في كل عام، يتجدد مشهد الزحف المليوني نحو كربلاء في زيارة الأربعين، حيث يتحول طريق الزوار والمحبين لسيد الشهداء عليه السلام إلى لوحة إنسانية تعبر عن الوحدة والتضحية والمحبة. حيث بلغ عدد الزوار في عام 2023 أكثر من 22 مليون زائر وفق إحصاءات العتبة العباسية.
لكن في المقابل، تواجه هذه الظاهرة الدينية الكبرى حرباً إعلامية ممنهجة وتعتيماً إعلامياً واضحاً من قبل بعض وسائل الإعلام العالمية وحتى الإقليمية، مما يطرح تساؤلات حول دوافع هذا التهميش والتشويه المتعمد.
التعتيم الإعلامي: لماذا يتم إخفاء أكبر تجمع سلمي في العالم؟
رغم أن زيارة الأربعين تُعد من أكبر التجمعات البشرية السنوية، حيث يقدر عدد الزائرين بملايين الأشخاص من مختلف الجنسيات والخلفيات، إلا أن التغطية الإعلامية العالمية لها تبقى ضئيلة، إن لم تكن معدومة في بعض الأحيان. مقارنةً بتغطية أحداث أخرى أقل أهمية من حيث الحجم والتأثير، يظهر هنا تحيز واضح في السياسة الإعلامية التي تتبعها بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى.
هناك عدة أسباب وراء هذا التعتيم، منها:
السياسة والتحيز الأيديولوجي: بعض الدول والجهات الإعلامية لا تريد إبراز أي حدث قد يظهر القوة الناعمة للشعوب المسلمة، وخاصةً إذا كان هذا الحدث مرتبطًا بمذهب معين (الشيعة) في ظل الصراعات الطائفية المُفتعلة.عدم مصداقية الرواية الغربية المعادية: تعكس زيارة الأربعين صورةً مختلفة عن تلك التي تروجها بعض الوسائل عن العراق والمنطقة، فهي تظهر الشعب العراقي موحدًا رغم المحن، وهو ما لا يتوافق مع سردية "الدول الفاشلة" و"المجتمعات المنقسمة" التي ترسمها بخبث بعض وسائل الاعلام المرتبطة باجندات سياسية وجهات دينية خبيثة.الخوف من تأثير القضية الحسينية: الرسالة التي يحملها الزائرون، المستمدة من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام)، هي رسالة مقاومة الظلم والاستبداد، مما يهدد مصالح بعض الأنظمة التي تعتمد على القمع.الحرب الإعلامية: تشويه الحقائق واختلاق الروايات
بالإضافة إلى التعتيم، هناك حرب إعلامية تشنها بعض الوسائل ضد زيارة الأربعين عبر:
ربط الزيارة بالإرهاب: حيث يتم تصوير التجمع على أنه "خطر أمني" أو أنه مناسبة لـ"تجييش المقاتلين"، رغم طابعه السلمي والإنساني.تضخيم الأحداث الأمنية: في حال حدوث أي حادث أمني (النادر جدًا مقارنة بحجم الزيارة)، يتم تسليط الضوء عليه بشكل مبالغ فيه، بينما يتم تجاهال الجوانب الإيجابية كالتكافل الاجتماعي وخدمات المواطنين للزائرين.نشر الشائعات: مثل اتهام الزائرين بـ"التبعية لدولة معينة" أو أن الزيارة "طقس غير حضاري"، في محاولة لقطع الجذور التاريخية والروحية لهذا الحدث العظيم.دور الإعلام الحسيني:
على الجانب الآخر، تسعى العتبة الحسينية المقدسة إلى تعزيز الخطاب الإعلامي من خلال تنظيم مؤتمرات مثل المؤتمر العلمي الدولي لزيارة الأربعين، وتوفير تسهيلات للإعلاميين مثل منح "باجات" خاصة ودعم لوجستي. كما أن هناك جهودًا لتوثيق الزيارة عبر كتب ودراسات، مثل مركز كربلاء للدراسات والبحوث الذي يرصد ردود فعل الإعلام العالمي. وايضاً ساهمت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية مشكورة حيث أطلقت خطة إعلامية لتغطية الزيارة عام 2025 تركز على توحيد الخطاب الإعلامي وإنتاج محتوى متعدد اللغات للتصدي للشائعات.
مواجهة الحرب الاعلامية
مواجهة الحرب الإعلامية تتطلب تعزيز الإعلام الحسيني عبر منصات متعددة، توثيق الحدث بشكل احترافي، وإشراك وسائل إعلام عالمية محايدة. جهود العتبة الحسينية ومؤسسات مثل هيئة الإعلام والاتصالات العراقية تُظهر تقدمًا، لكنها تحتاج إلى استمرارية وتكامل.
