584 ــ فرهاد ميرزا القاجاري (1233 ــ 1305 هـ / 1818 ــ 1888 م)

فرهاد ميرزا القاجاري (1233 ــ 1305 هـ / 1818 ــ 1887 م)

قال من قصيدة في رثاء الإمام الحسين (عليه السلام) ومدح أهل البيت (عليهم السلام) تبلغ (27) بيتاً:

تالله لا أنسى الحسينَ بـ (كربلا)     وعليه أجنادُ العراقِ تـعـطّفوا

يـدعـو وليس يرى له من ناصرٍ     إلّا المثقّفُ والحسامُ المرهفُ

والصـائـباتُ من السهامِ كأنّها الـ     أقـدارُ لا تـنـبـو ولا تـتـخلّفُ (1)

الشاعر

معتمد الدولة فرهاد بن عباس ميرزا ابن السلطان فتح علي شاه بن حسين قلي خان جانسوز شاه بن محمد حسن خان القاجاري، - عم السلطان ناصرالدين شاه -  شاعر وأديب وسياسي ومؤرخ وجغرافي، ولد في كرمان بإيران، من أسرة حكمت إيران لأكثر من مائة وثلاثين سنة، وكان جده السلطان فتح علي شاه شاعراً ويوقع شعره بـ (خاقان) وفرهاد هو عم السلطان ناصر الدين القاجاري آخر ملوك الدولة القاجارية.

كان والده عباس ميرزا ولياً للعهد ونائباً للسلطنة، فنشأ فرهاد محباً للعلم والأدب، عيّن له أبوه أفضل المربين والمدرسين، كما عرف عنه حسن تدبيره ورجاحة عقله فجمع بين العلوم والآداب والإدارة والسياسة. ونال من أسانيد عصره في علوم التاريخ والجغرافية والحساب والنجوم والهيأة والهندسة واللغة الانكليزية والفرنسية وباقي الفنون والعلوم مهارات خاصة (2)

عُيّن فرهاد والياً على لورستان وخراسان, كما عيّنه ناصر الدين شاه نائباً له على إيران خلال رحلته إلى أوربا.

وكان لفرهاد أعمال وانجازات عظيمة في الإسلام، من أبرزها: تذهيب المنائر الأربعة لضريحي الإمامين الكاظمين (عليهما السلام)، وتشييد سور مرتفع للصحن الشريف يتكون من طابقين، وتأسيس قاعدتين ضخمتين في سطح الطابق الثاني من الصحن فوق البابين الرئيسيين في جانبي الشرق والجنوب لنصب ساعتين كبيرتين عليهما، وبناء سراديب منظّمة لدفن الموتى في ساحة الصحن وإيواناته وحجراته بعد أن كانت تلك القبور ظاهرة للعيان وتعيق الحركة في الصحن.

وقد بدأ العمل في عمارة الصحن عام (1296 هـ / 1879 م)، وأنهي العمل عام (1301 هـ 1884 م)، ويعد هذا المشروع هو الأضخم لتجديد عمارة المرقد الكاظمي الشريف، وقد أوكل على ذلك اثنين من تجار الكاظمية هما الحاج عبد الهادي، والحاج مهدي الاسترباديان للقيام بهذه المهمة واذن لهما بالتصرف المطلق وبالمبلغ غير المحدود وقيل إن مجموع نفقات هذه العمارة بلغ مئتي ألف ليرة عثمانية ولا تزال هذه العمارة باقية إلى اليوم.

وقد احتفل بهذه المناسبة لمدة ثلاثة ايام، شارك في هذا الاحتفال مجموعة كبيرة من الشعراء منهم السيد حيدر الحلي والسيد جعفر الحلي والشيخ جابر الكاظمي والشيخ سلمان آل نوح وغيرهم.

