بقية الحسن.. آخر طفل قتل قبل عمه الحسين في واقعة الطف

عام 61 للهجرة، تبدو الساعات في اليوم العاشر من محرمه ثقيلة على أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وتزداد ثقلاً وألماً كلما سارت به إلى الأمام.

كانت تسير ببطء شديد.. تبدو لنا نحن الذين نراقبه من نوافذ افتراضية كأنها سنوات وليست دقائق، إذ جل أماني الحسين في تلك الأثناء اللحاق بأهل بيته وصحبه الذين سبقوه إلى جده وأبيه وأمه.

ها هو الحسين يرى بعينه مصرع أولاده الواحد تلو الآخر، ولم يسلم منهم أحداً حتى الرضيع.. إنه يفقد الكثير كلما مر عليه الوقت، فياله من يوم عاصف لا يشبهه يوم مهما تقادمت السنين.

بعد أن خلى معسكره.. وحيداً يتلقى الحسين من "مالك بن النسر" ضربة على رأسه، ليخلع قلنسوته التي كانت على رأسه ويشده بقطعة من القماش ثم يعيدها إلى مكانه.. بهذا الهدوء يواجه الحسين أعتى و أجلف رجال عصره.

لم يرق لعبد الله بن الإمام الحسن، عليه السلام، الأخ الشقيق للحسين، هذا المنظر.. كان يراقب عمه وحيداً ينتظر مصرعه بعد أن يفقد المزيد من الدم والأعضاء.

كان عبد الله "غلاماً لم يراهق" هكذا يصفه الشيخ المفيد رحمه الله في كتابه الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد.

بعد أن تلقى الحسين عليه السلام الضربة الأخيرة على رأسه بدأت قواه تخور. كان يحاول أن يستجمع قواه، يمسح الدم المختلط بالعرق من على وجهه تارة، وأخرى يتكئ فيها على سيفه ثابتاً يستنشق بصعوبة بالغة المزيد من الهواء.

في تلك الأثناء، يحيط بالحسين مجموعة من جنود جيش عمر بن سعد ينتظرون لحظة سقوطه الأخير على الأرض لينقضوا عليه.

لن يحتمل عبد الله بن الحسن أكثر من ذلك! يخرج كإخوته ليوث بني هاشم مهرولاً إلى عمه الحسين. لم تنجح محاولات زينب عليها السلام من منعه عن الخروج حاولت اللحاق به لكنها كانت هي الأخرى قد أنهكها دهشة ما ترى من مناظر القتل.

"إحبسيه يا أخية" .. هكذا يخاطب الحسين أخته زينب علّه ينجح بشحذ عزيمتها للمحافظة على ما تبقى من بني أخيه الحسن.

فشلت محاولات الحسين وأخته زينب بمنع عبد الله بعد أن أعلن: "والله لا أفارق عمي".

وسط هذا المشهد، يتقدم بحر بن كعب إلى الحسين عليه السلام ليضربه بسيفه، لكن عبد الله بن الحسن الفتى الذي لم يراهق بعد تصدى له.

يهتف بقية الحسن: "ويلك يا بن الخبيثة أتقتل عمي؟" ويقدم يده أمام السيف ليقي عمه من ضربة كادت أن تنهي وحياته للتو.

يقول الشيخ المفيد، "فاتقاه الغلام - أي عبد الله اتقى ضربة السيف-  بيده فأطنها إلى الجلد فإذا هي معلقة".

ولأن عبد الله بن الحسن لا يزال طفلاً ولم يبلغ مبلغ الرجال بعد نادى: "يا أماه" على أمل أن يحظى بدفء حضنها للمرة الأخيرة.

لكن الحضن الأقرب إليه حينها كان للحسين وليس لأمه، فضمه إلى صدره وخاطبه قائلا: "يا بن أخي اصبر على ما نزل بك، واحتسب في ذلك الخير، فإن الله يلحقك بآبائك الصالحين".

حسين الخشيمي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

المرفقات