823 ــ هشام بن محمد الكلبي (110 ــ 204 هـ / 728 ــ 819 م)

هشام بن محمد الكلبي (110 ــ 204 هـ / 728 ــ 819 م)

قال في سخطه على عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية لقتلهما سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وفضح نسبهما المشبوه:

فإن يكنِ الزمانُ جنى علينا      بـقتلِ التركِ والموتِ الوحيِّ‌

فقد قتلَ الدعــيُّ وعبدُ كلبٍ‌     بأرضِ (الطفِّ) أولادَ النبيِّ‌ (1)

الشاعر

هشام بن محمد بن السائب بن بشر بن زيد بن عمرو بن الحارث بن عبد الحارث بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان ابن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة (2)، عالم وأديب ونسابة ومؤرخ وجغرافي، ولد في الكوفة (3)، وهو صاحب كتاب جمهرة الأنساب الذي يعد المصدر لكتب الأنساب إضافة لعشرات الكتب في الأنساب والتاريخ والعلوم الأخرى، ويُعد المؤلفون في الأنساب الذين جاءوا بعده عالة عليه، كمحمد بن سعد، والبلاذري، ومحمد بن جرير الطبري، والمسعودي، والسمعاني، الذين نقلوا عنه الكثير، حتى قيل: إن كتاب جمهرة أنساب العرب لابن حزم نسخة من كتاب جمهرة النسب للكلبي مع حذف وإضافة، كما أخذت كتب الأمثال عنه كمجمع الأمثال للميداني، وجمهرة الأمثال للعسكري، وكتاب الأمثال للقاسم بن سلام (4)

وأطلق عليه لقب: (إمام المؤرخين، وشيخ النسابين، ومؤسس المدرسة التاريخية العراقية) (5)

واعتمد ياقوت الحموي على كتب هشام في الجغرافية مثل افتراق العرب واشتقاق البلدان والأنساب والأصنام، وروى عنه ابن الجوزي وعمر بن شبة وابن أبي الحديد، وابن كثير، وابن عبد ربه، والتنوخي، وابن حجر العسقلاني، وابن منظور، وابن عبد البر، والذهبي في الحوادث والأنساب، واعتمد ابن الأثير عليه في شرح الأحداث ووضع تراجم الرجال قبل الإسلام وبعده، واعتمد عليه كذلك خليفة بن خياط في تأليف كتابه: الطبقات. (6)

وقال محمد سالم مقلد: (يعد المؤرخ والنسابة ذو شهرة بين العلماء والمسالكيين، وهو ابن محمد بن السائب الكلبى، توفى في 206 هـ / 821 م، وله كتاب البلدان الكبير وكتاب البلدان الصغير، ولم يتم العثور على أي منها، وكتبه شهيرة جداً فقد نقل عنه الكثيرون من الجغرافيين في كتبهم) (7)

كان والده عالماً ومفسِّراً ونسابة وراوية وعلماً من أعلام الأمة وأحد أفذاذ الكوفة وهو أبو النضر محمد بن السائب الكلبي من أصحاب الإمامين الباقر والصادق (عليهما السلام) (8) وقد ورث التشيّع عن أبيه وجده بشر بن عمرو الذي شهد هو وبنوه السائب وعبيد وعبد الرحمان، الجمل مع أمير المؤمنين (عليه السلام) (9)، وقد صنّف محمد بن السائب كتاباً في (تفسير القرآن) وكان معروفاً بالتفسير، وليس لأحد أطول من تفسيره، وحدث عنه ثقات من الناس (10) فنشأ هشام على يديه وتغذى من علومه روى عن أبيه كثيراً (11)، فبرع في شتى العلوم واختص بالأنساب

انتقل هشام إلى بغداد بعد أن طارت شهرته إليها قبله ووصلت المدن الأخرى، فحدّث بها، وكان من أعلم أهلها بعلم الأنساب وأوسعهم رواية لأخبار العرب وأيامها ووقائعها ومثالبها، وقد ورث ذلك عن أبيه. فكان من أحفظ الناس (12). وقد تحدّث عن نفسه فقال: (حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد. كان لي عم يعاتبني على حفظ القرآن، فدخلت بيتاً وحلفت أني لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن، فحفظته في ثلاثة أيام...) (13)

