الزواج المبارك

زواجه صلى الله عليه وآله من أم المؤمنين خديجة عليها السلام : لقد كانت خديجة عليها السلام من خيرة نساء قريش شرفاً، وأكثرهن مالاً، وأحسنهن جمالاً، وكانت تدعى في الجاهلية ب‍ (الطاهرة)،[1] ويقال لها: (سيدة قريش)، وكل قومها كان حريصاً على الاقتران بها لو يقدر عليه [2]. وقد خطبها عظماء قريش، وبذلوا لها الأموال.[ولكنها] رفضتهم جميعاً، واختارت النبي صلى الله عليه وآله، لما عرفته فيه من كرم الأخلاق، وشرف النفس، والسجايا الكريمة العالية. [وقد] تضافر النصوص بأنها هي التي قد أبدت أولاً رغبتها في الاقتران به صلى الله عليه وآله. فذهب أبو طالب في أهل بيته، ونفر من قريش إلى وليها، وهو عمها عمرو بن أسد؛ لأن أباها كان قد قتل قبل ذلك في حرب الفجار أو قبلها [3]. وذلك قبل بعثة النبي صلى الله عليه وآله بخمس عشرة سنة، على المشهور. وقال في خطبته ـ كما يروي المؤرخون ـ : "الحمد لرب هذا البيت، الذي جعلنا من زرع إبراهيم، وذرية إسماعيل، وأنزلنا حرماً آمناً، وجعلنا الحكام على الناس، وبارك لنا في بلدنا الذي نحن فيه. ثم إن ابـن أخي هـذا ـ يعني رسول الله صلى الله عليه وآلـه ـ ممن لا يوزن برجل من قريش إلا رجح به، ولا يقاس به رجل إلا عظم عنه، ولا عدل له في الخلق، وإن كان مقلاً في المال؛ فإن المال رفد جار، وظل زائل، وله في خديجة رغبة، وقد جئناك لنخطبها إليك، برضاها وأمرها، والمهر علي في مالي الذي سألتموه عاجله وآجله. وله ـ ورب هذا البيت ـ حظ عظيم، ودين شائع، ورأي كامل [4]. مهر خديجة: إن أبا طالب قد ضمن المهر في ماله، كما هو صريح خطبته، ولكن خديجة رضوان الله تعـالـى عليها عادت فضمنت المهر في مالها، فقال البعض: يا عجباً! المهر على النساء للرجال؟!، فغضب أبو طالب، وقال: "إذا كانوا مثل ابن أخي هذا طلبت الرجال بأغلى الأثمان، وأعظم المهر، وإن كانوا أمثالكم لم يزوجوا إلا بالمهر الغالي". وعن مقدار المهر، قيل: إنه عشرون بكرة، وقيل: إثنا عشر أوقية ونش، أي ما يعادل خمس مئة درهم، وقيل غير ذلك [5]. عمر خديجة حين الزواج: ويلاحظ هنا: مدى الاختلاف والتفاوت في عمر خديجة حين اقترانها بالرسول الأكرم صلى الله عليه وآله . وهو يتراوح ما بين ال‍ 25 سنة إلى ال‍ 46 سنة وهو على النحو الآتي: 1 ـ (25) سنة وصححه البيهقي [6]. 2 ـ (28) سنة هو ما رجحه كثيرون[7]. [وهناك أقوال أخرى في مسألة عمر السيدة خديجة عليها السلام [8]. خديجة مثل أعلى: وبالنسبة لعرض خديجة نفسها عليه صلى الله عليه وآله نقول: هكذا تفعل الحرة العاقلة اللبيبة، فلا تغرها زبارج الدنيا وبهارجها، ولا تبحث عن اللذة لأجل اللذة، ولا عن المال والشهرة، وإنما تبحث عما يخدم هدفها الأسمى في الحياة، فتفعل كما فعلت خديجة: ترد زعماء قريش، أصحاب المال والجاه، والقدرة، والسلطان، وتبحث عن رجل فقير لا مال له، تبادر هي لعرض نفسها عليه؛ لأن كل ذلك لا يملأ عينها، لأنه كله ربما يكون سبباً في تدمير الحياة والإنسان، وحتى الإنسانية جمعاء، وإنما هي تنظر فقط إلى الأخلاق الفاضلة، والسجـايا الكريمة، وإلى الواقعية في التعامـل، والسمو في الهدف؛ لأن كل ذلك هو الذي يسخر المال، والجاه، والقوة، وكل شيء لخدمة الإنسان والإنسانية، وتكاملها في الدرجات العلى. هل تزوجت خديجة بأحد قبل النبي صلى الله عليه وآله؟! ثم إنه قد قيل: أنه صلى الله عليه وآله لم يتزوج بكراً غير عائشة، وأما خديجة، فيقولون: إنها قد تزوجت قبله صلى الله عليه وآله برجلين، ولها منهما بعض الأولاد، وهما: عتيق بن عائذ بن عبد الله المخزومي، وأبو هالة التميمي. أما نحن [الشيعة الإمامية] فنقول: إننا نشك في دعواهم تلك، ونحتمل جداً أن يكون كثير مما يقال في هذا الموضوع قد صنعته يد السياسة، ولا نريد أن نسهب في الكلام عن اختلافهم في اسم أبي هالة، هل هو النباش بن زرارة أو عكسه، أو هند، أو مالك، وهل هو صحابي أو لا، وهل تزوجته قبل عتيق، أو تزوجت عتيقاً قبله [9]؟، [و] لا نريد أن نطيل بذلك، وإنما نكتفي بتسجيل الملاحظات التالية: أولاً: قال ابن شهر آشوب : وروى أحمد البلاذري، وأبو القاسم الكوفي في كتابيهما، والمرتضى في الشافي، وأبو جعفر في التلخيص: أن النبي صلى الله عليه وآله تزوج بها، وكانت عذراء. يؤكد ذلك ما ذكر في كتابي الأنوار والبدع: أن رقية وزينب كانتا ابنتي هالة أخت خديجة [10]. ثانياً: قال أبو القاسم الكوفي: "إن الإجماع من الخاص والعام، من أهل الآثار ونقلة الأخبار، على أنه لم يبق من أشراف قريش، ومن ساداتهم وذوي النجدة منهم، إلا من خطب خديجة، ورام تزويجها، فامتنعت على جميعهم من ذلك؛ فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله غضب عليها نساء قريش وهجرنها، وقلن لها: خطبك أشراف قريش وأمراؤهم فلم تتزوجي أحداً منهم، وتزوجت محمداً يتيم أبي طالب، فقيراً، لا مال له؟! فكيف يجوز في نظر أهل الفهم: أن تكون خديجة، يتزوجها أعرابي من تميم، وتمتنع من سادات قريش، وأشرافها على ما وصفناه؟!، ألا يعلم ذوو التمييز والنظر: أنه من أبين المحال، وأفظع المقال

المرفقات