فئتان من المنتظرين للإمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

فئة العوام وفئة الخواص

ان المجتمع البشري ينقسم الى فئتين من حيث الواقع فئة تسير عن فكر وفهم، ووعي وارادة، وهي تعرف طريقها وتكليفها وتعرف استحقاقات الواقع وتعمل ببصيرة ودقة وجهوزية عالية، وفئة أخرى لا تنظر ولا تعمل ولا تفهم ولا تفكر بوعي وإدراك بل تتبع الجو السائد والهوى العام، والحالة الشائعة.

 وهاتان الفئتان لا علاقة لهما بالتعليم، فقد يكون الشخص متعلماً الا أنه ليس من أهل الوعي والبصيرة ولا يفهم ما ينبغي عليه فعله، وهناك شخص غير متعلم إلا انه يعمل بتخطيط وبصيرة وارادة حتى لو لم يدخل المدرسة او الجامعة او يرتدي زي الدين, مع هذا فهو متفهم لحقيقة الامور .

واليوم الواقع الذي نعيشه منقسم بين هاتين الفئتين، فهناك منتظر حقيقي للإمام روحي فداه وهو الذي تراه متفهماً وواعياً عندما يتخذ موقفا يتخذه بالاتجاه الصحيح، وتراه يحلل، ويفكر، ولا يتسرع باتخاذ القرارات وعارفاً لاستحقاقات المرحلة وله القدرة والبصيرة على التمييز بين جبهة الحق وجبهة الباطل بينما تجد في المقابل المنتظر السلبي وهو الذي يسير مع مسير الماء ليس لديه تحليل للمواقف وحينما يشاهد الناس يهتفون (الموت لفلان) يهتف معهم ولا يحلل هل أن فلان على حق أم على باطل؟

 وعندما تكون الأجواء العامة في وضع معين يأتي معهم, وحينما تتحول إلى مآل آخر يذهب إلى هناك فهو مصداق لقول أمير المؤمنين عليه السلام (همج رعاع ينعقون مع كل ناعق) .

وهذه الفئة وجدت في التاريخ بشكل متكثر فحينما دخل مسلم بن عقيل (رضوان الله عليه) الى الكوفة ترى هذه الفئة تقول لقد وفد ابن عم الحسين عليه السلام لقد جاء مبعوث بني هاشم فالتفوا حوله إلا أنه بعد وقت يسير دخل البعض من أعوان الشيطان، وقالوا للناس لماذا اتخذتم هذا الموقف؟ وعمن تريدون الدفاع؟ وضد مَن؟ وأنكم ستدفعون الثمن غاليا فانسحبت هذه الفئة عن مسلم بن عقيل بدون أن تفكر وتحلل وتتحذ الموقف الصحيح، فلذا مجرد أن حوصر مسلم بن عقيل في دار طوعة انبرت هذه الفئة لمحاربة مسلم (رضوان الله عليه).

 وهذا المشهد سيتكرر حتى عند ظهور الامام المهدي عجل الله فرجه الشريف فأن هناك من يستقبل الإمام بوعي، وارادة وبصيرة، ويكون معه وينصره, ويسارع لقضاء حوائجه، وهناك فئة ستقف بوجهه وتتأول عليه القرآن الكريم وتعارضه في أحكامه، وتخالفه وتقف بوجهه وتشكك في شخصه.

فقد روي عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: (إن قائمنا إذا قام استقبل من جهل الناس أشد مما استقبله رسول اللهُ من جهال الجاهلية)[1].

وعن أبي عبدالله عليه السلام قال: (لو قد يقوم القائم لقال الناس: أنى يكون هذا وقد بليت عظامه) [2].

 وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام: (إِذَا ظَهَرَ اَلْقَائِمُ ظَهَرَ بِرَايَةِ رسول الله، وَخَاتَمِ سُلَيْمَانَ وَحَجَرِ مُوسَى وَعَصَاهُ ثُمَّ يَأْمُرُ مُنَادِيَهُ فَيُنَادِي أَلاَ لاَ يَحْمِلَنَّ رَجُلٌ مِنْكُمْ طَعَاماً وَلاَ شَرَاباً وَلاَ عَلَفاً فَيَقُولُ أَصْحَابُهُ إِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَقْتُلَنَا وَيَقْتُلَ دَوَابَّنَا مِنَ اَلْجُوعِ وَاَلْعَطَشِ فَيَسِيرُ وَيَسِيرُونَ مَعَهُ فَأَوَّلُ مَنْزِلٍ يَنْزِلُهُ يَضْرِبُ اَلْحَجَرَ فَيَنْبُعُ مِنْهُ طَعَامٌ وَشَرَابٌ وَعَلَفٌ فَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَدَوَابَّهُمْ حَتَّى يَنْزِلُوا اَلنَّجَفَ بِظَهْرِ اَلْكُوفَةِ)[3].

ومن هنا فينبغي على المنتظرين الذين وفقوا للوعي والفهم والإدراك والتمييز بين الحق والباطل أن يعملوا جاهدين في بيان الحقائق لعوام الناس الذين لم يتمكنوا من الفهم الواقعي لمجريات الأحداث التي ترافق المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى، وذلك يكون عن طريق تعليم المجتمع المنتظر بأمور دينهم ومشروع دولة العدل الإلهي, وقد حث أهل البيت عليهم السلام على ذلك كثيراً تحت عنوان إحياء الأمر والتفقه في الدين فعن الهروي قال: سمعت أبا الحسن علي بن موسى الرضا عليه السلام يقول: (رحم الله عبداً أحيا أمرنا فقلت له: وكيف يحيي أمركم؟ قال: يتعلم علومنا ويعلمها الناس، فإن الناس لو علموا محاسن كلامنا لاتبعونا)[4].

فإن إتباع الحق وطريق الإمام  عليه السلام يكمن في أن يهتم المؤمنون والخواص - والذين لديهم القدرة على الإدراك والوعي والتمييز- بأصحاب الفهم والإدراك البسيط فأن إزالة الغبار والشبهات والزيف عن أذهان المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى وتبيان الحقائق لهم من أعظم معالم واستحقاقات الانتظار المهدوي.

الهوامش:------------------------------------

[1] الغيبة للنعماني ص59

[2] المصدر نفسه.

[3] الغيبة للنعماني ص238

[4] بحار الأنوار, المجلسي ج2 ص30.

المرفقات

: الكاتب الشيخ وسام البغدادي