ كتــــــــــــابٍ فُصِّلاً؟

أتــــــرى أيّ أنـاسٍ غيــــــرُكم    برزَ الهــــــــــــادي بهمْ مُبتهلا؟

أبقــــومٍ غيـــــــــرِكم قد أنزلتْ    آيةُ التطهيـرِ فيمــــــــــــا أنزلا؟

أبقومٍ غيركم يــــــــــا هل ترى    كمُل الديــــــــــنُ الذي قد كُمِّلا؟

ليت شعري أعليُّ المــــرتضى    أمْ سواهُ منـــــــكبَ الهادي علا؟

أترى من نصـــــــــــــرَ اللهُ به    حينَ فرَّ الجمــــعُ، طـه المرسلا؟

أترى من كان صنوَ المصطفى    حيدرٌ أمْ غيره فيمــــــــــــا خلا؟

من عنى القائلُ جـــهراً لا فتى    غير مولانـــــــا عـليٍّ ذي العلا؟

يا قتيلَ الغاضريــــــــاتِ الذي    قُتلَ الديــــــــــــــــــــنُ له إذ قتلا

وجدّ المحتاج بحراً طـــــــامياً    يقذفُ الدرَّ فعـــــــــــــافَ الوشلا

وقال في قصيدة حسينية أيضاً:

بنفسيَ أقمارٌ تهـــــــاوتْ بـ (كربلا)    وليسَ لها إلا القلــــــوبُ لحودُ

بنفسي سليلُ المصطفى وابنُ صنوِهِ    يذودُ عن الأطفـــالِ وهـوَ فريدُ

أذابَ فؤادي رزؤهمْ ومصـــــــابُهمْ    وعهدي به في النــــائباتِ جليدُ

فقلْ لابنِ ســــــــــعدٍ أتعسَ الله جدَّه    أحـــظكَ من بعدِ الحـسينِ يزيدُ

نسجتَ سرابيلَ الضـــــــــلالِ بقتلِهِ    ومزَّقـت ثوبَ الدينِ وهـوَ جديدُ

وفي حسينية أخرى تبلغ (26) بيتاً يقول:

لله أيّ مصـــــــــــــــابٍ هـــدَّ أركـاني    وحادثٍ عن جـميلِ الصبرِ ينهاني

عزَّ العزاءُ فـلا صبـــــــــــرٌ ولا جـلدٌ    فكيفَ تطمـــعُ مـــن مثـلي بسلوانِ

وما بكيــــــــــتُ لأنَّ الحــيَّ من يـمنٍ    سارَ الغــــــــــداةَ بخِلّانـي وخَلّاني

ولا تلهَّفتُ لمَّــــــــــــــــا بانَ مُرتحِـلاً    من حاجرٍ بغصــــونِ الرندِ والبانِ

ولا نزعتُ إلى سلـــمى بـــــذي سـلمٍ    ولا عشرتُ إلى نـعــــــــمى بنعمانِ

لكنْ تذكّرتُ يومَ الطـــــــفِّ فانهـملتْ    دمـــوعُ عينـي وشبَّتْ نـارُ أحزاني

هوَ الحسينُ الذي لــولاهُ مـا وضـحتْ    معالمُ الديــــــــنِ للقــاصي وللداني

نفسي الفداءُ لمـــــولىً سـارَ مُـرتحلاً    من الحجازِ إلـى أكـنـــــــافِ كوفانِ

طارتْ له مـــن بني كوفان مــسرعة    صحائفُ الـغدرِ مـن مثنىً ووحـدانِ

فسارَ يـــطوي الفلا حتى أنــــاخَ بـهم    بفتيــــــــــــــةٍ كـنجـومِ الليلِ غرَّانِ

وقــــامَ فيهم خطيباً منذراً لـــــــــــهمُ    وهو المليُّ بـإيضـــــــــــــاحٍ وتبيانِ

حفّتْ به خيرُ أنصـــــــارٍ له بــذلــتْ    منـها الفــــــــــــــداءَ بأرواحٍ وأبدانِ

حتى قضوا بالمواضي دونـه عـطشاً    وكلُّ حـيٍّ وإن طـــــــالَ المدى فاني

طوبى لهمْ فلقد نالوا بـصــــــــبـرِهمُ    خيراً وراحــــــوا إلى روحٍ وريحانِ

وما نسيتُ فلا أنســــــــــــاهُ مُنـفرداً    بين العـدى دون أنصـــــــارٍ وأعوانِ

يسطو على جمعهمْ بالسيفِ مُنـصلتاً    كالليثِ شدَّ على ســـــربٍ من الضانِ

ضربٌ يذكرنا ضربَ الوصيِّ وعن    منابتِ الأصــلِ ينبي نبـــــتَ أغصانِ

مصيبةٌ أبلتِ الدنيا وساكنَــــــــــــها    وهي الجديــــــــدةُ ما كـــــرَّ الجديدانِ

وكيفَ يَنسى امرؤٌ رزءاً به فُجعـتْ    كريمةُ المصــــــطفى مــــن آلِ عدنانِ

أنفقــــتُ فيكَ لجينَ الدمعِ فانبجستْ    عيــني عليكَ بيــاقـــــــــــوتٍ ومرجانِ

أمسي وأصبـحُ والأحزانُ تنضحني    من عـبرتي بدمـــــــــــــوعٍ ذاتِ ألوانِ

حتى أرى منــكمُ البدرَ المطلَّ على    أهلِ البـسيطةِ مِن قـــــــاصٍ ومِن داني

منىً من المنعـــــــــمِ المنَّانِ أرقبُها    والمنُّ مـرتَقبٌ من عنــــــــــــــــدِ منَّانِ