ومما قاله الشاعر جابر الكاظمي من قصيدته التي تبلغ (47) بيتاً:

أي سورٍ على السماواتِ دارا      ولـكـفِّ الـخـضيبِ عادَ سِوارا

شادَ هذا الـفرهادُ فيها قصوراً      عدنٌ عنها قصورُ ذات قِصارا

ومما قاله الشيخ سلمان آل نوح من قصيدة تبلغ (42) بيتاً:

دمتَ فرهاد إذ عـمرتَ بـيــوتـاً      هـيَ يـنـبـوعُ حـكــمةِ العلّامِ

ما عـسـى أن أقـولَ فيكَ مديـحاً      أنتَ عن مدحِنا لـعمركَ سامِ

ليتَ شعري مَن ذا يدانيكَ فخراً      أنتَ أبهرتَ عقـلَ كـلِّ الأنامِ

بـصـنـيـعٍ أنسى صنيعَ ملوكٍ الـ    ـدهرِ طرَّاً وصنـعةَ الإهـرامِ

قـيـصـرٌ لــو رآهُ عادَ قـصـيـراً      بـاعُـهُ عـن بِـنَـــاهُ مع بهرامِ

نصرَ اللهُ دولـةً أنــتَ فــيــهــــا      كعمودٍ يقومُ وسْـط الــخـيـامِ

فـجـزاكَ الإلــهُ جـــنَّـــةَ عــدنٍ      مع (مهدّينا) و(هادي) الأنامِ

ومن أعمال فرهاد العمرانية أيضا بناء قلعة ميروان في كردستان (3)

أما آثار القاجاري العلمية والأدبية فكثيرة جمعنا منها من المصادر ما يلي:

1 ــ القمقام الزخار والصمصام البتار: وهو باللغة الفارسية ويحتوي على سيرة الإمام الحسين (عليه السلام) وشهادته ويقع في مجلدين، وقد ضمَّنه كثيراً من أشعاره الفارسية والعربية، وترجمه وحققه الشيخ محمد شعاع فاخر وطبع بالعربية عام (2002)، وقد ألفه رداً على كثرة الاختلاف في الروايات وأكد في ذلك في مقدمة الكتاب بقوله:

(وشرعت في التأليف والبحث .. واتخذت الله سبحانه شاهداً ووكيلا على أني لم آل جهداً مع قلة البضاعة، وعدم الاستطاعة بما وسعني العمل به من تقصي الروايات الصحيحة وترجيح الأقوال وتنقيح الأخبار التي تعج بها بطون الكتب من جميع الفرق الإسلامية وبالغت في جمعها وتحقيقها ولم أهمل شيئا منها ...) (4)

2 ــ جام جم: في الجغرافية لتمام الكرة الأرضية وتواريخها وهو في مائة وأربعين باباً وهو مترجم من الإنكليزية مع زيادات من المؤلّف. (5)

3 ــ هداية السبيل وكفاية الدليل: يتحدث فيه عن رحلته إلى الحج، وذكر فيه: وقائع كل يوم من سفره إلى مكة من يوم خروجه من طهران حتى رجوعه إليها (6)

4 ــ زنبيل: قال عنه السيد محسن الأمين أنه: (في فوائد متفرقة بالعربية والفارسية جمعه الميرزا محمد حسين المنشي العلي آبادي المازندراني من خطوط المذكور أيام ولايته على فارس سنة 1293 هـ). (7)

5 ــ كنز الحساب: شرح على خلاصة الحساب لمؤلّفه الشيخ البهائي. (8)

رسالة الأنساب ــ بالفارسية

صحائف العالم: قال عنه السيد الأمين: رأينا منه مجلداً في طهران بخط المؤلف فرغ منه سنة 1265 في شعبان (9)

إضافة إلى مؤلفات ومصنفات بالفارسية منها: (جغرافية إيران) وكتاب (تعليم اللغة الإنكليزية بالفارسية) (شعر بالفارسية والعربية). (10)

وقد ترجم للقاجاري كثير من الأعلام وأثنوا على سيرته، قال فيه السيد حسن الصدر: (فاضل عالم أديب، مؤرخ متتبع ماهر في عدة من الفنون العصرية وبالأخص الجغرافيا واللغة الإنكليزية، حتى أنه ترجم جام جم منها إلى الفارسية) (11)

وقال أيضاً: (كان رجلاً عفيفاً طاهر الذيل، لم ير في القاجارية أعف وأنجب منه، مع فضل وجلالة وحشمة، وحسن عقيدة وتشرع، وتعظيم لأهل الدين وتعصب في التشيع قوي، وله في ذلك حكايات ونوادر)

وقال فيه الشيخ أغا بزرك الطهراني: (كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً، جامعاً للفنون العصرية، ماهراً في التاريخ والجغرافيا، عارفاً باللغة الانكليزية والعلوم الرياضية، مؤلفا في هذه الفنون كلها) (12)

