ـ نسبه: الإمام محمد الجواد(عليه السلام) من الأسرة النبوية وهي أجلّ وأسمى الأسر التي عرفتها البشرية، فهو ابن الإمام علي الرضا ابن الإمام موسى الكاظم ابن الإمام جعفر الصادق ابن الإمام محمد الباقر ابن الإمام علي السجاد ابن الإمام الحسين سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وابن الإمام علي بن أبي طالب(عليهم السلام) .
ـ أمه: هي من أهل بيت مارية القبطية، نوبيّة مريسية، أمها: سبيكة أو ريحانة أو درّة، وسمّاها الرضا(عليه السلام) خيزران وصفها رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنها خيرة الإماء الطيبة. وقال العسكري(عليه السلام) :(خُلقت طاهرة مطهّرة وهي أم ولد تكنّى بأم الجواد، وأم الحسن، وكانت أفضل نساء زمانها) .
ـ ولادته: ولد(عليه السلام) في شهر رمضان من سنة خمس وتسعين ومائة لسبع عشر ليلة مضت من الشهر وقيل: للنصف منه ليلة الجمعة وكانت ولادته في المدينة. وغمرت الإمام الرضا(عليه السلام) موجات من الفرح والسرور بوليده المبارك،
وطفق يقول:(قد ولد لي شبيه موسى بن عمران فالق البحار، وشبيه عيسى بن مريم، قدّست أم ولدته..) .
ـ كنيته: أبو جعفر، وهي كنية جده الباقر(عليه السلام) وللتمييز بينهما يكنّى بأبي جعفر الثاني، وأضاف في دلائل الإمامة كنية ثانية له هي: أبو علي الخاص، وفسّر المتأخرون هذه العبارة بأنّ له كنية خاصة هي: (أبو علي)، وليست كنيته هي (أبو علي الخاص) كما يبدو للناظر في عبارة دلائل الإمامة.
ـ ألقابه: أمّا ألقابه الكريمة فهي تدل على معالم شخصيته العظيمة وسمو ذاته وهي:
١ ـ الجواد: لُقب به لكثرة ما أسداه من الخير والبر والإحسان إلى الناس.
٢ ـ التقي: لقب به لأنه اتّقى الله وأناب إليه، واعتصم به ولم يستجب لأي داع من دواعي الهوى.
٣ ـ المرتضى.
٤ ـ القانع.
٥ ـ الرضي.
٦ ـ المختار.
٧ ـ باب المراد .
نقش خاتمه: يدل نقش خاتمه(عليه السلام) على شدة انقطاعه(عليه السلام) إلى الله سبحانه، فقد كان (العزّة لله) .
ب ـ اغتيال الإمام الجواد(عليه السلام) :
كان وجود الإمام الجواد(عليه السلام) يمثل خطراً على النظام الحاكم لما كان يملكه هذا الإمام من دور فاعل وقيادي للأمة، لذلك قررت السلطة أن تتخلّص منه مع عدم استبعادها وجود العلاقة بين الإمام القائد والتحركات النهضوية في الأمة.
فقد روى المؤرخون عن زرقان صاحب ابن أبي دُوَاد قاضي المعتصم قوله: (رجع ابن أبي دُوَاد ذات يوم من عند المعتصم وهو مغتمّ فقلت له في ذلك، فقال وددت اليوم أني قد مت منذ عشرين سنة، قال قلت له: ولم ذاك ؟ قال: لما كان من هذا الأسود أبي جعفر محمد بن علي بن موسى اليوم بين يدي أمير المؤمنين، قال: قلت له: وكيف كان ذلك ؟ قال: إن سارقاً أقرّ على نفسه بالسرقة، وسأل الخليفة تطهيره بإقامة الحدّ عليه، فجمع لذلك الفقهاء في مجلسه وقد أحضر محمد بن علي فسألناه عن القطع في أي موضع يجب أن يقطع ؟ قال: فقلت: من الكرسوع. قال: وما الحجة في ذلك ؟ قال: قلت: لأن اليد هي الأصابع والكفّ إلى الكرسوع ، لقول الله في التيمم ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ) واتفق معي ذلك قوم.