وكمْ له من يدٍ عندي نصـــرتُ بها    على الزمـانِ وقد نادى بـــــــحـــرماني

أحببتكمْ حبَّ سلمانٍ ولي أمــــــــلٌ    أن تجعلونـي لديكمْ مثــــــلَ ســلـــــمانِ

صلى الإلهُ على أرواحــــكمْ وحدا    إليكمُ كل إحـســــــــــــــــانٍ ورضــوانِ (11)

ومن قصائده في رثاء الإمام الحسين هذه القصيدة التي تبلغ (49) بيتاً:

أرابَها نفثـــــــةٌ مـــــن صدرِ مـصدورِ    وهجرةٌ للجـــــــــفا من غيرِ مهجورِ

أوفتْ عليَّ وقــــــالتْ وهيَ مــــجهشةٌ    ما بالُ صفوكَ مـمزوجاً بتكــــــــديرِ

لا تضجــــرنَّ لآمالٍ أوابـــــــــــــــدُها    ندّتْ فما زلنَ في قيـــــــــــدِ المقاديرِ

فقلتُ هيهــــــــاتَ مثلي غيـرُ منتـــجعٍ    برقَ المنى وهو مزرورٌ على الزورِ

خطبٌ أحــــــمَّ لو التــاثَ الـنهــــارُ بهِ    لم ينفــــــــــــــــجرْ فجرُه إلا بديجورِ

حـــــوادثٌ يـنزوي قلبُ الحــــزينِ بها    إلى وطيسٍ بنــــــــارِ الوجدِ مسجورِ

قتلاً وأسـراً وتشريداً كأنـــــــــــــــــهمُ    عـشيرةُ المصــــطفى في يومِ عاشورِ

غداةَ جُـبَّ سنــــامُ المجدِ مِـــــن مُضرٍ    وهاشمٍ بالعـــــــــــــــــوالي والمباتيرِ

هوَ الـحسينُ الــذي لـــولاهُ ما نظـرتْ    عينٌ إلى عَلَمٍ للمـجـــــــــــــــدِ منشورِ

غــضنفرٌ ســـنَّ للحـــــــامينَ حوزتَهم    بذلَ النفــــــــــــــوسِ وإلغاءَ المحاذيرِ

سِيـــــمَ الهوانُ فطابَ الـمـوتُ في فمِهِ    وتلكَ شنشنةُ الأسْــــــــــــــدِ المغاويرِ

وحـــوله من بني الزهــــــراءِ كلُّ فتىً    يغشى الوغى بجَنــــــانٍ غيرِ مذعورِ

بيــضُ الوجوهِ إذا ما أســــفروا خلعوا    على الظلامِ جــــــــــــلابيباً من النورِ

وبيـنــهمْ خيرُ أصحــــــابٍ لـهمْ حسبٌ    زاكٍ وممدودُ فضـــــــلٍ غيرُ مقصورِ

وقـدْ أظــلّــــــــــــــــهمُ جيشٌ يسيرُ بهِ    باغٍ يرى العـــــــــدلَ ذنباً غيرَ مغفورِ

يمـضونَ أمــرَ ابنَ هندٍ في ابنِ فاطمةٍ    تبَّـــــــــــــــــتْ يـدا آمرٍ منهمْ ومأمورِ

فـصــــــــادفوا منه في غابِ القنا أسَداً    يسري ومن حـــــولهِ الأشبالُ كالسورِ

من كلِّ معتصـــــــمٍ بالحــــــقِّ ملتـزمٍ    بالصدقِ متَّسِمٍ بالــــــــــــــخيرِ مذكورِ

ما أنسَ لا أنسَ مــسـراهمْ غداةَ غـدوا    إلى الكريـــــــــــــــهةِ في جدٍّ وتشميرِ

ثاروا وقد ثوَّبَ الداعي كـما حـــــملتْ    أسْدُ العرينِ على ســـــــــربِ اليعافيرِ

فلا تعاينَ منهمْ غيــــرَ منـــــــــــــدفعٍ    كالسيلِ يخـبــــــــــــــطُ مثبوراً بمثبورِ

كلٌّ يرى العزَّ كلَّ الـــعزِّ مصـــــرعُه    بالسيــــــــفِ كي لا يـعاني ذلَّ مأسورِ

وحين جاءَ الرَّدى يبغي القرى سقطوا    على الثـــــــــرى بين مذبوحٍ ومنحورِ

طوبى لهم فلقد نـــــالوا بـــــــصبرِهمُ     أجراً وأيَّ صبـــــــــــورٍ غير مأجورِ؟

كريهةٌ، شكرَ الباري مســـــــــــاعِيهمْ    فيها ويا ربَّ سعـيٍ غيــــــــــرِ مشكورِ

مبرَّئِينَ من الآثـــــــــــــــــامِ طهَّرهمْ    دمُ الشهـــــــــــــــــــادةِ منها أيَّ تطهيرِ

ولو شهدتُ غداةَ الطـفَّ مشـــــــهدهمْ    بذلتُ نفــــــــــــسي وهذا جُلُّ مقدوري

ولستُ أدري أســـــــوءُ الحظِّ أقعدني    عن ذلكَ اليومِ أمْ عـــجزي وتقصيري؟

وينثني عـن حياضِ المــوتِ نحو خباً    على بناتِ رســـــــــــــــولِ اللهِ مزرورِ

ولم يـــــزلْ باذلاً في اللهِ مهــــــــجتَه    يجرُّ نحو المنــــــــــــــــــايا ذيلَ محبورِ

حــــــتى تجلّى عليه الحقُّ من كثـــبٍ    فخرَّ كالنجــــــمِ يحكي صـــاحبَ الطورِ

