الشيخ عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي، من علماء الإمامية الاثني عشرية وكان على مدرسة المحدثين (الأخباريين)، وكان من المعاصرين لصاحب الوسائل الشيخ الحرّ العاملي وكذلك لصاحب البرهان السيد هاشم البحراني ومن تلامذته السيد نعمة الله الجزائري صاحب الأنوار النعمانية.
ولد (رضوان الله عليه) في قرية الحويزة وإليها نسب، وهي من قرى منطقة خوزستان الإيرانية، ثم انتقل إلى شيراز. ولم يذكر أصحاب التراجم تاريخ ولادته ولا خصوصيات أحواله. توفي (رضوان الله تعالى عليه) في سنة 1112هجـ.
وقد ذكره صاحب أمل الأمل: الشيخ الجليل عبد علي بن جمعة العروسي الحويزي ساكن شيراز. كان عالمًا فاضلًا فقيهًا محدثًا ثقة ورعًا، شاعرًا أديبًا، جامعًا للعلوم والفنون، معاصرًا، له كتاب نور الثقلين في تفسير القرآن، أحسن فيه وأجاد، نقل فيه أحاديث النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة (عليهم السلام) في تفسير الآيات من أكثر كتب الحديث ولم ينقل فيه عن غيرهم، وقد رأيته بخطه واستكتبته منه، وله شرح لامية العجم، وشرح شواهد المغني-لم يتم- وغير ذلك.
وأشار صاحب الذريعة إلى تصانيف الشيعة الآغا بزرك الطهراني أن للشيخ المذكور ديوان شعر باسمه. وقال عنه العلامة الطباطبائي صاحب الميزان يصف تفسيره (نور الثقلين): (... ومن أحسن ما جمعته أزمنة المجاهدة بعواملها وخطته أيدي التحقيق بأناملها في هذا الشأن ؟ أو هو أحسنه- هو كتاب نور الثقلين لشيخنا الفقيه المحدث البارع الشيخ عبد علي الحويزي ثم الشيرازي... ولعمري أنه الكتاب القيّم الذي جمع فيه مؤلفه شتات الأخبار الواردة في تفسير آيات الكتاب العزيز).
وذكره صاحب التفسير والمفسرون آية الله معرفة فقال : هو من محدثي القرن الحادي عشر الهجري وتوفي سنة 1112هجـ كان على مشرب الأخبارية، كان محدثًا فقيهًا وشاعرًا أديبًا جامعًا. سكن شيراز وحدّث بها وتتلمذ على يديه جماعة منهم السيد نعمة الله الجزائري وغيره.
تفسير نور الثقلين
هو أهم الآثار التي تركها الشيخ الحويزي (رضوان الله عليه)، وهو تفسير روائي يعتمد الأخبار والآثار كما وصفه المترجمون والكتاب.
ومن أهم مزاياه أنه اعتمد فيه على المأثور من الروايات الواردة عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أئمة الهدى آل بيت النبي (صلوات الله عليهم) بطريقة تكشف عن سعة اطلاعه وكثرة تتبعه للأخبار من مصادرها المتعددة، وهو لا يوضح فيها رأيًا بل يأتي بالرواية في مقام التوضيح والاستشهاد والتفسير والتأويل والتأييد وغير ذلك، تاركًا الأمر للمحققين بأن يحققوا ويدققوا فيها.
إلّا أنَّ الملاحظ أنَّه (رضوان الله عليه) قد ساق الكثير من الروايات الضعيفة والمرسلات وقليل من الروايات المأخوذة من المصادر المعتبرة.
كما أنه غير مستوعب لتمام آيات القرآن الكريم بل بعضه لأن منهجيته قائمة على التفسير بالرواية فإذا لم يجد أو يقف على رواية فإنه لا يذكر تفسيرًا للآية حينها.
وقد ذكر المصنف (رضوان الله عليه) في مقدمة الكتاب تعريفًا بتفسير جاء فيه: إني لما رأيت خدمة كتاب الله والمقتبسين من أنوار وحي الله سلكوا مسالك مختلفة، فمنهم من اقتصر على ذكر عربيته ومعاني ألفاظه.
ومنهم من اقتصر على بيان التراكيب النحوي، ومنهم من اقتصر على استخراج المسائل الصرفية، ومنهم من استفرغ وسعه فيما يتعلق بالإعراب والتصريف، ومنهم من استكثر من علم اللغة واشتقاق الألفاظ، ومنهم من قرن بين فنون عديدة، أحببت أن أضيف إلى بعض آيات الكتاب المبين شيئًا من آثار أهل الذكر المنتجبين ما يكون مبديًا بشموس بعض التنزيل وكاشفًا عن أسرار بعض التأويل.