وقال آخرون: بل يجب القطع من المرفق، قال: وما الدليل على ذلك ؟ قالوا: لأن الله لمّا قال:( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) في الغسل دلّ ذلك على أن حدّ اليد هو المرفق.
قال: فالتفت إلى محمد بن علي (عليه السلام) فقال: ما تقول في هذا يا أبا جعفر ؟ فقال:(قد تكلم القوم فيه يا أمير المؤمنين) ، قال: دعني ممّا تكلموا به ! أي شيء عندك ؟ قال:(اعفني عن هذا يا أمير المؤمنين) ، قال: أقسمت عليك بالله لمّا أخبرت بما عندك فيه.
فقال:(أمّا إذا أقسمت عليّ بالله إني أقول أنهم اخطئوا فيه السنّة، فإن القطع يجب أن يكون من مفصل أصول الأصابع، فيترك الكفّ) ، قال: وما الحجة في ذلك ؟ قال:(قول رسول الله: السجود على سبعة أعضاء: الوجه واليدين والركبتين والرجلين، فإذا قطعت يده من الكرسوع أو المرفق لم يبق له يد يسجد عليها وقال الله تبارك وتعالى: ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ ) يعني بهذه الأعضاء السبعة التي يسجد عليها ( فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ) وما كان لله لم يقطع) .
قال: فأعجب المعتصم ذلك وأمر بقطع يد السارق من مفصل الأصابع دون الكفّ.
قال ابن أبي دواد: قامت قيامتي وتمنّيت أني لم أك حيّاً.
قال زرقان: قال ابن أبي دؤاد: صرت إلى المعتصم بعد ثالثة، فقلت: إن نصيحة أمير المؤمنين عليّ واجبة وأنا أكلّمه بما أعلم أني أدخل به النار، قال: وما هو ؟ قلت: إذا جمع أمير المؤمنين في مجلسه فقهاء رعيته وعلماءهم لأمر واقع من أمور الدين، فسألهم عن الحكم فيه فأخبروه بما عندهم من الحكم في ذلك، وقد حضر مجلسه أهل بيته وقوّاده ووزراؤه وكتّابه، وقد تسامع الناس بذلك من وراء بابه، ثمّ يترك أقاويلهم كلهم لقول رجل شطر هذه الأمة بإمامته، ويدّعون أنّه أولى منه بمقامه ثم يحكم بحكمه دون حكم الفقهاء ؟
قال: فتغير لونه وانتبه لما نبّهته له، وقال: جزاك الله عن نصيحتك خيراً. قال: فأمر اليوم الرابع فلاناً من وزرائه بأن يدعوه (أي الجواد(عليه السلام) ) إلى منزله فدعاه فأبى أن يجيبه وقال(عليه السلام) :(قد علمت أني لا أحضر مجالسكم) ، فقال: إني إنما ادعوك إلى الطعام وأحب أن تطأ ثيابي، وتدخل منزلي فأتبرّك بذلك، فقد أحب فلان بن فلان من وزراء الخليفة لقاءك فصار إليه، فلمّا طعم منها أحس السمّ فدعا بدابّته فسأله رب المنزل أن يقيم. قال(عليه السلام) :(خروجي من دارك خير لك) ، فلم يزل يومه ذلك وليله في خلفة حتى قبض (عليه السلام) ) .
لقد كان الإمام الجواد(عليه السلام) يتوقع استشهاده بعد هذا الاستدعاء فقد روي عن إسماعيل بن مهران قوله: (لمّا أُخرج أبو جعفر(عليه السلام) من المدينة إلى بغداد في الدفعة الأولى من خرجتيه قلت له عند خروجه: جُعلت فداك، إني أخاف عليك من هذا الوجه، فإلى من الأمر بعدك ؟ قال: فكرّ بوجهه إليَّ فقال:(عند هذه يُخاف عليّ، الأمرُ من بعدي إلى ابني علي) .