قضى فللديـــــــنِ شملٌ غير مجتمـــعٍ    وللمكارمِ ربــــــــــــــــــــعٌ غيرُ معمورِ

فأبعدَ اللهُ عيناً غيـرَ بــــــــــــــــــاكيةٍ    لرزئِهِ وفـــــــــــــــــــــؤاداً غيرَ مفطورِ

يا للرجالِ لجـــــــــرحٍ غيــــرِ مندملٍ    عمرُ الزمــــــــــــانِ وكسرٍ غيرِ مجبورِ

فهلْ تطيبُ حياةٌ وابــــــــــــــنُ فاطمةٍ    فوقَ الترابِ طريــــــــــــحاً غيرَ مقبورِ

وفي الشآمِ يزيدٌ فــــــي بـلهنيــــــــــةٍ    مُرفّهٌ بين مزمــــــــــــــــــــــارٍ وطنبورِ

وما نسيتُ فـــــــــــــــلا أنساهُ مُنجدلاً    ترضُّه القومُ بالجُردِ المـــحـــــــــــاضيرِ

والفاطميــــاتُ فـوضى يـرتميـنَ على    أشلائهِ بعد تضميـــــــــــــــــــــخٍ وتعفيرِ

يلهجنَ بالمرتضى يا خيرَ من رقصتْ    به النجــــــــــائبُ تحتَ الســرجِ والكورِ

عطفاً على حرمِ التقوى فـــقد فُجــعتْ    بصـــــــــــــــارمٍ من سيوفِ اللهِ مشهورِ

جــــدعتَ أنفَ قريشٍ بالحسامِ ومُــــذ    مضيتَ دبَّـــــــــــــــــــــتْ إلينا بالفواقيرِ

يا للكريـــــــــمِ الذي أمستْ كــرائــمُه    مسبيــــــــــــــــــــةً بعد إحصانٍ وتخديرِ

فخيَّمَ الضيمُ فينا حيـــــــــــن فــارقــنا    وأدركَ الوِترَ مِنّـــــــــــــــــــا كلُّ موتورِ

يا ليتَ عينَ رسولِ اللهِ ناظــــــــــــرةً    أيتــــــــــــــــامَه بيــــــنَ مقهورٍ ومنهورِ

لا كانَ يومُـــكَ يا ابنَ المرتضى فــلقدْ    قضى عليـــــــــــــنا بِـــــرقٍّ بعدَ تحريرِ

إذا تذكّرته خـــــــــــرَّ الحشى صَعِــقاً    كأنّمـــــــــا كانَ يومَ النفـــــخِ في الصورِ

وهاكمُ يا بني الزهـــــــــــــراءِ مرثيةً    كالروضِ يبكي بأحـــــــــــــداقِ الأزاهيرِ

وكيف أشقى وأهلُ الكهـــــــــفِ كلبهمُ    نـــــــــــاجٍ ولستُ لديـــــــكمْ دون قطميرِ

عليكمُ صــــــــــــــــلواتُ اللهِ ما لعبتْ    أيدي السرى بقـــــــداحِ الـــــــخيلِ والعيرِ (12)

وقال يمدح الإمام الحسن السبط (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (28) بيتاً:

يا نزولاً بين جمعٍ والمصـــــلّى    قتلُ مثلي في هواكمْ كيــــفَ حلّا

عقدَ الصبُّ بكـــــــــــــــمْ آمالَه    ليتَ شعري من لـــذاكَ الــعقدِ حلّا

قالَ لي العاذلُ: أضنــاكَ الهوى    فانتجعْ غير هــــواهــم، قلتُ: كلّا

فانثنى عني ومــــــا زال المُنى    من فتىً أمسى علــى الأحبابِ كِلّا

أيُّها البــــــارقُ سـلـهمْ عن دمي    إن توسَّطتُ حِمـــــاهمْ كيفَ طلّا

واسقِ جيــرانَ اللوى والمنحنى    وابلاً تحــــــيا به الأرضُ وطــلّا

لا تــــــــــرمْ منـي سلواً بعدهمْ    نأيهم والهجــرُ سلَّ الــصبــرَ سلّا

ما على طيفـــــــــهمُ لو زارني    وأماط الحـزنَ عـــــن قلبي وسلّى

ليَ قلبٌ سبقَ النـــــــــــاسَ إلى    حبِّهم واعتــــــــــاقه السقمُ فصلّى

عجباً كيف استباحوا مهــــجتي    وهيَ مغنى خيرِ من صامَ وصلّى

حسنُ الأخلاقِ سبط المصطفى    مفزعُ النـاسِ إذا ما الخــطبُ جلّا

طالما أذهبَ عــــــــن ذي فاقةٍ    بنداهُ ظلمــــــــــــــــةَ الفقرِ وجلّى

ماجدٌ تسري المعـالي إن سرى    وتنادي بحلولٍ حيــــــــــــثُ حَلّا

رفعَ اللهُ بهِ قــــــــــــــدرَ العُلى    وبهِ جيدُ الهــــــــدى والدينِ حلّى

أيُّ راعٍ لا يراعي أحــــــــــداً    غيرَ من يرعــــــــى لدينِ اللهِ إلّا

حجّة اللهِ الإمـــــــــامُ المجتبى    ذو الأيـــــادي خيــرُ خلقِ اللهِ إلا

خيرُ حبلِ مــــــــــــدَّهُ اللهُ لمنْ    صدَّه الشيطـــــــــــانُ عنه وأزلّا

نشرَ العدلَ فكمْ مــــــــن ظبيةٍ    تمتطي في مهمــــــــــهٍ ذئباً أزلّا

ذو بنانٍ كشـــــــــــآبيبِ الحيا    أنهلَ الحـــــــــــرَّانَ مــنهنَّ وعلّا

خفضَ البخـــــلَ ومـن دانَ بهِ    وبناءُ الجودِ والإحســــــــانِ عَلّا

رفعته قـــــــــــــــدرةُ اللهِ إلى    ما تمــــــــــــــــنّـى فدنـا ثمَّ تدلّى

