لقوم يتفكرون

لا اختلاف على إن الخط العربي كسائر الفنون الأخرى هو شاهد على زمانه، فهو يضعنا امام فترات الحركة أو الجمود في المجتمع الذي وُلد فيه، فكلما كثُر الإبداع وتنامى في زمن ما..عُكس ذلك في الأعمال الفنية روحاً وجوهراً، وكلما ركدت الفنون ولم تكن سوى تقليداً لما سبقها فهي لا تسجل الا مرحلة من الجمود في المجتمع في تلك الفترة عن سواها، وها هي الفنون الاسلامية تنطق بما فيها من خلال الكم الهائل من منتجاتها الفنية الابداعية الناطقة بروح عصرها التي ولدت فيه.

المخطوطة اعلاه من ابداعات الخطاط المصري الراحل محمد عبد القادر وقد تضمن العمل الخطي عبارة (لقوم يتفكرون) وهي منفذة بالخط الكوفي المضفور داخل مساحة هندسية مستطيلة الشكل، اعتمد فيها الخطاط على صيغة التكوين المتماثل في اجزاء من البنية النصية المتمثلة في العناصر الزخرفية النباتية المضافة الى ابدان ونهايات الحروف، والتي هدف من خلالها اشغال المساحات الناتجة ما بين الحروف والكلمات، محققاً من خلاله التوازن الشكلي للعناصر النباتية والمساحية للنص، وبشكل غير متماثل كما يظهر في البنية النصية التي تختلف في الهيئة الشكلية لكل حرف وبما يتوافق مع المساحة المستطيلة للتكوين .

 يلاحظ المتامل للوحة الخطية اعلاه ظهور التغيير الشكلي في التكوين الخطي متمثلاً في الطابع الزخرفي النباتي الذي يتوافق مع العناصر والمفردات النباتية المضافة الى هذه الحروف، فضلاً عن طريقة ربط الحروف في اجزاء معينة كما في حرف(ل)و(ق)كلمة(لقوم)وحرف(م)في الكلمة ذاتها ، كما يظهر في كلمة (يتفكرون) في الحروف(الفاء والكاف) و ( الواو والنون) فقد اخذت هيئة شكلية نباتية مشابهة للعناصر النباتية و الغصنية.

 رتبت الكلمات قصداً في التكوين الخطي وفق نظام سطري متتابع ومتساوي بحيث يتتابع النص بدءاً من الجهة اليمنى في التكوين من كلمة(لقوم) ووصولاً الى نهاية النص ،محققاً فيه توازناً مساحياً ناتج عن التضافر للحروف العمودية لكل من (لقوم) و(يتفكرون ) في حرفي (الواو) ، ووظف التضافر المتمثل في الوحدات والمفردات النباتية المرتبة وفق نظام توزيع اعتمد فيه علة هيئات الاشكال الهندسية بحيث شمل كافة المساحة ، كما يظهر ان هذه العناصر تتشابه فيما بينها، وتختلف في من حـيث طريقة التوزيع وبحسب المساحة المنفذة عليها ، بشكل يحقق التوازن الكلي للتكوين وبإيقاع رتيب وغير رتيب متناغم ومتناسق مع البنية النصية ، واستخدم التباين في الهيئات الشكلية لكل من العناصر النباتية والمفردات والبنية النصية وما تحويه من عناصر حروفية وكلمات ، التي تختلف في حجمها ومقاييسها بما يتناسب ويتوافق مع المساحة المنفذة عليها، كما حقق تنوعاً من خلال التضاد الشكلي للتضافر في كل من كلمة(لقوم)وكلمة (يتفكرون) في الجزء العلوي من الحروف العمودية معززاً من خلال التباين التمييز ما بين البنية النصية (الكلمات) والارضية (المساحة المنفذة عليها) من حيث القيم الضوئية لكل منهما الفاتحة (الابيض)و(الاسود)،وتمثلت الوحدة والتنوع في العلاقة التي ارتبط بها الاجزاء فيما بينها من ارتفاع كل حرف وامتداده داخل مساحة التكوين ، فضلاً عن استخدام العناصر النباتية والبنية الخطية التي اضفى من خلالها حركة وتنوع للتكوين ككل، كما ترتبط هذه الاجزاء بعلاقة هذه الاجزاء بالمساحة الكلية ، وحقق التنوع ايضاً ما بين الوحدات النباتية التي تتمثل في العناصر المضافة الى نهايات الحروف و المفردات والعناصر الموجودة في الجزء العلوي والجانب الايمن (ذات الشكل البيضوي) ،كما ظهر في التكوين سيادة الطابع الشكلي والتزييني الزخرفي للتكوين في كل من البنية النصية والبنية الزخرفية، فضلاًعن سيادة الاتجاه الافقي و العمودي للبنية النصية والحركة الحلزونية للعناصر والمفردات الزخرفية النباتية.

وهنا تمثلت النسبة والتناسب في العلاقة التناسبية لكل حرف مع باقي الحروف، حيث التناسب في التكوين متمثلاً في اعتماد النسب الرياضية في تقيم مساحة التكوين وتحديد مساحة كل كلمة داخل مساحة التكوين كما في مخطط (ب) وارتكاز الخطاط على اظهار الحروف والكلمات بهذه الهيئة على الاشكال المثلثة المتنوعة ما بين قائمة الزواية في اركان التكوين والمساحة الوسطية بهيئة هندسية مثلثة الشكل متساوية الساقين ، وقد ارتكزت البنية الخطية ارتكزت على الجانب التزييني الزخرفي قد يعود للفترة التي نفذت فيها والذي اثر في الوضوح القرائي للنص، فضلاً عن الاختلاف في المسافات التي تفصل مابين الحروف والكلمات التي لا تظهر في التكوين، كما تظهر الحروف متلاصقة مع بعضها، وتبعاً الى النظام الذي اختير في تنظيم الكلمات والنص لتأخذ كل كلمة موقعها المكاني المناسب المتسلسل والمتتابع وفق النسب الذهبية للشكل المستطيل محققاً من خلال التضافر ما بين الحروف واضافة المفردات والعناصر النباتية والغصنية الى البنية النصية الجانب الجمالي المتمثل في الجزء العلوي وبنية الحروف

كاتب : سامر قحطان القيسي