وجهت المرجعية الدينية العليا رسالتها الأسبوعية هذه ـــ من خلال منبر الجمعة المبارك ـــ للكوادر التربوية والتعليمية وذلك بالتزامن مع انطلاق الموسم الدراسي الجديد ، حيث قدمت هذه المرة رؤاها ونصائحها وتوجيهاتها التي تحثهم على النهوض بواجباتهم وتبين لهم عظيم ما أوكل إليهم من مهمة باعتبارها " امتدادا لمهنة الأنبياء والأئمة عليهم السلام في تعليم الناس وتربيتهم " ، كما طالبت المرجعية بأن يحكم الأساتذة في الجامعات والمدرسون والمعلمون مقاصدهم وبواعثهم بالنية الخالصة لله تعالى ليكون لهم بذلك أجر العمل وتكون ساعات عملهم في ميزان حسناتهم .
وقدمت المرجعية من خلال ممثلها وإمام جمعتها في كربلاء المقدسة سماحة الشيخ عبد المهدي الكربلائي نقاط خمسة أشبه ما تكون برسالة عملية مهنية لمن يتصدى لمهنة التعليم والتدريس ، حيث جاء في واحدة منها ؛ ضرورة أن يستفرغ المعلم والمدرس كامل وقت دوامه لعمله في تعليم وتربية من هم تحت وصايته التربوية والتعليمية ، مؤكدة على أن أي نقص في ذلك أو تأخر عن الدوام ولو قليلا ً ، فضلا عن مغادرته قبل نهايته يعُد مخالفة صريحة لتعليمات وبنود العقد الوظيفي الذي يمتلك إلزامات شرعية وأخلاقية للوفاء به .
كما كشف الكربلائي خلال الخطبة الثانية لصلاة الجمعة التي أقيمت بإمامته في الصحن الحسيني الشريف اليوم الجمعة 21 ذي الحجة 1437هـ الموافق 23 أيلول 2016م ، عما تأمله المرجعية الدينية العليا من الأساتذة والمعلمين والتفاتهم إلى أن " هؤلاء الطلبة أمانة في أعناقهم ، لأن الآباء والأمهات ـــ بل المجتمع بأكمله ــ قد سلّموا إليهم عقول وقلوب هؤلاء كي يصوغوها بما تشاءه أفكارهم وتعاليمهم " ، مطالبا إياهم بأن " يعيدوا هذه الأمانة صالحة بالمبادئ والخلق الرفيع مصونة من الجهل والانحراف " .
وأكد المتولي الشرعي لحرم الإمام الحسين عليه السلام على أن مهمة الأساتذة والمعلمين " لا تقتصر على التعليم المهني في مجال اختصاصاتهم بل إن مهمتهم هي التعليم والتربية على الأخلاق الفاضلة والمواطنة الصالحة معاً " ، حيث اعتبر الكربلائي أن " الأستاذ الأكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربيها ويؤدبها على محاسن الأخلاق ومحامد الصفات ويترجمها إلى سلوك فعلي امام طلبته " .
كما طالب سماحته من وزارة التربية توفير مستلزمات الدراسة والتعليم لجميع المؤهلين لذلك ، فضلا عن مطالبته بضرورة تطويرها لقدرات معلميها ومدرسيها من خلال أفادتهم من البحوث المقدمة من الباحثين المتخصصين خصوصا تلك التي تمنحهم أساليب تدريس حديثة وفعالة ويعالج ما يتعلق بأسباب هبوط المستوى العلمي وانخفاض نسب النجاح بصورة حادة في بعض المدارس .
وطالب الأجهزة التربوية المعنية بخلق جهاز تعليمي وتربوي بحجم الرسالة العظيمة الملقاة على عاتقهم وذلك من خلال توفير الرغبة الصادقة والحقيقية للمعلمين لمهمة التعليم وتنشيط رسالتهم بالعلم والقدرة على حملها والإخلاص في أداء الواجب " ، عاّدا اندفاع ورغبة المعلم والأستاذ في ذلك ستنعكس قطعا على التلاميذ بما يجعلهم يقبلون على الدرس بجد واشتياق " .
