عبد المجيد فرج الله (ولد 1388 هـ 1968 م)
قال من قصيدة في الإمام الحسين (عليه السلام) تبلغ (39) بيتاً:
هنا هاهنا قبر الحبيب بـ (كربلا) فدى تربه الأرواح إذ تـتـمـنّـاهُ
هنا نـزفـتْ وجـداً جراحُ حـسينِنا فأزهرتِ الرمضاءُ ورداً بريَّاهُ
هنا سكبتْ تـسـقي الـفـراتَ أكـفُّه لـذلـكَ مـا كـانَ الـفـراتانِ لولاهُ (1)
وقال من قصيدة (انعتاق الطفوف):
مِن (كربلائِـ) ـكِ يا دماءُ
تَوشّحَ الشاطي أساه
الجُرفُ يلطمُ وجهَهُ موجٌ غريبْ
تتكسّرُ الأصدافُ في روحٍ كئيبْ
وتمرُّ تحتَ الليلِ
مأساةٌ تَخَضَّبُ بالرجاء ...
مَن يا تُرى يدري بشاطئِكِ الحزينْ ؟
مَن يحملُ الأحداقَ جامدةً على دمعِ انكسارْ
لترى النهار ؟؟
*********************************
أُسطورةٌ من (كربلائِـ) ـكِ يا دماء
تلتفُّ حولَ عرائهِ الشتَويِّ
تلمسُهُ
تُداعِبُ وجهَهُ المعروقَ
تلثمُ جُرحَهُ ...
فإذا الشراعُ مآذنٌ للفجرِ
تغمرُها الملائكُ بالبهاءْ
وإذا الحسينُ
يُطِلُّ مِن أُفُقِ السناءْ (2)
الشاعر
الشيخ الدكتور عبد المجيد بن عبد الحميد بن خلف آل فرج الله الأسدي الجزائري، شاعر وأديب وكاتب ومؤلف وخطيب، ولد في البصرة من أسرة علمية أدبية برز منها العديد من الأعلام في الفقه والأدب.
درس فرج الله في الحوزة العلمية في النجف الأشرف، ولما اندلعت الانتفاضة الشعبانية في العراق عام 1991ه شارك فيها، ثم هاجر إثرها إلى إيران حيث مارس إلى جانب دراسته الحوزوية في قم المقدسة، العمل الإذاعي والصحفي، فعمل محرراً أدبياً في مجلة التوحيد في قم المقدسة، وقدم العديد من البرامج الدينية والأدبية في عدد من الإذاعات الإسلامية والعربية.
كما كان فرج الله من مؤسسي تلفزيون النجف الأشرف، وحصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ الإسلامي وعلوم الحديث عام 2006، ويدرّس مادتي التاريخ والتشريع الإسلامي وفقه القرآن في الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن، وهو عضو اتحاد الأدباء العراقيين والعرب، وعضو نادي الشعر العربي في دمشق، وعضو مؤسس لرابطة القلم الدولية ــ فرع العراق وعضو مؤسس لبيت الشعر النجفي.
له عدة دواوين منها: (أناشيد لعيون الورد)، (عودة الشمس)، (أنفاس الروح)، (صهيل الجراح)، (لحظة انكسر الطيف)، (عند ظل الألق) وله أيضا رواية بعنوان (قطاف الرمضاء) ومجموعة قصص للأطفال بعنوان (لا يتيم ولا غريب) ومن المؤلفات لديه: (فدك أبعادها ودلالاتها وامتداداتها) و(الحجة العلم الشيخ جواد السهلاني)، (موسوعة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله في الشعر العربي). (3)
شعره
قال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام):
تسائلُ عنكَ مـطـلـعـكَ البدورُ وليسَ سوى ضياكَ لها ينيرُ
وتـبـحـثُ عـنـكَ لاهثةً رؤانـا فـيـظـمـأ مـن تـلـهُّفِها الغديرُ
تـودُّ لـو أنّــهـا عـاشتكَ عمراً لتعبرَ منه رؤيتُكَ الـطـهــورُ
تلفَّعَ وجهُ أمـسِـكَ بـالـضـحايا لـتـمـنـعَ عـنــكَ أفـئدةٌ تـطيرُ
ومــا هــوَ غـيرُ قـبـلـتِـنـا وأنَّا فـراشٌ قــد دعــاهُ إلـيـهِ نورُ
ربـيـعُـكَ مُـفـعمٌ والكونُ طـاوٍ عـلـى بـؤساهُ ما فتئتْ تجورُ
ولـو يـسـمـو إلـى عـينيكَ منه بمحضِ حنينِه الوجدُ الكسيرُ
بفيضِ سناكَ تـنـعـتـقُ الدهورُ فتزهرُ نـجـمَـةٌ ويـفـيـقُ نورُ
وينزلُ من سماكَ الـطهرِ حلمٌ يـداعــبُ أعـيـناً ولهى تـدورُ
