محمل الاحزان..

  لا اختلاف على أن انساق النص الفني الكلاسيكي خاضعة للقياس ولنسب معينة، فالطبيعة لا ينقلها الفنان كما هي بل يخضعها لأحكام وجدلية عقله، فنجد ان المشاعر والعاطفة في صراعها مع العقل تخضع في نهاية الامر لسلطان العقل المطلق فيكسبها خاصية شفافة وهدوء واعتدال مطلقين، باعتبار ان العقل يهدأ من جموح العاطفة فتخرج هادئة وبخلافه فأن اي جموح للعاطفة وخروج عن النسق التقليدي او المألوف يعني تغاير لمجموع التقاليد والعادات والقوالب الفنية التي وصفها العقل ليجمح أي تطرف للعاطفة عند الفنان.

ولا شك ان الكيفية التي يستخدمها الفنان التشكيلي بإخراج النص وبالتحديد ما يخص النور والظل منوطة بطريقة الاضاءة التي يأخذ بها، وهذا ينعكس على طبيعة المشهد المصور كضوء النهار وضوء الصباح ووقت الظهيرة وسطوع الشمس ونورالقمر والضياء الحاد شديد الحمرة في الغسق، ليتحول من خلالها النسق اللوني الى نسق لوني مستقل يوحي بالطابع المتأرجح للإشعاع الشمسي في تحوله اللانهائي، لذلك جاءت نصوص بعض المدارس الفنية مثل الانطباعية لتهتم بأسقاط العلم على الفن مما أدى الى ظهور نصوص فنية جديد، أذ تحولت الانساق اللونية من تكنيك بنائي يعتمد على الاداء السريع الى منهجية أقرب الى النسق العقلي والحسابات العلمية والتي اخذت تؤكد على مقولات الفيزيائيين، معبرين بذلك عن ارادة لخلق انطباعية اكثر علمية ، استخدمت تجزئة النص الى مساحات بقع لونية مصغرة محسوبة وفق نسق التضاد المتزامن بتثبيت الضربات اللونية الخالصة وتجزئتها معتمدة على ميكانيكية الادراك في الابصار.

اللوحة اعلاه اللوحة من ابداع الفنان الايراني حسن روح الامين، ويلمس المتأمل لمفاصلها ان الفنان قد التزم نوعا من التمازج الموجه بين الواقع و الخيال، ويبدو انه فعل أدائي مزدوج اتى به الامين كاستجابة معرفية ووجدانية لتأثره بحب ال بيت النبوة عليهم السلام وعظمة ما جرى عليهم من مظلومية في طفوف كربلاء، وقد نفذت بتقنية الزيت على قماش الكانفاس وبالأسلوب الكلاسيكي المميز ببعض تعبيرية الالوان والاشكال في الرسم وبمزيج متجانس من الالوان الحارة والباردة، والتي عمد فيها الفنان الى بناء الاشكال بعناية ودقة عبر استقراء أوصاف محمل سبايا ال بيت الرسول ومحملهم ورؤوس الشهداء صلوات الله عليهم اجمعين،

لقد عمد الفنان على اشغال السطح التصويري بأجمعه بكتل بشرية وحيوانية، مشكلة وفق مجاميع محددة كل مجموعة تعبر عن مشهد من مسير السبايا والرؤوس المرفوعة على الرماح.. وهي موزعة بعملية تنظيمية دفعت بالأشكال للاحتفاظ بأماكنها وزمانها لتطابق السرد الحكائي للواقعة، فقد سعى رسام اللوحة إلى تمثيل درامي لها وفق بناء جمالي خاص حاول من خلاله أن يلم بواقعية الاحداث وفقاً لمرجعياتها التاريخية المدونة والمروية معتمداً منهجاً واقعياً تعبيرياً ورمزياً متخذاً من المضمون أساسا لبناء أشكاله، ويمكن استطلاع جماليات العمل من تتبع آلية الإنشاء المكاني والزماني.

أتخذ حسن روح الامين من الفضاء المفتوح مسرحاً وزع فيه بعملية تنظيمية أدوات تمثيله ليحاكي واقعية الحدث، وفق منظور روحي، فأنشأ أكثر من مركز للبصر اوضح من خلالها مكان وزمان الحادث، اذ أسس بنية مكانية تنوع معمارها، وأختص زمانها بها وبذلك تحولت الصورة الذهنية إلى بنية جمالية احتضنت رموز معلومة المداليل في الذهن الجمعي لتشكل تأريخاً بصرياً عن الواقعة.

كاتب : سامر قحطان القيسي