وقال فيه الشيخ عباس القمي: (كان فاضلاً كاملاً أديباً مؤرخاً جامعاً للفنون له مصنفات كثيرة شهيرة) (13)

وقال عنه الشيخ محمد أمين الخوئي: (وكانت له مكتبة فيها نسخ كثيرة من المخطوط والمطبوع، في فنون شتى من الكتب الشرقية والغربية، والنسخ النفيسة والأسفار والزبر، شاهدت له وصية بكتاب عند ابنه عبد العلي ميرزا معتمد الدولة الثاني، يوصيه فيها ويؤكد عليه أن لا يترك زيارة العلماء والاجتماع معهم والحضور في محافلهم، والاستنارة من فيوضاتهم وإشراقاتهم زمانا معتدة .. معللا بأن مجالسهم ومجالستهم نور ورحمة وبركة وعرفان وبر وخير) (14)

وقال عنه الشيخ محمد مهدي الكاظمي: (من أفاضل علماء زمانه، بل أعجوبة دهره وأوانه، ألف كتبا شريفة تدل على سعة باعه، وكثرة اطلاعه) (15)

وقال عنه الشيخ الجابري الأنصاري: (كان فرهاد يتحلى بخصلة العدل، وفضيلة السلوك الطيب، فأينما يولي وجهه في أقاليم إيران المختلفة يبسط العدل، وينشر الأمن، وينظم الأمور، فكان موضع احترام وتقدير ورضا الطبقات كافة) (16)

وقال عنه حسين عماد زاده: (إن هذا الرجل السياسي والأديب قد قدم خدمات إسلامية غاية في الأهمية للبلاد والإسلام وهي تدعو إلى التقدير والاحترام وقد حاز من أجل ذلك مكانة مرموقة بين العلماء والأدباء... ) (17)

توفي فرهاد میرزا القاجاري في طهران وبعد سنة من وفاته نقل جثمانه إلى الكاظمية ودفن عند باب المراد إلى يمين الداخل إلى الصحن الكاظمي وهناك باب صغير من أبواب الكاظمية سمي تيمناً باسمه يعرف بباب الفرهادية (18)

شعره

قال من قصيدته

قلبٌ يذوبُ أسـىً ووجـدٌ مُـعـنــفُ      وجـوانـحٌ تذكى وعـيـنٌ تـــــذرفُ

ما كنتُ أحسبُ قبلَ طرفِكَ سافحاً      حمرَ الدما أنَّ الـنـواظرَ تــرعــفُ

فـكـأنّـمـا بـمـذابِ قـلـبِكَ قد جرتْ      تلكَ الدمـوعُ فـبـلَّ منكَ الـمــوقـفُ

أفهل ترى أصمى فـؤادكَ أهـيـفٌ      حاشاكَ أن يصمي فؤادكَ أهـــيفُ

بل قـد دهـاكَ مصابُ آلِ مـحـمــدٍ      فـعـلـتـكَ مـنـهـا زفـرةٌ وتـلــهّــفُ

تالله لا أنـسـى الحسينَ بـ (كربلا)     وعليه أجنادُ العراقِ تـعـطّـفـــــوا

يـدعـو ولـيـس يرى له من ناصرٍ     إلّا المثقّفُ والـحـسـامُ الـمــرهـفُ

والصائـباتُ مـن الـسهامِ كأنّها الـ     أقـدارُ لا تـنـبـو ولا تـتـخــــلّــــفُ

لهفي على آلِ الرســولِ وحـرمـةٍ      هُـتـكتْ ورأسٌ قـد عـلاهُ مـثـقّــفُ

وعلى الشفاهِ الذابـــلاتِ وأضــلعٍ      عـجـفٍ يـطـيرُ لهنَّ نصلٌ أعـجفُ

لهفي على جثثٍ تُــركنَ تزورُهـا      وحشُ الفلا وتحوزهنَّ الصفصفُ

تـاللهِ لا أنـسـى الـحـسينَ وقد دنـا      بـيـنَ الـجـحـافـلِ راكـبـاً يستعرفُ

قـال انسبوني في أبـي ومـحـمــدٍ      جـدّي وفـاطـمـةَ الـبـتولِ وانصِفوا

وكـأنَّ مـعـجـزةَ الـكــلـيـمِ بــكـفّه      مـا تـلـتـقـي مـن قومِ موسى تلقفُ

لـمّــا تـنـزّلَ نـصـرُ ربِّ مــحمدٍ      صـمَّـت حـيـارى والـمـلائكُ وقّفُ

لـم يــرضـهِ إلا الـوفـاءُ بـعـهـدِهِ      ولـقـاءُ مَـن هـوَ وعــدُه لا يـخـلـفُ