لقد درس المعتصم أكثر السبل التي يستطيع بها أن يصفي الإمام فاعليةً وأقلَّها ضرراً، فلم يجد أفضل من أم الفضل بنت أخيه المأمون للقيام بهذه المهمّة فهي التي تستطيع أن تقتله بصورة أكيدة دون أن تثير ضجة في الأمة، مستغلاً نقطتين في شخصيتها، هما:
١ ـ كونها تنتمي للخط الحاكم انتماءً حقيقياً، فهي بنت المأمون وعمّها المعتصم، وليست بالمستوى الإيماني الذي يجعلها تنفك عن انتمائها النسبي هذا، لذلك كانت تخضع لتأثيراته وتنفذ ما يريده ضد الإمام.
٢ ـ غيرتها وحقدها على الإمام بسبب تسريه وتزوّجه من نساء أخريات خصوصاً وأنها لم تلد للإمام وإنما رزق الإمام من غيرها ولده الهادي(عليه السلام) .
ولقد كان أمر غيرتها شائعاً بين الناس لذلك قال المؤرخون: (وقد روى الناس أن أم الفضل كتبت إلى أبيها من المدينة تشكو أبا جعفر وتقول: إنه يتسرى علي ويغيرني. فكتب إليها المأمون: يا بنيّة إنا لم نزوجك أبا جعفر لنحرّم عليه حلالاً، فلا تعاودي لذكر ما ذكرت بعدها) .
ولم تخل هذه الفترة من الاعتداءات الظاهرية على الإمام(عليه السلام) من أذناب السلطة، ومن ذلك ما فعله عمر بن فرج الرخجي الرجل المعادي لأهل البيت(عليهم السلام) والعامل عند السلطة العباسية. فمثلاً روى المؤرخون عن محمد بن سنان قوله: دخلت على أبي الحسن الهادي(عليه السلام) فقال:(يا محمد حدث بآل فرج حدث ؟) فقلت: مات عمر. فقال:(الحمد لله على ذلك) ، أحصيت أربعاً وعشرين مرة، ثم قال:(أو لا تدري ما قال ـ لعنه الله ـ لمحمد بن علي أبي؟) قال: قلت: لا، قال:(خاطبه في شيء، فقال: أظنّك سكران، فقال أبي: اللهمّ إن كنت تعلم أني أمسيت لك صائماً فأذقه طعم الحرب وذلّ الأسر. فوالله إن ذهبت الأيام حتى حُرب ماله، وما كان له، ثم أُخذ أسيراً فهو ذا مات) .
استشهاد الإمام الجواد (عليه السلام):
تحدثنا عن دوافع المعتصم في اغتيال الإمام الجواد(عليه السلام) وعن اختياره أم الفضل لتنفيذ الجريمة. ومما يشير إلى أسباب استغلال المعتصم لأُمّ الفضل وكيفية تحريضها على الإقدام على قتل الإمام(عليه السلام) ما روي من شدة غيرتها أيام أبيها وتوريطها لأبيها على ارتكاب جريمة قتل الإمام من قبل المأمون نفسه.
قال أبو نصر الهمداني: (حدثتني حكيمة بنت محمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر عمّة أبي محمد الحسن بن علي (عليهما السلام) قالت: لمّا مات محمّد بن عليّ الرّضا(عليه السلام) أتيت زوجته أم عيسى بنت المأمون فعزّيتها فوجدتها شديدة الحزن والجزع عليه تقتل نفسها بالبكاء والعويل، فخفت عليها أن تتصدّع مرارتها فبينما نحن في حديثه وكرمه ووصف خُلقه وما أعطاه الله تعالى من الشّرف والإخلاص ومَنَحَهُ من العزّ والكرامة، إذ قالت أم عيسى: ألا أخبرك عنه بشيء عجيب وأمر جليل فوق الوصف والمقدار ؟ قلت: وما ذاك ؟ قالت: كنت أغار عليه كثيراً وأراقبه أبداً وربما يسمعني الكلام فأشكو ذلك إلى أبي فيقول يا بنيّة احتمليه فإنّه بضعة من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فبينما أنا جالسة ذات يوم إذ دخلت عليّ جارية فسلّمت، فقلت: من أنت ؟ فقالت: أنا جارية من ولد عمّار بن ياسر وأنا زوجة أبي جعفر محمّد بن عليّ الرضا(عليه السلام) زوجك. فدخلني من الغيرة ما لا أقدر على احتمال ذلك هممت أن أخرج وأسيح في البلاد وكاد الشيطان أن يحملني على الإساءة إليها، فكظمت غيظي وأحسنت رفدها وكسوتها، فلمّا خرجت من عندي المرأة نهضت ودخلت على أبي وأخبرته بالخبر وكان سكراناً لا يعقل. فقال: ياغلام عليّ بالسّيف، فأتى به، فركب وقال: والله لأقتلنّه ، فلمّا رأيت ذلك قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون، ما صنعت بنفسي وبزوجي وجعلت ألطم حرّ وجهي، فدخل عليه والدي وما زال يضربه بالسيف حتى قطعه.