وقد أخذ هشام علم الأنساب من عين صافية فقد روي عنه أنه قال: تعلمت نسب قريش من أبي صالح وهو أخذ علمه من عقيل بن أبي طالب (14)

تلامذته

لم تذكر المصادر من تلاميذ الكلبي سوى ثمانية أشخاص رغم علميته الكبيرة وثقافته الواسعة، فهو فبالتأكيد ستكون له حلقة كبيرة من الطلبة والمتعلمين أما الذين ذكرتهم من تلاميذه والذين رووا عنه فهم:

ابنه العباس، خليفة بن خياط، شباب العصفري، محمد بن سعد كاتب الواقدي، محمد بن أبي السري البغدادي، علي بن حرب الموصلي، عبد الله بن الضحاك الهدادي، أبو الأشعث أحمد بن المقدام العجلي (15)

مؤلفاته

تنوعت كتبه ومؤلفاته بين الأنساب والأخبار والمآثر والمثالب والبلدان والشعراء والأيام وتميزت بالثراء والدقة والأمانة في النقل وكان ابن الكلبي غزير الإنتاج والعطاء المعرفي حتى تجاوزت مؤلفاته مائة وخمسين كتاباً (16)

وقد جمعنا ما ذكرته المصادر من كتبه المطبوعة والمخطوطة والمفقودة وهي:

أنساب الخيل في الجاهلية والإسلام وأخبارها ــ دار البشائر، دمشق – سورية الطبعة الأولى: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م / تحقيق الأستاذ الدكتور حاتم صالح الضامن

جمهرة النسب، رواية: أبي سعيد السكري، عن ابن حبيب، عنه / حققها وأكملها ونسقها: عبد الستار أحمد فراج، وقف على طبعه: محمد خليفة التونسي / مطبعة حكومة الكويت (سلسلة التراث العربي - وزارة الإعلام بالكويت - ٢١)، ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٣ م

جمهرة النسب، رواية: أبي سعيد السكري، عن ابن حبيب، عنه / تحقيق الدكتور حسن ناجي ــ عالم الكتب – بيروت، الطبعة الأولى، ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٦ م

كتاب الأصنام: تحقيق: أحمد زكي باشا / دار الكتب المصرية – القاهرة الطبعة: الرابعة ٢٠٠٠م

نسب معد واليمن الكبير ــ تحقيق: الدكتور ناجي حسن، عالم الكتب، مكتبة النهضة العربية الطبعة: الأولى، ١٤٠٨ هـ - ١٩٨٨ م

مثالب العرب ــ دار تموز 2014 ــ دمشق / تحقيق الدكتور جاسم ياسين درويش، سليمة كاظم حسين

