وداع..

اللوحة من ابداع الفنان التشكيلي حسن روح الامين وهي تحمل عنوان (الوداع )، نفذها الفنان تجسيداً للحظة وداع بضعة رسول الله السيدة الزهراء سلام الله عليها قبل نقل جثمانها الطاهر في جوف الليل ليوارى الثرى.. وهي بالتأكيد جاءت متممة لمجموعة اللوحات الفنية المنضوية تحت عنوان "الحق مع علي" ، وقد نفذت احداث اللوحة بريشته العقائدية ومخيلته الواسعة، وكما هو معتاد في اسلوب روح الامين الفني المميز، فقد عمد على استخدام تقنية الزيت على القماش بتنفيذها وبأسلوب واقعي، معتمدا في طرح فكرة العمل للمتلقي على ما ورد في المرويات عن استشهاد الزهراء وليلة مواراتها الثرى ومخيلته الواسعة وذاته المتوسمة بحب آل بيت النبوة الاطهار سلام الله عليهم.

حاول روح الامين تجسيد لحظة وداع امير المؤمنين للسيدة الزهراء سلام الله عليهما حسبما ورد في المرويات، وذلك حينما قام امير المؤمنين عليه السلام واولاده سلام الله عليهم ومعهم أسماء.. بتجهيز الجسد الطاهر لبنت رسول الله وادراجها في أكفانها، ليلقوا النظرة الأخيرة عليها قبل ان توارى الثرى في جوف الليل وتنفيذ وصيتها المعروفة في أن يعفي موضع قبرها ولا يشيعها من ظلمها، وقد استطاع الفنان ان يصور هذا المشهد بدقة عالية من خلال قدرته على التحكم  بشخوص اللوحة وتجسيد صورة الحادث الجلل الذي تمثله، فقد عني بالألوان وتحكم بها بحنكة ودراية فنية عاليتين، و شرع باستخدام الالوان الداكنة وبدرجات متفاوتة من الازرق والأخضر والبني وخليط من الابيض والاصفر لتمييز زمان ومكان اللوحة، حيث سعى لاستحضار اغلب مفرداته للتوسيم المكاني للحادثة، فالمشهد إقرار واضح للحظة الانتهاء من تكفين السيدة الزهراء عليها السلام وهي علامات لازمة في استكمال المحاكاة الواقعية للموضوع ، وقد عمد روح الامين على اللجوء الى الاسلوب الانطباعي في الرسم من جانب آخر لتلعب الانطباعية دورها كأساس للتعبير واختيار الزمن واتاحة الفرصة والحرية الكاملة للألوان والخطوط للنطق بمشهد جمالي حاضن للعنصر الأساسي للوحة وهو اجواء الحزن المطبقة على اللوحة والذي حرص الرسام لنقلها الى المتلقي بإخلاص.

التكوين الفني بني وفق مستويين اختارهما الفنان احدهما شكلي والآخر دلالي، اما فيما يخص المستوى الشكلي فقد اجتهد الفنان من خلاله في أن يكون تكويناً فنياً مفتوحاً حاضناً لكل العلاقات اللونية والخطية والتنظيمية من خلال إنتاج أشكال تقترب من فكرة الموضوع الأساسية، كما وتميزت اللوحة بسطح منتظم جاء به الفنان بملمس ناعم وألوان موضوعية وذاتية ، منفذة بدقة مع استخدام درجات لونية متنوعة ومحايدة تارة ما تكون معتمة واخرى فاتحة،،فضلا عن  توظيف الفنان للخطوط ذات البعد الكلاسيكي في الرسم، وقد استعملت الفرشاة في تنفيذ العمل الفني بما يتناسب مع طبيعة التكوين ودلالاته المختلفة مع الجو النفسي العام الذي يسوده الحزن والم الفراق مما ساعد على  بنية اللوحة.

اما المستوى الدلالي فقد جاء به الفنان من خلال إرساله لمجموعة من العلامات المدركة جمعياً في الذهن – مقاربة العناصر المكونة للوحة مع المرويات -، والتي يستدل من خلالها إلى الشخصيات المشبه لها في اللوحة بغض النظر عن ملامح الاشكال او البحث في عملية التطابق الحرفي مع المرويات.. وهنا يبدو جلياً للمشاهد المتابع ان روح الامين قد انطلق في هذه الرائعة الفنية – كما هو معتاد في اسلوبه الفني - من منطلق ان أدوات التعبير الأساسية المتمثلة بالخطوط والالوان، لا يمكن لها أن تبني شكلاً دون الرجوع إلى مرجعياته التاريخية والعقائدية وبالخصوص في مثل هذه المواضيع، وهي بالتأكيد سمة اختصت بها الرسوم المعبرة عن مظلومية اهل بيت النبوة الاطهار عليهم السلام.. ولذلك حاول الرسام أن يمثل الجمال الطبيعي في أشكاله بعيداً عن تشخيص الملامح، وكان كل ما في اللوحة من شخوص وعناصر يمثل عنصراً سيادياً بحد ذاته، فكل له دوره وموضوعه المنفرد، فالفنان قد بدأ العملية التنظيمية والتنسيقية في بناء شكل النعش - الذي عُد المركز السيادي الرئيسي المؤثر والرابط للمراكز السيادية وعناصر اللوحة الاخرى- بطريقة نحتية حولت فرشاة الرسام إلى أزميل نحت يصوغ من خلاله طيات قماش غطاء النعش الابيض وهيئات شخوص اللوحة الاخرى المتوازنة الكتل وبدقة عالية.

ركز حسن روح الامين اهتمامه في اللوحة على جماليات العمل و على الناحية التصميمية بشكل خاص، اذ عمد على توزيع الكتل والألوان ليعطي روحية للعمل تترجم احاسيسه التي تعكسها شخصيته.. مبتعدا عن التشخيص العيني واظهار ملامح شخصيات اللوحة في بعض الاجزاء ، اذ اعتمد بتنفيذ هذا التكوين الجمالي العقائدي على الألوان النقية والكتل غير المألوفة في بعض مواطن اللوحة فضلا الهيئات اللونية الداكنة ذات المساحات الكبيرة التي تكون صلبة احياناً واخرى مرنة .

المرفقات

كاتب : سامر قحطان القيسي