ثم خرج من عنده وخرجت هاربة من خلفه فلم أرقد ليلتي فلمّا ارتفع النّهار أتيت أبي فقلت: أتدري ما صنعت البارحة ؟ قال: وما صنعتُ ؟ قلت: قتلتَ ابن الرّضا(عليه السلام) ، فبرق عينه وغشي عليه ثم أفاق بعد حين وقال: ويلك ما تقولين ؟ قلت: نعم والله يا أبه دخلت عليه ولم تزل تضربه بالسّيف حتى قتلته، فاضطرب من ذلك اضطراباً شديداً وقال: عليّ بياسر الخادم فجاء ياسر. فنظر إليه المأمون وقال: ويلك ما هذا الّذي تقول هذه ابنتي قال: صدقَتْ يا أمير المؤمنين فضرب بيده على صدره وخدّه، وقال: إنا لله وإنا إليه راجعون هلكنا بالله وعطبنا وافتضحنا إلى آخر الأبد ، ويلك يا ياسر فانظر ما الخبر والقصة عنه(عليه السلام) ؟ وعجّل عليّ بالخبر فإن نفسي تكاد أن تخرج السّاعة فخرج ياسر وأنا ألطم حرّ وجهي، فما كان ياسر من أن رجع، فقال: البشرى يا أمير المؤمنين. قال: لك البشرى فما عندك ؟ قال ياسر: دخلت عليه فإذا هو جالس وعليه قميص ودواج وهو يستاك فسلّمت عليه وقلت: يا ابن رسول الله أحب أن تهب لي قميصك هذا أصلي فيه وأتبرك به، وإنما أردت أن أنظر إليه وإلى جسده هل به أثر السّيف فو الله كأنّه العاج الّذي مسّه صفرة ما به اثر. فبكى المأمون طويلاً وقال: ما بقى مع هذا شيء إنّ هذا لعبرة للأوّلين والآخرين.
وقال: يا ياسر أما ركوبي إليه وأخذي السّيف ودخولي عليه فإني ذاكر له وخروجي عنه فلست أذكر شيئاً غيره ولا أذكر أيضاً انصرافي إلى مجلسي فكيف كان أمري وذهابي إليه، لعن الله هذه الابنة لعناً وبيلاً، تقدّم إليها وقل لها يقول لك أبوك والله لئن جئتني بعد هذا اليوم شكوت أو خرجت بغير إذنه لانتقمنّ له منك. ثم سر إلى ابن الرّضا وابلغه عني السّلام واحمل إليه عشرين ألف دينار وقدّم إليه الشهري الّذي ركبته البارحة، ثم أمر بعد ذلك الهاشميّين أن يدخلوا عليه بالسّلام ويسلّموا عليه. قال ياسر: فأمرت لهم بذلك ودخلت أنا أيضاً معهم وسلّمت عليه وأبلغت التّسليم ووضعت المال بين يديه وعرضت الشّهري عليه فنظر إليه ساعة ثم تبسّم.