وأما ما نقلت مما ظاهره يخالف لإجماع الطائفة المحقة فلم أقصد به بيان اعتقاد ولا عمل، إنما أوردته ليعلم الناظر المطلع كيف نقل وعمن نقل؛ ليطلب له من التوجيه ما يخرجه من ذلك، مع أني لم أخل موضعًا من تلك المواضع عن نقل ما يضاده ويكون عليه المعوَّل في الكشف والإبداء.
منهجية التفسير
ارتكزت المنهجية المتبعة في هذا التفسير على إيراد الروايات عن المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم) والتي هي في مقام التفسير للقرآن الكريم، ولم يتكلم المصنف في تفسير الألفاظ أو بيان الوجوه الإعرابية ولا وجوه القراءة بالإضافة إلى عدم شمولية التفسير لجميع الآيات القرآنية وذلك تبعًا للمنهج الفكري العام الذي يتبناه المصنف فهو يذكر تفسير الآيات التي وردت فيها روايات عن المعصومين (صلوات الله وسلامه عليهم).
وفي إطار المنهجية المتبعة من قبل المصنف باعتماد التفسير بالرواية فهو لم يكن بصدد التحقيق والتدقيق وإبداء الرأي في الروايات بل كان جامعًا لما هو منقول في المقام، لذلك تجده يذكر بعض الروايات التي يمكن أن توصف بالإسرائيليات أو أن فيها نوع غلو.
وبالإضافة إلى ذلك فإنه لم يعتمد على المصادر المعتبرة بل كانت مصادره متنوعة بين الاعتبار والأهمية وغيرها وهذا ما يوقع الباحث أو الكاتب في بعض أوجه الخلل غير المراد.
نماذج من التفسير:
- من سورة آل عمران
قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ آية( ١٠٦).
في تفسير علي بن إبراهيم حدثني أبي إبراهيم بن هاشم عن صفوان بن يحيى عن أبي الجارود عن عمران بن هيثم عن مالك بن ضمرة عن أبي ذر (رضوان الله عليه) قال: لما نزلت هذه الآية ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ﴾ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) : (يرد عليّ أمتي يوم القيامة على خمس رايات :
فراية مع عجل هذه الأمة فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون أما الأكبر فحرّمناه ونبذناه وراء ظهورنا وأما الأصغر فعاديناه وأبغضناه وظلمناه. فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثم يرد عليّ راية مع فرعون هذه الأمة فأقول لهم: ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فحرّفناه ومزقناه وخالفناه، وأما الأصغر فعاديناه وقاتلناه. فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثم يرد عليّ راية مع سامري هذه الأمة فأقول لهم: فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون أما الأكبر فعصيناه وتركناه وأما الأصغر فخذلناه وضيعناه. فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثم يرد عليّ راية مع ذي الثدية (حرقوص بن زهير رئيس الخوارج) مع أول الخوارج وآخرهم فأسألهم ما فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون أما الأكبر فمزقناه وبرينا منه وأما الأصغر فقاتلناه وقتلناه. فأقول: ردوا النار ظماء مظمئين مسودة وجوهكم.
ثم ترد عليّ راية إمام المتقين وسيد الوصيين وقائد الغرّ المحجلين ووصي رسول رب العالمين فأقول لهم: ماذا فعلتم بالثقلين من بعدي؟ فيقولون: أما الأكبر فاتّبعناه وأطعناه، وأما الأصغر فأحييناه وواليناه ونصرناه حتى أهرقت فيهم دماؤنا. فأقول ردوا إلى الجنة رواء مرويين مبيضة وجوهكم. ثم تلا رسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾. آية(١٠٦ - ١٠٧)
- من سورة النساء
قوله تعالى: ﴿أَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ آية (٥٩).
في كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده إلى سليم بن قيس الهلالي قال: سمعت عليًا (عليه السلام) يقول: (قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد أخبرني ربي جلّ جلاله أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك. فقلت: يا رسول الله، ومن شركائي من بعدي؟ قال: الذين قرنهم الله عزّ وجلّ بنفسه وبي، فقال: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ﴾ فقلت يا رسول الله ومن هم؟ قال الأوصياء من آلي يردون عليّ الحوض كلهم هادين مهديين، لا يضرهم من خذلهم، وبهم يدفع البلاء وبهم يستجاب دعاؤهم، قلت يا رسول الله سمّهم لي. قال (صلى الله عليه وآله) : ابني هذا ؟ ووضع يده الشريفة على رأس الحسن- ثم ابني هذا -ووضع يده على رأس الحسين- ثم ابن له يقال له عليّ سيولد في حياتك فاقرأه مني السلام، ثم تكملة اثني عشر إمامًا).
وعن الحسين بن علي (عليهما السلام) في خطبة له: (... وأطيعونا فإن طاعتنا مفروضة إذ كانت بطاعة الله ورسوله مقرونة) ، قال الله عزّ وجلّ: ﴿أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ﴾، وقال: ﴿وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا﴾. آية (٨٣)
أ. حسن الملاح
اترك تعليق