وفي توجيها ونصيحة أخيرة لأولياء الأمور من الآباء والأمهات ، أكد الكربلائي على أن فرصة تعليم أبناء من ضروريات الحياة وليس من كمالياتها ، مؤكدا على أن هذه الضرورة الملحة لا يمكن تسويفها بضعف الإمكانات ومحدودية الدخل المالي خصوصا لمن يحسن الظن بالله تعالى لأنه عند حسن ظن عبده به ، كما تطرق سماحته للضرورة التي تستلزم عمل الأبناء بداعي فقدان رب الأسرة أو عجزه عن العمل ، وهو ما يحتم على أولياء الأمور منحهم هؤلاء الأبناء فرصة تقسيم أوقاتهم وجعل بعضها للعمل والأخر للدراسة كما كان عليه حال الكثير من العوائل في العقود السابقة ، كما طالبهم بضرورة التواصل مع إدارات المدارس بما يضمن نجاح أبنائهم وتقدمهم في الدراسة ، معتبرا انشغال أولياء الأمور عن أبنائهم ـــ بأمور الكسب وهموم الحياة ـــ إهمال صريح ، لأن من واجباتهم متابعة سلوك أبنائهم وتوجيههم بالأسلوب الصحيح في علاقاتهم مع الآخرين وقراءاتهم ومشاهداتهم .
وفيما يلي النص الكامل للخبطة ...
الخطبة الثانية لصلاة الجمعة بإمامة الشيخ عبد المهدي الكربلائي في 21 ذي الحجة 1437هـ الموافق 23 أيلول 2016م
بمناسبة اقتراب بداية العام الدراسي الجديد، نود ان نذكر لأعزاءنا الاساتذة والمعلمين وأولياء الطلاب بعض الامور:
أولا:
ليعلم الإخوة الأساتذة في الجامعات والمدرسون والمعلمون؛ أن مهنة التعليم والتربية تمثلان في بعض جوانبهما امتدادا لمهنة الأنبياء والأئمة عليهم السلام في تعليم الناس وتربيتهم فاجعلوا مقصدكم والباعث لديكم هي النية الخالصة لله تعالى ليكون لكم بذلك الأجر في عملكم ولتجعل ساعات تعليمكم في ميزان حسناتكم.
ثانياً:
المأمول من الإخوة الأساتذة والمعلمين؛ أن يلتفتوا إلى إن هؤلاء الطلبة أمانة في أعناقهم فالآباء والأمهات بل المجتمع بأكمله قد سلّموا إليكم عقول وقلوب هؤلاء تصوغونها بما تشاءه أفكاركم وتعاليمكم فأعيدوا هذه الأمانة صالحة بالمبادئ والخلق الرفيع مصونة من الجهل والانحراف.
وتذكروا أن مهمتكم لا تقتصر على التعليم المهني في مجال اختصاصاتكم بل مهمتكم هي التعليم والتربية على الأخلاق الفاضلة والمواطنة الصالحة معاً فلا ثمرة للتعليم بدون الأخلاق وتربية النفس على هذه القيم، والأستاذ الأكثر تأثيراً في طلبته هو الذي يبدأ بنفسه فيربيها ويؤدبها على محاسن الأخلاق ومحامد الصفات ويترجمها إلى سلوك فعلي امام طلبته ومن ذلك حسن التعامل مع الطلبة بالتواضع لهم وعدم التعالي عليهم وسعة الصدر والتحمل لهفواتهم وسلوكهم الخاطئ أحيانا وذلك بإرشادهم بالحسنى والموعظة الحسنة إلى السلوك الصحيح وتنبيههم على ضرورة الاهتمام بأخلاقهم وسلوكياتهم كاهتمامهم بالحصول على الدرجات المتقدمة في دروسهم .
وعلى المعلم أن يحترم جميع الطلبة ولا يهين من لا يمتلك الذكاء العالي لتلقي العلم بل يحاول أن يعلمه كيفية تطوير قابلياته ليتقدم في مسيرته العلمية، وعليه أن يوضح للطلبة أن النجاح في الدراسة مهم لكنه جزء من النجاح الأكبر المطلوب في الحياة إلا وهو بناء العلاقة الصحيحة مع الله تعالى ومع بقية أفراد المجتمع وامتلاك الشعور بالمسؤولية في أي موقع كان بعد التخرج والقدرة على النجاح فيه وبناء الأسرة الصالحة وخدمة المجتمع بصورة صحيحة.
