تختلف العمائر والابنية بين مرحلة زمنية و أخرى ومن مكان لآخر ، فلاشك ان البناء يخضع في شروطه لعاملي الزمان والمكان بالحدود الإنسانية لهذين الشرطين ، فإن حدود الزمان والمكان ليست شروطاً مجردة ، بل هي حدود مرتبطة بالإنسان فهو من حدد الملامح الاساسية لتصاميم تلك العمائر تبعاً لمقتضيات الضرورة المناخية وتوفر المواد الاولية اللازمة للبناء في الحقب الزمنية المتعاقبة .
ويمثل البيت العراقي التراثي نموذجا حياً قائما حتى الوقت الحاضر لفنون العمارة الأصيلة المستمدة من فن العمارة الشرقية والعربية والمشيدة وفقا للمتطلبات المناخية وتوفر المواد الاولية ، فهي تتفرد في خصائصها عن غيرها من البيوت لدى الشعوب الأخرى ، لأن كل زاوية في البيت العراقي مرتبطة بأسبابها التي تفرضها المُلزمات البيئية والاجتماعية ، فضلاً عن اللمسات الفنية التي يتركها الفنان على الشبابيك والأبواب، وكذلك نوع الزخرفة التي تزين غرف الدار أو البروزات المطلة على الخارج والداخل التي تأثرت بفن الزخرفة الإسلامية وفن النقش العربي في بيئاته المتعدد ، أما قرب البيوت من بعضها فيؤدي إلى اتقاء حرارة الشمس في الصيف ، مما له اثر في معادلة الظروف المناخية بتلك الحسابات من التصاميم للبيوت في اقترابها بعضها من بعض .
إن أكثر البيوت التراثية العراقية تتكون من طابقين و اواوين ترفعها أعمدة خشبية تتوسطها ، ويخصص هذا المكان لأفراد العائلة ، وفي الطابق العلوي توجد غرفة للنوم تزين عادة بشبابيك ذات زجاج ملون ، ومن التقاليد الاجتماعية المتعارف عليها ، أن هناك خصوصية للبيت البغدادي تمنح فرصة لمن في البيت، كي يكون مستعداً لاستقبال الزائر من خلال المدخل المنكسر، كما وضعت أعراف وضوابط للفتحات في البيت ، إذ يتضمن صحناً وسطياً مكشوفاً يستخدم لوظائف عدة منها للحركة والتهوية والإضاءة.
ومن عناصر التصميم ذات الاهمية في البيت العراقي هي النوافذ ، حيث تعد من أهم العناصر المعمارية للإضاءة الطبيعية في الأبنية ، والتي يراعى في تصميميها ان تكون مشبكة لتحد من مجال الرؤية الى الداخل ، والعكس صحيح ، من هنا اهتم المعمار العراقي بالنوافذ وعمل على تنظيم توزيعها وطريقة فتحها ، كما استخدمت النوافذ كمعالجات مناخية ناجحة في التحكم بالضوء المباشر ، وكانت حافاتها السفلى مرتفعة عن أرضية الطابق بأكثر من مترين ، بحيث أصبحت لبناء النوافذ أحكام وتقاليد كانت بمرور الزمن عرفاً وسلوكاً عاماً يعم المجتمع العراقي .
وللعمائر التراثية العراقية وفنونها الرائعة مظاهر مميزة عن غيرها ، تتمثل بالطلعات والشناشيل والمشبكات والتي تشكل ابرز مظاهر فنون العمارة العراقية التراثية .
و الطلعات والشناشيل تشبه إلى حد بعيد (الآرسي في فن العمارة الايرانية والذي يتمثل بجزء من الغرفة بارز باتجاه الشارع ينفتح بواسطة شباك منزلق ) ، ومن الممكن أن يكون بجميع الغرف المطلة على جهة الشارع ، و عادة تكون في الطابق العلوي من البيت .
وتتكون الشناشيل عادة من الخشب وتكون مرتكزة في تصميمها على الطلعة ، والمتضمنة في تشكيلها على وحدات هندسية مستطيلة الشكل تزينها من جانبين مطلة فيهما على الشارع العام ، ولكل جانب مميزات في التصميم يعطي جمالية خاصة في المبنى وفي تصميمها ، والمستطيل الذي يقع إلى الجانب الايسر من الشرفة والذي يشكل زاوية قائمة تفتح المبنى على جناحين بإطلالته على الشارع الاخر .
أما المستطيل إلى الجهة اليمنى فهو مغلق تماماً اغلب الاحيان ، وللمستطيلات هذه خاصية تزيينية ثابتة تقريباً ، فهي جميعها تحوي انصاف دوائر تعلو كل مستطيل ، وفيها زخرفة اغلبها نباتية تقترب من شكل قرن الثور عادة لتضفي على المبنى قيمة جمالية تتكامل مع تصميمه العام .
اما المشبكات فهي بناء من التسويرات والحواجز المفرغة من الآجر ، وهي من التشكيلات الفنية المعروفة في عدد من المدن العراقية المعروفة ، وابرزها حضوراً هي الموجودة في كربلاء والحلة بخاصة والمناطق المجاورة لهما ، وأشكال هذه التصميمات الآجرية بسيطة ، حيث تشكل قطع الآجر شبكة الحاجز بينما تكون الفتحات على شكل مربع أو معين أو مثلث أو حتى صليب ، ومن الملاحظ أن هذه المشبكات الأجرية لا يقتدى بها في صنع المشبكات الخشبية لحملها بساطة في التشكيل ، تكون فيها مكملة للبناء لا ترقى الى ما عليه تصاميم المشبكات الخشبية من معالجة تحتاج الى مهارة وحرفية عاليتين .
سامر قحطان القيسي
الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة
اترك تعليق