أخبار الجن وأشعارهم 

أخبار العباس بن عبد المطلب

أخبار المنذر ملك العرب 

أخبار زياد بن أبيه

أخبار عمرو بن معدي كرب

أخبار مسيلمة الكذاب  

أخذ كسرى رهن العرب 

أديان العرب 

أسماء فحول العرب 

أسنان الجزور 

أسواق العرب 

أصحاب الكهف 

افتراق ولد نزار

الأحاديث 

الأقاليم

الأنهار

الأوائل 

البلدان الصغير

البلدان الكبير 

الحيرة

الخيل

الجن

الدفائن

الدوس

الديباج في أخبار الشعراء 

السيوف 

العجائب الأربعة 

العواقل 

الفتيان الأربعة 

الفداء

ألقاب اليمن

ألقاب بني طابخة

ألقاب ربيعة

ألقاب قريش

ألقاب قيس عيلان

القداح

الكهان

المثالب

المسوخ من بني إسرائيل 

المشاجرات

المشاغبات

المعاتبات

المعرقات من النساء في قريش

المعمرين

المقطعات 

المناقلات

الموؤدات

النواقل: فيه نواقل قريش وكنانة وأسد وتميم وقيس وإياد وربيعة

أمثال حمير 

أمهات الخلفاء 

أمهات النبي

المصلين

أولاد الخلفاء 

اليمن وأمر سيف بن ذي يزن 

أيام بني حنيفة  

أيام فزارة ووقائع بني شيبان 

أيام قيس بن ثعلبة

بيوتات اليمن

بيوتات ربيعة

تاريخ أخبار الخلفاء 

تسمية البيع والديارات 

تسمية ما في شعر امرىء القيس من أسماء الرجال والنساء والجبال والمياه 

تسمية من بالحجاز من أحياء العرب 

تسمية من قال بيتاً أو قيل فيه

تسمية من نقل من عاد وثمود والعماليق وجرهم وبني إسرائيل من العرب

تسمية ولد عبد المطلب 

تفرّق الأزد

تفرّق عاد

حبيب العطار

حديث آدم وولده

حديث بيهس وإخوته 

حكّام العرب 

حلف عبد المطلب وخزاعة

حلف الفضول

حلف كلب وتميم

حلف أسلم وقريش

خبر الضحاك 

خطبة علي عليه السلام

داحس والغبراء

دخول جرير على الحجاج

دعاء معاوية زيادا

رفع عيسى عليه السلام 

زيد بن حارثة 

شرف قصي بن كلاب وولده في الجاهلية والإسلام

صفات الخلفاء 

صنائع قريش

طسم وجديس

عاد الأولى والآخرة

عجائب البحر المنزل وهو النسب الكبير

عديّ بن زيد العبادي 

غزية

فضائل قيس عيلان

قسمة الأرضين 

كتاب أبي عتاب إلى ربيع حين سأله عن العويص 

كنى آباء الرسول

لغات القرآن 

ما كانت الجاهلية تفعله ويوافق حكم الإسلام 

مروان القرظ 

ملوك الطوائف

ملوك اليمن من التبابعة

ملوك كندة 

منار اليمن 

مناكح أزواج العرب الوفود أزواج النبي

منطق الطير 

من فخر بأخواله من قريش 

من قال بيتاً من الشعر فنسب إليه

من هاجر وأبوه

نواقل قضاعة

نواقل اليمن

وصايا العرب

وقائع ضباب وفزارة

يوم السنابس 

يوم سنّيق 

هذا ما نقله الحموي (17) عن ابن النديم من مؤلفات الكلبي وأضاف إليها:

الفريد في الأنساب: صنفه للمأمون

الملوكي في الأنساب أيضاً صنفه لجعفر بن يحيى البرمكي

الموجز في النسب

وذكر له النجاشي إضافة إلى ما تقدم:

أجراء الخيل

أخبار بني تغلب وأيامهم وأنسابهم

أخبار بني عجل وأنسابهم

أخبار بني حنيفة

أخبار تنوخ وأنسابها

أخبار جرهم

أخبار قريش

أخبار لقمان بن عاد

أخبار محمد بن الحنفية

التباشير بالأولاد

الذيل الكبير في النسب: وهو ضعف كتابه الجمهرة

الجمل

الجيران

الحكمين

الخطب

الردة

الرواد

الطائف

الطاعون في العرب

الغارات

الموؤودات

النهروان

تفسير الآي التي نزلت في أقوام بأعيانهم

حروب الأوس والخزرج

رموز العرب

صفين

عين الوردة

غرائب قريش وبني هاشم في سائر العرب

فتوح الشام

فتوح العراق

فتوح خراسان

فتوح فارس

قيام الحسن

كتاب كلب

مثالب ثقيف

مثالب بني أمية

مقتل الحسين ع

مقتل أمير المؤمنين ع

مقتل حجر بن عدي

مقتل رشيد وميثم وجويرية بن مسهر

مقتل عثمان

من نسب إلى أمه من قبائل العرب (18)

وذكر له ابن خلكان:

حلف عبد المطلب وخزاعة

حلف الفضول

حلف تميم

المنافرات

بيوتات قريش

فضائل قيس بن عيلان

الموردات

الكنى

شرف قصي وولده في الجاهلية والاسلام

المثالب

النوافل

ادعاء معاوية زيادا (19)

قالوا فيه

يعد الكلبي من أعلام الفكر العربي وكان من أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) وقد زخرت المصادر بالثناء عليه.