دوحةُ العـــــــــلمِ الإلهيِّ التي    فرعُها فـي جنةِ الخـــــــــلدِ تدلّى

سيِّـــــــــدي يا حجة اللهِ الذي    لأمــــــورِ الإنــسِ والـجـنِّ تولّى

فازَ واللهِ ومـــــــــا خابَ فتى    بكمُ يا خيــــــــــــــــرةَ اللهِ تـولّى

حبُّكمْ شغـــلُ فؤادي في الملا    ونجيُّ القــــلـــبِ مـنـي إنْ تخلّى

مفزعي أنتمْ إذا مـــا مفزعي    صدَّ عني يومَ حـشـــــري وتخلّى

ألحقَ اللهُ بكمْ أشياعَكــــــــــم    وأعاديكمْ جحيـــــــــمُ النارِ صَلّى

وسقى صوبَ الحيـا أجداثكمْ    وعليــــــــــــــــكم سلّم اللهُ وصلّى (13)

وزار الشاعر مشهد السيدة زينب الكبرى (عليها السلام) بدمشق فكتب على حائط المشهد:

مقامٌ لعمرِ اللهِ ضـــــــمَّ كريمةً    زكا الفرعُ منها في البريِّةِ والأصلُ

لها المصطفى جدٌّ وحيدرةٌ أبٌّ    وفــــــــــــــاطمة أمٌّ وفاروقهمْ بعلُ (14)

وقال يمدحها (عليها السلام):

يا دوحة بسقـــــتْ في المنبتِ الزاكي    حيا الحيا ربعَكِ السامي وحيَّاكِ

حاكيتِ شمسَ الضُّحى والبدرَ مُكتملاً    أباً وأماً وكـــان الفضلُ للحاكي

أبوكِ حيدرةٌ والأمُّ فـــــــــــــــــاطمةٌ    والجدُّ أحمدَ والسـبطـانِ صِنواكِ

فخرٌ لعمــــــــــــرِ العلى ما ناله أحدٌ    إلّاكِ يا بضعة الزهــــــراءِ إلّاكِ

لكِ المقامُ الذي مــــــــا زالَ مـشتملاً    على ملائكةٍ غُـرٍّ وأمــــــــــلاكِ

يقبّلونَ ضريحاً ضمَّ نــــــــــــــاسكةً    ترعرعــــتْ بين زُهَّـــادٍ ونُسَّاكِ

يبكونَ من خيـــــــــفةٍ والثغرُ مبتسمٌ    من المَسرَّةِ يــا للضاحِــكِ الباكي

ويصدرونَ وفي أيديــــــــــهمُ سببٌ    من المحامدِ موصـــــولٌ بذكراكِ

أولاكِ مولاكِ مجداً لا يـــــــرامُ فما    أحراكِ بالغايةِ القصــوى وأولاكِ

لجيدِ مجــــــــدِكِ أطواقُ الثنا خُلقتْ    جَلَّ الذي بجلىِّ الفضـــــلِ حَلَّاكِ

طوبى لمنْ شمَّ يوماً من حِماكِ شذا    لأنَّ من جنّةٍ الفــــــــردوسِ ريَّاكِ (15)

وقال في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) من قصيدة تبلغ (26) بيتاً:

حبّذا أعلامُ نجدٍ ورُبـــــــــــــاها    وغصونٌ تتثنى فــــــــــي ذُراها

وتودُّ العينُ لو أكـــــــــــــحـلتها    من ثراها كلُّ يـــــــــومٍ لا تراها

دِمنٌ يضحـــــــــكُ فيهنَّ الـدُّجى    عن ثنايا الفجـرِ إن لاحتْ دِماها

يا سقــــــــــى الله زماناً مـرَّ لي    بينَ هاتيكَ المعـــــــــاني وسقاها

ورعى اللهُ عهوداً سلفـــــــــــتْ    عندَ جيرانٍ بحــــــزوى ورعاها

لستُ أنسى ليلةَ الخيــــــفِ وقد    هزمَ البرقُ اليمـــــــــــانيُّ دُجاها

قلتُ للأصحابِ ما هذا الــســـنا    فأجـــــــــــابتْ كلُّ نـفـسٍ بهواها

وتماروا ثم قـــالوا: مـــــا ترى    قلتُ بشراكمْ أرى أنـــــوارَ طاها

سيِّدُ الكونينِ مـــــــــولانا الذي    حازَ أشتاتَ المعـــــــالي وحَواها

راحةُ الجودِ الذي غيــثُ السَّما    وبحورُ الأرضِ مـن بـعضِ نداها

روضةُ العــــــلمِ الإلهــيِّ التي    عرفُها طابَ كما طـــــــابَ جُناها

حجَّةُ اللهِ التي شعــــــــــــشعَها    فهيَ كالشمسِ وهـــــــا أنتَ تراها

هوَ نورُ اللهِ لا يجــــــــــــــحدُه    غيرُ عيــــــــــنٍ كـتــبَ اللهُ عماها