ويعشبُ منحرٌ ويضوعُ نزفٌ ويخضرُّ الأنينُ الـمـسـتـجـيرُ
وتـحـيـا كـلُّ قــافــيــةٍ مـواتٍ فتزكو إذ يفيضُ بها الشـعورُ (4)
وقال من قصيدة (يا سيد الزمان) وهي في الإمام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف):
ألفٌ وأنتَ وراءُ الــحـجـبِ مــسـتـتـرُ وألفُ جيلٍ مضى كلٌّ قد انتظروا
يا أيُّــهـا الـنورُ ماتتْ في محاجرِنا الـ أحلامُ وهـيَ ربــيــعٌ نـاعـمٌ غضرُ
قد كفّنتها أكفُّ اليأسِ واحــتــرقـــــتْ شفاهُها اليابساتُ الصفرُ يـــا مطرُ
عشنا نسلّي بكَ الأيــتـــــامَ نــخـبـرُها بأنَّ قـلبَكَ خلفَ الدّارِ يـصـــطـبـرُ
عــشـنا نـعـزّي الــثــكـالى في مآتمِها بأنَّ دمـعَـكَ مـثـلَ الـقـطـرِ ينــهمرُ
لا تسألنَّ سوى جرحي الّذي ارتعشتْ فيهِ الدّماءُ الّتي بـالـوجـدِ تـســـتعرُ
الـدّارُ بـعـدكَ فـي ظـلـمـاءِ مـوحـشــةٌ قد عافَ سمّارَها في ليلها الـقـــمرُ
والـدّيــنُ بَـعـدكَ ركــنٌ هـــدّه وثــــنٌ وراحَ يعبثُ فـي سـاحـاتِــهِ الـكــفرُ
نــدري بــأنــك تــدري كـلَّ ما خبئتْ أيـامُـنـا الـسودُ تأسى حيـثُ تستـترُ
وأنَّ عـيـنيكَ ما نامتْ علـى وجــعِ الـ ـذاوينَ شوقاً ولا أودى بـها السـهرُ (5)
وقال من قصيدة (الوداع الأخير):
صمتَ الدهرُ، واستكانَ المساءُ وهو يخشى ما تـحملُ الظلماءُ
بينَ خَــــيْـماتِـهـِـمْ وتلكَ السرايا أبدَتِ الأرضُ خوفها والسماءُ
ها هنا النورُ هامساً في صــلاةٍ ذاب فيها الوجدانُ كـيفَ يشاءُ
وهـنـاكَ الـظــلامُ يُوقِدُ حــربــاً ليـســودَ الــفـُـــسّاقُ والأدعياءُ
لـيـلـةٌ يَـذهَـلُ الـزمـانُ لَـديْـــهـا وتــحـارُ الأقــدارُ والأنـــــواءُ
ونجومُ الـسـمـاءِ تبكي بصمـتٍ ويـغـشي أقـمارَها الاِنــطـــفاءُ
ها هنا يجلسُ الحسينُ، وتـرنـو حـولـهُ أعـيُـنٌ حـيارى ظِـمـاءُ
وبـنو هاشــمٍ تــــهـامَـسُ سِرّاً: نـحـنُ لِلــحـربِ أهلُها الأقوياءُ
وعلينا تــدورُ مـنــها رَحــاهـا وبـنـا دونَ صحبِـنا الاِصطلاءُ
غيرَ أنَّ الأنصارَ آلــتْ تَفانـى دون ســاداتـِـها، فـجـــاء النداءُ
(إنني لم أجدْ صِحاباً كصحبي لا ولا مـثـلَ أهلِ بــيتيَ أكفاءُ)
هـذهِ لـــيـــلـــةُ الفخارِ، ولـكنْ بـعـدهـا سـوف تُستضامُ النساءُ
لا مُـعـيلٌ ، ولا وَلـِــيٌّ حـميـمٌ واللـــيـالــيُّ كُـلُّــــهــــــا لأواءُ
ويتامى الرسولِ تُوسَعُ ضـرباً وعــلـى ظُلمِهـِـمْ عَـدَتْ أعـداءُ (6)
وقال من قصيدة (الحسين .. نبع الضياء):
أرَجُ اللهِ مُــشـــرِقُ الأنـــــداءِ يـتـهـادى لأعْــيُــنِ الــزهــراءِ
أسْـلَـمَـتْـهـا ائـتـلاقـةٌ لِــعـلـــيٍّ فـإذا بـالـحُـسـيـنِ نـبـعُ ضــياءِ
إنْ يُفارِقْ أحشاءَها، فهْوَ مِنْها بضعـةُ البضْعةِ ارتدتْ بالسناءِ
ســادةَ الـنورِ، إنّ طَيبةَ طابتْ بِـكُــمُ، وازدهتْ عـلى الأرجاءِ
قد أتــيـنـاكُـمُ ضُـيُـوفـاً، وأهلاً إنْ نـأتْ دارُنـا فــقُـرْبُ الولاءِ
فاقبَلونا، وإنْ سـمـحتُمْ أميطوا فـوقَ أرواحِـنـا بـقايا (الكساءِ)
وإذا كـظّـنا الظَما يومَ حَــشْـرٍ فأغـيـثـوا الــظِــمــاءَ فيهِ بماءِ (7)
وقال من قصيدة (أعول الأفق الدامي)
وَجــمَ الـكــونُ، واسـتـبدَّ الـــعذابُ وبـكــــتْ أعـيُـنٌ، وذلّـتْ رقـابُ
وعـلـى السِبْـطِ أعوَلَ الأُفُــــقُ الدا مي وناحتْ سُهولُها والهـــضابُ
وعَلَتْ أنـجُــمَ السَـمـا غبـــرةُ الذُلِ فـغـارتْ، وهَــدَّهـا الاِكـتـئــــابُ