لـهـفــي لـزينبَ إذ رأته مُـرمَّـلاً      وبـه جـنـودُ الأدعـــيـاءِ تـكـنّـفـــوا

نـادتْ بــأعـلـى صـوتِـها أمحمدٌ      هـذا حـسـيـنُـكَ بـالـعـراءِ مُــــدفّفُ

عجباً لـهذي الشمسِ لمّا أشرقتْ      تـلـكَ الـشموسُ حواسراً لا تكـسفُ

يـا أهـلَ ذي الـبيتِ المُقدّسِ إنكمْ      نـورُ الـعـوالـمِ والـسـنـامُ الأشـرفُ

(فرهاد) آنــسَ حــبّـكـمْ فـبـحبِّكمْ      لا زالَ يـذكـرُ فـضـلَـكـم ويـــؤلّفُ

كم كانَ عظّمَ مِـن شـعـائـرَ فيكمُ      بـمـنـاقـبٍ ومـآثــرٍ لا تــوصـــــفُ

وبنى لموسى والـجوادِ شـعـائراً      تُـبـنـى بـتـلكَ له القصورُ ورفـرفُ

الـيـومَ الّـفَ ذا الــكـتـابِ بحبِّكمْ      يـرجـو غـداً بـيـمـيـنِـه يـتـخـطّــفُ

خضعتْ جبابرةُ الـملوكِ لأمـرِه      لـكـنـه بــولائــكــمْ يـتـشـــــــــرَّفُ

تنسوهُ أو تردوهُ أو تــقـصوهُ أو      تـحـمـوهُ فــهــو بـحـبِّـكـــمْ يتعرَّفُ

صلى الإلهُ عليكمُ ما نـاحـتِ الـ     ـورقــاءُ أو نـعبَ الغرابُ الأسدفُ

..................................................

1 ــ أدب الطف ج 8 ص 58 عن عن كتاب القمقام لفرهاد ميرزا / موسوعة الشعراء الكاظميين ج 8 ص 194 ــ 195

2 ــ مقدمة القمقام الزخار والصمصام البتار ترجمة وتحقيق محمد شعاع فاخر / انتشارات المكتبة الحيدرية تقديم حسين عماد زاده ص 9

3 ــ موسوعة الشعراء الكاظميين ج 8 ص 192 ــ 193

4 ــ القمقام الزخار ص 29

5 ــ أدب الطف ج 8 ص 59

6 ــ الذريعة ج 25 ص 177

7 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣٩٧

8 ــ الذريعة ج 18 ص 150

9 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٣٩٧ 

10 ــ موسوعة الشعراء الكاظميين ج 8 ص 192

11 ــ تكملة أمل الآمل ج 4 ص 216

12 ــ نقباء البشر ج 5 ص 31 ــ 32

13 ــ الكنى والألقاب ج 3 ص 190 ــ 191

14 ــ مرآة الشرق ج 2 ص 1025 ــ 1029

15 ــ أحسن الوديعة في تراجم مشاهير مجتهدي الشيعة ج 2 ص 244 ــ 245

16 ــ تاريخ أصفهان ص 303

17 ــ مقدمة القمقام الزخار والصمصام البتار ترجمة وتحقيق محمد شعاع فاخر / انتشارات المكتبة الحيدرية ص 9

18 ــ موسوعة الشعراء الكاظميين ج 8 194

وترجم له أيضاً:

الشيخ محمد حسن آل ياسين / تاريخ المشهد الكاظمي ص 117 ــ 119

الدكتور نعيم عموري / دراسة أسلوبية في رثاء الإمام الحسين عليه السلام للشاعر فرهاد ميرزا القاجاري ــ جامعة شهيد تشمران أهواز-ايران

كاتب : محمد طاهر الصفار