فقال (عليه السلام) :(يا ياسر هكذا كان العهد بيننا وبينه حتّى يهجم علي، أما علم أن لي ناصراً وحاجزاً يحجز بيني وبينه) . فقلت: يا سيّدي ، يا ابن رسول الله ، دع عنك هذا العتاب واصفح، والله وحق جدّك رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما كان يعقل شيئاً من أمره وما علم أين هو من أرض الله وقد نذر لله نذراً صادقاً وحلف إن لا يسكر بعد ذلك أبداً، فإن ذلك من حبائل الشّيطان، فإذا أنت يا ابن رسول الله أتيته فلا تذكر له شيئاً ولا تعاتبه على ما كان منه.
فقال (عليه السلام) :(هكذا كان عزمي ورأيي والله) ، ثم دعا بثيابه ولبس ونهض وقام معه الناس أجمعون حتى دخل على المأمون فلمّا رآه قام إليه وضمّه إلى صدره ورحّب به ولم يأذن لأحد في الدخول عليه ولم يزل يحدّثه و يستأمره، فلمّا انقضى ذلك قال أبو جعفر محمّد بن علي الرّضا(عليه السلام) :(يا أمير المؤمنين) ، قال: لبيّك وسعديك. قال:(لك عندي نصيحة فاقبلها) .
قال المأمون: بالحمد والشكر فما ذاك يا ابن رسول الله؟
قال(عليه السلام) :(أحب لك أن لا تخرج باللّيل فإني لا آمن عليك من هذا الخلق المنكوس وعندي عقد تحصّن به نفسك وتحرّز به من الشرور والبلايا والمكاره والآفات والعاهات، كما أنقذني الله منك البارحة ولو لقيت به جيوش الرّوم والتّرك واجتمع عليك وعلى غلبتك أهل الأرض جميعاً ما تهيّأ لهم منك شيء بإذن الله الجبّار. وإن أحببت بعثت به إليك لتحترز به من جميع ما ذكرت لك) . قال: نعم، فاكتب ذلك بخطّك وابعثه إليّ، قال:(نعم) .
قال ياسر: فلمّا أصبح أبو جعفر(عليه السلام) بعث إليَّ فدعاني فلمّا صرت إليه وجلست بين يديه دعا برقّ ظبي من أرض تهامة ثم كتب بخطّه هذا العقد. ثم قال(عليه السلام) :(يا ياسر احمل هذا إلى أمير المؤمنين وقل له: حتى يصاغ له قصبة من فضّة منقوش عليها ما أذكره بعده فإذا أراد شدّه على عضده فليشدّه على عضده الأيمن وليتوضّأ وضوءاً حسناً سابغاً وليصل أربع ركعات يقرأ في كلّ ركعة: فاتحة الكتاب مرّة وسبع مرّات: آية الكرسي وسبع مرات: شهد الله وسبع مرّات والشمس وضحاها وسبع مرّات: واللّيل إذا يغشى وسبع مرّات: قل هو الله أحد. فإذا فرغ منها فليشدّه على عضده الأيمن عند الشّدائد والنوائب يسلم بحول الله وقوته من كلّ شيء يخافه ويحذره وينبغي أن لا يكون طلوع القمر في برج العقرب ولو أنه غزى أهل الرّوم وملكهم لغلبهم بإذن الله وبركة هذا الحرز) .
وروي أنه لمّا سمع المأمون من أبي جعفر في أمر هذا الحرز هذه الصفات كلّها غزا أهل الرّوم فنصره الله تعالى عليهم ومنح منهم من المغنم ما شاء الله ولم يفارق هذا الحرز عند كلّ غزاة ومحاربة وكان ينصره الله عَزَّ وجَلَّ بفضله ويرزقه الفتح بمشيّته أنَّه وليّ ذلك بحوله وقوته) .
ويقول المؤرخون إن أم الفضل ارتكبت جريمتها بحقّ الإمام الجواد(عليه السلام) عندما سقته السمّ. فقد روي: (أنّ المعتصم جعل يعمل الحيلة في قتل أبي جعفر(عليه السلام) وأشار على ابنة المأمون زوجته بأن تسمّه لأنّه وقف على انحرافها عن أبي جعفر(عليه السلام) وشدّة غيرتها عليه... فأجابته إلى ذلك وجعلت سمّاً في عنب رازقي ووضعته بين يديه، فلمّا أكل منه ندمت وجعلت تبكي فقال:(ما بكاؤك ؟ والله ليضربنّك الله بفقر لا ينجبر، وبلاء لا ينستر) ، فماتت بعلّة في أغمض المواضع من جوارحها، صارت ناصوراً فانفقت مالها وجميع ما ملكته على تلك العلّة، حتى احتاجت إلى الاسترفاد) .