مبدأ العلياءِ طه المصـــــــطفى    وإليهِ بعدَ هذا مُنـتـــــــــــــــــهاها

ذو خلالٍ كالدَّراري أشــــرقتْ    مثل إشــراقِ الـدراري فـي سَمَاها

معجزاتٌ كلمــــــــــــا أنكـرها    ذو عنـــــــــــــــادٍ فضـحته بسناها

من يدانيهِ وقد أوفــــــــى على    رتبةٍ لا يـــــــــــدركُ العــقلُ مداها

قمرٌ حـــــــــــــــفَّ بـهِ مِن آلهِ    أنجمٌ ما حليـــــــــةُ العرشِ سـواها

همْ لعمرِ اللهِ أعـــلـى مـن رقى    في مراقي العـــــــزِّ أقداراً وجـاها

وهمُ أفضــلُ من سـاسَ الورى    وحمى بالبيـضِ والسمــــرِ حِــماها

شيَّدوا بالــسيفِ أركــــانَ العُلا    وعلى أقطــــابِهم دارتْ رُحــــــاها

سادةٌ ســوَّدَهـــــــــــــــا خالقُها    واصطفاها وحبَــــــــــاها واجتـباها

تنفرُ الـعـليــــــاءُ مـن أعـدائِهم    وإذا مرَّتْ بهمْ ألقــــــــــتْ عصـاها

يا رسـولَ اللهِ يــــــــــا من يدُه    غمرتْ كلّ النــــــــــــــوادي بنـداها

جَــلَّ من أولاكَ يا خيرَ الورى    رتبةً جرَّت على النــــــــــجمِ رِداها

لا يــحلُّ الدهرُ منهـــــــا عقدةً    بعدمـــــــــا شدَّتْ يــدُ اللهِ عُـــــراها

حبــكمْ في الحشرِ مفتاحُ الغِنى    يومَ لا يُغنــــــــي عــن النفسِ غِناها (16)

وقال في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) من قصيدة تبلغ (90) بيتاً:

أشاقكَ بالجــــــــــــرعــاءِ حيٌّ ومـألفُ    وروضٌ بأكنــــــــافِ العذيبِ مفوَّفُ

ونبَّهَ منكَ الوجدَ إيـمــاضُ بــــــــــارقٍ    كنبضِ العميدِ الصبِّ يقوى ويضعفُ

نعمْ نبَّهَ البرقُ اليمــــــــــــــانيُّ لـوعتي    فلي مقلةٌ تذري الدمـــــــوعَ وتذرفُ

أواري أوارَ النـــــــــــارِ بين جـوانحي    وتنطقُ عينٌ بــــــالجوى حينَ تنطفُ

سقى اللهُ حيَّا بالغضــــــا ريِّـــــقَ الحيا    إذا غاضَ منه أوطفٌ فـــاضَ أوطفُ

فكمْ روضةٍ فيحــــاءَ في ذلــــكَ الحِمى    لها ثمــــــــــرٌ باللحظِ يُجـنى ويُقطفُ

وكم نطفةٍ بينَ العذيـــــــــبِ وبـــــارقٍ    عليها قلــــــــــوبُ العاشـقينَ ترفرفُ

ويا ربَّ ريمٍ بينَ رامـــــــــــــــةَ والنقا    أقولُ له أنتَ الــــــــــــــــهلالُ فيأنفُ

وإنْ قلتُ أنتَ الـــبدرُ قـال أخــــــــــاله    يشـــــــــــــــــــــــابـهني لكنه متكلِّفُ

وبيضةُ خـــــــــــدرٍ في الألالِ يضمُّها    خباءٌ بأشفارِ السيــــــــــــوفِ مُسجَّفُ

لها نظرةٌ أولى يـــــــــــروحُ بها الفتى    جريحاً وأخـــــــــــرى بعدَ ذاكَ تدفَّفُ

أسرُّ هواها والدمــــــــــــــــــوعُ تذيعُه    وهيهاتَ أن يُخفى عــلى الناسِ مُدنَفُ

تميسُ كخوطِ الـــبـانِ رنَّحَــــــه الصَّبا    ولم لا يميسُ الغصنُ والــغصنُ أهيفُ

لها في يفـــاعِ الخيفِ ملهىً ومـــــلعبٌ    وعندَ الكثيبِ الفردِ مــــــــغنىً ومألفُ

فيا ظبيـــةً بالمـــــــــــــــازمينِ لشدَّ ما    أصـــابتْ منى منـكِ المنى والـمعرَّفُ

ولو أنـــصفَ الدهرُ الخـــؤونُ أباحَ لي    بلوغَ المــــــــــــنى لكنه ليسَ ينصفُ

هنيئاً لمنْ أوفى على الـروضــةِ الـــتي    يغرِّدُ طيـــــــــــــرُ الحقِّ فيها ويهتفُ

فثمَّ النبيُّ المصــطفى سيِّـــــدُ الـــورى    وثمَّ المليكُ الأصـيــــــــــدُ المتغطرفُ

وثمَّ إمامُ الحقِّ لولا وجــــــــــــــــــودُه    لما كان موجــــــــودٌ سوى اللهِ يُعرفُ

هوَ الأخضرُ الطــــامي عـــلوماً ونائلاً    ولكنه باللؤلؤِ الرطـــــــــــــــبِ يقذفُ

هوَ البدرُ لكن لا يُصـــــــــــــابُ كمالُه    بنقصٍ ولا فـــــــي رونقِ التمِّ يَخسفُ

هوَ السيدُ الندبُ الـــــــــذي بــــولائِـــه    يدلُّ على الرحمـــــنِ عاصٍ ومُسرفُ

مجيدٌ له فــي ذروةِ المجدِ حـضــــــرةٌ    عليها من النورِ الإلــــــــــــهيِّ رفرفُ

وأبــــــلجُ ميمونُ النقيــــــــــبـــةِ ذكره    به يُتقى صرفُ الزمــــــــانِ ويُصرفُ

بدا فانجلى ليلُ الضــلالِ عـــن الورى    وكيفَ بقاءُ الليلِ والصبــــــــحُ مشرفُ

