الأدلة على عدل الله عز وجل كثيرة، نذكر بعضها:
الدليل الأول:
كل إنسان - ولو لم يكن ملتزماً بدين - يدرك بفطرته حسن العدل وقبح الظلم، حتى إن الظالم إذا وصفوه بأنه ظالم يتأذى وينفر، وإذا وصفوه بأنه عادل يبتهج ويفرح.
ولو أن ظالماً مجرماً - يصرف كل همه تبعاً لشهوته وغضبه للوصول إلى مآربه النفسانية - قدم إلى محكمة، فقضى له القاضي بغير الحق، طمعاً في ماله أو خوفاً من سطوته، فإنه سيفرح بحكم القاضي، لكن عقله وفطرته يحكمان بقبح الحكم ودنائة القاضي!
وعلى العكس من ذلك، إذا حاكمه قاضٍ ولم يبالِ بمال الظالم وجاهه، وحكم عليه بالعدل، فإن الظالم سيغضب عليه، ولكن فطرته تجعله ينظر إلى ذلك القاضي وقضاوته باحترام وتحسين.
فإذا كانت هذه حال الإنسان، فكيف يمكن أن يكون الله سبحانه ظالماً في ملكه وحكمه، وهو الذي جعل حسن العدل وقبح الظلم في فطرته، وأراد من الإنسان أن يتحلى بحلية العدل ويتجنب لوث الظلم، وأمر بالعدل بقوله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: 90] و {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} [الأعراف: 29] و { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى } [ص: 26].
الدليل الثاني:
إنما ينشأ الظلم من أحد أسباب ثلاثة، وكلها محال على الله تعالى: إما من الجهل بقبحه، أو من العجز عن تحقيق هدفه إلا بارتكابه، أو من اللغو والعبث، والله منزه عن الجهل والعجز والسفه، فعلمه بكل شئ وقدرته على كل شئ وحكمته البالغة توجب أن يكون عادلاً ومنزهاً عن كل ظلم وقبيح.
الدليل الثالث:
الظلم نقص، ولو كان الله تعالى ظالماً لزم تركبه من النقص والكمال، والوجدان والفقدان، وهذا أسوأ أنواع التركيب ... ، مضافاً إلى أن المركب من الكمال والنقص محتاج ومحدود، والاحتياج والحد من أوصاف المخلوق لا الخالق.
والنتيجة أن الله تبارك وتعالى عادل في خلق الكائنات {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [آل عمران: 18] وعادل في قوانينه وأحكامه {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ } [الحديد: 25] وعادل في حساب عباده يوم الجزاء {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [يونس: 54].
عن الصادق (عليه السلام): أنه سأله رجل فقال له: إن أساس الدين التوحيد والعدل، وعلمه كثير، ولابد لعاقل منه، فاذكر ما يسهل الوقوف عليه ويتهيأ حفظه، فقال:
" أما التوحيد فأن لا تجوز على ربك ما جاز عليك، وأما العدل فأن لا تنسب إلى خالقك ما لامك عليه " (1). وقال لهشام بن الحكم: " ألا أعطيك جملة في العدل والتوحيد؟ قال: بلى جعلت فداك، قال: من العدل أن لا تتهمه، ومن التوحيد أن لا تتوهمه " (2).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (كل ما استغفرت الله تعالى منه فهو منك، وكل ما حمدت الله تعالى فهو منه) (3).
من كتاب : مقدمة في أصول الدين / للمؤلف : الشيخ وحيد الخراساني .
________________________
(1) التوحيد، ص ٩٦ باب في معنى التوحيد والعدل ح ١.
(2) بحار الأنوار ج ٥ ص ٥٨، وبتفاوت في نهج البلاغة باب المختار من حكمه (عليه السلام) رقم ٤٧٠.
(3) الطرائف ٣٢٩، الهداية للصدوق ص 20.
اترك تعليق