أعظم مصيبة على أهل الإسلام وأهل السّماوات والأرضين

أعظم مصيبة على أهل الإسلام وأهل السّماوات والأرضين

(لَقَدْ عَظُمَتِ الرَّزِيَّةُ وجَلَّتْ وعَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ وجَلَّتْ وعَظُمَتْ مُصِيبَتُكَ فِي السَّمَاوَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ).

مصيبة الحسين عليه السلام هي أكبر مصيبة في تاريخ الكون وأعظم وأجّل على المؤمنين وعلى المسلمين، بل على جميع الكائنات العاقلة وغير العاقلة والجمادات، وعلى سكّان السّماوات والجنان، وهي مصيبة لا تبرد أبداً، وقد أكّدت الأخبار أنّ السّماوات بكت عليه بالحمرة، وأنّه ما رُفع حجر في الأرضين ألَّا انبعث من تحته دم عبيط، وأنّ الحور لطمت عليه وجوهها، وبكته الملائكة وناحت عليه الجنّ، وبكت عليه الحيتان في البحار لكونه قُتل مظلوماً مع أهل بيته وأنصاره وهو حجّة الله في الأرض وابن أشرف الأنبياء.

التّأكيد على البراءة واللّعن على مؤسسي الظّلم وعلى من قاتل الحسين عليه السلام، وأتباعهم إلى يوم القيامة

فَلَعَنَ الله أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ والْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ولَعَنَ الله أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ وأَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمْ الَّتِي رَتَّبَكُمُ الله فِيهَا ولَعَنَ الله أُمَّةً قَتَلَتْكُمْ ولَعَنَ الله الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ بَرِئْتُ إِلَى الله وإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ ومِنْ أَشْيَاعِهِمْ وأَتْبَاعِهِمْ وأَوْلِيَائِهِمْ يَا أَبَا عَبْدِ الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ وحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ولَعَنَ الله آلَ زِيَادٍ وآلَ مَرْوَانَ ولَعَنَ الله بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً ولَعَنَ الله ابْنَ مَرْجَانَةَ ولَعَنَ الله عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ولَعَنَ الله شِمْراً ولَعَنَ الله أُمَّةً أَسْرَجَتْ وأَلْجَمَتْ وتَنَقَّبَتْ لِقِتَالِكَ.

أهمُّ قضّية سلّطت الضّوء عليها هذه الزّيارة أنّها كشفت قبح الظّالمين والقتلة لآل محمد من الأولين والآخرين، وأكّدت البراءة منهم، والدّعاء عليهم باللّعن والعذاب إلى يوم القيامة، ممَّا يكشف أنَّ هؤلاء ماتوا وهم مجرمون ظالمون مخلّدون في أسفل دركٍ من الجحيم، وأنّه لا مجال للتّسامح معهم أو المجاملة في ترك لعنهم والدّعاء عليهم؛ ولذا فقد جاءت صيغة اللّعن عليهم بشكل متكرّر وبطرقٍ عدّةٍ لكي لا يكون لأحدٍ عذر في ترك اللّعن عليهم، أو محاولة التّأويل لصرف النّظر عن لعنهم.

والصيغ هي كالتالي:

أولاً: لعن أوائل مؤسسي الظّلم، وهم الذين أزالوا أهل البيت عليهم السلام عن مراتبهم التي رتّبهم الله فيها وغصبوا حقهم ثم نصبوا أنفسهم واحداً بعد الآخر، ولكي لا يحتجّ أحدٌ بأنَّ صيغة اللعن عامة لا تحدد أحداً بعينه جاءت العبارات بوصفهم مؤسسي الظّلم الذي وقع على أهل البيت عليهم السلام، فكنّاهم الإمام عليه السلام «بالأول والثاني والثالث» وهي صيغ معروفة في أدب خطاب أهل البيت عليهم السلام يعرفه كلُّ عاقل ثم صرّحت باسم الظالم الرابع والخامس وبقية السلسلة الخبيثة، وتخصيص هؤلاء لأنَّهم المسؤولون الأوائل لتأسيس الظّلم والذي بسببهم تجرأ الآخرون على أهل البيت عليهم السلام.