كـلُّ شـيءٍ يَـمـجُّ حُـزنـــــاً ودمـعاً ويْـكـأنَّ الـوجـودَ هـذا خـــــرابُ
والدِماءُ الحمراءُ تصبـــغُ وجهَ الـ ـرَمْلِ والــســاقــياتُ قَـفْرٌ يَـــبابُ
خَـــلَــعَ الــعـالَـمُ الـجـمــــيـلُ رِداهُ وطـــواهُ أســاهُ والاِنــــــــتـحابُ
حينَ أردى الـحُـسـينَ غَـــدْرُ يزيدٍ ودهــى أهلَهُ الكـرامَ مُـــــصـابُ
فعيونُ الـنـســـاءِ خـــوفٌ ورعبٌ ودُموعُ الأيتـامِ جــــــــمْـرٌ مُذابُ
كيفَ قضَّوا هذا المَسا؟ والأعادي يـتـبـــارَونَ بــــيـنَهُـــمْ والذئــابُ
أينَ مِــنـهُمْ حُماتُـهم ؟ كـم تــَـعَدّى ظالـِـمٌ غــــاشـِـــــمٌ لـهُــمْ سَبّابُ؟
آهِ لــو يـنـهـضُ الـحـسـيــنُ فيرنو للـيـتامـــى أخافــَــــهــا الإرهابُ
آهِ لــو يـلـمــحُ الــنــســاءَ تَــباكى وتُــــنــــادي بِــعَــوْلَــةٍ: يا شبابُ
ما لــــقِـينا مِن بعدِكم مِن رَزايا ؟ لم تُطِقْها حتى الرواسي الصِلابُ (8)
وقال من قصيدة:
يا بنَ البتولِ الطهرِ فــاطــمــةٌ هـيهاتَ تُدركَ نعلَها هــندُ
وابنَ الذي في ســيـفِـه بـرقـتْ مُقلُ السماءِ وكبَّرَ الرعــدُ
مـنـصـورة بــالــرعـبِ رايـتُه ولـذاكَ لـمْ يُـعـرفْ له نــدُّ
بــاللهِ خـــبِّـــرْ خـافـقــي أترى حقاً تُوزِّعُ شـلـوَكَ الجــندُ
حـقـاً ظـمـأتَ ومـتَّ مِـن ظمأٍ والماءُ قربَكَ بارداً يـبـــدو
حقاً فرى الكبدَ الشريفَ لك الـ ـسهمُ المثلثُ وهوَ يــمــتدّ
حـقاً رضيعُك فوقَ صدرِكَ قد أرداهُ حرملةُ الخنا الوغـدُ
حقاً أبـو الـفـضـلِ انـبرتْ يدُه والعينُ منه لسهمِهمْ قــصدُ
حـقـاً عـلــيُّ الأكبرُ انـتَـهَـبـتْ جـثـمـانَه الطعناتُ والـجلدُ
أواهُ من ذكــراكَ تـذبـحـنــــي فأموتُ مِن ولهي إذا أشدو
أواهُ من ذكرى تـحـطّــمــنــي فيشبُّ في قـلـبـي لهـا وقدُ (9)
وقال من قصيدة (يا لله قلبك يا رسوله) وهي في مولد الإمام الحسين (عليه السلام)
بذكرى مولِدِ الــسـبـطِ الـشـهيدِ أتيتُ إليكَ أُزجي بــالقصـيدِ
ففي مرآةِ روحِـــيَ يــا حـبيبي رأيتُكَ حامِلاً أســمـى ولـيـدِ
تُــقـبّـِـلُهُ وتــبــسمُ فـــي سُـرورٍ وجبرائيلُ يهــمسُ مِنْ بعيدِ
فيا لفؤادِكَ الــمُــلـــتاعِ شابــتْ مـسرَّتَـهُ دمــوعٌ في الخُدودِ
ويا للهِ قــلــبُـــكَ، وهْـــــوَ ذاكٍ تجيشُ بهِ المشاعرُ بالوُعودِ
ويا لكَ إذْ تُجيبُ بكـلّ حُــــزْنٍ وفـاطـمـةٌ تُسائلُ في شُرودِ:
(أبي يُبكيكَ عيبٌ في وليدي؟) وأنتَ شرَقْـتَ بالدمعِ الكؤودِ
ســــــــلامُ اللهِ آلَ اللهِ يــتــرى عـلـيـكُـمْ كُــلَّ آنٍ في الوجودِ
أتيتُ إلـيكمُ أُهدي الــتــهــانـي فـكـانَ الـدمْـعُ كـالدُرِّ النضيدِ
فما أنا قائلٌ؟ بل كيفَ عُذْري؟ أقـيلونـي العـثارَ بـكُلّ جـــودِ
أنا مولىً لكُمْ، وبذاكَ فـخــري فكونوا شافعـي (عبدِ المجيدِ) (10)
وقال من قصيدة (طوفان نحرك) وتبلغ (52) بيتاً:
طوفـانُ نـحرِكَ كــم تــشــظّــى أبــحُرا فسقى عـيــونَ الـنجمِ حــيـن تفجّرا
يـخـطـو، ويــتـبـعُــهُ الزمانُ تـهـالـكـتْ سنواتُهُ جَـرْيــاً، وقــد تعبَ السُرى
يـخـطـو، وكــلُّ مـــرافـــئِ الأكوانِ في ولَـهٍ تَــســـابقُ وهو مرفأُها الذُرى
تَعِبَتْ خُطى، ووَنَتْ حِجا، وخبَتْ رؤى وظــلـلــتَ فـي علياكَ حُلْماً لا يُرى
لا يُـــــــســــــتــطـاعُ ولا يُدانـى، كلَّما نضجتْ نُهى الأجيالِ ردّتْ قهقرى
