الشعر الأموي .. الشيعي

 

ثلاثة شعراء يعود نسبهم إلى بني أمية ولكن قلوبهم كانت تخفق بحب أمير المؤمنين وأهل البيت (ع)

ثلاثة شعراء لم يمنعهم نسبهم الأموي من معرفة الحق واتباعه ومخالفة الباطل والبراءة منه فأبت أنفسهم أن ينغمسوا في ما جرى عليه آباؤهم وأجدادهم من العداء لأهل البيت بل تبرؤا منهم ومن أفعالهم وصاروا من شعراء أهل البيت المجاهرين بولائهم والذابين عنهم والمتفانين في محبتهم والصادقين في مودتهم.

والحديث عن سيرة هذه الشخصيات يفتح الباب للحديث عن أمرين مهمين وهما:

1 ــ تسليط الضوء على التراث والشعر الشيعي الذي اغتيل على يد مؤرخو السلطة للشعراء الشيعة.

2 ــ التعريف بالأعلام من الشيعة الذين ينتسبون إلى بني أمية والذين عرفوا الحق في أهل البيت (ع) فآزروه وأنكروا الباطل في سلفهم الأمويين وجانبوه.

فالأمر الأول الذي يخص جريمة اغتيال الشعر الشيعي وإخفائه لا ينحصر في عصور هذه الشخصيات, بل تعاقبت السياسات المعادية لأهل البيت (ع) على قتله وإخفائه وتضييعه وقد ساعدهم على ذلك مؤرخوهم السلطويون الذين دفعتهم أهواؤهم وتعصبهم المذهبي على ذلك فكانت نتيجة ذلك ضياع كثير من الأشعار التي تخص أهل البيت (ع) لشعراء الشيعة ومن هؤلاء الشعراء الذين كانوا ضحايا هذا الاغتيال: السيد الحميري, ودعبل الخزاعي, والكميت بن زيد الأسدي, وعبد الله بن عمرو البدّي, وأعشى همدان, وعوف بن عبد الله الأزدي, وكعب بن زهير, وأبو العباس الصولي, وعبد الله البرقي, والناشئ الصغير, وديك الجن وغيرهم.

أما الأمر الثاني: وهو الذي يعزز عدالة قضية أهل البيت (ع) وأحقيتهم من غيرهم وفضلهم على كل مناوئيهم هو تشيع عدد من أعلام الأمويين وقادتهم واتّباعهم منهج أهل البيت (ع) وعلى رأسهم الصحابي الجليل البطل خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس الأموي وهو من حواريي أمير المؤمنين (ع) وقد لقبه أمير المؤمنين (ع) بـ (نجيب بني أمية), وكذلك معاوية بن يزيد بن معاوية الذي رفض الخلافة بعد أبيه معترفاً بأحقية الإمام علي بن الحسين (ع) بها منه وأعلن لبني أمية أن أباه وجده قد اغتصبا الخلافة ممن هو أحق بها منهما وقد تبرأ منهما واستنكر أفعالهما وجرائمهما بحق أهل البيت.

ومن بني أمية أيضاً من التزم طريق الحق عدد من العلماء والأدباء والشعراء والأعلام الذين ينتهي نسبهم إلى أبي سفيان بن حرب فكانوا مصداقاً لقوله تعالى (يخرج الطيب من الخبيث).

وتجدر الإشارة إلى أن هؤلاء الموالين لأهل البيت لا تشملهم اللعنة مع بني أمية أعداء أهل البيت فهم ممن عرف الحق وآمن به وليسوا مشمولين باللعن مع بني أمية وقد ورد عن رسول الله أنه (ص) لعن يوماً (آل فلان) فقيل: يا رسول الله إن فيهم فلاناً وهو مؤمن. فقال (ص): إن اللعنة لا تصيب مؤمناً. كما يدلنا على ذلك قول الإمام الصادق لسعد بن عبد الملك الأموي وهو من ولد عبد العزيز بن مروان وكان من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (ع) وقد سماه الإمام الباقر بـ سعد الخير وقد قال له الإمام الصادق: أنت أموي منا أهل البيت, أما سمعت قول الله عز وجل يحكي عن إبراهيم: فمن تبعني فإنه مني.