ومواجهة الحرب الإعلامية على الشعائر الحسينية، وخاصة زيارة الأربعين، تتطلب استراتيجيات مدروسة للتصدي للتعتيم الإعلامي والتشويه المتعمد الذي يستهدف هذا الحدث الديني الكبير. الحرب الإعلامية تتضمن نشر معلومات مغلوطة، التركيز على السلبيات، أو تجاهل الأهمية الروحية والإنسانية للشعائر، وغالبًا ما تُغذيها دوافع سياسية أو طائفية.
فيما يلي أبرز الجهود والاستراتيجيات التي تُعتمد لمواجهة هذه الحرب:
تعزيز الإعلام الحسيني: إنشاء منصات إعلامية متخصصة: العتبة الحسينية أطلقت مبادرات مثل "صدى الأربعين" لنقل صورة إيجابية عن الزيارة عبر إنتاج محتوى إعلامي متعدد اللغات (عربي، إنجليزي، فارسي، وغيرها) يبرز القيم الإنسانية والروحية. هذه المنصات تهدف إلى الوصول لجمهور عالمي. دعم الصحفيين: توفير "باجات" خاصة وتسهيلات لوجستية للإعلاميين لتغطية الزيارة بشكل مباشر، مما يتيح نقل الحدث بمصداقية وشفافية. ووفق العتبة الحسينية، تم استقبال أكثر من 1500 إعلامي في زيارة 2023. تنظيم المؤتمرات والمحاضرات والفعاليات العلمية والدينية: العتبة الحسينية المقدسة كعادتها تنظم المؤتمر العلمي الدولي لزيارة الأربعين سنويًا، حيث يجمع باحثين وإعلاميين لمناقشة أهمية الشعائر ومواجهة التشويه الإعلامي. هذه المؤتمرات تُنتج توصيات لتحسين التغطية الإعلامية. وكذلك يشارك الخطباء ورجال الدين في العتبة المقدسة بنشر الوعي الديني والمجالس الحسينية عن طريق الندوات في مدن الزائرين والمخيمات والمراكز في طريق الزوار والاجابة عن استفسارت الزوار والمساهمة في خدمتهم. الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي: نشطاء ومؤسسات دينية يستخدمون منصات مثل X ويوتيوب لنشر مقاطع مصورة وصور توثق التكافل الاجتماعي والتنظيم اللافت خلال الزيارة. هذه الجهود ساعدت في التصدي للروايات السلبية، حيث أظهرت إحصاءات X في 2024 ارتفاعًا في المنشورات الإيجابية عن الأربعين بنسبة 30% مقارنة بـ2022. حملات إلكترونية مثل #Arbaeen أو #HussainInspires تُستخدم لتعزيز الوعي العالمي. مواجهة الشائعات: هيئة الإعلام والاتصالات العراقية أطلقت خطة إعلامية لزيارة 2025 تركز على توحيد الخطاب الإعلامي وتفنيد الشائعات عبر فرق رصد متخصصة. على سبيل المثال، يتم الرد على مزاعم مثل "الفوضى الأمنية" بتقارير توثق التنظيم الأمني المحكم الذي يشرف عليه أكثر من 40 ألف عنصر أمني. إصدار بيانات رسمية من العتبات المقدسة لتصحيح الأخبار المغلوطة فور ظهورها. تطوير المحتوى التثقيفي: إنتاج أفلام وثائقية وبرامج تلفزيونية تروي قصة الإمام الحسين عليه السلام وقيم الزيارة، مثل فيلم "الأربعين" الذي أنتجته قناة الكفيل. هذه الأعمال تُترجم إلى لغات متعددة لتصل إلى جمهور غير ناطق بالعربية. إصدار كتب وبروشرات مثل "زيارة الأربعين: دراسة في الأبعاد الإنسانية" من مركز كربلاء للدرسات والبحوث لتثقيف الجمهور، و بروشرات التثقيف العقائدي والديني الذي ينشره قسم الشؤون الفكرية والثقافية في العتبة الحسينية في كافة النقاط والمراكز التابعة له على طريق الزوار.والختام لا نقول فيه الا كما قالت عقيلة بني هاشم الحوراء زينب عليها السلام: وليجتهدنَّ أئمّة الكفر وأشياع الضّلالة في مَحْوِه وتطمِيسه فلايزداد أثره إلاّ ظهوراً وأمره الاّ عُلوّاً!، وفي خطبتها في الشام امام اعتى الطغات يزيد لعنه الله: فكِدْ كيدَك، واسْعَ سعيَك، وناصِبْ جهدك، فوَاللهِ لا تمحو ذِكْرَنا، ولا تُميت وحيَنا، ولا تُدرِكُ أمَدَنا، ولا تَرحضُ عنك عارها ( أي لا تغسله )، وهل رأيُك إلاّ فَنَد، وأيّامك إلاّ عَدَد، وجمعك إلاّ بَدَد!! يوم ينادي المنادي: ألاَ لَعنةُ اللهِ علَى الظالمين.
اترك تعليق