طــوفـــانُ نــحـــرِكَ كم تمنّتْ وهْـجَـهُ زُمَـرُ الـملائــكِ، لو تجيءُ فتطْهُرا
وتضمُّ أزهارُ الـــربــيــعِ أريـجَــــــــهُ فإذا الـــشــذا فـيـهـا نـجيعُكَ مُزهِرا
وشــقــائـــقُ الــوردِ اســتـفــاقـتْ مرّةً فـيـهِ مُـــسَـبّـِـحــةً، فـفـاضتْ أحمرا
وعـلـى ســواحــلِـــهِ النوارسُ حُــوَّمـاً وحمـائـــمُ الفـلـواتِ تـشـدو حـُـسَّرا
والــنــجــمُ والــقــمــرُ اسـتنارا يسجدا نِ، ويذرفـانِ الضوءَ دمـعاً أخضرا
صـمـتتْ شِفاهُ الكونِ، لم تنبسْ .. وقدْ فُغِــرَتْ لِكِــبْرِكَ، والوجودُ تـحـيَّـرا
الــكــونُ أجــمــعُــهُ يطوفُ بكعبةِ الـ ـنــحــرِ الــعــظــيــمِ مُـلــبّياً ومُكبّرا
وعــلــى أثــيــرِ دِمـاكَ حــاولَ مــرَّةً أن يُرتـقـى .. لكــنْ كـبــا، وتــعـثّرا
طوفانُ نحرِكَ شامـــخـــاً مُــتــرامـياً بعدَ الجهاتِ .. يُطِلُّ قُطْـباً، مـحـورا
عَمَدٌ، بهِ رُفـِـعَــتْ ســـمـــاءٌ لا تُـرى لا تـستـبــيــــنُ تــخـيُّلاً، وتصُــوُّرا
أوَ هكذا الإنــســــانُ؟! أمْ أنـتَ الفريـ ــدُ ؟ أم الـعـقيدةُ مَــن تمثّلَها انبرى؟
أتــكــونُ أنــتَ الــسـرَّ لحــظـــةَ آدمٍ سـوّاهُ ربُّــكَ، خــرَّ يـسـجدُ مَن بَرا؟
طوفانُ نــحـــرِكَ بـــالأسـى يعتادُني فــيــهُـزُّنـــي ذرّاتِ وَجْـــدٍ، لا أُرى
أفنى بجائحةٍ الــعــواطـفِ، عاصِفٌ إيـــقــادُها، ويــصــيــحُ فيَّ مُـدَمّـِـرا
ويُــعــيــدُ تــشــكــيــلـي أثيراً نادراً ويُــــلَــــــوِّنُ الآفاقَ بي مُخضوضِرا
أنــدكُّ حُــزْنــاً، تــسـتـحيلُ قـرارتي أسرابَ أطيارٍ تُـسافـِـــرُ غُــــــــبَّـرا
تَــبـكـيـكَ، مُـعْـوِلَـةَ اللحونِ، يُـجيبُها صوتُ الـمَـفـاوزِ والرُّبـا مُـستعـبِـرا
وتـظـلُّ تــائــهــةَ الــقــرارِ غـــريبةً ويـزيــدُهـــا الشـفـقُ الـيـتـيـمُ تبعْثُرا
طــوفــانُ نــحــرِكَ لا يُــطـاوَلُ مَدُّهُ يــمـتــدُّ، والأيــامُ، لاهــثــــــةً، وَرا
تــتــســابــقُ الأجــيــالُ فــي تــيّارِهِ دفْــقــاً يــمــورُ، ومــوجـةً لنْ تُقهرا
هُوَ مــوئــلٌ لــلــــروحِ، وادعةً، ولـ ـكنْ حينَ تُقهَرُ يستجيشُ بما اعترى
ويــهــدُّ أسوارَ الحُصونِ، لِـيرسُمَ الـ ألَــقَ الـبـهيَّ على الوجودِ ، ويَعْـبُرا
طــوفــانُ نــحــرِكَ واحةٌ نُـوْرِيّـــــةٌ لِـسـنـائها المـَـلأُ المــقـدَّسُ قد سرى
هُــوَ وحــدَهُ إنْ قــالَ قُـِدّسَ أحـــرُفـاً أو صالَ يلـثـمُ وَقْـعَــــهُ وجهُ الثرى
وعلى مَدارِ خُــطــاهُ أشــرقَ نَــقْـعُهُ الـنـقـعُ يُشرِقُ، كيفَ لو قبَساً ورى؟
إيقاعُهُ، تــتـراقـصُ الـنـبـضـاتُ عِنْـ ـدَ وجيــــبِـهِ، وتُـذيــبُ فيهِ الأنـهُـرا
وُلِـدتْ بـيـومِ الــطَـِفّ كــلُّ الأنـبـيـا ءِ وكُــتْـبُـهــمْ بــســوى دمٍ لن تُزبرا
ما كانَ إلاّ نــزفُ نـحْـرِكَ يـا حُـسيـ ــــنُ يــخـطُّــهــا، إذ ذاكَ آدمُ كــبَّرا
طـوفـانُ نـحـرِكَ، هـا، توقّفَ بُرهةً عــجَــباً! بهِ الملَكوتُ قد شدَّ العُرى!
عـجَـبـاً تـوقّــفَ! إنَّ أُمَّــكَ في العُلا هـــا قـــد أطـلّتْ، يا لـفاطمَ إذ تَرى
ما ذا تَرى؟ سكنتْ هنا نـظـراتُــهــا وتـــلألأَ الدرُّ الـوديـعُ مُــــقـــــطّـرا
لا رأسَ، إذ هوَ هامُ كُــــلّ نُجومِــها لا كـونَ إلاّ الـتـمَّ عــنـــــــدَكَ مَنحَرا
أبكى عــلــيـكَ اللهُ؟ هـــل دمَــعــاتُـهُ هـذي النجومُ؟ أجــيئُـهُ مُــسـتـغفِرا!