قال عنه النجاشي: (أبو المنذر الناسب العالم بالأيام، المشهور بالفضل والعلم، وكان يختص بمذهبنا، وله الحديث المشهور، قال: اعتللت علة عظيمة نسيت علمي، فجلست إلى جعفر بن محمد عليه السلام، فسقاني العلم في كأس فعاد إليّ علمي، وكان أبو عبد الله عليه السلام يقربه ويدنيه ويبسطه). (20)

وقال المحدث الشيخ عباس القمي: (الكلبي النسابة ويقال له: ابن الكلبي أيضا أبو المنذر هشام بن أبي النضر محمد بن السائب بن بشر الكلبي الكوفي كان من أعلم الناس بعلم الأنساب وقد أخذ بعض الأنساب عن أبيه أبي - النضر محمد بن السائب الذي كان من أصحاب الباقر والصادق عليهما السلام، وأخذ أبو النضر نسب قريش عن أبي صالح عن عقيل بن أبي طالب (21)

وقال الشيخ محمد هادي اليوسفي الغروي: (وقد نصّ كثير من علماء السير والتراجم من العامّة على علمه وحفظه تشيّعه) (22)

وقال ابن خلكان: (كان هشام من أعلم الناس بعلم الأنساب.... وكان واسع الرواية لأيام الناس واخبارهم...) (23)

وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء: (من الحفاظ والنسابين والرواة الذين ذكرهم المؤرخون في كتبهم واسندوا إليهم رواياتهم. كان مشهوراً بالعلم والفضل ومعرفة الأنساب والأيام، وكان الإمام الصادق يقربه ويدنيه منه). (24)

وقال ابن النديم: (عالم بالنسب وأخبار العرب وأيامها ومثالبها ووقائعها. أخذ عن أبيه وعن جماعة من الرواة) (25)

وقال ابن أبي الحديد: (نسابة ابن نسابة عالم بأيام العرب وأخبارها، وأبوه أعلم منه، وهو يروي عن أبيه) (26)

وقال الشيخ أغا بزرك الطهراني: (لقد بدئ بالتأليف في الأنساب بعد القرن الأول من ظهور الاسلام، وأول من فتح باب التأليف فيه كما اعترف به في كشف الظنون وغيره هو الامام النسابة أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي) (27) 

وقال ادوارد كرنيليوس فانديك: (هو من الحفاظ والنسابين والرواة الذين ذكرهم المؤرخون في سياق كلامهم وأسندوا إليهم رواياتهم). (28)

وقال ابن قتيبة الدينوري: (كان أعلم الناس بالأنساب) (29)

وقال الأستاذ أحمد زكي باشا: (هو هشام بن محمّد بن السائب بن بشر الكلبيّ، من الأعلام المشاهير، بل هو ركن من أركان النهضة الشرقية، وأساطين العلم وصناديد العرفان، أيام كانت الحضارة الإسلامية بالغة ذلك الشأو البعيد، وذلك الصيت الباقي على توالي الأيام) (30)

وقال الأستاذ الدكتور ناجي حسن: (هو بمثابة مدرسة علمية واسعة الأبواب، مشرَّعة المداخل، فهو الحُجَّة في كُلِّ فَن، وهو الصَّدر لكل وارِد، فهو العالِم والمؤرِّخ والنسَّاب، فما من كتابٍ في تاريخ العرب والإسلام إلَّا ولهشام فيه قدحٌ مُعَلَّى، وما مِن عِلمٍ من عُلومِ عَصرِهِ إلَّا ولَهُ فيه باعٌ طويل، فالطَّبري والبلاذري والمسعودي وأضرابهم يعتمدون عليه) (31)