وكمْ أترعَ التقوى نــبيٌّ ومــــــــــرسلٌ    وكلهمُ من ذلكَ البــــــــــــــــحرِ يغرفُ

إليهِ تنـــــــــاهى كلُّ فضـــلٍ فما عسى    يؤلِّفُ أشتـــــــــــــــــاتَ الثــناءِ مُؤلفُ

إذا أنزِلَ القـــرآنُ في جيــــــــــدِ مجدِهِ    فأينَ يُرى عقدُ النظــــــامِ المـــزخـرفُ

له عترةٌ كالنيِّـــــــــــــــــــــراتِ وإنها    لأعرقَ منها في السنـــــــاءِ وأعــــرفُ

مودَّتهمْ أجــــــرُ الكتـــابِ وحبُّــــــــهمْ    وجدّكَ أجدى ما حــــــــــــــواهُ المُكلّفُ

حمـــاةٌ كماةٌ ينهضــــــــونَ إلى الوغى    خفافاً وأصلابُ الرجـــــــــــالِ تُقصَّفُ

يرمُّونَ في النــــادي حيــــــاءً وعـــفةً    كـأنَّ الفتى منـــــــــــــهمْ حــسامٌ مُغلفُ

وتلــــمعُ في العامِ المحيلِ وجـــــوهُهم    كما استنَّ برقٌ في دجـى اللــيلِ يطرفُ

ويغشى الورى قبلَ الســــــؤالِ نوالُهـم    مخافةَ أن لا يظفرَ المتعــــــــــــــــــفِّفُ

ولا خيرَ في خيــــــــــــــرٍ يحلُّ وثـاقَه    وقد صبَّ فيه نطفـــــــةَ الــوجهِ ملحفُ

وهمْ حججُ الباري وهــــــلْ يدفعُ الـسنا    من الشمسِ إلا أكمهٌ مُتـــــــــــــــعسِّفُ

وكلُّ حديـــــــثٍ عنـــهمُ فهـــوَ صـادقٌ    وكلُّ حديثٍ عن ســـــواهمْ مُــــزخرفُ

ومنْ ذا يماري فــــــي عُلاهــم ومنـهمُ    عليٌّ ولا يرتابُ في الحــــقِّ مــــنصفُ

إمامُ الهــدى صـــنـوُ النبيِّ وصـــــهرُه    وأفضلُ مخلوقٍ سواهُ وأشـــــــــــــرفُ

هوَ العـــالمُ الحـــبرُ الذي جاوزَ الورى    إلى غـايةِ العرفـــــــــــــانِ حينَ توقّفوا

جــــوادٌ تخــــالُ البَرَّ والبــــــحرَ نقطةً    لدى جـودِهِ الغمرِ الذي لـــــــيسَ ينزفُ

هوَ الصــارمُ العضبُ الذي ترعدُ العدا    إذا ذكرته في الخلاءِ وترجــــــــــــــفُ

هوَ الفــــارسُ الحـــــــامي حقيقةَ أحمدٍ    لدى أحـدٍ والبيــــــــــضُ بالــدمِ ترعفُ

الظ بـــه فهوَ الزعيمُ بنصـــــــــــــــرِهِ    وأنصارُه مـن حولِهِ تتـــــــــــــــــخطفُ

وقد شـــبّتِ الحربُ العــــــوانُ بـجمرةٍ    يفيضُ عليهــا الســـــــابريُّ المـــضعَّفُ

أســـودٌ وأبطالٌ يرومـــــــــــونَ بـاطلاً    فأنيـــــــابُهمْ غــيظاً على الحقِّ تصـرفُ

فكــــانَ وكانوا لا رعـى اللهُ عــــــهدَهمْ    كما اجتمـــــعا فـي الريحِ نارٌ وكـرسفُ

يــقدُّهـمُ طـــــــــــــــوراً وطوراً يقطّهمْ    وصارمُه في القســمتيـــــــــــنِ يُنصـفُ

وسلْ عـنه سلعاً والنضيــــــــرَ وخيبراً    ويومَ حنيـــــــــــــــــــــنٍ والقنا تتقصفُ

مشـاهدَ لا تُخفى ولو أســــــــــدلَ العدا    على بدرِها ليلَ الـــجــحــــــودِ وأسدفوا

إذا جمجمَ الأعداءُ عـــنها تعنّــــــــــــتاً    تعرّضَ رمحٌ للبيـــــــــــــــــانِ ومرهفُ

تباركَ من أولاهُ كـــلَّ فضيــــــــــــــلةٍ    بأنــــــــــوارِها طـــرفُ الـغزالةِ يطرفُ

أكيفَ منها مـــا تبيَّنتَ حــــــــــــــــاله    وثمّ خَفيٌّ غـــــــــــــــــــــامـضٌّ لا يُكيَّفُ

فتىً نبذَ الدنـــيـــــــــــــــا ومـرَّ مـسلماً    كذلكَ ينجو الحازمُ المُتـــــــــــــــــــخففُ

ولمَّا مضـــى أبقى علينــــــــــــا خليفَةً    ندينُ بهِ والبدرُ للشمـــــــــــــــــسِ يخلفُ

هو الــــحسنُ الميمونُ والطيِّــــبُ الذي    بغرَّتِهِ عرشُ الـــــــــــــــــجليـــلِ مُشنّفُ

أتـــــتنا بهِ الزهراءُ بضــــــــــعةُ أحمدٍ    وأفضلُ من لاثَ الخمــــــــارَ وأشـــرفُ

امامَ هدىً في الحشــــــــرِ فــــازَ وليُّه    وخابَ مناويهِ الذي عنه يـــــــــــــــصدفُ

ولمّا أجابَ الله أبقى شقيــــــــــــــــــقَه    يُحـــــــــــاط به الدينُ الحنيــفُ ويــــكنفُ