طــوفــانُ نـحرِكَ في العراقِ سفائنٌ قـد أبحرَتْ فيهِ، وفـــيـــــــها أبـحَرا
مُذْ طَـــــفّـِـهِ لــلآنَ مـا ركـعـتْ لطا غــيــةٍ جــبــاهٌ، كـنــتَ تُذكي أنؤرا
فـ (بُريرُ) يقفوهُ (حبيبٌ) و(ابـنُ عو سجةٍ) و(هانئُ) و ابنُ .. كلَّهُمُ ترى
عــادوا أُلــوفَ أُلـوفٍ انبَجَسوا جُنو دَكَ، والفراتُ مُهروِلاً مُـتـــــفجّـِـرا
وجثا لدَيكَ، يُريدُ يـرشـفُ مِـن شِـفا هِــكَ رِيَّـهُ، فــأنــلْــهُ مـنكَ الجوهرا
والنخلُ، كلُّ الطلْعِ فيهِ حروفُــكَ الـ ــقَـمْـراءُ تــغـذوهُ وثــورتُــكَ القِرى
حَـبّــاتُ هـذا الــرمــلِ مِـــرآةٌ لوجـ ـهِــكَ، والــقـبــــابُ تنفّستْكَ الكوثرا
فإذا الحسينُ هو العراقُ، وشـــعـبُـهُ قطَراتُ نزفِكَ، مثلَ ما تجري جرى
طوفانُ نـحرِكَ ذا صداهُ مُجلْـــجــلاً في الــقُـدْسِ، والإسراءُ منكَ تعطّرا
وهناكَ مُرتـسِـمٌ على الطرُقـاتِ والـ أيــتــامِ شــيءٌ مــنـكَ يُؤويْهم ضَرا
مَرَّتْ على لبنانَ إصبَعُـكَ الـــتـــــي قـطـعَ الــطغاةُ، فأبرقتْ، إذ زمجرا
ونضا حُسامَكَ في الجنوبِ مُـقـــاوِمٌ فـأعدْتَ فـيهِ الـمُـسـتـحيلَ مُــقـــدَّرا
والآنَ تُبرِقُ عندَ أقــصــانـــا فـتـشـ ــتـبـكُ النصولُ، وتُستعادُ بكَ القُرى
بُشرى لها، لو ترتضيكَ طريــــقَـها فــالنـصـرُ حالَــــفَــها، وإلاّ لن ترى (11)
وقال من قصيدة (نزفك الزمن المستحيل) وتبلغ (30) بيتاً
تَورّدَ وجهُ الــرؤى الـســاهــــرةْ بفيضٍ من البهجةِ الــغـــامرةْ
يُلامسُ بالنورِ نبضَ الزمـــــــانِ وينهلُّ بالرحــمـةِ الــعـــاطرةْ
ويــبــذرُ بــيـنَ أنــيــنِ الرمــــالِ شرايــيــــنَـهُ لــهــفـةً ناضرةْ
ويمتدُّ زَهْواً وراءَ الـشـمـــــــوسِ لـيمنحَها الفرحةَ الــســاحـرةْ
عـيـونٌ تُــطــوّفُ فــــي أوجُــــهٍ تـنـثُّ بهاءَ الــســمـا الماطرةْ
فـتـبـسـمُ للأمــلِ الــمُــسـتـــــفـيـ ـضِ والرعشةِ الغضّةِ الفاترةْ
تُـــحَـِدّقُ عـيـنا وليدِ الــــــنــقــاءِ بــهــا، فــتــفـزُّ الـمُنى حائرةْ
فكلُّ الــعـوالِــــمِ تُطــــوى بــهــا وتُــمْرِعُ في نــبـضـةٍ هـامرةْ
ولا عــجَــبٌ، فــالــقلــــوبُ التي تُــمَــدُّ الــعُــلا شـهـقةً شاكرةْ
إلى ربِّها، تـسـتـحـيــــــلُ رحـاباً تـلـــفُّ خُـــطى كونِهِ السائرةْ
عيونُ الرسولِ تــــفيضُ بصمتٍ وجبريــلُ هــمـسـتُــهُ قاهــرةْ:
(سيكبرُ هــــذا الــســنـــاءُ الوليدُ وتـقــتلُـــهُ الــــثُـلّةُ الكافـــــرةْ
سيُمسي جراحاً، جراحاً، جراحاً على الرملِ في لَسعةِ الهاجـرةْ
ولــكـنَّ ديــنَـــكَ لـــن يــسـتـقـيم إذا لــم تُـطَــلَّ الـدِما الطـاهرةْ
فــديــنُــكَ مــخـبـوءُ نــبـــضٍ لهُ يـــــــســـيلُ بهِ أبحُراً زاخـرةْ
فـيـسـتـبـقُ الــزمـــنَ الـمُـنـتـئـي ويزرعُهُ روحَـكَ الــبــاهـــرةْ
فيبكي عليٌّ، وتــبـكي الــبــتــولُ ويبكي الرسـولُ، ومَن شاورهْ
فيا أيُّـهـا الــزمــنُ الـمُـســتـحـيلُ عـنـتْ لكَ أبصارُنا الحـاسـرةْ
تَــمــثّــلَ فــي بــشَــرٍ إذ تـــسـيـ ـرُ قـــطــبـاً لأرواحِـنا الدائرةْ
طويتَ الطريقَ الطويلَ الخـطيرَ لـتـخـتـصرَ الـدربَ للآخــــرةْ
وقــلــبُــكَ فــاحَ عـلـى دَفْــقِـــــهِ أريجُ الــيــقـــينِ رؤىً طاهرةْ
وحــولَــكَ مِـن سادةِ الـمَكرُمات وجـوهٌ إلى ربّـِهـــــــــا ناظـرةْ
يطولُ مــع الـلـيـلِ هـذا الطريق ووقـعُ الخطى نـغـمــةٌ شاعرةْ
وهـمـسُ الـتــلاوةِ فـي صـمـتِـهِ كــخـفـقـةِ نورٍ بدتْ ســــافــرةْ
إذا رتّــلَ الــركـبُ آيَ الـكـتـاب تُـطِـــــلُّ الملائكــــــةُ الحـائرةْ
لتنظرَ كيفَ يكونُ الــنـــشـيــــج نــشــيداً، وهذي الفلا حاضرةْ
وكيفَ يكونُ الدعـــاءُ الـبـهـيــج مـباسـمَ فــجــرِ الندى العامرةْ
وكـيـفَ تكونُ أكــفُّ الــجــراح مـقـاديرَ جــامــــحــــــةً مائرةْ
فـيـنـهـدمَ الـلـيـلُ، تخزى الطغاة وتـرْجـِعُ بالــصفقـةِ الـخاسـرةْ
ويسمو على الرمحِ رأسُ الحياة تَلاقَـفُـهُ الأنــجُـــــــــمُ الزاهرةْ (12)
وقال من قصيدة (عيناك .. والأُمنيات)
عيناكَ والــجَــفْـنُ البَليلُ والأُمـنـيـــــاتُ بــهـا تُـقــيــلُ
بزغتْ على أمـــدائِـــها شمسٌ، يـــذوبُ بـها الأصـيلُ
صـوتٌ نــــــــديٌّ وادِعٌ هيَ ذي الـــمُطـهّرةُ الـبـتــولُ
ونــداءُ قـــرآنٍ يُــــــرتّـ ــلُـهُ عـــلى الـمَلإِ الــرســولُ
وإذا البشيرُ، يجيءُ، يَهْـ ـتِـــفُ بالـبــشـارةِ جـبـرئــيلُ
وُلِدَ الحُسينُ الـسـبطُ فانـ ـهمرَتْ عـلى الجدْبِ السيولُ
أحنى الرسولُ، يـضـمُّـهُ فـــتــــشـــمُّ أفرُعَها الأُصولُ
لـكـنَّ هــمـسـةَ جــبـرئيـ ـلَ لها انحنى الدمعُ الخضيلُ
مِنْ يومِها لبسَ الــســرو رُ الدمــعَ، حــيـثُ هو البديلُ (13)
وقال من أخرى:
أتيتُكَ مُلـتاعَ الأســــى حــامِلاً هامـي لأجـعـلَــهُ وقــفــــاً لِـمـنـحـرِكَ الــدامـي
إمامي، وفـي روحــي تجيشُ مشـاعرٌ أتَتْ لكَ حَـبْواً ترتـدي دمـعـيَ الـهــامي
أذوبُ عـلى أعــتابِكَ الــشُــمّ عـــاشقاً أُقبّلُها، أسـتـافُ زهْـرَ الـعُــلــى الــنامي
وأفـنى بشــوقِ الحُبّ ، يُفعِمُ خـــافقي فمُذْ عالَمِ (الإشــهــادِ) تـيّـمْـتَ أنـغــامي
إمامي، حُــسينَ القلبِ، مولايَ ضُـمَّهُ وَرَوِّ احتراقَ النبضِ مِنْ بحرِكَ الطامي
أنلْنِيَ مِـــنْ عـيـنـيـكَ نـظـرةَ رحــمـةٍ لتحيا بها روحي، وتُــطـفِــئَ إضــرامي
وحَقّ هَــواكَ العَذْبِ، عـذّبْتَ شـهقتي لأنكَ مِــحْــرابُ الــجـراحـاتِ قـــــدّامي
أبـا ألْـــفِ جُـرْحٍ بـعــدَ ألْفٍ، حـمَلْتَها وتـلـهَـجُ: لـو يُـرضـيكَ خُذْ ربيَ الحامي
تـولّـهــتَ في حُبّ الوَدودِ، وهـانَ ما تــلاقــي بــعـيـنِ اللهِ مِــنْ أجــلِ إســـلامِ
فأبكـــيتَ حتى حاملي العرشِ، فـاتئِدْ أخــافُ عـلـى عـرْشِ السماواتِ يا دامي
أ مـــولايَ أمـواجُ الـدموعِ تسيرُ بـي وإنـي غـريـقٌ فـي دمــــــــــــــوعٍ وآلامِ
أنا أتـــشـظّـى قُرْبَ نحْـركَ، لُـمّــنـي ولامِــسْ جــراحــي وانـبهاري وإعتامي
أضِــئْ فيَّ شـمسَ اللهِ، فالذنبُ قـاتلي ويــا حـسـرتـي إنْ جـئـتُ ربِّــي بـآثامي
أُقلّــبُ طرفَ الـحُـبّ، أُقـبِـلُ مُـحجِماً أمـوتُ حـيـاءً بـيـنَ خـطـوي وإحــجامي
فخُــذْ أنتَ كفَّ الروحِ، واسمُ بها إلى إلـهـكَ، طَــهّــرْهــا بــمــوشـــــورِ إلهامِ
تُـرابُـكَ يـشـفـيـنـي، وقدْ ذُبْتُ داعــياً بـقـبّـتِــكَ الــشــمّــاءِ، غــصْـتُ بأحلامي
أ مــولايَ، بَـشرْنـي بـنَـيْـلِ شفـــاعةٍ فــأنــتــمْ إلـــى ربِّــي وســيــلــةُ إكرامي
أيا مَـلِـكَ الـمـاءِ الـخـجولِ، تلعْثــمتْ بــبــابــكَ آهـــاتُ الــفــراتِ وأعــمــامي
يُـعـذّبُــهـمْ أنْ مـتَّ ظـمـــآنَ طـــاوياً ومـا الـمـاءُ إلاّ مَــهْـرُ أُمِّــــــكَ يا ظامي
بـبـابِـكَ قـامَ الماءُ، وانهَـدَّ خـــاشــعاً ومـنْ دمــعِــهِ دمـــعٌ بــأحــداقِ أكــمـــامِ
ودمْعٌ بأجـفـانِ الــنــخـــيـــلِ مُـسَـعَّرٌ ودمـعُ الـعـراقـيـيــنَ جــاؤوا كــأيــتـــامِ
وها هُمْ شُعوبُ الأرضِ تهفو قلوبُهُمْ لـتـلـثـمَ قُـــدْسَ اللهِ فــيــكَ بــإعـــظـــــامِ
أ أنتَ وراءَ الــتُــربِ ؟! أيــةُ تُــربةٍ تــضـمُّــكَ ؟! والأنــوارُ أنـتـمْ بــأجـسـامِ
وأيُّ ضــريحٍ رصّــعـــتــــهُ لآلِـــئٌ يــحــدُّ الــذي مــا حُـــدَّ فـــي أيّ أرقـــامِ
جثا الزمنُ الــمــكــسورُ عِندَكَ نادباً وأدمـعـهُ انــهــالــتْ بـــآلافِ أعــــــــوامِ
وطافتْ على آلامِكَ الــحُــمْــرِ أنجُمٌ تـريـقُ عـلـيـهـا الـضـوءَ عـبـرى بــإيلامِ
ولمّا أصابَ الــظـالـمـونَ بـحــقْدِهِمْ فـؤادَ كــتــابِ اللهِ أســــــهُـــمَ إجــــــــرامِ
رأيــنــاكَ لـمْـلـمـتَ الـحروفَ وآيها وأحْــيــيــتَ بــالــنــزفِ الـتُقى بعدَ إعدامِ
وأشـرقَ وجـهُ الـكـونِ يـرنـو مُدلَّهاً لِـجُـرْحِـكَ يــفـنـي كُــلَّ رِجــسٍ وأصــنامِ
فـسـطّـرَ فـي سِـفْـرِ الـخلودِ مـؤرّخاً (ضـريـحُـكَ إيــنـاعُ الهُدى بالدمِ السامي) (14)
وقال من قصيدة (هلال الأسى):
يا هِــلالَ الــمُــحَــرَّمِ الــمَــحـــزونا اِنطفَتْ فيكَ آتــيــاتُ الـسِنينا
كُـلُّ مَــنْ يَـبـتـدي بـــعـــامٍ جــــديـدٍ يَــتـــمـــلاّهُ آمـــلاً مَــفـتــونا
أوّلُ الـعـامِ عـنــــدَهُ يـــــــومُ عــيــدٍ فيه يرجو أحــلامَـهُ أنْ تحينا
غـيـرَ أنــا وَلَــهْــفَ قـلـبـي عـلـيـنـا ما نرى فـيكَ عـيدَنا المَظنونا
انكساراتُ لونِكَ الرّاجفِ الـــخــابي تـلاقـتْ مـع الــظـلامِ شُجُونا
وأماطَتْ ذكرى الـجـــــراحِ فأدْمَتْ بأسـاهـا قــلوبـنا والــعُــيــونا
يا هــلالاً مــا كــــانَ إلا انــطـفــاءً كـنْ بِـطُــوفــانِ دَمعَتَيَّ سَفينا
أبحَرَتْ في الدُموعِ روحي وطافتْ حسراتــي، وذوّبـتــنـي حـنينا
عــجــبــاً مــن عــذابِـنـا يــتــنـامى ونُـســاقـيـهِ نـبـضَـنـا والأنـينا
وخـيـالُ الحُسينِ يُشْرِقُ في الأُفْـــقِ لِـتـهــدي دمــاؤهُ الــتـائـهـيـنا
ألـفُ جُــرْحٍ ومِـن مِــئـاتِـكَ تِـسْــعٌ وسعـيرُ الآلامِ يضري المَنونا
يــا تُــرى هــلْ دَرَتْ أذاهُ قــلــوبٌ ماتَ مِـن أجْلِها ليُـحـيـي الدِينا
ويـنـادي: لــقــدْ تــفَـتَّــتَ قـــلــبـي عـطَـشاً، فانضحوهُ مـاءً مَعينا
فــإذا سَــهْــمُــهُ الــمُــثَـــلَّثُ ماضٍ فـي حــشاهُ، فـخَـرَّ مـنهُ طَعينا
جِـسْـمُـهُ لـلـسُـيـوفِ قـدْ صارَ نَهْباً وحــوالـيْـهِ أهــلــهُ ظــامـئـيـنا
وعـلـى الـرُّمـحِ رأســـهُ رفــعــوهُ وهو يرعى مِن فوقِهِ المسلمينا (15)
وقال:
مـكّـةُ الـوحـي أشـرقـتْ بالحسينِ حـيـنـمـا جـاءها عـلـى وجلينِ
واستعادتْ ذكرى الرسولِ فحنَّتْ لأريــجٍ لــه لــدى الـحـسنـيـنِ
نصفُ قرنٍ من الـفـراقِ تـقـضَّى وهيَ ولهى مشبوحةُ الـعـينينِ
ها هوَ الـمـصـطـفـى يعودُ أما قا لَ: حسينُ منّي وأنا من حسينِ
ولــقــد قـــال: عـتـرتي وكــتـابُ الله فـيـكـمْ أخــلّـــفُ الــثـقـلينِ
مكة الخيرِ هلْ عـلـمـتِ بـــأنَّ الـ ـسـبـط نـاءٍ فـلا تـمـدِّي اليدينِ
سـفـرٌ كــلّــه غـمـوضٌ وخـــوفٌ وذهولٌ يطفو على الـمـقـلـتينِ
وأمـيـرُ الـفُـسَّــاقِ غــدراً يـنـادي يـالـثـاراتِ بــدرِنــا وحــنـيـنِ
ودّعي السبطَ مكّةَ الخيرِ وابـكـي لأســاهُ يــا حـلـوةَ الـطـلـعـتينِ
سوفَ يقضي ظما بـشـطِ فـراتٍ وهـوَ يـرنـو أسىً إلى الضِّفَّتينِ
والـجـراحاتُ تغسلُ الرملَ بحراً يـتـخـطّـى الـمـلا بـلا سـاحلينِ
الـــمـــــدى كـلّـه لــه ومـــنــــاهُ أن يفوزَ الإنسانُ في الـنـشأتينِ
غير أن الـعـدى قـد احــتـوشـتـه وهوَ يدعو هلْ مِن مُـوفٍّ لدينِ (16)
وقال من قصيدته الهائية التي قدمناها:
عـلـى الألـقِ الـزاكـي يـــبــاركُه اللهُ هوى القلبِ إذ هـــذا الحسينُ ومثواهُ
أشمُّ أريجَ النورِ من مــنحـرِ الضحى وأذرفُ دمـــعَ الــروحِ عـنـدَ مُحيَّاهُ
هنا هـاهـنـا قبر الــحبيب بـ (كربلا) فـدى تــربــــه الأرواح إذ تــتـمـنّـاهُ
هـنــا نـزفـتْ وجـداً جراحُ حـسينِــنا فأزهرتِ الـرمـــضــــاءُ ورداً بريَّاهُ
هنا ســكـبتْ تـسـقي الـفـراتَ أكـفُّــه لـذلـكَ مـا كـانَ الــفـراتـــــانِ لـولاهُ
هنا جسدُ الـسـبـطِ الــشــهيدِ مُبضَّــعٌ وتـلـثـمُــه الـشـمـسُ اليتيــمةُ رحماهُ
هنا احتضنَ الطفلَ الرضيعَ ونحــرُه تــلــوَّنَ مــن نـزفِ الـبـــراءةِ مرآهُ
هـنـا مِـن عـليِّ الأكبرِ امتدَّ أبـحـــراً نداءُ الدمِ الـظـمآنَ يرشــدُ من تاهوا