ويقول الشيخ محمد علي الكاظمي الخراساني: (وذلك كما في مثل قوله ــ أي الإمام الصادق ــ (ع): اللهم العن بني أمية قاطبة، حيث يعلم أن الحكم لا يعم من كان مؤمناً من بني أمية، لان اللعن لا يصيب المؤمن) (1)

أبو عدي الأموي

شاعر نسبه حب النبي (ص) وحسبه ولاء أمير المؤمنين (ع) وفخره تشيعه لأهل البيت رغم نسبه الأموي !

لم يطق صبراً وهو يسمع قومه بني أمية وهم يسبون أمير المؤمنين (ع) فأنكر عليهم ذلك ما استطاع الإنكار وبقي على موقفه المعارض لهم والرافض لسياستهم حتى ضاق بهم وضاقوا به فنفوه من مكة إلى المدينة, يقول أبو الفرج الأصفهاني في الأغاني في ترجمته ما نصه:

أبو عدي الأموي شاعر بني أمية وهو عبد الله ابن عمرو بن عدي بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس كان يكره ما يجري عليه بنو أمية من ذكر علي بن ابي طالب (صلوات الله عليه) وسبه على المنابر ويظهر الانكار لذلك فشهد عليه قوم من بني أمية ذلك وانكروا عليه ونهوه عنه فلم ينتهي فنفوه من مكة الى المدينة فقال في ذلك:

شرَّدُوا بي عند امتداحي علياً   ***   ورأوا ذاكَ فــيَّ داءً دويِّاً

فورَبي لا أبرح الدهــرَ حتى   ***   تمتلي مهجتي بحبِّي علـيِّا

وبنيه لحب أحمـــــــــــد إني   ***   كنتُ أحبــبتهمْ لحبِّي النبيا

حبُّ دينٍ لا حبَّ دنيا وشر الـــــــــــــحبِّ حـــبـاً يكـونُ دنياوياً

صاغني اللهُ في الذؤابة منهم   ***   لا زنيماً ولا ســنيداً دعيـاً

عدويِّاً خالي صريحاً وجدّي   ***   عبدُ شـمسٍ وهـــاشمٌ أبويا

فسـواءٌ علـيَّ لســـــتُ أبالي   ***   عبشمياً دعيتُ أم هــاشميا

فهو لا يبالي وقد أخلص الحب والولاء لأمير المؤمنين وولديه سيدي شباب أهل الجنة (ع) أن يكون أموياً أم هاشمياً في النسب فقد جعل عقيدته الخالصة فوق كل حسب ونسب.

مروان بن محمد السروجي

لم يحفظ له التاريخ من شعر في حق أهل البيت سوى أربعة أبيات هي:

يا بني هاشم بن عبد منافٍ   ***   إنني مَعــــــــكم بكلّ مكانِ

أنتمُ صفـــــوةُ الإلهِ ومنكم   ***   جعفر ذو الجناح والطيرانِ

وعليٌ وحمزةٌ أســــــدُ الله   ***   وبنـــــــتُ النـبيّ والحسنان

فلئن كنــــتُ من أميّة إني   ***   لبريء منــــها إلى الرحمنِ

وقد ذكره المرزباني فقال: هو من بني أمية من أهل سروج بديار مضر ، كان شيعياً ، (2) كما جاءت ترجمته في أعيان الشيعة. (3) توفي السروجي عام 460 هــ

الأبيوردي

إذا كان التاريخ لم يحفظ للسروجي سوى أربعة أبيات فإنه لم يحفظ للأبيوردي سوى بيت واحد ! فلم يجد ياقوت الحموي ما ينغّص أهواءه في ترجمة الأبيوردي أكثر من قصيدته في رثاء الإمام الحسين (ع) والتي لم يستطع أن ينشر منها سوى مطلعها, كما لم يوضح عدد أبياتها رغم أنه رآها بخط الشاعر ــ كما يقول ــ ورغم أنه يذكر له كثيراً من الأشعار في أغراض متعددة وأشار إلى علمه وشاعريته, إلا أنه تنكر لهذه القصيدة واكتفى بالتنويه إليها وهو ما يوّلد احتمالاً كبيراً أو جزماً بأن للأبيوردي أكثر من قصيدة أو ربما قصائد كثيرة في رثاء الإمام الحسين (ع) ومدح أهل البيت (ع) لم يطق الحموي تحمّلها فأهملها كما أهمل من قبله ومن جاء بعده من المؤرخين ممن على هواه آلاف القصائد في حق أهل البيت (ع).

