قال الله تعالى: (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل امر سلام هي حتى مطلع الفجر) هذه الآيات الكريمة من سورة القدر من الادلة المهمة على استمرارية الامامة، والخلافة في الامة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم، وذلك لأنه من الواضح جدا ان ليلة القدر تحصل في كل عام، ولا يوجد أحد من علماء مدرسة اهل البيت عليهم السلام يقول بانها خاصة في زمن دون اخر وغالبية علماء مدرسة الخلفاء على ذلك، فقد روى البيهقي في سننه الكبرى (انها في كل رمضان) وفي رواية (الى يوم القيامة).
والسؤال المهم في هذه المسالة هو من هو الذي تتنزل عليه الملائكة وروح القدس؟
وعندما نراجع اقوال المفسرين من اهل السنة نجد هنالك تضارب وحيرة كبيرة في ذلك ، واراء لا يمكن لكل عاقل قبولها، فمنهم من قال ان الملائكة ، وروح القدس انما ينزلون ليسلموا على المؤمنين او لتؤمن على دعائهم ، او تتنزل بالرحمة والمغفرة[1] ، ولكن في الحقيقة ان هذا لا يمكن ان يقبله أي متدبر للآيات المباركة لأنه هذه التفاسير تسلب الخصوصية الكبرى لهذه الليلة، وما يتنزل فيها حيث ان هذه الليلة ليست بعادية، وانما ليلة عظيمة فيها عطايا لا مثيل لها وفيها تقدير لكل امر حكيم، وذلك بقوله عز وجل ( من كل امر) فهي تحكي عن تقدير مصير الانسان في كل سنة سواء فيما يتعلق بعمله، او عمره ، او رزقه، وسائر شؤونه ، فلا يمكن ان يعقل بانها تنزل على كل مؤمن، وتبلغهم بتقديرات الله تعالى وما سيجري في هذا العام، فهذا لا يمكن ان يحصل لاحد من الناس العاديين، ولم يدع أحد على طول الخط ذلك قط، فمن الذي يستحق ان تنزل عليه وفود السماء كجبرائيل، وروح القدس؟ وما هي صفات ذلك الرجل، ومواصفاته؟
ويمكن لنا تشخيص من تتنزل الملائكة وروح القدس بما يلي:
1-لابد ان يكون الذي تتنزل عليه الملائكة وروح القدس له قدرة عالية على التحمل لاستقبال هذا التنزل العظيم من قبل الله تعالى.
2-ان الشخص الذي تتنزل عليه الملائكة، وروح القدس انما تتنزل بهدف قوله تعالى (من كل امر) أي انها تنزل بتقدير كل امر حكيم فيما يتعلق بمصير البشرية، وهذا يعني انه يجب ان تتوفر في ذلك الشخص جميع المؤهلات لهذا التنزل، والا لو لم يكن مؤهلا لذلك فلا فائدة مرجوة من التنزل واقعا.
3- عند تتبع القران الكريم والروايات الشريفة نجد وبكل وضوح ان (الملائكة، وروح القدس لم تتنزل على اناس عاديين وانما، تنزل اما على نبي او رسول، او وصي او حجة إلهية.
وذلك من قبيل قوله تعالى (إذا قال الله يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والديك اذ ايدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد.. الخ)[2]، فواضح جدا ان تايد عيسى عليه السلام بروح القدس فيه خصوصيات خاصة بعيسى لكونه مؤهلا من علم وقدرة ومن تسديد وحكمة والخ.
وكذلك قوله تعالى: (واذ قال ربك للملائكة يا مريم)، فهذا نموذج اخر بان الملائكة يمكن ان تنزل بأمر إلهي ولكن ليس لكل بشر وانما لمثل مريم بنت عمران التي نص القران على عصمتها، وحجيتها، وسيادتها، وهكذا في غيرها من الآيات الكريمة، لم توجد اية تشير الى ان الملائكة او روح القدس انما تنزل بأمر إلهي الى عموم المؤمنين.
4- ومن خلال ذلك كله يتضح ان سورة القدر تشير في مسالة التنزل الى شخص متحمض بالعبودية، وله من العلم الإلهي الذي يخفى حتى على ملائكة الله عز وجل كما في قوله تعالى (وعلم ادم الاسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال انبئوني بأسماء هؤلاء ان كنتم صادقين) (قالوا لا علم لنا الا ما علمتنا)[3].
وشخص يكون مصداقا لقوله تعالى، (انما انت منذر ولكل قوم هاد وشخصا يمكن ان يحمل الرسالة المحمدية بصدق بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم، وانه يمثل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بكل شيء، من علمه، وسياسته، وحكمته، وخلقه، وجميع مقاماته، وقدراته وهذا لم يتحصل واقعا، ولم يصدق الا على من نصبهم رسول الله صلى لله عليه واله، وامرنا بالتمسك بهم من بعده، وهم الاثني عشر من العترة الطاهرة من اهل البيت عليهم السلام.
واللطيف ان هذه السورة المباركة كأنها شاهدا حقيقا على حديث الثقلين، بل هي النسخة القرآنية لهذا الحديث الشريف حيث ان حديث الثقلين ينص على التمسك الكتاب، والعترة من اهل البيت وسورة القدر تعطي شاهدا حيا لابد ان يوجد في كل عام، فأنها تشير الى ان ليلة نزول القران، ونزول الملائكة، وروح القدس بالأمر الحكيم، هي نفس ليلة الامام المعصوم الذي نزلت عليه الملائكة وروح القدس ووكلته بالأمر الحكيم، وروي هذا المعنى عن امير المؤمنين عليه السلام قال: (ان ليلة القدر في كل سنة وانه ينزل في تلك الليلة امر السنة، وان لذلك الامر ولاة بعد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، فقيل من هم؟ قال: انا واحد عشر من صلبي ائمة محدثون )[4] .
الهوامش:-----
[1] (تفسير الطبري ج30 ص 260)، (غرائب القران ورغائب الفرقان ج2 ص 460)
[2] المائدة الاية 110.
[3] البقرة 32
[4] البحار ج25 ص 79 .
اترك تعليق