هنا قـبَّـةُ الأقـداسِ تـحـتَ ظـلالِـــهـا شآبيبُ غفرانٍ لـمَـن بـالـــدعا فاهوا
هيَ الـوطـنُ الأغـلى أليسَ صــلاتنا تُــتــمُّ لــديــهــا والــمـســـاجدُ أشباهُ
هـنـا رفــرفتْ ولهى ملائــكـةُ السما وأمـعُـهـا شــلالُ نــورٍ تــــغــشّـــاهُ
هنا قالَ هلْ مِن ناصرٍ ينصرُ الهدى وهـلْ مـن مُـغـيثٍ كي يذبَّ بــيمناهُ
أجـلْ ألــفُ لــبَّـيـكـمْ وسمعاً وطاعةً هـتـفـنـا مـن الأصـلابِ ثــــمَّ أتـيناهُ
فـهـا نـحـنُ أنـصـارٌ وهــذا إمـــامُنا حـسـيـنٌ أبـو الأحرارِ نحـنُ سـراياهُ
لـهُ كـلُّ حـرٍّ يـنتضي العزمَ صارخاً فـداؤكَ قـلـبـي يـا حـســينُ ونبـضاهُ
نـجـيءُ إلـى ريـحـانةِ المصطفى لنا قـلـوبٌ سـمـا فيـهـا الـــولاءُ لـعـلياهْ
نـوالـيـهِ لـم يـقعد بنا الخوفُ والونى ونـعـطـي بـحاراً من دمــانا لمرقاهُ
وهذي هتافاتُ الـمـلايـيـنِ قـد علـتْ فلا وإلهِ الــحــقِّ نـــنـسـى حـسـيناهُ
به حُــرِّرتْ مِنّا الـعـقـولُ وأزهـرتْ بـأرواحِــنــا أفــكــــارهُ وســجــاياهُ
وعــلّــمَــنــا أنَّ الـــعــقــيــدةَ سُــلّـمٌ إلـى اللهِ والـطـغـــيـانُ تعلو ضحاياهُ
وإنَّ لُــبـابِ الــديـنِ صـدقُ مـواقفٍ وإخــلاصُ نـــــيَّاتٍ يـوثّــقُ دعــواهُ
وقد خطّ هـذا الــمـوتُ مـثـــلَ قلادةٍ على الجيدِ يا مرحى بموتٍ به الجاهُ
وإنَّ الــدّعــيَّ ابــنَ الــدعـــيِّ يريدُه عـلـى سِــــلّـــةٍ أو ذلّـــةٍ يــتـــــولّاهُ
وهــيــهـــاتَ مِنه ذِلّةً واســتــكـانــةً ويــأبــى لـــه ذاكَ الإلـــهُ ومــــولاهُ
ولمْ يَرَ الاســتـشـهـــادَ إلّا ســعـــادةً لــذلـكَ خاضَ الموتَ والحقُّ مسعاهُ
وقــــدَّمَ للهِ الـــقــرابــيــنَ أنــفُـــســاً مُــطــهَّــرةً تــعـطي الوجودَ مزاياهُ
رأوا ربــهـمْ رأيَ القلوبِ فأرخصوا لمرضاتِه الغالي فــفــازوا بــأخراهُ
فـأيـنَ طـغـاةُ الـجــورِ أيــنَ قبورُهمْ ألا تـبتِ الأيدي وتعساً لمَنْ شـاهـوا
وهــاهــمْ ولاةُ الــحـــقِّ هذي قبابُهم لـهـمْ يـركـعُ الـتـبـرُ الـنـفـيسُ بلألاهُ
وهــذا حــســيــنٌ سبطُ أحمدَ شامخاً عــلـى جبهةِ الأزمانِ كالسحبِ كفَّاهُ
حسينٌ من الــمــبعوثِ للخلقِ رحمةٌ وإنَّ رســولَ اللهِ مـــنــه فــطــــوباهُ
ثلاثٌ حبا الرحمنُ فــيــهــا حــسينَه وأيّ ثــلاثٍ هـــنَّ أمَّ عـــطــايـــــاهُ
فــتــربــتُــه فــيــها الـشـفاءُ عبيرُها كـعـنـبـرِ فــردوسٍ دنـا لاثــمـــاً فاهُ
وقـــبَّــتُــه بـيـتُ الــدعــاءِ مُــجـابةٌ بها دعــوةُ الــداعــي تـفـايضَ عيناهُ
ومِــن صــلــبِــهِ كــلُّ الأئــمَّةِ نسلُه وآخرُهم مهــدّيــنــــا، طابَ أبــنــاهُ
هنيئاً لمَنْ أصفى الولاءَ وخـابَ مَن أضاعَ نـعـيماً في الـولايــةِ مــعـنـاهُ
ومَن ينكرُ الشمسَ الـمـضيئةَ حسبُه بأن عُــمـيـت عـيـنـاهُ والـحــقَّ يأباهُ
أطـعـنـا إلـهَ الناسِ إذ قالَ وابـتـغـوا إلـيـهِ وذا الـسـبـطُ الـوسـيلةُ نرضاهُ
ومَن رامَ والله الــحــســيـبُ مؤرِّخاً ضــريــحُ الحسينُ السبطُ يحسبُه اللهُ
.....................................................
1 ــ الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 3 ص 245 ــ 246
2 ــ نفس المصدر ص 404 ــ 407
3 ــ نفس المصدر ج 4 ص 205 / علي في الكتاب والسنة والأدب لحسين الشاكري ج ٥ ص ٤٠٧
4 ــ علي في الكتاب والسنة والأدب لحسين الشاكري ج ٥ ص ٤٠٧ ــ 408
5 ــ شبكة رافد للتنمية الثقافية بتاريخ 4 / 1 / 2010
6 ــ الإمام الحسين في الشعر النجفي ج 1 ض 21
7 ــ نفس المصدر ص 75
8 ــ نفس المصدر ص 129
9 ــ نفس المصدر ص 312
10 ــ نفس المصدر ص 426
11 ــ نفس المصدر ج 2 ص 96 ــ 99
12 ــ نفس المصدر ص 149 ــ 150
13 ــ نفس المصدر ص 358
14 ــ نفس المصدر ج 3 ص 158 ــ 159
15 ــ نفس المصدر ص 198
16 ــ نفس المصدر ص 230
اترك تعليق