حسينٌ حسامُ الدينِ وابــــنُ حســــــامِهِ    وعـــاملُ ربِّ الـعــــــــــــــالميــنَ المُثقّفُ

وريحانةُ الهادي الــــذي كان مـغــرماً    بطلعتـــــــــــــــــــــهِ يشتمُّ طوراً ويرشفُ

هوَ السيدُ الــــمقتــــــــولُ ظلماً وربَّما    أصابَ الــــرَّدى شـــــــمسَ النهارِ فتكسفُ

قضى ظـــاميـاً والسبـعةُ الأبــحرُ التي    سمعتُ بها من جــــــــــــــــــــــودهِ تتالّفُ

وما كنـــتُ أدري يـعــــــــــــلمُ اللهُ إنه    يصيبُ الحيا حـــرَّ الظمــــاءِ فيتــــــــــلفُ

مصـــابٌ لعمـــرِ اللهِ أطلقَ عـــــبرتي    وقلبيَ في قيدٍ من الـــــــــــــــحزنِ يرسفُ

فـــيــــــــا قمراً أودى وأعقبَ أنجـــماً    تزولُ بها الظلمــــــــــــــاءُ عــــنّا وتُكشفُ

هُمُ التسعةُ الغرُّ الأولى لـــرضــــــاهمُ    وغيظهمُ يرضى الجـليـــــــــــــــلُ ويأسفُ

عليٌّ إمامُ العـــــــــــــابــديــنَ وزيـنُهمْ    وسيِّدُهمْ والنــــــــــــــــــــاســــكُ المُتقشّفُ

وعيبةُ أســـــــرارِ الإلـــهِ مـــــــــحمدٌ    إمامُ الهدى والمالكُ المتــــــــــــــــــصرِّفُ

ومطلعُ أنوارِ الـــحقيـــــــــــــقةِ جعفرٌ    ودَعْ ما يقولُ الجـــــــــــــاهلُ المُــتعجْرِفُ

وحامي حما الزوراءِ موسى بن جعفرٍ    ملاذُ بني الأيامِ والدهـــــــــــــــرُ مُــجحفُ

وضامنُ دارِ الخلــــــــــدِ للزائـرِ الذي    أتاهُ يؤدي حقَّـــــــــــــــــــــــــه لا يُــسوِّفُ

وبحرُ الندا ذاكَ الجـــــوادُ الذي جرى    رويداً فبزَّ الغيـــــــــــــثَ والغيثُ مــوجفُ

وسيِّدُنا الهادي إلى منهـــــــــجِ الهدى    وقد ضلَّ عنه عــــــــــــــــارفٌ ومُـــعرَّفُ

ومولى الأنامِ العســـــــكريِّ وذخرُهمْ    وكهفهمُ والسيدُ المتعـــــــــــــــــــــــــــطّفُ

ونورُ الهدى المهــــديُّ والفاعلُ الذي    بماضيهِ أعنــــــــاقُ النواصــــــبِ تـــحذفُ

لعمري لقد أطـــــــريتُ قوماً بمدحهمْ    ينوِّهُ إنجيلٌ ويُعــــــــــــــــــــــــلِنُ مصحفُ

شموسٌ وأقمـــــــــــارٌ إذا ما ذكرتهمْ    تهللَّ وجهُ الصــــــــــــــــــبحِ والليلُ مغدفُ

تخذتهـــــــــــــــــــــمُ والحمدُ للهِ جُنّةً    أكفُّ بها صرفَ الــــــــــــــــردى وأكفكفُ

بهمْ طابَ عيشـي في الحياةِ وفي غدٍ    بهمْ يسعدُ العـــــــــــــــــبدُ الشـــقيُّ ويُسعفُ

خفضتُ جنـــــاحي راجـياً فتحَ بابِهم    إذا ضمَّني يومَ القيــــــــــــــــــــــامةِ موقفُ

إذا نالَ إبراهيــــــــــــمَ بردُ رضاهمُ    يخوضُ أوارَ النـــــــــــــــــــــارِ لا يتخوَّفُ

خدمتُ عُلاهمْ بالقــــــــــوافي لأنني    بخدمتهمْ دونَ الـورى أتشـــــــــــــــــــــرَّفُ

همُ المنعمونَ المفضـــــلونَ وعبدهمْ    ضعيـــــــــــــــــفٌ بغيرِ الشكـــــرِ لا يتكلفُ

وكمْ عطفــــــــوا يوماً عليَّ بفضلِهمْ    ولم يبرحِ المـــــــــولى على العبــــدِ يعطفُ

ولو جهلوا أمــــــري هتفتُ بشرحِهِ    ولكنهم مني بـــــــــــــــــــــــــذلكَ أعــــرفُ

فإنْ أعرضوا عنـــي وحاشا علاهمُ    فقد عاقبوني بالجفاءِ وأنــــــــــــــــــــــصفوا

وإن أومضَ البرقُ اليمـــــانيُّ منهمُ    تيقّنتُ أن الــــــــــــــــــــــــــــريَّ لا يتخلّفُ

ولي فيهمُ الغرُّ الحِســــــانُ التي لها    من الدرِّ واليــــــــــــــــاقــــوتِ عقدٌ منصّفُ

تحـــــدّثَ عمّا في الفؤادِ من الهوى    وبالعرفِ ما يُخفى مـــــــن الــــمسكِ يُعرفُ (17)

وقال من قصيدة طويلة في مدح أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (37) بيتاً:

إمامٌ له من خـــــــــــالصِ التبرِ قبةٌ    سناهـــــــا علــى بعدِ المزارِ يلوحُ

