قيام القائم إمتداد لرسالة وبعثة أبي القاسم (صلى الله عليه وآله)

مما لا شك فيه ان النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بعث متمماً للمشروع الإلهي الذي ساهم في بناءه الأنبياء والرسل والذي يجعل من الإنسان إنساناً قويما سائراً على درب الهداية والفضيلة ولذلك ورد عن النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) :(إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)(١) ولكن قد تحصل انتكاسات خلقية ومعرفية من حين لآخر للمنظومة البشرية على مدى العصور والأزمان منذ بدء الخليقة الإنسية المتمثّلة بنبي الله آدم (عليه السلام) إلى خاتم الرسل النبي الخاتم (صلى الله عليه وآله) وهذه الإنتكاسات منشؤها مشروع مناهض ومضاد للمشروع الالهي وهو المشروع االشيطاني فلذلك قال الله تعالى في سورة الحجر حكايةً عن إبليس: {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٣٩)إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ(٤٠)}(٢) فما من مخلوق إلا وقد يخضع تحت هيمنة وتأثير الوسوسة الشيطانية إلا عباد الله المخلصين وهم الأنبياء والرسل والأولياء الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وذلك لأن حفظ الدين متوقف على عصمتهم في القول والعمل فلا سبيل لتأثير الشيطان عليهم فهدف الشيطان إضلال البشر وإبقائهم في براثين الجاهلية.

 فلذلك العصر الذي سبق بعثة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) كان يسمى بعصر الجاهلية وذلك الوصف ليس مختصاً بذلك العصر فقط بل كل زمنٍ يبتعد فيه الناس عن مصدر التشريع الالهي وهو النبي او الوصي بحيث يتمكن الجهل والضلال منهم فالجاهلية متعددة وليست واحدة ولا توجد ملازمة بين عصر التقدم الصناعي والتكنولوجي و نفي الجاهلية عن هكذا عصر لأن معنى الجاهلية في النص الديني الروائي هو عدم معرفة المصدر التشريعي المرتبط بالوحي الإلهي وهذا المعنى يؤيده ما ورد عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) :(من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية)(٣) وكذلك ما جاء في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) : ( إنّ الدين واصل الدين هو رجل وذلك الرجل هو اليقين وهو الإيمان وهو إمام أمته وأهل زمانه فمن عرفه عرف الله ومن أنكره أنكر الله ودينه ومن جهله جهل الله ودينه وحدوده ،...) (٤).

 قد يعترض معترض ويقول ماهو الدليل على الترابط بين معرفة الله والنبي (صلى الله عليه وآله) والإمام (عليه السلام) من القرآن الكريم ؟ في معرض الجواب على هذا السؤال أقول: إن الدليل هو قوله تعالى في سورة البقرة الآية ١٤٣:{وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً} فإن مقام الشهادة ليس مختصاً بالرسول(صلى الله عليه وآله) وذلك ما نصت عليه الآية فإن هذا المقام مستمر في الإمامة ليكونوا شهداء على الناس فعدم معرفة النبي سبب لعدم معرفة الإمام وعدم معرفة الإمام مساوق لإنكار ولاية الله عز وجل وذلك ما دلت عليه الآية (٥٥) من سورة المائدة (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) وهذه الآية قد نزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) على اتفاق الفريقين فأثبتت له (عليه السلام) الولاية وأن ولايته من ولاية الله عز وجل.

 إلى هنا قد اتضح انه يمكن ان يكون العصر عصراً متقدماً صناعياً وتكنولوجياً ومع ذلك يكون عصراً جاهلياً بالمعنى الذي تريده منا الأحاديث الشريفة عن أهل العصمة عليهم السلام فهنا يكمن وجه الشبه بين وظيفة النبي (صلى الله عليه وآله) ووظيفة الامام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) فإن كليهما لهما نفس الدور في اخراج البشر من براثين الجهل والجاهلية.

 غاية ما في الأمر أن جاهلية العصر الحديث أشد من سابقتها اما وجه اشتدادها على الاولى فان الجاهلية الاولى كانت تتمحور حول الشرك والكفر بالله عز وجل والجهل بالعقيدة الحقة على نحو الجهل البسيط وطريقة انقاذهم يكون بالدعوة إلى الله من قبل الرسول (صلى الله عليه وآله) وتبليغ الرسالة المحمدية أما الجاهلية الثانية فهي تتضمن ما في الأولى وذلك ان في هذا العصر يوجد الكثير من لا يؤمن بالرسالة المحمدية الحقة اضافة الى ذلك فهي تتضمن التفسير والتأويل الخاطئ من قبل بعض المسلمين للنصوص الدينية وذلك يؤيده ما ورد عن النبي(صلى الله عليه وآله) من طرق العامة فقد روى الحاكم في المستدرك بطريقين عن أبي سعيد قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه(وآله) وسلم ، فانقطعت نعله ، فتخلف علي يخصفها ، فمشى قليلا ، ثم قال : إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله . فاستشرف لها القوم ، وفيهم أبو بكر وعمر ، قال أبو بكر : أنا هو ؟ قال : لا ، قال عمر : أنا هو ؟ قال : لا ، ولكن خاصف النعل - يعني عليا - فأتيناه ، فبشرناه ، فلم يرفع به رأسه ، كأنه قد كان سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ( ٥ ) .

فأمير المؤمنين (عليه السلام) قد حورب وخرجوا عليه وسلبوا منه حق الخلافة وأرض فدك من الزهراء وفقاً لمعطيات تفسيرية خاطئة للنصوص الدينية مما أدى الى قتل ريحانة المصطفى سيد الشهداء ( عليه السلام) أيضاً باسم الدين حتى انهم وصفوا آل المصطفى بالخوارج ولعمري كيف يكون ذلك وهل الدين إلا محمداً وآل محمد عليهم السلام؟! وهم عدل القرآن وثقل الاسلام ولكن الاهواء والأضاليل عندما تكون حاكمة على الدين تكون هذه النتيجة جاهلية مركبة فلذلك عند قيام القائم (عجل الله فرجه الشريف) يكون شعار يالثارات الحسين ليس شعاراً طائفياً إنما هو شعار الاسلام الذي يرجع أمور الدين لنصابها فيعبد الله عز وجل على إثر وصية النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الذي ما ينطق عن الهوى فقد ورد في صحيح مسلم عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله): ( وأنا تارك فيكم الثقلين : أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (٦)

الكاتب: الشيخ محمد عبد العزيز المدحوب

_______________________________

١- مجمع البيان ج ١ ص ٣٣٣

٢- سورة الحجر الآية (٣٩و٤٠)

٣- كمال الدين للصدوق ج٢ الباب ٣٩ ح١١

٤- بصائر الدرجات ص٥٤٩

٥- المستدرك للحاكم ج٣ / ١٢٢

٦- صحيح مسلم ج٢ص٢٣٨

المرفقات