ولد (الأبيوردي) عام 460هـ/1068م في قرية كوفن وهي من قرى خراسان, ولقّب بالمعاوي نسبة إلى جده معاوية الأصغر, ولقب بالأبيوردي نسبة إلى أبيورد المدينة التي تقع فيها قرية كوفن وكان جده معاوية الأصغر هو أول من سكنها من أجداده.

وينتهي نسب الأبيوردي إلى أبي سفيان, فهو أبو المظفر محمد بن أبي العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن إسحاق بن محمد بن إسحاق بن الحسن بن منصور بن معاوية بن محمد بن عثمان بن عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية الأموي العنبسي المعاوي الأبيوردي.

نص السيد الأمين على تشيعه في أعيان الشيعة, وترجم له, وذكر له بعض أشعاره, وقال ما نصه:

لم تمنع أموية الأبيوردي من تشيّعه، كما أنها لم تمنع أبا الفرج الأصفهاني من ذلك، وقد قرأ له ياقوت الحموي وهو المصدر الأول لكل من كتب عنه، قصيدة بخطه في رثاء الحسين يقول فيها:

فجدِّي وهو عنبسةُ بن صخرٍ   ***   بريءٌ من يزيدَ ومن زيادِ

وإذا عرفنا أن ياقوتاً لا يمكن أن يتهم بنسبة التشيّع إلى الأبيوردي لأن ياقوتاً كان متعصِّباً على الشيعة، عرفنا أن حذف تلك القصيدة من ديوانه بعد ذلك إنما كان للعصبية كما جرى في كثير من الكتب.

ويسترسل الأمين في الحديث عن الأبيوردي ويستشهد على تشيعه بالقول:

ويقول الدكتور ممدوح حقي في كتابه عن الأبيوردي عن هذا الموضوع: وياقوت على ما يذكر ابن خلكان كان متعصِّباً على علي وجرت له مناظرة في دمشق مع متشيّع بغدادي وهرب منها بعد فتنة، فلا يعقل أن يتعصّب للأبيوردي ويروي له ذلك من غير تحقيق ليحشره في زمرة الشيعة ونضيف نحن إلى ذلك: لا سيما وأن ياقوتاً يؤكد أنه قرأ القصيدة بخط الأبيوردي نفسه.

هكذا تلعب العصبية دورها في ضياع الشعر الشيعي فلا يطيق ياقوت أن ينشر قصيدة كاملة لشاعر مهم جداً باعترافه هو, وبخط الشاعر نفسه, واكتفى بالتنويه عنها وذكر البيت الأول منها فقط, لأنها في رثاء الحسين (ع) وتحمل نفساً شيعياً وهذا نص الحموي:

ورثى ــ أي الأبيوردي ــ الحسين بقصيدة قال فيها ومن خطه نقلت:

فجدي ــ وهو عنبسة بن صخرٍ ــ   ***   بريءٌ من يزيد ومن زيادِ. (4)

هكذا .. وتوقف ياقوت فجأة عن الحديث حول القصيدة !

ولا أدري .. أكانت هذه القصيدة مخالفة للذوق العام وتخدش الحياء لكي يشير إليها الحموي إشارة بسيطة فقط دون نشرها ويتوقف فجأة عن الكلام حولها ؟

أم كانت مدائح الأمراء والسلاطين والغزل والمجون وغيرها من الأغراض الشعرية التي نشرها ياقوت في كتابه أكثر أهمية من رثاء سيد الشهداء (ع) ؟

ولكن مع ذلك شكراً لياقوت الذي نوَّه إلى القصيدة التي دلت على تغلغل حب الحسين حتى في أعماق وقلوب وضمائر الأمويين أنفسهم كما يستدل ذلك من البيت الفريد الذي ذكره ياقوت للأبيوردي.

إن الأبيوردي يفخر بجده عنبسة بن عتبة بن عثمان بن عنبسة بن أبي سفيان وهو صخر بن حرب بن أمية فهو يريد أن يقول أن جده رغم أنه من بني أمية إلا أنه بريء من يزيد وزياد ويفخر بأنه لم يشاركهم في فعلهم.

محمد طاهر الصفار

....................................................................................

1 ــ فوائد الأصول ج 1 ص 537

2 ــ معجم الشعراء ص 321

3 ــ ج 1 القسم الثاني ص 193

4 ــ معجم الأدباء ج 6 ص 342

 

المرفقات

: محمد طاهر الصفار