الثقة بالنفس منهج تميز ونجاح

قد يتصور البعض في هذه الدنيا أن الآخرون أفضل منه بكسبهم الامتيازات المادية والمعنوية، فيدخل معهم في تنافس مشروع أو غير مشروع، عن عمد ومن دونه، تنافساً يدخله في باب الرضا الإلهي ورضا محمد وآله الطاهرين صلوات ربي عليهم أجمعين، وفي الخير الشديد أو الحسد والغيرة وما إلى ذلك من زذائل، فيندفع في هذه الحالة إلى فعل المنكرات القولية والفعلية، متناسياً أن الله تبارك وتعالى خلق البشر سواسية، ولكن ضمن محددات معينه متفاوتة وجوداً وعدماً

إن من طبيعة الإنسان بفطرته أن يجلب لنفسه الخير ويدفع عنها الضرر، لذا فهو ساع وراء جذب المنفعة لنفسه على الدوام، ويدفع الضرر عنها في الأمور الاساسية والفرعية والكمالية أو التكميلية، لكن الخطأ الذي يقع فيه الإنسان، أنه يريد تحقيق ذلك بأي طريقة كانت، متناسياً أن للخلق والدنيا قوانين وثوابت يلزم أن تتحقق حتى يتم المطلوب.

فقد يتصور البعض في هذه الدنيا أن الآخرون أفضل منه بكسبهم الامتيازات المادية والمعنوية، فيدخل معهم في تنافس مشروع أو غير مشروع، عن عمد ومن دونه، تنافساً يدخله في باب الرضا الإلهي ورضا محمد وآله الطاهرين صلوات ربي عليهم أجمعين، وفي الخير الشديد أو الحسد والغيرة وما إلى ذلك من زذائل، فيندفع في هذه الحالة إلى فعل المنكرات القولية والفعلية، متناسياً أن الله تبارك وتعالى خلق البشر سواسية، ولكن ضمن محددات معينه متفاوتة وجوداً وعدماً، قوة وضعفاً، فاسند إليهم جلّ وعلا التكليف بشكل عام والذي يقبل التوسعة والتغيير على أساس ذلك، وضمن قدراتهم الخاصة التي منحهم إياها جلّ وعلا، وقد أشار في كتابه الحكيم إلى هذه الحقيقة في بعض آياته.

يقول تبارك وتعالى في سورة البلد: {... لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ * أَيَحْسَبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ * يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُّبَدًا * أَيَحْسَبُ أَن لَّمْ يَرَهُ أَحَدٌ * أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}/ (سورة البلد: 4-10) وللإنسان من أجل الاستفادة العملية السريعة من هذه الآيات من دون الغوص في تفصيلاتها، فيخرج بالنتائج التي تنفعه في الحياة العملية، إذ أفصح الله تعالى على نحو وصف الإنسان ككل بغض النظر عن من يكون وما هو جنسه وما هي امكاناته وقدراته، وهي:

1- أننا خلقنا الإنسان في كبد، أي: تعب وشدة إذ يكابد الشدائد من وقت احتباسه في ضيق الرحم إلى الموت وما بعده.

2- وأنه ضعيف لدرجة يمكن البطش به بصورة مباشرة أو غير مباشرة، بمرض عضوي أو نفسي أو بغيره.

3- قادر على إهلاك المال الذي ينفقه من دون فائدة تذكر سواء كانت في الدنيا أو الأخرة التي لا تقبلا انفاق المال رياء وسمعة أو في عداوة ولي أو غيره.

وهذه تفيدنا بأن الله سبحانه وتعالى جعل ظروف الناس مختلفة في هذه الدنيا، فجعل مصيرهم وقدرتهم واحده واحدة مسيطر عليها، وكذلك أدواتهم التي يحتاجونها، إذ قال(جلّ وعلا): {... أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}، فالعين تستعمل لإدخال المعلومات، واللسان يستعمل للتعبير وكشف الباطن بالإفصاح عنه، وترك لنا الاختيار لقدرته على ذلك وتميزه غن غيره من المخلوقات بامتلاكه العقل المفكر المدرك المختار.