وقال الزركلي: (مؤرخ، عالم بالأنساب وأخبار العرب وأيامها، كأبيه كثير التصانيف. من أهل الكوفة، ووفاته فيها). (32)

وقال الحافظ الجنيد: (كان من أعلم الناس بالنسب) (33)

وقال أبو نصر البغدادي المعروف بـ (ابن ماكولا): (ابن الكلبي القدوة في هذا الشأن، والكل عنه نقلوا الأنساب) (34)

وقال ابن الأنباري: (كان عالماً بالنسب، وكان من أحفظ الناس) (35)

وقال ابن الأثير: (أشهر علماء النسب وأحفظهم له، وأقلهم وهماً) (36)

وقال ياقوت الحموي: (لله در هشام بن محمد الكلبي، ما تنازع العلماء في شيء من أمور العرب، إلا وكان قولُه أقوى حجةً، وهو مع ذلك مظلوم، وبالقوارص مكلوم) (37)

وسنبين ظلامته وأقوال الزور والبهتان فيه.

وقال محمد بن أبي بكر التلمساني: (كان أعلم الناس بالأنساب) (38)

وقال الزبيدي: (ابن الكلبي، المرجوع إليه في هذا الشأن) (39)

وقال صديق حسن القنوجي: (الذي فتح هذا الباب وضبط علم الأنساب، هو الإمام النَّسَّابة هشام بن محمد بن السائب الكلبي‏) (40)

وقال الجاحظ: (كان علّامة نسّابة، وراوية للمثالب عيّابة) (41)

وقال عنه الدكتور جواد علي: (هذا هو هشام بن محمّد بن السائب الكلبيّ، مدرسة علميّة واسعة الأبواب، مشرّعة المداخل؛ فهو الحجّة في كلّ فن، وهو الصّدر لكل وارد.

فهو العالم والمؤرخ والنّسابة واللّغويّ. فما من كتاب في تاريخ العرب والإسلام إلّا ولهشام فيه قدح معلّى، وما من علم من علوم عصره إلّا وله فيه باع طويل، فالطبريّ والبلاذريّ والمسعوديّ وأضرابهم، يعتمدون عليه، وينقلون عنه.

وحسبك أنّ كتابا كتاريخ الأمم والملوك للطبريّ لا يلتقط أخبار هشام ابن الكلبيّ ورواياته حسب، بل أنّ تاريخ العرب قبل الاسلام فيه اكثره من أقوال هشام بن الكلبيّ، وفي الأخص القسم العراقيّ منه حيث ينفرد فيه ابن الكلبي بالرّواية) (42)

ورغم أن كتب ابن الكلبي تعد الموئل والمعتمد لدى المؤرخين والنسابة والجغرافيين وعلماء الحديث إلا أن كونه شيعياً كان كافياً للطعن فيه وتجريحه ووصفه بالكذب والغلو لأن بعض ما نقله من الحقائق حول شخصيات التاريخ الإسلامي وأحداثه لا يتلاءم مع أهوائهم وأمزجتهم، فنجد الصفدي يتبنّى قول أحمد بن حنبل فيه: (إنما كان صاحب سمر ونسب، ما ظننت أن أحداً يحدث عنه). (43) وقول الدارقطني: (متروك، وفيه رفض) وقد عده الدارقطني من الضعفاء والمتروكين (44)

وقال الذهبي في ترجمة هشام: (الشيعي أحد المتروكين كأبيه روى عن أبيه كثيراً وعن مجالد وأبي مخنف لوط وطائفة. ... وكان أبوه مفسّراً، ولكنه لا يُوثق به أيضاً، وفيه رفض كإبنه ثم ذكر قول ابن عساكر فيه: رافضي ليس بثقة). (45)

وقال الهيثمي: (هشام بن محمد بن السائب الكلبي عن أبيه وكلاهما متروك) (46)

وقال ابن العماد الحنبلي: (كان غالياً في التشيع، أخباره في الأغلوطات أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها) (47)

كما قال بذلك السمعاني (48) وابن حبان (49) وابن حجر (50) ويحيى بن معين (51)