وأثّر السمّ في الإمام تأثيراً شديداً حتى لفظ أنفاسه الأخيرة ولسانه يلهج بذكر الله تعالى، وقد انطفأت باستشهاده شعلة مشرقة من الإمامة والقيادة المعصومة في الإسلام.
لقد استشهد الإمام الجواد(عليه السلام) على يد طاغية زمانه المعتصم العباسي وقد انطوت بموته صفحة من صفحات الرسالة الإسلامية التي أضاءت الفكر ورفعت منار العلم والفضيلة في الأرض.
تجهيزه ودفنه:
وجُهّز بدن الإمام(عليه السلام) فغسّل وأدرج في أكفانه، وبادر الواثق والمعتصم فصليا عليه ، وحمل الجثمان العظيم إلى مقابر قريش، وقد احتفت به الجماهير الحاشدة، فكان يوماً لم تشهد بغداد مثله فقد ازدحمت عشرات الآلاف في مواكب حزينة وهي تردد فضل الإمام وتندبه، وتذكر الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون في فقدهم للإمام الجواد(عليه السلام) وحفر للجثمان الطاهر قبر ملاصق لقبر جده العظيم الإمام موسى بن جعفر(عليه السلام) فواروه فيه وقد واروا معه القيم الإنسانية وكل ما يعتز به الإنسان من المثل الكريمة .
عن أبي جعفر المشهدي بإسناده عن محمد بن رضيّة عن مؤدّب لأبي الحسن (الهادي(عليه السلام) )، قال: (إنه كان بين يديَّ يوماً يقرأ في اللوح إذ رمى اللوح من يده وقام فزعاً وهو يقول:(إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي (عليه السلام) ) فقلت: من أين علمت هذا ؟ فقال(عليه السلام) :(من إجلال الله وعظمته شيء لا أعهده) . فقلت: وقد مضى، قال:(دع عنك هذا ، ائذن لي أن أدخل البيت وأخرج إليك واستعرضني بآي القرآن إن شئت أقل لك بحفظ) ، فدخل البيت فقمت ودخلت في طلبه إشفاقاً مني عليه وسألت عنه فقيل دخل هذا البيت وردّ الباب دونه وقال لي:(لا تؤذن عليّ أحداً حتى أخرج عليكم) .
فخرج (عليه السلام) إليَّ متغيّراً وهو يقول:(إنا لله وإنا إليه راجعون مضى والله أبي) ، فقلت: جعلت فداك، قد مضى؟ فقال:(نعم ، وتولّيت غسله وتكفينه وما كان ذلك لِيلَي منه غيري) ، ثم قال لي:(دع عنك واستعرضني آي القرآن إن شئت أفسر لك تحفظه) فقلت: الأعراف. فاستعاذ بالله من الشيطان الرجيم ثم قرأ:( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * *وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ ... ) .
عمره وتاريخ استشهاده:
أما عمر الإمام الجواد(عليه السلام) حين قضى نحبه مسموماً فكان خمساً وعشرين سنة على ما هو المعروف، وهو أصغر الائمة الطاهرين ألاثني عشر(عليهم السلام) سنّاً، وقد أمضى حياته في سبيل عزة الإسلام والمسلمين ودعوة الناس إلى رحاب التوحيد والإيمان والتقوى.
واستشهد الإمام الجواد(عليه السلام) سنة (٢٢٠ هـ) يوم الثلاثاء لخمس خلون من ذي القعدة، وقيل: لخمس ليال بقين من ذي الحجة وقيل: لست ليال خلون من ذي الحجة، وقيل: في آخر ذي القعدة .
فسلام عليه يوم ولد ويوم تقلّد الإمامة وجاهد في سبيل ربّه صابراً محتسباً ويوم استشهد ويوم يبعث حيّاً.
اترك تعليق