لكن الذي يميز الإنسان عن غيره، هو:

1- نوع المعلومات التي يحملها، هل هي منتجة ومفيدة أم غير منتجة وغير مفيدة.

2- الافكار الي يمتلكها إيجابية أو سلبية.

3- متانته العقلية الإدراكية ورجاحة اختياراته.

4- المهارات التي يملكها في مقام التطبيق والعمل.

لذا فإن الإنسان الذي يغفل عن هذه الحقيقة يتصور أن الآخرين أفضل منه وأحسن، فيدخل باختياره أو من دونه في مضمار التنافس الخاسر في الدنيا والمهلك في الآخرة، إذ يقول الله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}/ (سورة النساء: 104)، ومعنى ذلك أننا يجب أن لا نقحم أنفسنا في مثل هذا السباق غير المجدي، فالمنافس يتألم كما نتألم إما مادياً وجسدياً أو باطنياً ونفسياً، ولكنه يفترق عن الآخرين في الهدف الذي يسير عليه الفاعل وتتحقق النتائج، لذا أشار الله إلى ذلك في قوله: (عزّ وجلّ): {... وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ}.

وعليه فالإنسان يلزم أن يكون عالماً أن الله بنى هذا الخلق على التفاوت والاختلاف في الأشكال والقدرات والإمكانات والتطبيقات والمهارات وفق قوانين وثوابت دينية ووراثية وكميائية وفيزيائية وغيرها، وهي عبارة عن محددات للإنسان يجب أن يتصرف وفقها ويتطلع إلى كسب المكانة والتأثير على ضوئها.

ومن هنا يجب أن تبنى الحياة على الثقة بالنفس، أي: اعتماد المرء على نفسه، واعتباره لذاته بمعزل عن الآخرين، وكذا معرفة قدرته التي يقول عنها الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام): ((الخير كلّه فيمن عرف قدر نفسه، وكفى بالمرء جهلاً أن لا يعرف قدر نفسه))/ (مجموعة ورّام : 2 / 115)، ويقول(عليه السلام): ((ما هلك امرؤ عرف قدره))/ (عيون أخبار الرضا عليه السلام، الشيخ الصدوق: 2 / 54)، ويقول(عليه السلام) : ((رحم الله امرءً عرف قدره ولم يتعدّ طوره))/ (تصنيف غرر الحكم : ص 233)، وَقَالَ الإمام مُوسَى بن جعفر الكاظم( عليه السَّلام ) في ذلك أيضاً: ((مَا جَهِلَ وَ لَا ضَاعَ امْرُؤٌ عَرَفَ قَدْرَ نَفْسِهِ)).

فالمعرفة يلزم أن تكون معرفة واقعية، أي: من دون إفراط كالعجب أو الكبر أو العناد، ودون تفريط كالذلة أو الخضوع غير المحمود، وهي أمر مهم لكل شخص مهما كان، فلا يكاد الإنسان أن يستغني عن الحاجة إلى التمتع بمقدار من الثقة بالنفس في أي أمر من الأمور.

فالثقة بالنفس، هي عبارة عن إيمان الإنسان بقدراته وإمكاناته وأهدافه وقراراته، وهذا يساوي الإيمان بذاته، فهي العمود الفقري لشخصية كل إنسان، إذ بدونها يفقد الإنسان احترامه لذاته، ويصبح عرضة لانتقاد واستغلال من حوله، وبالتالي يعيش حياة بائسة، بخلاف من يتمتع بالثقة في نفسه ويعيش حياة طيبة، فتكون نظرته للحياة متفائلة، ويكون محط احترام الجميع.

ولكن الخطأ الذي يقع فيه البعض أنه يميل احياناً بل في كثير من الأحيان بمقارنة نفسه مع الآخرين، ظناً منه أنهم افضل منه، ويعيشون في ظروف مثالية لا يعيشها هو، فينظرون إلى المال وينسون الصحة والعلاقة مع الناس وهكذا.

ولكنهم يقعون نتيجة لهذه المقارنة في محاذير كثيرة ومهلكة، كـ:

أولاً: وضع النفس في سباق مع الآخرين متجاهلاً محدداته الذاتية وإمكاناته ولا يصل إلى ما يريد إلا نسبياً.