أميري أميرُ المؤمنينَ وجُــــــــنتي    إذا صدَّ عنــــــــــي مُشفقٌ ونصيحُ

إمامٌ بنصِّ الذكرِ قد خـــــابَ جاحدٌ    لنصِّ كتـــــــــابِ اللهِ وهوَ صريحُ

ويوم الغديرِ استوضحَ الحقَّ سامعٌ    مطيعٌ وهلْ بــعدَ الوضوحِ وضوحُ

ولكنها مالتْ رجـــــالٌ عن الهدى    وقد لاحَ وجـــــــــهٌ للصباحِ صبيحُ

وقد يكرهُ الشمسَ المنيـــــرةَ أرمدٌ    ويعرضُ عن شــربِ القراحِ قريحُ

ويقول في خاتمتها:

إذا أفصحَ القـــرآنُ عن مدحِ حيدرٍ    فيا ليتَ شعــــري ما يقولُ فصيحُ

وما لي إذا اشـــــتدَّ العنا غير حبِّه    وحــــــــــبِّ بنيهِ الطاهرينَ مريحُ

عليهمْ سلامُ اللهِ مــــا انبجسَ الحيا    وأومضَ بــــــــــرقٌ أو تنسَّمَ ريحُ (18)

وله قصائد كثيرة مطولة في حق أمير المؤمنين (عليه السلام) ذكر بعضها السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة، ونختم هذه النماذج من شعر الطيبي بقصيدة له في حق الإمام الباقر (عله السلام) يقول فيها:

سُرعانَ ما زالَ الشبــــــــابُ وظِلُّهُ    عنّي وكيفَ يدومُ ظِلُّ الطـــــــــائرِ

وا شقوتاهُ لقد ملأتُ صـحـــــــيفتي    بجرائرٍ وصغـــــــــــــــائرٍ وكبائرِ

لكنْ رجائي بالمهيمـــــــــنِ مَحوُها    ووسيلتي حــــــــــــبُّ الإمامِ الباقرِ

الطاهرِ ابنِ الطاهرِ ابنِ الطاهرِ ابْـ    ـنِ الطاهرِ ابنِ الطاهرِ ابنِ الطاهرِ

خـيرُ الـمَحـــــــاتِد مَـحْتِدٌ يَفتَرُّ عن    سَلَفٍ تَتابَعَ كـــــــــــــابراً عن كابرِ

هـو حُجّةُ الله الإمــــــــــــامُ محمّدٌ    وأبَرُّ بادٍ في الأنامِ وحـــــــــــــاضرِ

هو ذلك المولى الـذي أهدى له الـ    ـهادي شريفَ ســــــــلامـهِ مَعْ جابرِ

هو ذلك النــــــــــورُ الإلهيُّ الذي    يُغنيكَ عـن نورِ الصــــــــباحِ السافرِ

فضلٌ كمُنبَلِجِ الـصبــــــاح وهِمّةٌ    أوفَتْ على فَلَك النجومِ الـــــــــــــدائرِ

ويدٌ إذا انتَــــــجَـعَ المؤمَّلُ رِفدَها    حَـشَدَت عليه بكلّ نَوءٍ مـــــــــــــاطرِ

جَلَّ الــــــــذي أولاهُ مُسْتَنَّ العُلى    فالنجمُ يَرمقُهُ بطَرْفٍ حــــــــــــــاسرِ

مولىً أعـــاد العدلَ وهو مُضوَّعٌ    غضّاً على رغم الزمانِ الجــــــــــائرِ (19)

وله قصيدة في الإمام الحسن (عليه السلام) تبلغ (40) بيتاً مطلعها:

أقيموا صدورَ اليعملاتِ النجائبِ      فثمَّ بيوتُ الحيِّ مِن آلِ غالبِ (20)

وأخرى في أمير المؤمنين (عليه السلام) تبلغ (48) بيتاً مطلعها:

عُجْ بالعذيبِ ولا تبخل على الطللِ      بريِّها إنه فرضٌ على المقلِ (21)

وأخرى في مدح النبي (صلى الله عليه وآله) تبلغ (48) بيتاً مطلعها:

عُج بالحمى يا رعاكَ الله من أضمِ      واقرِ السلامَ على سلمى بذي سلمِ (22)

....................................................................................

1 ــ أدب الطف ج 6 ص 55

2 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 240 / أدب الطف ج 6 ص 57

3 ــ شعراء الغري ج 1 ص 1

4 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 237

5 ــ أدب الطف ج 6 ص 59 ــ 60

6 ــ أدب الطف ج 6 ص 6 عن تاريخ علماء دمشق في القرن الرابع الهجري لحافظ

7 ــ الكرام البررة ج 1 ص 25

8 ــ تكملة أمل الآمل ص 86

9 ــ الطليعة من شعراء الشيعة ج 1 ص 6

10 ــ الحصون المنيعة ج 9 ص 181

11 ــ أدب الطف ج 6 ص 57 ــ 58

12 ــ نفس المصدر ص 60 ــ 62

13 ــ شعراء الغري ج 1 ص 21 ــ 22 / أدب الطف ج 6 ص 62 ــ 63

14 ــ أدب الطف ج 6 ص 63

15 ــ نفس المصدر ص 63 ــ 64

16 ــ أعيان الشيعة ج 2 ص 238

17 ــ نفس المصدر ص 238 ــ 239

18 ــ نفس المصدر ص 240

19 ــ موسوعة المصطفى والعترة (ع) للحاج حسين الشاكري ج ٨ ص ٤٨٨ ــ 489

 20 ــ شعراء الغري ج 1 ص 14 ــ 15

21 ــ نفس المصدر ص 19 ــ 20

22 ــ نفس المصدر ص 23 ــ 24

المرفقات

: محمد طاهر الصفار