الصيغة الثانية: اللّعن بشكل خاص على الشجرة الخبيثة الملعونة في القرآن وهم بنو أُمية قاطبة إلَّا الذين شذوا منهم فصاروا مؤمنين فلا يشملهم اللّعن كهاشم بن عتبة المرقال[1].

الصيغة الثالثة: اللعن على الذين ظلموا أهل البيت عليهم السلام بشكل عام حتى الذين لم يحضروا كربلاء أمثال بني مروان وبني زياد.

الصيغة الرابعة: اللعن على قادة الجيش الأُموي الذي قتل الحسين عليه السلام وهم الآمرون والمباشرون أمثال يزيد بن معاوية وعبيد الله بن زياد (ابن مرجانة) وعمر بن سعد وشمر.

الصيغة الخامسة: وهم عامة العصابة المباشرة في قتل الحسين عليه السلام الذين حضروا كربلاء وبايعوا وتابعوا وشايعوا على قتله وكثَّروا سواد العدوّ حتى وإنْ لم يضربوا بسيف ولم يرموا بسهم ولم يطعنوا برمح، وكذا الذين ساعدوا ولو بإسراج الخيل ولجامها والذين تنقَّبوا.

اللهم ألعن الْعِصَابَةَ الَّتِي جَاهَدَتِ الْحُسَيْنَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وشَايَعَتْ وبَايَعَتْ وتَابَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً.

وهناك فئة سادسة وهم الرّاضون بفعلهم شركاء معهم كما جاء في عدة من زيارته عليه السلام ومنها يوم عرفة: «فلعن الله أُمَّة قتلتك ولعن الله أُمَّة ظلمتك ولعن الله أُمَّة سمعت بذلك فرضيت به»[2].

السلم والمحبة والولاية مع الموالين والحرب والبغضاء مع المعادين إلى يوم القيامة

إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ وحَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ووَلِيٌّ لِمَنْ وَالاكُمْ وعَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ.

السّلم والمحبّة والولاية للموالين والمحبّين لأهل البيت عليهم السلام ليس عملاً راجحاً فقط، ولكنّه من الواجبات المتفرّعة عن الولاية لأهل البيت عليهم السلام ولا يكون السّلم والمحبّة في القلب فحسب؛ بل يجب أنْ يترجم إلى عملٍ عبر البر بالإخوان والعون لهم والصفح عنهم وعدم إثارة الخلافات والمصادمات ولا يجوز التّبري من الموالين وإنْ كانوا يختلفون معي أو أنّهم مذنبون ومقصرون في أعمالهم.

وفي المقابل لا بد من نصب العداوة والبغضاء والمحاربة للمخالفين النَّواصب الَّذين يحاربون أهل البيت عليهم السلام مع مراعاة الحكمة والتَّقية والتكاليف الشرعية الصادرة من أهلها.

شكر نعمة الولاية والدّعاء بالثبات على نهج أهل البيت (عليهم السلام)

(فَأَسْالُ الله الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ ومَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ورَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ).

من أهم النعم على المؤمنين هو أنَّ الله هداهم لمعرفته وعرفهم الوسائل إلى طاعته وهم النبيّ وأهل بيته عليهم السلام ورزقهم ولايتهم وموالاة أوليائهم والبراءة من أعدائهم؛ ولذا صار من الواجب العقلي أداء شكر هذه النعمة العظيمة بمجموعة من التكاليف المتفرعة عن الاعتقاد بالإمامة حيث إنَّ بعضها وهي على درجات منها قلبية وبعضها لفظية ومنها عملية، وهذه بعض المصاديق التي ذكرتها الزيارة:

الأول: طلب الثبات معهم في الدنيا والآخرة.

(أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ وأَنْ يُثَبِّتَ لِي عِنْدَكُمْ قَدَمَ صِدْقٍ فِي الدُّنْيَا والْآخِرَةِ).

وذلك بالسير بسيرتهم والاقتداء بهم والاهتداء بهديهم حتى تنصبغ حياته بصبغتهم ويكون نسخة مصغرة منهم ومصداقاً فعلياً للدعاء حتّى تكون عاقبته عاقبة محمد وآل محمد.

(اللَّهُمَّ اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ومَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ).

الثاني: طلب الشفاعة

(وأَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ).

(اللهم أرزقني شفاعة الحسين يوم الورود).

والدّعاء بهذه الأُمور يُثبّت عند المؤمن الاعتقاد الراسخ بما دعا به لأنَّ الله تعالى أعطى التّفويض وحاكمية عالم القيامة بيد آل محمد.

ومن الطّبيعي من يعتقد بذلك ويسعى ليكون أهلاً لنيل هذه الكرامة يكون رابحاً، ومن لا يعتقد يكون خاسراً.

الثالث: الدعاء بطلب ثأر الحسين عليه السلام مع صاحب الزّمان

(فَأَسْالُ الله الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ وأَكْرَمَنِي أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى الله عَلَيْهِ وآلِهِ).

وهذا من التّكاليف الضرورية وذلك لأمرين:

1 - الاعتقاد بقيام الإمام المهدي عليه السلام وانتظاره ونصرته من أفضل الأعمال والواجبات.

2- لأنَّ دم الحسين عليه السلام وطلب ثأره مسؤولية في عنق الجميع، فإنَّ الله (ضمّن الأرض ومن عليها دمك وثأرك يابن رسول الله)[3].

الرابع: الدّعاء بنزول الرّحمة والصلوات والمغفرة

(اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ صَلَوَاتٌ ورَحْمَةٌ ومَغْفِرَةٌ).

الحمد والشكر على مصيبة الحسين عليه السلام العظيمة

هذه العقيدة من الأُمور المتقدّمة في درجات التّسليم والصبر والرضى بالقضاء والقدر عند المصائب، لأنَّ الإنسان معرّض في هذه الأحوال للانهيار وعدم الرّضى والسخط بما جرى على الحسين وأهل بيته عليهم السلام من امتحان، وربمّا وصل للشّك في عدالة ربِّ العالمين، ولكنَّ أهل البيت يعلموننا أنْ نصبر حتى نصل عند المصاب إلى درجة الحامدين الشاكرين على عظم المصيبة، لينال المؤمن درجات الصابرين الشّاكرين فقد ورد في أدعية شهر رجب: (اللهم إنِّي أسألك صبر الشَّاكرين لك). ونقول أيضاً في دعاء الندبة: (اللهم لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك).

وربما يسأل أحد كيف نحمد الله ونشكره عند مصيبة الحسين عليه السلام وأليس الأجدر بنا أنْ نجزع ونحزن كما ورد في روايات أهل البيت عليهم السلام؟

الجواب: لا تنافي بين الجزع والحمد والشكر على مصيبة الحسين عليه السلام، فإذا كان الجزع رقةً ومواساةً لولي الله وحزناً عليه فهو نصرةٌ له وصرخةٌ له ضد ظالميه، وفيه رضا لله تعالى، وهو لا يعارض الحمد والشّكر هنا، لأنَّهما تفويض لأمر الله وتسليم لقضائه وقدره، وإنَّما يكون متعارضاً مع الجزع إذا جعل الإنسان الحمد والشكر ضدّ المواساة، ويصيّره إلى شماتة وفرحة على مصيبة ولي الله، كما صنع بنو أُمية عندما جعلوا يوم عاشوراء يوم عيد وفرح وشماتة على أهل البيت عليهم السلام.

