رد على شبهة مرض المعصوم لمخالفته القواعد والالتزامات الصحية

هنالك شبهة تطرح بين فينة وأخرى يرددها الببغاوات, ويروجها المقلدة من دون فهم أو بلا بصيرة وادراك ووعي, مفادها: أنّكم تروون بأنّ أمير المؤمنين (عليه السلام قد مرض, وكذا الإمام زين العابدين (عليه السلام) قد مرض في كربلاء, وكان المرض سبباً في حفظ الإمامة من أن تطمس وتنتهي, ومن ناحية أخرى تقولون بعدم مرض المعصوم فأنتم تغالون في المعصوم وتريدون اضفاء العصمة عليه في كلِّ جوانب ومناحي الحياة؛ في حين أنَّ المعصوم مهما بلغ من رتب عالية فهو يعيش كباقي البشر لكونه محكوماً بقانون الأسباب، وجسده كأجساد باقي البشر معرض للوقوع في المرض, ومن هنا قال الله تعالى في حق نبيه الأعظم (صلى الله عليه وآله): {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ}[1]، فهنالك جسد وروح وملكات نفسانية للمعصوم، فجسده خارج عن العصمة، ولا دخل للعصمة فيه بشيء، ويبدو أنّهم لم يطلعوا، أو تناسوا ما روي في فضل المعصوم وتكريمه من قبل الله، قَالَ الامام الصَّادِقِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (إِنَّ أَيُّوبَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) مِنْ جَمِيعِ مَا ابْتُلِيَ بِهِ لَمْ تُنْتِنْ لَهُ رَائِحَةً وَلَا قَبُحَتْ لَهُ صُورَةُ، وَلَا خَرَجَتْ مِنْهُ مُدَّةٍ مِنْ دَمٍ وَلَا قَيْحٍ، وَلَا استقذره أَحَدُ رَآهُ وَلَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ أَحَدُ شَاهِدَهُ، وَلَا تَدَوَدَ شَيءٌ مِنْ جَسَدِهِ، وَهَكَذَا يَصْنَعُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلٍ بِجَمِيعِ مَنْ يَبْتَلِيهِ مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَأَوْلِيَائِهِ الْمُكْرَمِينَ عَلَيْهِ)[2]‏.

البعض يتأثر كثيراً بما يقرأ ويسمع من طرح ومباني القائلين بالتفريق بين المعصوم كجسدٍ وبين المعصوم كروحٍ، فالمعصوم كجسدٍ محكوم بقوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}، فبحسب الآية هو بشر يعرض له ما يعرض على الباقين من مرض وموت، إذاً هو محكوم من ناحيةِ الأسباب والمسببات، ومن هنا رمد أمير المؤمنين قبل اعطاءه الراية في خيبر، فقد قَالَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (لَيْسَتْ هَذِهِ الرَّايَةِ لِمَنْ حَمْلَهَا، جيؤني بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ أَرْمَدْ قَالَ: أرونيه تَرَوْنِي رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ يَأْخُذُهَا بِحَقِّهَا لَيْسَ بِفَرَّارٍ فجاؤوا بِعَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) يقودونه إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): مَا تَشْتَكِي يَا عَلِيُّ؟ قَالَ: رَمَدُ مَا أَبْصَرَ مَعَهُ، وَصُدَاعُ بِرَأْسِي، فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ وَضَعَ رَأْسَكَ عَلَى فَخِذِي فَفَعَلَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) ذَلِكَ فَدَعَا لَهُ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ)، فتفل فِي يَدِهِ فَمَسَحَ بِهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَرَأْسَهُ، فانفتحت عَيْنَاهُ، وَسَكَنَ مَا كَانَ يَجِدُهُ مِنَ الصُّدَاعِ، وَقَالَ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ قِهِ الْحَرِّ وَ الْبَرْدِ)[3]، وكذا مرض علي بن الحسين (عليه السلام) أيام واقعة كربلاء فعَنْ أَبِي الْجَارُودِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (إِنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) لَمَّا حَضَرَهُ الَّذِي حَضَرَهُ، دَعَا ابْنَتَهُ الْكُبْرَى فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فَدَفَعَ إِلَيْهَا كِتَاباً مَلْفُوفاً وَوَصِيَّةً ظَاهِرَةً وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِمَا السَّلَامُ) مَبْطُوناً مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَ إِلَّا أَنَّهُ لِمَا بِهِ، فَدَفَعَتْ فَاطِمَةُ الْكِتَابَ إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ (عَلَيْهِ السَّلَامَ) ثُمَّ صَارَ وَاللَّهِ ذَلِكَ الْكِتَابُ)[4]، وعليه ووفقاً لقانون الطبيعة والبيئة التي يعيش فيها البشر ومن ضمنهم المعصوم؛ فهم معرضون للإصابة بالأمراض نتيجة لمخالفتهم لقواعد والتزامات السلامة الصحية.

ونريد هنا إيراد بعض الإجابات كردٍ على مدعاهم وضمن نقاط:

النقطة الأولى: إنّه وإنْ وردت بعض الأخبار بتعرضهم للمرض، إلا أنّ القول بأنّ هذا ناتجٌ عن طريق عدمِ التزامهم بالقواعد الصحية هو خلطٌ لدى المدعي ودعوى بلا دليل ومصادرة على المطلوب؛ لأنّ المرض لا يخرج أن يكون من البلاء، والبلاء الذي يقع على الفرد كما هو محرر إمّا للتأديب، وإمّا للامتحان ليعلم من يثبت ومن يتزلزل, وإمّا للرفعة، وقد ورد أنّ من ضمن مسائل الزِّنْدِيقُ الَّتي سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنْها: (قَالَ: فَبِما اسْتَحَقَّ الطِّفْلُ الصَّغِيرِ مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْأَوْجَاعِ وَ الْأَمْرَاضُ بِلَا ذَنْبٍ عَمِلَهُ وَ لَا جَرَمَ سَلَفَ مِنْهُ؟ قَالَ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنَّ الْمَرَضِ عَلَى وُجُوهٍ شَتَّى، مَرِضَ بَلْوَى، وَمَرَضُ عُقُوبَةً، وَمَرَضُ جَعَلَ عَلَيْهِ الْفَنَاءُ، وَأَنْتَ تَزْعُمُ أَنَّ ذَلِكَ مِنَ أغذية رَدِيَّةُ وَأَشْرِبَةِ وَبَية، أَوْ مِنْ عِلَّةٍ كَانَتْ بِأُمِّهِ، وَتَزْعُمُ أَنَّ مَنْ أَحْسَنَ السِّيَاسَةِ لِبَدَنِهِ، وَأَجْمِلْ النَّظَرِ فِي أَحْوَالِ نَفْسِهِ، وَعَرَفَ الضَّارُّ مِمَّا يَأْكُلُ مِنِ النَّافِعُ، لَمْ يَمْرَضْ، وَتَمِيلُ فِي قَوْلِكَ إِلَى مَنْ يَزْعُمُ: أَنَّهُ لَا يَكُونُ الْمَرَضِ وَالْمَوْتُ إِلَّا مَنِ المَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ، قَدْ مَاتَ أرسطا طاليس مُعَلَّمِ الْأَطِبَّاءِ، وإفلاطون رَئِيسُ الْحُكَمَاءِ، وجالينوس شاخ وَدَقَّ بَصَرِهِ، وَمَا دَفْعِ الْمَوْتُ حِينَ نَزَلَ بِسَاحَتِهِ، وَلَمْ يألوا حَفِظَ أَنْفُسِهِمْ)[5].

ولا يمكن تصور المعنيين الأولين في حقهم (عليهم السلام), فلا يبقى إلا القول بالبلاء للرفعة, وما دامت الرفعة مِنّةٌ إلهيةٌ؛ فيعتبرُ المرض الواقع عليهم مِنّةٌ من الله؛ لتعلو مراتبهم ومقاماتهم، والمنّةُ كما هو محقق تقتضي منافاة ارتكاب المعصوم للمخالفات الصحية؛ بحكم عصمته التي يُراد منها القرب أكثر نحو الحق، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): (إِنَّ الرَّجُلَ لَيَكُونُ لَهُ الدَّرَجَةُ عِنْدَ اللَّهِ لَا يَبْلُغُهَا بِعَمَلِهِ يُبْتَلَى بِبَلَاءٍ فِي جِسْمِهِ فَيَبْلُغُهَا بِذَلِكَ)[6].

النقطة الثانية: بما أنّ الأحاديث والروايات المعتبرة نصَّت على أنّ المعصوم هو أفضل وأكمل مخلوق في أهل زمانه, أمّا أهل البيت (عليهم السلام) فهم الأفضل والأكمل على الإطلاق حتى ورد أنّهم أسماء الله, فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجِلَ: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا}[7]، قَالَ: نَحْنُ وَاللَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى الَّتِي لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْعِبَادِ عَمَلًا إِلَّا بِمَعْرِفَتِنَا)[8]. بل ورد أنّهم قد عرفوا الاسم الأعظم فعَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (إِنَّ اسْمَ اللَّهِ الْأَعْظَمَ عَلَى ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ حَرْفاً وَإِنَّمَا كَانَ عِنْدَ آصَفَ مِنْهَا حَرْفُ وَاحِدُ فَتَكَلَّمَ بِهِ فَخُسِفَ بِالْأَرْضِ مَا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ سَرِيرِ بِلْقِيسَ ثُمَّ تَنَاوَلَ السَّرِيرَ يَدَهُ ثُمَّ عَادَتِ الْأَرْضُ كَمَا كَانَتْ أَسْرَعَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ وَعِنْدَنَا نَحْنُ مِنَ الِاسْمِ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ حَرْفاً وَحَرْفُ عِنْدَ اللَّهِ اسْتَأْثَرَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَهُ)[9]؛ فما فائدة ملكهم للاسم الأعظم إن لم يعملوا ويراعوا ما علموه؟, وهل يعقل عدم علمهم لقواعد السلامة؟ أو عدم عملهم بعد علمهم بها؟!!!، فضلاً عن كون الكامل لا ينافي الشروط الصحية؛ لأنَّ الكامل لا بُدَّ أن يكون مكتملاً في جميع الجوانب، وليس في الجانب الديني، أو التبليغي، وتصور الكمال منحصر بالدين والتبليغ مع محاولة سلخ الجانب الطبي عن الدين في غاية الوهن؛ لأنّ الأحاديث في الطب لا يمكن أن تنكر، فلا مخالفة لقواعد السلامة الصحية في البين.

النقطة الثالثة: إنَّ المرض والموت قد يصبح من الأمور الاختيارية التي يدخل فيها العبد لما فيها من نيل درجات وكمالات, فقد ورد عن رؤية سيد الشهداء (عليه السلام) لرسول الله (صلى الله عليه وآله) في المنام: (فَجَاءَهُ النَّبِيِّ وَهُوَ فِي مَنَامِهِ، فَأَخَذَ الْحُسَيْنُ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَجَعَلَ يُقَبِّلُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَيَقُولُ: بِأَبِي أَنْتَ، كَأَنِّي أَرَاكَ مُرَمَّلًا بِدَمِكَ بَيْنَ عِصَابَةُ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةُ، يَرْجُونَ شَفَاعَتِي، مَالِهِمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ خَلَاقٍ، يا بَنِي إِنَّكَ قَادِمُ عَلَى أَبِيكَ وَأُمِّكَ وَأَخِيكَ، وَهْمُ مشتاقون إِلَيْكَ، وَإِنَّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ دَرَجَاتُ لَا تَنَالُهَا إِلَّا بِالشَّهَادَةِ)[10]؛ فاختار الشهادة, ولا يعني اختياره مخالفة إلا في نظر القاصر, بل ورد أنّ المؤمن المسلم لهم إذا ارتقى وخلص يخير بين البقاء والموت فكيف بهم (صلوات الله وسلامه عليهم). وكذا المرض فقد يختار العبد المرض لما فيه خير وصلاح, فعَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (لَا يَبْلُغُ أَحَدُكُمْ حَقِيقَةِ الايمان حَتَّى يَكُونَ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ: حَتَّى يَكُونَ الْمَوْتُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْحَيَاةِ، وَالْفَقْرُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الْغِنَى، وَالْمَرَضُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الصِّحَّةِ، قُلْنَا: وَمَنْ يَكُونُ كَذَا؟ قَالَ: كُلُّكُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّمَا أَحَبَّ إِلَى أَحَدِكُمْ؟ يَمُوتُ فِي حُبِّنَا أَوْ يَعِيشُ فِي بُغْضِنَا؟ فَقُلْتُ: نَمُوتُ وَ اللَّهِ فِي حُبُّكُمْ أَحَبُّ إِلَيْنَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْفَقْرِ وَالْغِنَى، وَالْمَرَضِ وَالصِّحَّةِ، قُلْتُ: إِي وَاللَّهِ)[11]، فالإمام يريد أن يشير بقوله إلى أنّ المؤمن لو خير بين الصحة مع مفارقتهم وبين المرض مع البقاء على ولايتهم لأختار المرض مع البقاء على حبهم, ومن هنا يجري الله ذلك عليهم في الواقع الخارجي.

النقطة الرابعة: بل إن قلنا بوقوع المرض عليهم فذلك ليس لمخالفة المقدمات والقواعد الصحية؛ وإنّما هي من الأمراض التي تصيب الفرد مباشرة وقد تكون الاصابة من مقتضيات الناحية السيكلوجية للبدن، فالبدن قابل للتعرض للمرض، ولا مخالفة في البين وهذا لتقريب معنى {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} ليس إلا.

النقطة الخامسة: يبدو أنّ هؤلاء إمّا أن يكونوا ناسين أو متناسين العلاقة القوية فيما بين الجسدِ والروحِ، وصدور الأحاديث التي تقول بذلك بحيثُ أنّ الشخص كلّما رقا روحياً زاد التأثير بالجسد حتى يكون ذلك التأثير كبير جداً على الجسد، بل هو يؤثر بمن حوله، بل بالعالم كلّه.

ومن هنا يمكن إدراك معنى تلك الأحاديث التي تبيّن مورد الحزن والفرح المفاجئ لدى المؤمنين، أو الأحاديث التي تقول بحزنهم لحزننا، أو مرضهم لمرضنا (أي شيعتهم)، أو مسألة شفاءهم للناس في زمانهم؛ فهذا التصرف بالأخرين إنّما هو نتيجة القوة الروحية التي جعلت لهم القدرة الواسعة للتصرف بالغير جسدياً فكيف بجسد نفس المعصوم.

النقطة السادسة: إنَّ كلام هؤلاء موقع لهم في مشكلتين عقدية:

الأولى: هو سير على طريقة من يلتزم بأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) معصوم في فترة التبليغ في الأحكام فقط، أو أنَّ علمه منحصر في الأمور الدينية فقط وفقط, وهذا خلاف ما يقول به علماء مدرسة الإمامية، وما دلّت عليه الروايات.

الثانية: هو نوع من أنواع الإنكار للخصوصيات والمزايا التي يتمتع بها المعصوم, وجحداً للحقوق التي أوجبها الباري لهم، بل هم يقيسون المعصوم بغيره ممن لا يلتزم ويخالف نتيجة لجهله؛ فيدخلون في المنهي عنه فقد ورد عن الْحَارِث: قَالَ لِي عَلَيَّ (عَلَيْهِ السَّلَامُ): (نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا نقاس بِالنَّاسِ، فَقَامَ رَجُلٍ فَأَتَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَأَخْبِرْهُ بِذَلِكَ، فَقَالَ: صَدَقَ عَلَيَّ، أوَلَيسَ النَّبِيِّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) لَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ؟)[12].

النقطة السابعة: إنّ القول بمرضهم لمخالفتهم القواعد والالتزامات الصحية يعني وقوع الناس بين محذورين, الأول اتباع الأمر الإلهي الوارد باتخاذهم اسوة حسنة, وبالتالي تشريع للوقوع في مخالفة القواعد الصحية, وعدم الالتزام بطرق السلامة، وهذا الأمر لا يلتزم ولا يقول به أيّ عالم، وإمّا أن نقول بعدم اتباعهم واتخاذهم أسوة حسنة؛ بتقييد الآية ولا دليل في البين على تقييدها، أو أنّ عدم اتخاذهم أسوة في كلِّ مورد غير التشريع، وهو موجب لتفويت الغرض باتخاذهم أسوة حسنة في كثير من الموارد، وهو خلّة بحق المعصوم ولا يتناسب مع عصمته.

النقطة الثامنة: إنَّ وقوع المرض على الفرد إمضاء للمشيئة الربانية، وبهذا الأمر تتحقق مسألتان:

المسألة الأولى: إثبات السلطنة الإلهية على جميع المخلوقات

فهي القاهرة فوق الأسباب وعلى هذا يحمل الإعجاز بخرقه لنواميس الطبيعة, وكذا يحمل معنى ما روي عن النَّضْر بْنُ قِرْوَاشِ الْجَمَّال قَالَ: (سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) عَنِ الْجِمَالِ يَكُونُ بِهَا الْجَرَبُ أَعْزِلُهَا مِنْ إِبِلِي مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَهَا جَرَبُهَا, وَالدَّابَّةُ رُبَّمَا صَفَرْتُ لَهَا حَتَّى تَشْرَبَ الْمَاءَ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ(عَلَيْهِ السَّلَامُ): إِنَّ أَعْرَابِيّاً أَتَى رَسُولَ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُصِيبُ الشَّاةَ وَالْبَقَرَةَ وَالنَّاقَةَ بِالثَّمَنِ الْيَسِيرِ وَبِهَا جَرَبُ فَأَكْرَهُ شِرَاءَهَا مَخَافَةَ أَنْ يُعْدِيَ ذَلِكَ الْجَرَبُ إِبِلِي وَغَنَمِي؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): يَا أَعْرَابِيُّ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ): لَا عَدْوَى)[13]، فالنبي يشير إلى أنّ العلل ترجع لتقديرات الله وقضاءه.

المسألة الثانية: إثبات الحدوث للمخلوق

إنّ الفقر والاحتياج والعجز والإمكان نوع إثبات لواجب الوجود وحدوث ممكن الوجود؛ لكون الممكن يمرض ويموت, وتصيبه عوارض الأمور.

النقطة التاسعة: إنَّ وقوع المرض عليهم من باب ابطال القائل، لولا أنّ الله قد منَّ عليهم بنعيم مقيم من صحة وغنى لكفروا بالله، فمن هنا يكون مرضهم دفعاً لفرية هؤلاء، وإثباتاً لعلو منزلتهم ومقامهم، وتوحيدهم وشكرهم لله، فأنَّ فعلهم واحد في كلِّ حال من الأحوال، ومن قبيل هذا الأمر ما روي عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عَلَيْهِ السَّلَامُ) قَالَ: (إِنَّمَا كَانَتْ بَلِيَّةٍ أَيُّوبَ الَّتِي ابْتَلَى بِهَا فِي الدُّنْيَا لِنِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْهِ فَادَى شُكْرَهَا، وَكَانَ إِبْلِيسُ فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ لَا يَحْجُبُ دُونَ الْعَرْشِ؛ فَلَمَّا صَعِدَ عَمِلَ أَيُّوبَ بِأَدَاءِ شُكْرِ النِّعْمَةِ حَسَدَهُ إِبْلِيسُ فَقَالَ: يَا رَبِّ انَّ أَيُّوبَ لَمْ يُؤَدِّ شَكَرَ هَذِهِ النِّعْمَةِ إِلَّا بِمَا أَعْطَيْتَهُ مِنَ الدُّنْيَا فَلَوْ حِلْتَ بَيْنَهُ وَ بَيْنَ دُنْيَاهُ مَا أَدَّى إِلَيْكَ شَكَرَ نِعْمَةٍ؛ فسلطني عَلَى دُنْيَاهُ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي شَكَرَ نِعْمَةً: فَقَالَ قَدْ سلطتك عَلَى دُنْيَاهُ فَلَمْ يَدْعُ لَهُ دُنْيَا وَلَا وَلَداً إِلَّا أَهْلَكَهُ كُلُّ ذَلِكَ وَهُوَ يَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى, ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَبِّ انَّ أَيُّوبَ يَعْلَمُ أَنَّكَ سترد إِلَيْهِ دُنْيَاهُ الَّتِي أَخَذْتَهَا مِنْهُ؛ فسلطني عَلَى بَدَنَهُ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُؤَدِّي شَكَرَ نِعْمَةً، قَالَ عَزَّ وَجِلَ: قَدْ سلطتك عَلَى بَدَنِهِ مَا عَدَا عَيْنَيْهِ وَقَلْبِهِ وَلِسَانِهِ وَسَمِعَهُ)[14]، فما كان دأب أيوب إلا الشكر والصبر.