والعجيب أن هؤلاء أنفسهم الذين قدحوا في ابن الكلبي واتهموه بالكذب، قد أثنوا عليه وأشادوا بعلمه واعترفوا بأخذهم منه ووصفوه بـ (النسابة الأوحد) (52) و(من أعلم الناس بالنسب) (53) و(إمام أهل النسب) (54) و(عمدة النسابين) (55)

والأعجب من يحاول أن يبرر هذا التناقض ويفتح باباً للتأويل فيقول: (بأن ابن الكلبي ثقة في النسب ضعيف في الحديث) (56)، فكيف يُوفَّق بين قول الذهبي: (لا يُوثق به) وهو كما واضح في عموم ما يروي ابن الكلبي، وبين أنه (ثقة) في النسب فقط دون الحديث، ولو كان هذا قصد الذهبي وغيره لبيّنوه وحددوا الفن الذي يوثق به من غيره، بل إن الواجب يحتّم عليهم بيانه، فهم مأثومون ومفترون لعدم ذكر وثاقته في النسب وإطلاق صفة الكذب عليه عموماً، ثم إن أخذهم منه لم يقتصر على الأنساب بل اعتمدوا عليه في الأخبار والحديث والمرويات كذلك، وقد نقل الطبري وحده عن الكلبي في تاريخه في ثلاثمائة وثلاثين مورداً، ثم قالوا إنه متروك!

وإذا كان التفريق بأن العالم قد يكون علامة ثقة في فن، ضعيفاً في آخر، فهناك فرق بين (الضعف) و(الكذب) فلا يُرمى من كان ضعيفاً بالكذب ولا بالأباطيل!

ويعزو السيد الأمين سبب هذا القدح إلى تشيعه فيقول بعد أن ينقل قول أحمد بن حنبل عن هشام: كان صاحب سِيَر ونسب ما ظننت أن أحد يحدّث عنه. (57)

كونه صاحب نسب وسمر لا ينافي كونه محدثاً ولكن المانع هو التشيّع فاعتذر بذلك. (58)

شعره

قال الشيخ مفلح بن راشد الصيمري في نسب يزيد بن معاوية: قاتل الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام: (قد رووا أن أمه ميسون بنت بجدل الكلبية، أمكنت عبد أبيها من نفسها فحملت بيزيد لعنة الله عليه، وإلى هذا المعنى أشار النسابة البكري - من علماء السنة - يقول:

فإن يكنِ الزمانُ جنى علينا     بـقتلِ التركِ والموتِ الوحيِّ‌

فقد قتلَ الدعــيُّ وعبدُ كلبٍ‌     بأرضِ (الطفِّ) أولادَ النبيِّ‌

أراد ب‍: الدعي: عبيد الله بن زياد، فإن أباه زياد بن سمية، كانت أمه سمية مشهورة بالزنا، وولد على فراش أبي عبيد عبد بني علاج من ثقيف، فادعى معاوية أن أبا سفيان زنى بأم زياد فأولدها زياداً، وأنه أخوه، فصار اسمه: الدعي، فكانت عائشة تسميه: زياد بن أبيه، أو ابن أمه، لأنه ليس له أب معروف.

ومراده ب‍: عبد كلب: يزيد بن معاوية لعنه الله، لأنه من عبد بجدل الكلبي، فلينظر العاقل إلى أصول هؤلاء القوم الذين كانوا يقدمونهم على آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا) (59)

وقد اشتبه الصيمري في تسمية الشاعر بالبكري وكونه من أهل السنة فقد ذكرت جميع المصادر أن القائل هو هشام بن محمد الكلبي الشيعي، حيث ذكر شبر ما نصه: كان زياد ينسب لأبي عبيد: عبد بني علاج من بني ثقيف لأن سمية اتهمت به، وولدت زياداً على فراشه فكان يسمى (الدعي) وأشار إليه النسابة الكلبي بقوله:

فإن يكنِ الزمانُ جنى علينا     بـقتلِ التركِ والموتِ الوحيِّ‌

فقد قتلَ الدعــيُّ وعبدُ كلبٍ‌     بأرضِ (الطفِّ) أولادَ النبيِّ‌

أراد بعبد كلب: يزيد لأن أمه ميسون بنت بجدل الكلبية أمكنت عبد أبيها من نفسها فولدت يزيد. وبالدعي: عبيد الله بن زياد. ولما سُئلت عائشة عن زياد لمن يُدعى، قالت: هو ابن أبيه. وكان زياد يسمى: وليجة بني أمية، وفي اللغة: الوليجة: الرجل الذي يدخل في القوم وليس منهم. ولما استلحق معاوية بأبي سفيان غضب لذلك بنو أمية لأنه أولج فيهم من ليس منهم، فقال عبد الرحمن بن الحكم:

أَلا أَبــــلِغ مُعاويَةَ بنَ حربٍ     مُغَلـــغَلَةً مِنَ الرَجُلِ اليَماني

أَتَغضَبُ أَن يُقالَ أَبوكَ عَفٌّ     وَتَرضَى أَن يُقالَ أَبوكَ زانِ

فَأَشهدُ أَنَّ رِحــمَكَ مِن زيادٍ     كَــرِحمِ الفيلِ مِن وَلَدِ الأَتانِ

وَأَشهَدُ أَنَّها وَلَــــــدَت زِياداً     وَصَخرٌ مِن سُمَيَّةَ غَيرُ دانِ (60)

وقد تحدثنا في نسبة هذه الأبيات في موضوع يحيى بن الحكم.

أما الأبيات المتقدمة فقد نسبت لهشام بن محمد الكلبي في بحار الأنوار (61) وأعلام الهداية ــ الإمام الحسين سيد الشهداء (62) ويقول الكرباسي (62) بعد أن يذكر البيتين: إنهما لهشام بن محمد الكلبي، نقلاً عن الميرزا محمد تقي سبهر (64):

(إلا أن فيه النسابة البكري والظاهر أنه تصحيف الكلبي).

.................................................................

1 ــ إلزام النواصب بإمامة علي بن أبي طالب (ع) للشيخ مفلح بن الحسن بن راشد بن صلاح البحراني: من علماء القرن التاسع الهجري تحقيق عبد الرضا النجفي ج 1 ص 171 / مجالس المؤمنين ج ٢ ص ٥٤٧ / بحار الأنوار ج ٤٤ ص ٣٠٩ / العوالم، الإمام الحسين (ع) للشيخ عبد الله البحراني ص ٦٠١ / أدب الطّف ج 1 ص 147 / أعلام الهداية: الإمام الحسين سيد الشهداء ــ المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ج 1 ص 103

2 ــ رجال النجاشي ص 434 / كتاب الأنساب للصحاري ص 102 / معجم رجال الحديث للسيد الخوئي ج ٢٠ ص ٣٣٦ 

3 ــ تاريخ الأدب العربي لفؤاد سزكين ج 1 ص 51

4 ــ مقدمة جمهرة النسب لهشام الكلبي تحقيق الدكتور ناجي حسن مكتبة النهضة العربية بيروت 1407 هـ / 1986 م ص 7

5 ــ نفس المصدر ص 3

6 ــ مقدمة كتاب: مثالب العرب لهشام الكلبي، تحقيق الشيخ نجاح الطائي / دار الهدى بيروت ــ لندن 1419 هـ / 1998 م ص 3

7 ــ الرحلة والرحالة الجغرافيون المسلمون ص 4

8 ــ رجال الطوسي ص 136 / عمدة الطالب - ابن عنبة الحسني ص ٨

9 ــ الطبقات الكبرى ج 6 ص 249 / تهذيب التهذيب ج 9 ص 180

10 ــ تهذيب التهذيب ج 3 ص 569 / المعارف لابن قتيبة ج 1 ص 536

11 ــ سير أعلام النبلاء ج 10 ص 101

12 ــ نزهة الألباء ص 76

13 ــ أعيان الشيعة ج 10- ص 265

14 ــ فهرست ابن النديم ص 95

15 ــ الوافي بالوفيات ج ٢٦ ص ٥٣ / وفيات الأعيان ج 6 ص 82 / أعيان الشيعة ج ١٠ ص ٢٦٥ ــ 266