فعندما استنكر بنو يعقوب على أبيهم إطالة الحزن على يوسف أجابهم: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وحُزْنِي إِلَى الله وأَعْلَمُ مِنَ الله ما لا تَعْلَمُونَ}[4].

فجعل حزنه وبكاءه على يوسف مساوق الشكوى إلى الله تعالى وهو يكشف مرغوبية الحزن والبكاء على أولياء الله المظلومين.

من المثالب الكبيرة على بني أُمية أنَّهم جعلوا يوم قتل الحسين عليه السلام يوم بركة وعيد وشماتة

وهذا لعمري من الأُمور التّي عظّمت المصيبة على أهل البيت عليهم السلام وعلى جميع المؤمنين.

وقد قام بنو أُمية بتزوير أحاديث نسبوها لرسول الله صلَّى الله عليه وآله افتراءً عليه، مضمونها بأنَّه يُستحبُّ الصِّيام في ذلك اليوم شكراً لله! وقد ردّ أهل البيت عليهم السلام على هذه البدعة وحذّروا من صيام هذا اليوم وردوا على هذه الشبهة بأنَّ الصيام يكون شكراً للسَّلامة لا للمصيبة.

فعَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ أَبِي غُنْدَرٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي عَبْدِ الله عليه السلام قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ فَقَالَ: «عِيدٌ مِنْ أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ ويَوْمُ دُعَاءٍ ومَسْأَلَة» قُلْتُ: فَصَوْمُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ؟ قَالَ: «ذَاكَ يَوْمٌ قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ عليه السلام فَإِنْ كُنْتَ شَامِتاً فَصُمْ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ آلَ أُمَيَّةَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ الله ومَنْ أَعَانَهُمْ عَلَى قَتْلِ الْحُسَيْنِ عليه السلام مِنْ أَهْلِ الشَّامِ نَذَرُوا نَذْراً إِنْ قُتِلَ الْحُسَيْنُ عليه السلام وسَلِمَ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام وصَارَتِ الْخِلَافَةُ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ أَنْ يَتَّخِذُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ عِيداً لَهُمْ يَصُومُونَ فِيهِ شُكْراً ويُفَرِّحُونَ أَوْلَادَهُمْ فَصَارَتْ فِي آلِ أَبِي سُفْيَانَ سُنَّةً إِلَى الْيَوْمِ فِي النَّاسِ واقْتَدَى بِهِمُ النَّاسُ جَمِيعاً فَلِذَلِكَ يَصُومُونَهُ ويُدْخِلُونَ عَلَى عِيَالاتِهِمْ وأَهَالِيهِمُ الْفَرَحَ ذَلِكَ الْيَوْمَ»، ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ الصَّوْمَ لَا يَكُونُ لِلْمُصِيبَةِ ولَا يَكُونُ إِلَّا شُكْراً لِلسَّلَامَةِ وإِنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام أُصِيبَ فَإِنْ كُنْتَ مِمَّنْ أُصِيبَ بِهِ فَلَا تَصمْ وإِنْ كُنْتَ شَامِتاً مِمَّنْ تَبَرَّكَ بِسَلَامَةِ بَنِي أُمَيَّةَ فَصُمْ شُكْراً لِلَّهِ تَعَالَى»[5].

الهوامش:--------------------------------------------------------------

[1] كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من الأبطال، فقعت عينه يوم اليرموك. وشهد مع أمير المؤمنين عليه السلام الجمل وصفين وأبلى بلاءً حسناً وقتل في صفين.

 

[2] المزار الكبير لابن المشهدي: ج1، ص462.

 

[3] كامل الزيارات: ج1، ص216.

 

[4] سورة يوسف، الآية: 86.

 

[5] الأمالي للشيخ الطوسي: ج1، ص667. لمزيد من الاطلاع ينظر: العبد الصالح العباس بن علي بن أبي طالب عليهم السلام للمؤلف: ص542-547.

 

المرفقات

: السيد هادي الموسوي