ثالثاً:
تذكر أيها الأستاذ وأيها المعلم إن لديك أبناء يدرسهم أساتذة ومعلمون مثلك فأحسن التعليم والتربية لتلاميذك وابذل كل ما بوسعك للارتقاء بمستوياتهم العلمية يقيض الله تعالى لأبنائك معلمين يحسنون إليهم فالجزاء من جنس العمل.
وتذكر إن بين يديك جيل المستقبل الذي هو أمل مجتمعك فأشعرهم بذلك وبث في روحهم العزيمة والهمة والاندفاع للتعلم وحبب إليهم وطنهم وأيقظ فيهم النخوة والحمية ليكونوا بناة صالحين لهذا الوطن وقادة أمناء لهذا الشعب.
وتذكر إن أوقات الدوام هي حق للطلبة والتلاميذ وعليك استفراغها لتعليمهم وتربيتهم وليس لك أن تنتقص من حقهم شيئاً، ان تأخرك عن الدوام ولو قليلا ً أو خروجك من المدرسة قبل نهايته خلافاً للتعليمات أو غيابك عن بعض الحصص التعليمية من دون عذر يعتبر تخلفاً عن عقد توظيفك والوفاء بالعقود واجب شرعاً وأخلاقا.
رابعاً:
المأمول من وزارة التربية أن توفر مستلزمات الدراسة والتعليم لجميع المؤهلين لذلك وتعمل على تطوير قدرات المعلمين والمدرسين والاستفادة من البحوث المقدمة من الباحثين المتخصصين لتحديث أساليب التدريس، ودراسة أسباب هبوط المستوى العلمي وانخفاض نسب النجاح بصورة حادة في بعض المدارس.
وعلى الأجهزة التربوية المعنية خلق جهاز تعليمي وتربوي قادر حقاً على أداء هذه الرسالة العظيمة وذلك بتوفير الرغبة الصادقة والحقيقية للمعلمين لمهمة التعليم والإيمان برسالة العلم والقدرة على حملها والإخلاص في أداء الواجب فان الاندفاع والرغبة لدى المعلم والأستاذ تنعكس بكل تأكيد على التلاميذ الذين يتولى تربيتهم وتعليمهم وبذلك ينشط التلاميذ ويجعلهم يقبلون على الدرس بجد واشتياق..
خامساً:
ونوجه كلامنا لأولياء الأمور من الآباء والأمهات فنقول أن توفير فرصة التعليم لأبنائكم من ضروريات الحياة وليس من كمالياتها ولا يصح ان يجعل ضعف الإمكانات ومحدودية الدخل المالي مبرراً لعدم توفير هذه الفرصة لهم، توكلوا على الله تعالى واطلبوا منه العون والتسهيل ليعينكم على تحمل أعباء ذلك وفتح السبل أمامكم لتعلم أبنائكم، فان الله تعالى عند حسن ظن عبده به وهو رازقكم ومعينكم في ذلك.
واذا كانت الضرورة تستلزم عمل أبنائكم لفقد رب الأسرة او عجزه عن العمل ونحو ذلك فامنحوهم فرصة تقسيم أوقاتهم وجعل بعضها للعمل وبعضها للدراسة كما كان عليه حال الكثير من العوائل في العقود السابقة.
وعليكم بالتواصل مع إدارات مدارس أولادكم فانه ضروري لنجاحهم وتقدمهم وليس من الصحيح إهمال ذلك بعذر الانشغال بأمور الكسب وهموم الحياة، بل أن من أهم واجباتكم متابعة سلوك أولادكم وتوجيههم بالأسلوب الصحيح في علاقاتهم مع الآخرين وماذا يقرأون وماذا يشاهدون ومن يصاحبون.
نسأل الله تعالى إن يوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح وان يجعل ذلك سبيلاً للهداية والفلاح في الدنيا والآخرة انه سميع مجيب.
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق