510 ــ حميد الجزائري (1363 ــ 1400 هـ / 1944 ــ 1980 م)

حميد الجزائري (1363 ــ 1400 هـ / 1944 ــ 1980 م)

قال من قصيدة (عجبا لعينك) وهي في رثاء سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام) وتبلغ (51) بيتاً:

عـجـبـاً عـلـيـكَ أيـا محبَّ فكيفَ لا      تبكي دماً في ذكرِ وقعةِ (كربلا)

وبها السماءُ على الحسينِ بكتْ دماً      والأرضُ كـادتْ فيهِ أن تـتزلزلا

وبـكـتـهُ أمـلاكُ الــسـمـاءِ بـلـوعـةٍ      والروحُ جـبـريـلٌ نـعـاهُ وأعــولا (1)

ومنها:

فـأمـيَّـةٌ قـد أعـلنـتْ شنآنَها      وعداءها لبني النبيِّ بـ (كربلا)

والحقدُ منها لـلــنـبـيِّ وآلهِ      حـقـدٌ قـديـمٌ لا فــلـمْ يـــــكُ أوّلا

بلْ كان منذُ الجاهليةِ قائماً      وبـقـي بـشـكـلِ وراثةٍ وتسلسلا

ومنها:

وهـوَ الذي قد شنَّ أعظمَ وقعةٍ      لـقـتـالِ سـبـطِ محمدٍ في (كربلا)

قَتَل الحسينَ ابنَ البتولةِ ظامئاً      وسـبـا الـنـسـا وعـليلها بينَ الملا

فإذا بـزيـنـبَ والـنـسا وعليلها      فوقَ الجمالِ طـوتْ بهمْ تلكَ الفلا

ومنها مضمِّناً أبيات يزيد بن معاوية (لعنهما الله) لما أدخلت عليه السبايا:

(يا ليتَ أشياخي ببدرٍ) شاهدوا      ورأوا فعالي يومَ وقعةِ (كربلا)

فلقد قتلتُ ابنَ النبيِّ المصطفى      وسـبـيتُ نسوتَه ولي جوِّي خلا

بالـمُلكِ قد لعِبتْ وفازتْ هاشمٌ      وكذا فـلا وحـيٌ عـلـيـهـمْ أنـزلا

وقال في نهايتها مضمنا البيت الشهير للشاعر الكربلائي محسن أبي الحب الكبير:

أفـهـلْ يـكـونُ لـه الـحسينُ مبايعاً      ولـهُ يـمـدّ يـديـهِ كــلّا والـعُلى

بل ثارَ في يومِ الطفوفِ وصوتُه      قد رنَّ ما بينَ الألوفِ مُجلجلا

(إن كانَ دينُ محمدٍ لـمْ يـسـتـقـمْ      إلّا بقتلي) فـاشـهدي يا (كربلا)

الشاعر

حميد بن سعيد بن جواد بن موسى بن مهدي بن محمد بن موسى بن هادي بن حسين بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عبد النبي بن سعد الجزائري الغروي الأسدي، ولد في الرميثة ــ مدينة السماوة، في أسرة علمية برز منها العديد من أعلام الفقه أبرزهم الشيخ أحمد بن إسماعيل الجزائري، المتوفى (1150 هـ / 1737 م) ــ صاحب الموسوعة الفقهية قلائد الدرر في بيان آيات الأحكام بالأثر ــ والذي كان من كبار العلماء المجتهدين

وقد ترجم السيد محسن الأمين لهذه الأسرة وجدها الأعلى فقال: (وآل الجزائري قبيلة من قبائل النجف ومن أعرقها في العلم والأدب وأقدمها في التوطين في النجف وهم فرع من بني أسد امتد إلى النجف وتبادلت عليه بطونهم فيها.

واشتهرت هذه الأسرة بآل الشيخ أحمد الجزائري نسبة إلى جدهم أحمد بن إسماعيل الجزائري المعروف في معاجم تراجم علماء الشيعة ومراجع اجازاتها بصاحب آيات الاحكام، ولم تزل الحقب تختلف على أبناء هذه الأسرة وهم متفقون على النبوغ العلمي والأدبي ومتخصصون لدرس الفقه الجعفري ومباديه الأصولية حتى عصر المترجم حتى كان لأسمائهم وذكر مؤلفاتهم وماثرهم المجال الواسع في معاجم السير والتراجم). (2)

وقال الشيخ عبد النبي القزويني: (الشيخ أحمد الجزائري كان فقيهاً ماهراً وعالماً باهراً وبحراً زاخراً ذا قوة متينة وملكة قوية سمعت مشائخنا يثنون عليه بالفضل ويمدحونه بالفقه تشرفت بلقائه في المشهد الغروي سنة 1149 هـ) (3)

نشأ الشيخ حميد في الرميثة وكان والده الشيخ سعيد قد هاجر إليها من النجف الأشرف حيث سكنه للقيام بواجباته الشرعية والدينية، وفيها ولد ابنه حميد فأولاه عنايته وتعليمه فنشأ في أجواء العلم والفقه والأدب، كما أكمل دراسته الرسمية في الرميثة، لينتقل إلى بغداد عام (1965) ويدخل كلية الادارة والاقتصاد، وكان يواظب على حضور المنتديات العلمية والأدبية ولازم السيد هبة الدين الشهرستاني الذي أولاه اهتماما وتوجيها خاصا.

بعد وفاة السيد الشهرستاني طلبت عائلته من الجزائري أن يتولى القيام بإدارة مكتبة الجوادين العامة فوافق وأصبح معتمد المكتبة، وبقي في المكتبة حتى عطلتها السلطة البعثية الفاسدة وألقي القبض عليه ولم يعرف مصيره.

قال عنه الأستاذ عبد الكريم الدباغ (كان دمث الأخلاق، رحب الصدر، مؤمنا ورعا، زكيا تقيا، متواضعا ولله طائعا، عارفا بأحكام دينه، عاملا بها، شديد التعلق بأهل البيت (عليهم السلام)، كثير المحبة لإخوانه المؤمنين، وشعره أكبر شاهد على ذلك

كان يتنقل في المكتبة بين كتبها كما تتنقل الفراشة بين الأزهار، ويقدم الخدمة لجميع روادها بالمعلومات النافعة الدقيقة، والارشادات بالعبارات الرقيقة، وهذ غيض من فيض ما شاهدته منه، عندما كنت أرتاد مكتبة الجوادين، أواخر القرن الماضي الهجري، قبيل تعطيل عملها وإلقاء القبض عليه وتغييبه إلى الأبد (رحمه الله)

شعره

قال الأستاذ الدباغ: (بدأ نظم الشعر منذ عام (1380 هـ / 1960 م) وكان نظمه له سليقة وموهبة دون تعلم ودراسة فن العروض، وقد شارك في الكثير من الاحتفالات والمناسبات بشعره ونثره، وقد قامت مكتبة الجوادين العامة بنشر ديوان شعره (رضاب الأحباب) سنة 1431 هـ / 2009 م)

قال الجزائري من قصيدة تبلغ (34) بيتاً في مولد النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وحفيده الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)

صلى عليكَ الله يا خــيـرَ الورى      وعـلـى الأئــمـةِ آلـكَ الأمـنـاءِ

ولـدتـكَ آمـنـةٌ بـمـكّةَ فـازدهــتْ      دنـيا الأنـامِ بوجـهِـكَ الــوضَّاءِ

وتـعـطّــرتْ أرجاؤهـا فـوَّاحــةٌ      بـشـذاكَ إذ هـوَ أطيبُ الأشـذاءِ

وانـشـقَّ إجـلالاً لـمـولـدِ أحــمـدٍ      إيوانُ كـسرى إذ يراهُ الـرائـي

وتهافتتْ فكرُ الضلالِ وأخمِدتْ      نـارُ الــمجـوسِ وفـتنةُ الأعداءِ

ولكمْ بدتْ من مـعـجزاتٍ جـمَّـةٍ      للمصطفى جلَّتْ عن الإحصاءِ

هذا هوَ الـقرآنُ أعـظـمُ مُـعـجِـزٍ      مـن مـعـجـزاتِ نـبـيِّـنا الغرَّاءِ

هوَ خيرُ دسـتـورٍ يـحقِّقُ للورى      أمـنـاً وإيــمــانــاً وكــلَّ رخـاءِ

فـمـحـمـدٌ مــا جــاءَ (إلّا رحـمةً      لـلـعـالـمـيـنَ) بـشـرعةٍ سمحاءِ

وقال من قصيدة في ولادة سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (سلام الله عليها) تبلغ (65) بيتاً وقد ألقاها الشاعر في الاحتفال الذي أقيم في الصحن الكاظمي الشريف بالمناسبة عام (1395 هـ / 1975 م)

يا بـنـتَ خـيرِ الخلقِ إنّـي عـاجـزٌ      مـاذا أقـولُ وأنـتِ فــوقَ بــيــاني

ولذا فـقـد قــالَ الـنـبـيُّ المصطفى      خـيـرُ الـورى بـصـراحـةٍ وبـيانِ

إنَّ ابـنـتي الزهراءَ قـلبي بضعتي      بـلْ إنَّـهـا روحــي وكــلُّ كـيـانـي

فسلوا الكتابَ عن البتولِ وفضلِها      وخُـذوا مــكــارمَــهـا مـن الـقرآنِ

فاللهُ طـهَّـرهـــا وأعـلـى مـجـدَهـا      وأمـدَّهـا بـالـعـلـمِ والــعــرفـــــانِ

سادتْ نساءَ الـعـالـمـينَ وأحرزتْ      مـجـداً عـظـيـمـاً شـامـخَ الـبُـنيانِ

باهى الـنـبيُّ بها وباهلَ خـصـمَـه      مِن بعضِ أهلِ الشركِ والعصيانِ

وقال في رثاء أمير المؤمنين (عليه السلام) من قصيدة تبلغ (44) بيتاً ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم بذكرى استشهاده (عليه السلام) في الصحن الكاظمي الشريف عام (1395 هـ / 1975 م):

فلأنــتَ حــيٌّ خـالـدٌ بين الورى      ولـواكَ خـــفَّــاقٌ مــدى الأيامِ

أبـيـاتُ مـجـدِكَ ثرَّةٌ مــعــطـاءةٌ      لمْ يحـصِها فكري ولا أقلامي

ولكمْ حويتَ مـناقباً وفــضــائـلاً      فــاقــتْ حدودَ العدِّ والأرقــامِ

ولقد سموتَ بـسـيـــــرةٍ وضَّاءةٍ      تدعو الأنامَ إلى هدى الإسلامِ

أكرمْ بها من سـيـرةٍ عـلـويَّـــــةٍ      تخلو من الـتـزيــيفِ والأوهامِ

فـهـيَ امـتدادٌ صادقٌ مــتـــلألئٌ     مِن سيرةِ الهادي لــخـيرِ نظامِ

ولكمْ حـبـاكَ اللهُ دونَ عـبـــــادِهِ      فضلاً به أحرزتَ خيرَ مــقــامِ

يا أوّلَ الأقـوامِ إســلامـاً لـقــــد      نـلـتَ الـعُـلـى فـاهنـأ أبا الأيتامِ

فـلـقـد عــبدتَ اللهَ طفلاً قـبـلـهمْ      وأطـعـتـه لـم تـعـنَ بـالأصـنـامِ

في كعبةِ الباري ولدتَ كفى بذا      فضلاً سموتَ به على الأقــوامِ

وقُـتـلـتَ مـظلوماً بمسجدِ كوفةٍ      وخـتـمـتَ كـلَّ العمرِ خيرَ ختامِ

وقال من قصيدة في يوم الغدير وقد ألقاها الشاعر في الصحن الكاظمي الشريف عام (1393 هـ / 1974 م):

وتـعـالـى من السماءِ هـتـافٌ      طبَّقَ الخافقينِ مـوجُ صداهُ

أيُّها المصطفى الـمؤيَّدُ (بلّغْ)     مـا بـه أنزلَ اللـطيفُ الإلهُ

فـأجـابَ الـنـبـيُّ دعــوةَ ربٍّ      مـا دعـــاهُ إلّا وقــد لــبَّــاهُ

ثم قالَ (من كنتُ مولاهُ) حقاً      (فعليٌّ) خـلـيـفـتـي مــولاهُ

إنّه الـمـرتضى مِن اللهِ لطفٌ      حيث لولاهُ ما عرفنا هـداهُ

فـهـنـيـئـاً لـمِـنْ تــولاهُ حــقـاً      مُـسـتـنـيـراً بـهـديـهِ وسناهُ

وقال من قصيدة في أمير المؤمنين (عليه السلام):

آيـاتُ فـضـلِـكَ لا يُـحـصى لها عددٌ      لأنّها أعجزتْ مـن رامَ يُحصيها

آياتُ فـضلِكَ لمْ يعرفْ حــقـيـقـتَـهـا      إلا إلـهُ الـبـرايــا ثــمَّ هــاديــــها

فـكـمْ حـبـاكَ إلـهُ الـخلقِ مِن شرفٍ      ومـكـرمـاتٍ لــنـا التاريخُ يرويها

ولدتَ في الكعبةِ العظمى أبا حـسنٍ      وسطَ الملائكِ إذ أبـدتْ تـهـانـيها

وتـلـكَ مـكـرمـةٌ مـا نـالـهـا أحـــــدٌ      كـفـى بـذلـكَ إجــلالاً وتـنـزيـهـا

مَن مثلُ حيدرَ في حبٍّ وفي شغفٍ      دون الـبـريـةِ لـبّى صوتَ هاديها

فـأوّلُ الـقـومِ إســلامـــاً أبــو حسنٍ      ونـفـسُـه مـا عـنـتْ إلا لـبـاريـها

وقال من قصيدة (ذكراك) وتبلغ (28) بيتاً وهي في الذكرى الميمونة لولادة الإمام الحسن (عليه السلام) وقد ألقاها الشاعر في الحفل الذي أقيم بالمناسبة قرب الحسينية الحيدرية في الكاظمية عام (1394 هـ / 1974 م)

يا مُـصـلـحـاً حـقـنَ الإلـهُ بـه الدما      بل صانَ فيه شـريـعـةَ الإسلامِ

فبصلحِكَ الوضَّاءِ قد صنتَ الهدى      وحـفـظـتَ خـيرَ مـحارمٍ وذمامِ

صالـحـتَ خصمَكَ تبتغي يا سيدي      نشرَ السلامِ وسحقِ كـلِّ خصامِ

لـكـن مـعـاويـةَ الـطـلـيـقَ بـخـبـثِه      آلـى بـأن يـبـقـى عـلى الإجـرامِ

فـغـدا لـكـلِّ شـروطِ صلحِكَ تاركاً      مُـسـتـهـزئـاً بـالـعـهـدِ والإبـرامِ

وإلـيـكَ دسَّ الـسـمَّ ظـلـمـاً يـا لـــه      مِـن خـائـنٍ لـمْ يـرعَ أيَّ ذمـــامِ

وقال من قصيدة (شع الهدى) وهي في مولد الإمام محمد الجواد (عليه السلام):

شعَّ الهدى وسناهُ قد عمَّ الفضا      في مولدِ الزاكي الجوادِ ابنِ الرضا

وبـه غـدا نـورُ الإمامةِ ساطعاً      مـتـألّـقـاً وعـلـى الـبـريــةِ قـد أضـا

 مـاذا أقــولُ بحقّه وهـو الـذي      لـلـخـلـقِ بـاريـنـا اجـتـباهُ وقـيَّـضـا

وهـوَ الـذي أمـرَ الإلـهُ بـحـبِّـه      ونهى الذي عن نـهـجِـهِ قد أعرضا

والويلُ كلُّ الويـلِ لـلـشـاني لهُ      نـصـبَ الـعـداوةَ لـلـجـوادِ وأبـغضا

وقال من قصيدة (عجبا لعينك) وفيها يذكر سيرة يزيد الفاسدة وجرائمه الفظيعة بحق الإسلام والمسلمين:

وإذا جهلتَ يـزيدَ فسلْ عـن فـعـلِهِ      واستنطقِ التاريخَ فيما سـجَّلا

فـهوَ الخليعُ ابن الـطـلـيـقِ وأصلُه     من دوحةٍ ملعونةٍ أصـلُ البلا

وهـوَ الذي انتهكَ الـمحارمَ كـلـهـا      جـهـراً وللإحكامِ طـرَّاً عطّلا

فالكعبةُ الـعـظـمـى رمـاهـا جهرةً      بالـمـنـجـنـيـقِ تـكبُّـراً وتختّلا

وأبـاحَ يـثـربَ لـلـجـنـودِ ثــلاثــةً      وأخافَ أهليها وكـمْ منهمْ جلا

ولكمْ بها عاثوا الفـسادَ وما رعوا      حرمَ الإلهِ وكانَ فعلاً مُخجلا

............................................................

1 ــ ترجمته وأشعاره في: موسوعة الشعراء الكاظميين ج 2 ص 342 ــ 359

2 ــ أعيان الشيعة ج ٨ ص ٤٠

3 ــ تتميم أمل الآمل ص ٥٨

كما ترجم له:

عبد الرحيم الغراوي / معجم شعراء الشيعة / المستدرك ج 4 ص 136

المرفقات

كاتب : محمد طاهر الصفار