النقطة العاشرة: إنَّ حدوث المرض للمعصوم فيه جنبة رحمة للناس بإنقاذهم من براثن الشرك؛ فالنفس تحدث صاحبها إذا ما رأى من المعصوم الفضائل والكمال بأنّه إله من دون الله؛ فيحدث الله المرض لكي لا يؤله الناس النبي أو الإمام, وقد قيل في حق مرض نبي الله أيوب (عليه السلام): (وإنّما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أنّ الثواب من الله على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيراً لفقره ولا مريضاً لمرضه، وليعلموا أنّه يسقم من يشاء، ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ولا قوة لهم إلا به)[15].

النقطة الحادية عشر: وهنا نريد أن نضيق الخناق على القائل ونسير خطوة للأمام فنقول: أنّ وقوع المرض والشفاء من الطرق التي يكون صلاح الجسد فيها, ويعتبر ذلك التغلب على الأمراض تغلباً بطريقة ذاتية؛ مما يجعل الجسد أكثر قوة وأكثر تطوراً سايكلوجياً ومن هنا جاءت قضية التطعيم ببعض اللقاحات للجراثيم الضعيفة جينياً ليكسب الجسد منه مناعة في المستقبل, فتقوم الفكرة بإدخال فايروسات وجراثيم ضعيفة للجسد وطبيعة الجسد عند دخول جسم غريب يهدد البدن مهما كان مقدار ذلك التهديد ضعيف يهاجمه ويبرز مقاومة بمقدار قوة ذلك المرض من أجل التغلب على المرض والحفاظ على الجسد, فهو يأخذ الخريطة الجينية للمرض ويخزنها وبالتالي يكسب مناعة ضد المرض أو طريقة الشفاء منه تكون أسهل في المستقبل.

الهوامش:------

([1])سورة الكهف, آية: 110.

([2])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٢٧٥.

([3])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٢١ ص ١٥.

([4])الشيخ الكليني, الكافي ج ١ ص ٣٠٣.

([5])الشيخ الطبرسي, الاحتجاج ج ٢ ص ٨٥.

([6])قطب الدين الراوندي, الدعوات ص172.

([7])سورة الأعراف, آية: 180.

([8])الشيخ الكليني, الكافي ج ١ ص ١٤4.

([9])محمد بن الحسن الصفار, بصائر الدرجات ص ٢٢٨.

([10])الشيخ الصدوق, الأمالي ص ٢١٧.

([11])العلامة المجلسي, مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول ج 26 ص 234.

([12])

([13])الشيخ الحر العاملي, وسائل الشيعة وسائل الشيعة ج11 ص 506.

([14])الشيخ الصدوق, علل الشرائع ج ١ ص ٧٥.

([15])العلامة المجلسي, بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٢٧٥.

المرفقات

: الشيخ أمجد سعيد اللامي