الإيمان بالمهدي إيمان بالغيب

اعتبر القرآن الكريم أن الإيمان بالغيب هي الصفة الأولى من صفات المتقين، قال تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾(١) وفي هذا دلالة واضحة على أهمية الإيمان بالغيب في حياة الإنسان، إذ عندما لا يؤمن الإنسان إلا بالحس فإنه سينكر أهم الحقائق القلبية والإيمانية وهو الإيمان بالله تعالى.

والغيب يعني الإيمان بكل ما غاب عن الحس، وأدركه القلب، ودَلَّ عليه الدليل النقلي، ولذلك فالإيمان بالغيب يعد شرطاً أساسياً في الدين، وعلامة على التدين.

وإيماننا بالإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو جزء من إيماننا بالغيب، فقد دَلَّ الدليل النقلي على وجوده بيننا، وقيامه بمهامه كإمام معصوم لحفظ كيان المسلمين، وتسديد الفقهاء والمجتهدين، والالتقاء بالأولياء الصالحين.

فاعتقادنا بالمهدي المنتظر، بالرغم من أننا لم نره ولم نلتقِ به، ولم نشاهده بحواسنا، هو جزء من إيماننا بالغيب، فنحن نؤمن بأشياء كثيرة لم نرها، ولم نشاهدها بحواسنا، ومع ذلك نؤمن بها لقيام الدليل النقلي عليها، ولعدم معارضة العقل المجرد لها.

حجة الله على خلقه:

الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) هو حجة الله على خلقه في هذا الزمان؛ إذ لا تخلو الأرض من حجة، ولا يمكن أن يخلو الزمان من إمام معصوم وهادي يوجه الناس نحو الحق والخير والفضيلة، يقول الله تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَـئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً * وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً﴾(٢).

وفي هاتين الآيتين نص صريح على أن لكل أهل زمان ﴿كُلُّ أُنَاسٍ﴾ إمام يُدعون به يوم القيامة. ويكون الاحتجاج به عليهم أو ليكون شاهداً عليهم يوم الحساب وهذا أيضاً يتضمن معنى الاحتجاج عليهم(٣).

وعليه يكون محصل الآيتين الكريمتين هو الدلالة على حتمية وجود إمام حق يُهتدى به في كل عصر، يكون حجة الله عز وجل على أهل زمانه في الدنيا والآخرة، فتكون معرفته واتباعه في الدنيا وسيلة النجاة يوم الحشر؛ فيما يكون العمى عن معرفته واتباعه في الدنيا سبباً للعمى والضلال الأشد في الآخرة يوم يُدعى كل أناس بإمام زمانهم الحق، ويُقال للضالين عنه: هذا إمامكم الذي كان بين أظهركم فلماذا عميتم عنه؟ وبذلك تتم الحجة البالغة عليهم، وتتضح حكمة دعوتهم وإحضارهم به يوم القيامة(٤).

والإمام الذي تتوافر فيه الصفات والمواصفات التي تؤهله للاحتجاج به على قومه يوم القيامة في عصرنا الحاضر هو المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وهذا ما قامت عليه الأدلة النقلية من النص عليه من قبل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم)، وتسلسل الإمامة حتى وصلت إليه، وصدور المعجزات عنه، وعاضد ذلك كله الأدلة النقلية. وعليه يكون الإيمان بالمهدي المنتظر يرمز إلى وجود الحجة على العباد، وأنه شاهد عليهم، وهادي لهم.

التمسك بالعقيدة في زمن الفتن:

المؤمنون في عصر الغيبة يواجهون تحديات وتشكيكات ومصاعب لم يواجهها المؤمنون في عصر النبوة، ولن يواجهوها في عصر الظهور، بَيْدَ أن الإيمان بوجود الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) وطول مدة غيبته، والتساؤلات والشكوك المثارة حول فائدة وجوده مع عدم التقاء الناس به، يضاعف من الضغوط النفسية التي تواجه المؤمنين في عصر الغيبة الكبرى.

وهذا بذاته امتحان كبير، واختبار صعب لمعرفة تمسك المؤمن بعقائده، والتي منها الإيمان بوجود الإمام المهدي، وأنه حي يرزق. والتمسك بهذه العقائد الحقة في زمن الفتن والشكوك التي تبثها القنوات الفضائية ومواقع الإنترنت وغيرها من وسائل الاتصال الحديثة، أكبر دليل على التمسك بعقيدة وجود الإمام المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) عن دليل وبرهان، وقناعة واقتناع، وليس مجرد تسايراً مع الجو العام الذي يعيشه أتباع مدرسة أهل البيت (عليهم السلام) مع بعضهم البعض، فالإمام المغيب حقيقة أثبتتها الأدلة النقلية الصحيحة، ولا مجال للتشكيك فيها.

فالإيمان بالمهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يدل على تمسك المؤمن بعقائده، بالرغم من كل ما يُثار حولها من شكوك وإثارات ومزاعم باطلة.

فأولياء الله لا يرتابون في وجود الحجة، فعن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه قال: «وقد علم أن أولياءه لا يرتابون، ولو علم أنهم يرتابون ما غيب حجته عنهم طرفة عين، ولا يكون ذلك إلا على رأس شرار الناس»(٥) وعن يمان التمّار قال: كنا عند أبي عبد الله (عليه السلام) جلوساً فقال لنا: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد -ثم قال هكذا بيده-(٦) فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليّاً، ثم قال: إن لصاحب هذا الأمر غيبة، فليتق الله عبد وليتمسك بدينه(٧).

يقول الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر: «إن الارتياب والشك بوجود المهدي (عليه السلام) أثناء غيبته ناشئ في واقعه من الانحراف والفساد الموجود في هذا العصر، وأما لو خلي الفكر الإنساني المستقيم ونفسه لما رقى إليه الشك.

ونحن وإن كنا قلنا أن طول الغيبة سبب للشك بحسب طبيعة البشر لكونها من الأمور غير المعهودة في ربوعهم. إلا أن الشخص الذي يربط الأمور بمصدرها الحقيقي الأول، تبارك وتعالى، ويعرف قدرته الواسعة وحكمته اللانهائية، لا يستبعد عليه التصدي لحفظ شخص معين أمداً طويلاً، لأجل تنفيذ العدل في اليوم الموعود. بل يرى أن ذلك لازم ومتعين بعد قيام البرهان على وجود الغرض الأصلي من الخليقة، وعلى حقيقته. وانحصار تحقق هذا الغرض بهذا الأسلوب. بحيث لو لم تكن هناك أي رواية تدلنا على وجود المهدي، لكان اللازم على الفكر الإنساني أن يعترف به. وإنما الذي يمنع من ذلك، ويزرع في طريقه المصاعب والمتاعب، هو الانحراف الفكري، وخاصة إذا وجد لدى بعض القواعد الشعبية الذين بني مذهبهم على الاعتزاز بوجوده والتسليم بإمامته.

ومن هنا نرى أن أولياء الله الممحصين الذين ليس للفتن طريق إلى قلوبهم ولا للضغط والظلم طريق إلى قوة إرادتهم... لا يرقى إليهم الشك في المهدي (عليه السلام). لأن العوامل النفسية والموانع المنحرفة لذلك غير موجودة لديهم. فيبقون على الفطرة التي فطر الله الناس عليها، من الإيمان بقدرته وحكمته، فيسلمون بنتيجة الدليل القطعي الدال على وجود المهدي.

ومن هذا المنطلق نعرف، أنه لو لم يكن الفكر الإنساني مدركاً لذلك، بحيث أمكن سراية الشك إلى أولياء الله تعالى لما غيب الله عنهم حجته طرفة عين. لاستلزامه نقصان الحجة أو بطلانها بالنسبة إلى البشر، وهو مما لا يمكن أن يصدر من قبل الله تعالى، فانه ملازم مع أحد أمرين غير ممكنين: أما إلغاء إمامته أو تكليف البشر بالاعتقاد بها دون دليل، وكلاهما مما لا يكون... فيتعين المحافظة على ظهوره بالمقدار الذي يثبت وجوده وتقوم به الحجة في الإسلام»(٨).

فالمؤمنون يواجهون التشكيك والفتن؛ بل والسخرية من الإيمان بوجود المهدي المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بالمزيد من الإيمان والاعتقاد بما دلَّ عليه الأدلة المتواترة، ولا يداخلهم أي شك أو ريب أو زيغ لأن قلوبهم قد مُلئت بالإيمان، وعقولهم قد ازدادت قناعة بأن الأرض لا يمكن أن تخلو من حجة.

الهوامش:----

(١) سورة البقرة: الآيتان ٢ - ٣.

(٢) سورة الإسراء: الآيتان ٧١ و٧٢.

(٣) أعلام الهداية: الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء، المجمع العالمي لأهل البيت، قم - إيران، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ، ص ٥٥.

(٤) أعلام الهداية: الإمام المهدي المنتظر خاتم الأوصياء، المجمع العالمي لأهل البيت، قم - إيران، الطبعة الأولى ١٤٢٢هـ، ص٥٨ و٥٩.

(٥) أصول الكافي، الشيخ الكليني، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، طبع عام ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ج ١، ص ٣٩٢، رقم ١.

(٦) أي أشار بيده تمثيلاً لخرط القتاد، والقتاد شجر ذو شوك صلب.

(٧) أصول الكافي، الشيخ الكليني، دار التعارف للمطبوعات، بيروت ـ لبنان، طبع عام ١٤١٩هـ - ١٩٩٨م، ج ١، ص ٣٩٥، رقم ١.

: الشيخ عبدالله اليوسف