16 ــ سير أعلام النبلاء ج 10 ص 101 / أعيان الشيعة ج 10 ص 265 / معجم الأدباء للحموي ج 6 ص 2779 تحقيق إحسان عباس

17 ــ معجم الأدباء للحموي ج 6 ص 2779

18 ــ رجال النجاشي 434 ــ 435

19 ــ وفيات الأعيان ج 2 ص 82 ــ 83

20 ــ رجال النجاشي ص 434

21 ــ الكنى والألقاب ج ٣ ص ١١٧

22 ــ وقعة الطّف لوط بن يحيى الأزدي الغامدي الكوفي ــ أبي مخنف ص 22

23 ــ وفيات الأعيان ج 6 ص 82

24 ــ أصل الشيعة وأصولها ص 385

25 ــ الفهرست ص ١٠٨

26 ــ شرح نهج البلاغة ج 9 ص 35

27 ــ الذريعة ج ٢ ص ٣٧٠

28 ــ اكتفاء القنوع ج 1 ص 62

29 ــ المعارف ج 1 ص ٥٣٦

30 ــ مقدمة كتاب الأصنام بتحقيقه ص 15

31 ــ مقدمة كتاب جمهرة النَّسب بتحقيقه

32 ــ الأعلام ج ٨ ص ٨٧

33 ــ سؤالات أبي إسحاق إبراهيم الجنيد ليحيى بن معين ص 179

34 ــ تهذيب مستمر الأوهام على ذوي المعرفة وأولي الأفهام ص 190

35 ــ نزهة الألباء ص 75 ــ 76

36 ــ اللباب في تهذيب الأنساب ج 1 ص 12

37 ــ معجم البلدان ج 2 ص 188

38 ــ الجوهرة في نسب النبي ج 1 ص 468

39 ــ تاج العروس ج 17 ص 323

40 ــ أبجد العلوم ص 303

41 ــ البيان والتبيين ج ١ ص ١٣١

42 ــ موارد تاريخ الطبري (مقالة في مجلة المجمع العلمي العراقي) ج 1 مجلد ٣ صفحة ٢١ (بغداد ١٩٥٤).

43 ــ الوافي بالوفيات ج ٢٧ ص ٢١٢ ــ 214

44 ــ الضعفاء والمتروكون ج 3 ص 135

45 ــ سير أعلام النبلاء ج 8 ص 281

46 ــ مجمع الزوائد / رقم الحديث: 13911

47 ــ شذرات الذهب ج 3 ص 27

48 ــ الأنساب ج 11 ص 135

49 ــ كتاب المجروحين ج ٣ ص ٩١

50 ــ لسان الميزان ج ٦ ص ١٩٦

51 ــ يحيى بن معين ــ سؤالات أبي إسحاق إبراهيم الجنيد ص 179

52 ــ ابن حجر العسقلاني ــ فتح الباري 6 ص 535

53 ــ الإصابة ــ ابن حجر ج 1 ص 325

54 ــ السلسلة الضعيفة / حديث رقم 458

55 ــ كتاب الضعفاء والمتروكين ص 57

56 ــ من وُثّق في علم، وضعِّف في آخر (ابن الكلبي النسابة أُنموذجاً) / موقع أشراف الحجاز

57 ــ سير أعلام النبلاء ج 8 ص 281

58 ــ أعيان الشيعة ج 10 ص 266

59 ــ إلزام النواصب ص ١٦٩ ــ 170 ــ 171 تحقيق الشيخ عبد الرضا النجفي

60 ــ أدب الطف ج 1 ص 147

61 ــ ج 44 ص 309

62 ــ تأليف المجمع العالمي لأهل البيت عليهم السلام ص 103

63 ــ دائرة المعارف الحسينية ــ ديوان القرن الثالث ص 177

64 ــ ناسخ التواريخ ج 4 ص 111

كاتب : محمد طاهر الصفار