ثانياً: يتعب نفسه ويصاب بالإحباط.

ثالثاً: يخسر الكثير من الوقت والمال.

رابعاً: ينشغل عن الاعمال النافعة والصالحة.

خامساً: يعلِّم نفسه على الغيرة والحسد ولا يجني من ورائها غير الإثم والعدوان.

سادساً: تسوء علاقته بالله تبارك وتعالى.

سابغاً: يفقد ويخسر الاصدقاء والأحباب

وعليه، فعدم الثقة بالنفس تعد أحد أهم المشكلات التي تواجه الإنسان في العديد من جوانب الحياة، لكن الوثوق بالنفس أحد أهم الأمور للإنسان والتي يجب أن تحصل في مختلف جوانب الحياة، وهنا نشير إلى أهم الطرق التي تحقق ذلك، وهي:

1. توقف عن مقارنة نفسك بالآخرين

2. اهتمّ بعلمك وثقافتك وصحتك الجسدية

3. كن فخورًا بإنجازاتك التي هي في دائرتك الشخصية والموضوعية، والتي يرضا عنها الله تبارك وتعالى.

4. اجعل أفكارك إيجابية تجاه الحياة والآخرين

6. لا تتقوقع حول نفسك وتجنب ارضاءها بعدم قبول الأشياء التي لا تتقبلها ولا تحبها فطرياً وعقلياً.

7. حاول البحث عن أشياء ممتعة تجيد عملها من وقت لآخر إذ يساعد ذلك في التخلص من جميع الأفكار السلبية وزيادة الثقة بالنفس بشكل كبير.

وتكمن أهمية ذلك في أن ثقة الإنسان تعدّ مهمة ومفيدة وتساعده في جميع جوانب حياته داخل المنزل وخارجه وفي أماكن العمل وفي العلاقات الشخصية، ويمكن تلخيص أهميتها في الآتي:

1- تزيد من كفاءة الإنسان في القيام بالأعمال المختلفة.

2- تزيد قدرة الإنسان في تجربة الأشياء الجديدة.

3- تزيد القدرة في التعامل مع الآخرين وحل المشكلات المختلفة في حياته.

4- تعزز العلاقات والمهارات الاجتماعية.

5- تجعل الإنسان أكثر تفهمًا لنفسه وحبًا للآخرين من حوله.

وخلاصة الأمر، فإن من الأفضل عدم الدخول في مثل هذا التنافس، فحري بالإنسان أن يترك هذا التنافس ويركز على تهذيب وتقويم نفسه فذلك أدعى لرضا الله(صلى الله عليه وآله) وآل بيته الطاهرين(صلوات الله عليهم اجمعين).

فالتقييم الذاتي للنفس وتهذيبها، عمل هام وضرورة نفسية واجتماعية، به يتعرف الانسان على صفاته وقدراته العقلية والعاطفية والخلقية، ويرى في نفسه عوامل القوة والضعف، ففكرة المرء عن نفسه من خلال التقييم الصحيح والواقعي، لها الأثر الأكبر في تعيين سلوكه ومستوى طموحه، وبالتالي تميزه من بين الآخرين وانفراده، كما أن فكرة المرء عن نفسه هي ((التي توجهه في اختيار أعماله وأصدقائه وزوجته ومهنته وملابسه وما إلى ذلك، كما تسهم في رسم مستوى طموحه، وهي التي تبين له ضروب السلوك التي هو جدير بها، وتكفه عن فعل ما يمس احترامه لنفسه...))/ (اُصول علم النفس، ص: 126)، فالحديث الشريف عن الإمام أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب(عليه السلام): ((من عرف عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره))/ (أعلام الدين / الديلمي : ص 186)، وكذا الاِمام جعفر بن محمد الصادق(عليه السلام) فإنه يقول: ((أنفع الأشياء للمرء سبقه الناس إلى عيب نفسه))/ (تحف العقول / الحرّاني : ص 273) فتأمل.

: الشيخ مازن التميمي